غرد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تويتر كاشفًا فحوى اتصال جرى بينه وبين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، عن اتفاق يقضي زيادة إنتاج المملكة العربية السعودية من النفط، ما أثار التساؤلات بشأن أهداف المطلب الأمريكي الخفية الذي يضع النفط مجددًا بين حسابات السياسة والاقتصاد.
مكالمة فموافقة فتغريدة.. أمريكا تقول وعلى السعودية أن تفعل
في تغريدته يقول ترامب إنه اتصل للتو بالعاهل السعودي ليطلب منه زيادة إنتاج السعودية من النفط وتعويض النقص الناجم عن الخلل والاضطراب في إيران وفنزويلا، وأوضح أن قيمة الزيادة قد تصل إلى مليوني برميل، ثم ختم قائلًا إن الملك سلمان وافق على ذلك.
Just spoke to King Salman of Saudi Arabia and explained to him that, because of the turmoil & disfunction in Iran and Venezuela, I am asking that Saudi Arabia increase oil production, maybe up to 2,000,000 barrels, to make up the difference…Prices to high! He has agreed!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) June 30, 2018
تلك تغريدة لم تختلف كثيرًا عن أخرى عبر فيها عن أمله بأن تزيد “أوبك” الإنتاج بشكل كبير للإبقاء على أسعار النفط منخفضة، في إشارة إلى السعودية أكبر مصدر نفط في العالم، لكن إيران كانت العقبة الرئيسية أمامه، حيث قالت إنه من المستبعد أن تتوصل أوبك إلى اتفاق، وينبغي أن ترفض ضغوط الرئيس الأمريكي لضخ مزيد من النفط.
وبعد تغريدة ترامب الأخيرة بوقت قصير ذكرت وسائل الإعلام السعودية أن العاهل السعودي تلقى اتصالًا هاتفيًا من الرئيس الأمريكي، واكتفت بالإشارة إلى أن الطرفين أكدا ضرورة بذل الجهود للمحافظة على الاستقرار في أسعار النفط والمساعي التي تقوم بها الدول المنتجة لتعويض أي نقص محتمل في الإمدادات، دون الإشارة إلى زيادة الإنتاج بما يصل إلى مليوني برميل يوميًا، ولم يعلق مسؤولو النفط السعوديون على الفور.
طلب ترامب من الملك سلمان زيادة إنتاج السعودية من النفط وتعويض النقص الناجم عن الخلل والاضطراب في إيران وفنزويلا
ويأتي الإعلان بعد أسبوع من اتفاق وزراء من أوبك، حين اجتمع فرقاء السياسة على طاولة “أوبك”، وتركزت المحادثات على رفع الإنتاج بنحو مليون برميل يوميًا اعتبارًا من يوليو/تموز الحاليّ، ودافعت السعودية بدعم من روسيا – الدولة غير العضو – بشدة عن زيادة الانتاج نظرًا لتزايد الشكاوى من دول مستهلكة رئيسية مثل الولايات المتحدة والهند والصين بشأن ارتفاع الأسعار.
ويطرح الطلب الأمريكي والموافقة السعودية العاجلة تساؤلات بشأن مشروعية الزيادة الإنتاجية، فمن المعروف أن أي زيادة في الإنتاج تتطلب عادة مشاورات واجتماعات منظمة الأوبك، فأي إقرار في هذا الشأن يتم بالتوافق بين جميع الأعضاء، ما يعني أن ذلك سوف يؤثر على الشراكة دخل المنظمة.
ولدى السعودية طاقة إنتاجية قصوى مستدامة تصل إلى 12 مليون برميل يوميًا، ففي وقت سابق قال الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية أمين الناصر إن الشركة تنتج حاليًّا 10 ملايين برميل يوميًا من النفط ولديها القدرة لإنتاج 12 مليونًا، ما يعني أن هناك اتفاقًا أو تنسيقًا مسبقًا.
يشكك خبراء في إمكانية رفع السعودية إنتاجها من النفط بالقدر الذي اقترحه ترامب
لكن أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول لم تختبر أبدًا هذا المستوى المرتفع من الإنتاج، لذلك يشكك خبراء في إمكانية رفع السعودية إنتاجها من النفط بالقدر الذي اقترحه ترامب، ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين في قطاع النفط قولهم إن هذا الأمر ببساطة غير ممكن.
وفي مقابل الحديث عن أن سقف المليوني برميل قد يتم تجاوزه كثيرًا في المستقبل، يرى آخرون أن الرغبة الأمريكية تقتضي أن تكون هذه الكمية مرشحة للزيادة، لأن الولايات المتحدة تسارع من قدراتها على إنتاج النفط، ووصلت إلى ما يقارب 10 ملايين برميل يوميًا، وهي أعلى نسبة للإنتاج الأمريكي في السنوات الـ50 الماضية.
النفط السعودي في خدمة المصالح الأمريكية
تضغط الولايات المتحدة بهذا القرار من أجل تقليص واردات النفط الإيراني
من المنظور الأمريكي يبدو الطلب مفيدًا لأن الرئيس الأمريكي يسعى لمواصلة الضغط على إيران لكنه لا يريد أن ترتفع أسعار الوقود في بلاده خصوصًا في الولايات غير المنتجة للنفط.
ويرى محللون أن هذا القرار سياسي أكثر منه اقتصادي، ويتمثل في الضغط السياسي على المملكة لزيادة إنتاجها من النفط، وقد لعبت أمريكا على وتر حساس للمملكة السعودية وهو هاجس أو “فوبيا” إيران، ودلل ترامب على ذلك بقوله إن ذلك تعويضًا لإنتاج إيران.
ويبدو المنطق الأمريكي أكثر وضوحًا، فترامب يحاول الاستفادة من الدول التي كانت تستورد النفط الإيراني كحالة الهند رابع مستورد للنفط، وقد بدا ذلك في زيارة سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هيلي إلى الهند، وحثها الهند صراحة على تقليص وارداتها من نفط إيران.
الرئيس ترامب يحاول الترويج لقدرته في الضغط على الدول الخليجية والسعودية على وجه الخصوص
وتضغط الولايات المتحدة بهذا القرار من أجل تقليص واردات النفط الإيراني بعد أن انسحب ترامب في مايو/أيار الماضي من الاتفاق النووي، وأمر بإعادة فرض العقوبات الأمريكية التي جرى تعليقها بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه في عام 2015 بين إيران 6 قوى دولية، وتجري اليابان وكوريا الجنوبية، وهما أيضًا من كبار مشتريي النفط الإيراني، مباحثات مع الحكومة الأمريكية في مسعى لتجنب التداعيات السلبية للعقوبات.
وما يجعل الأمر أكثر إلحاحًا أن بعض الاستحقاقات ومنها انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس على الأبواب، فالرئيس ترامب يحاول الترويج لقدرته في الضغط على الدول الخليجية، وعلى السعودية على وجه الخصوص، بالإضافة إلى الترويج لقدرته على جلب أقصى ما يمكن من المميزات التنافسية التي يمكن أن يقوي بها الاقتصاد الأمريكي.
لكن ترامب يعرف أن الناخب الأمريكي سيهتم بارتفاع سعر الوقود الذي يدفعه من جيبه أكثر من اهتمامه بإيران وضرورة الضغط عليها، لكنه لا يدرك أن ذلك لديه نتائج عكسية، فالتجارب أثبتت خلال العقود الماضية أنه كلما ازدادت العقوبات ازداد معها التوحش الإيراني في المنطقة، فوزير الطاقة الإيراني تحدث عن بدائل يمكن الاعتماد عليها في هذا المجال، لا سيما روسيا والصين، فخروج شركة توتال الفرنسية من إيران خوفًا من العقوبات الأمريكية أدى إلى دخول شركة صينية أخرى.
يبدو في المنطق السعودي أن الهاجس السياسي الأمني قد غلب على المسألة الاقتصادية
العقل السياسي الأمريكي ينتصر على العقل الاقتصادي السعودي
بالنسبة للسعودية فإن هذا الأمر يطرح أكثر من إشكالية، يبدأ الأمر بالنسبة إليها بإحراج سببته تغريدة ترامب التي يطلب فيها بوضوح زيادة الإنتاج السعودي، وهنا تبدو السعودية وكأنها تتلقى إملاءات من الإدارة الأمريكية.
وعلى عكس المنطق الأمريكي، يبدو في المنطق السعودي أن الهاجس السياسي الأمني قد غلب على المسألة الاقتصادية على الرغم من أن أي زيادة في الإتاج لا تخدم المصالح الاقتصادية للمملكة بحكم أن هذه الزيادة سوف تخفِّض الأسعار.
وهنا يأتي السؤال الأهم: هل زيادة الإنتاج وتراجع الأسعار يخدم السعودية؟ يُجمع خبراء الاقتصاد على أنه ليس من مصلحة السعودية تراجع الأسعار، فعلى المستوى الداخلي تواجه الحكومة السعودية صعوبة في رصد الاعتمادات الضرورية لمواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الكثيرة.
كما أن انخفاض أسعار النفط سيؤثر على مشاريع ضخمة أعلنها ولي العهد وسيحتاج تنفيذها أموالًا طائلة، ومنها على سبيل المثال مشروع مدينة نيوم الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار، وبحسب خبراء فإنه من المقرر أن يواجه تحديات مالية كبيرة بحكم هذا القرار، بسبب انعدام المردود المالي القادم من قطاع النفط.
هل يفرض المنطق – في ظل وضع متأزم في المملكة – أن تسعى إلى رفع أسعار النفط أم قبول خفضها؟
بالإضافة إلى أن “رؤية 2030” راهنت كثيرًا على رفع أسعار النفط لجمع الأموال التي يمكن من خلالها الاستثمار في قطاعات ترغب المملكة في كونها بوابة للتنويع الاقتصادي من الاقتصاد المعرفي إلى السياحة والتكنولوجيا، للحد من “الإدمان النفطي”.
ثم هناك مستنقع حرب اليمن الذي يكلف السعودية مليارات الدولارات، حيث تحول التدخل على رأس التحالف العربي الذي تقوده إلى ورطة كبرى كلفت المملكة الكثير على الصعيد العسكري والاقتصادي، لا سيما مع إصرار الحوثيين على إثبات طول نفسهم، وذهبت مجلة التايمز البريطانية إلى تقدير تكلفة الحرب بنحو 200 مليون دولار يوميًا أي 72 مليار دولار سنويًا و216 مليار دولار في 3 سنوات.
كما أجبرت حرب اليمن السعودية على رفع الإنفاق العسكري، حيث رفعت المملكة قيمة إنفاقها العسكري في العام 2015 إلى 82.2 مليار دولار، بعد أن كان قد بلغ في 59 مليار دولار فقط في 2013، يُضاف إلي ذلك صفقات سلاح مع الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية تصل قيمتها مئات مليارات الدولارات منذ تولى محمد بن سلمان ولاية العهد.
وفي مقابل زيادة النفقات العسكرية واستيراد السلاح، تراجع احتياطي النقد الأجنبي لدى المملكة بشكل غير مسبوق، فبعد أن كان 737 مليار دولار في 2014، انخفض إلى 487 مليارًا في يوليو 2017، فهل يفرض المنطق – في ظل وضع كهذا – أن تسعى السعودية إلى رفع أسعار النفط أم قبول خفضها؟