منذ بداية حرب الإبادة على غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عمد الاحتلال الإسرائيلي على تفريغ قطاع غزة من مسمّى “الأمان”، عبر استهداف البنية التحتية الآمنة والقصف المركّز للمستشفيات والمدارس ودور العبادة، فلجأ إلى سياسة “الأرض المحروقة”، التي تقوم على نسف وتدمير كل المنشآت وإفراغها من السكان والأهالي، قبل أن يقوم بالدخول البرّي إليها ويشتت سكانها في “مربعات” ادعى بأنها آمنة.
خلال الأسابيع الأخيرة ركز الاحتلال الإسرائيلي على استهداف المدارس بوتيرة غير معهودة، رغم تكدسها بالآلاف من النازحين الذين فقدوا منازلهم جرّاء عمليات القصف المتواصلة للشهر الحادي عشر على التوالي.
بحسب بيانات مركز الإحصاء الفلسطيني، فإن الاحتلال الإسرائيلي دمّر 332 مدرسة وجامعة بشكل جزئي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول حتى 16 أغسطس/ آب 2024، بالإضافة إلى تدمير 117 من المدارس بشكل كامل وتامّ.
وخلال الفترة من 1 أغسطس/ آب 2024 الجاري حتى 20 أغسطس/ آب الجاري ارتكب الاحتلال 8 مجازر في مدارس نزح إليها عشرات الآلاف من السكان، تركزت في مناطق مدينة غزة وأحيائها المختلفة، وسط مزاعم إسرائيلية متكررة بأنها بنية تحتية للمقاومة، وهو ما يتعارض مع الإحصائيات التي تؤكد أن أكثر من 90% من الضحايا والشهداء من المدنيين.
تسلسل زمني مدارس الموت
شهد أغسطس/ آب الجاري مرحلة دامية من الاستهدافات، على صعيد قصف واستهداف المدارس من قبل الاحتلال الإسرائيلي، راح ضحيتها مئات الفلسطينيين بين شهداء ومصابين، في وقت اكتفت فيه الأطراف الدولية بالإدانة.
كانت مجزرة مدرسة مصطفى حافظ في حي الرمال غربي مدينة غزة، في 20 أغسطس/ آب 2024، أحدث المجازر الإسرائيلية التي اُرتكبت في المدارس التي تأوي النازحين، حيث استشهد 10 فلسطينيين على الأقل.
سبقتها بأيامٍ مجزرة مدرسة التابعين وسط غزة، في 10 أغسطس/ آب 2024، حيث أسفرت المجزرة عن استشهاد أكثر من 100 فلسطيني وإصابة العشرات، بينهم أطفال ونساء.
وفي 8 أغسطس/ آب 2024 استهدف الاحتلال الإسرائيلي مدرستَي الزهراء وعبد الفتاح حمود، حيث استشهد 17 فلسطينيًا وأُصيب العشرات بينهم أطفال، إثر استهداف طائرات حربية إسرائيلية للمدرستَين اللتين تأويان نازحين في حي التفاح شرق مدينة غزة.
وفي 4 أغسطس/ آب قصف الاحتلال مدرستَي حسن سلامة والنصر، واستشهد 30 فلسطينيًا وأُصيب العشرات بينهم حالات خطيرة، وفي 5 أغسطس/ آب أيضًا، فيما زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه قصف مطلوبين له.
وفي 3 أغسطس/ آب قصف الاحتلال الإسرائيلي مدرسة حمامة في حي الشيخ رضوان، ما أسفر عن استشهاد 17 فلسطينيًا وإصابة آخرين بينهم أطفال ونساء، وعقب القصف اعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بمهاجمة المدرسة، زاعمًا أيضًا أن حركة حماس تستخدمها كـ”مجمع قيادة وسيطرة تابع لحماس”.
في 1 أغسطس/ آب الجاري، استشهد في هجوم شنّه طيران حربي إسرائيلي على مدرسة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة 15 فلسطينيًا، بينهم طفلان، وقد أقرَّ جيش الاحتلال في ذلك اليوم باستهداف المدرسة، بزعم أنها مخبأ لمقاتلين من حركة حماس.
مجازر وتدمير مستمر
قبل سلسلة المجازر الأخيرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في المدراس، عمد الاحتلال منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 تدمير سلسلة واسعة من المدارس، ورافقه بارتكاب المجازر وإخلاء المدارس من النازحين في أفضل الأحوال.
وتعتبر مدرسة أسامة بن زيد شمالي القطاع واحدة من المدارس التي تعرضت للقصف، حيث أسفر استهداف المدرسة في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 عن استشهاد 10 شهداء و28 جريحًا بين النازحين الذين لجأوا إلى المدرسة.
وفي 18 نوفمبر/ تشرين الثاني ارتكب الاحتلال مجزرة في مدرستَي تل الزعتر والفاخورة، حيث استهدفهما بقصف مدفعي فأوقع نحو 200 شهيد، غالبيتهم من الأطفال والنساء الذين كانوا في المدرستَين.
وفي 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 تعرضت مدرسة الكويت للقصف من مدفعية الاحتلال الإسرائيلي، التي كانت تحاصر المستشفى الإندونيسي وتقصف المناطق والملاجئ المحيطة به، ما تسبّب في عشرات الشهداء والجرحى.
وفي 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 تعرضت مدرسة أبو حسين التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” لمجزرة جديدة، أسفرت عن استشهاد 30 فلسطينيًا، وكانت قبل يوم واحد من الهدنة الإنسانية.
وشنَّ الاحتلال 3 ديسمبر/ كانون الأول 2023 قصفًا مكثفًا على القطاع، استهدف فيه مدرسة العائلة المقدسة، متسبّبًا في استشهاد العشرات وإصابة الكثيرين، وفي 18 ديسمبر/ كانون الأول ارتكب الاحتلال الإسرائيلي مجزرة جديدة في مدرسة أبو تمام الأساسية في بيت لاهيا، ما تسبّب في استشهاد نازحين وإصابة آخرين.
وفي 7 يوليو/ تموز 2024 أعاد الاحتلال قصف المدرسة، ما أسفر عن استشهاد 4 مدنيين، وخلال أقل من ساعتين أعاد الاحتلال قصفها متسبّبًا في مقتل آخرين، كما استشهد 10 مدنيين وأصيب العشرات في غارة إسرائيلية يوم 25 مايو/ أيار 2024، استهدفت مدرسة النزلة الواقعة في منطقة الصفطاوي شمال غزة.
وهاجم الاحتلال الإسرائيلي يوم 25 يونيو/ حزيران 2024 مدرسة أسماء التابعة للأونروا بمخيم الشاطئ غرب غزة، وكان جُلّ الشهداء من النساء والأطفال، كما بقيَ عدد من المفقودين تحت الأنقاض، وكانت قد اُستهدفت سابقًا يوم 7 يونيو/ حزيران ما أسفر عن استشهاد 3 أشخاص نازحين إليها.
وقصفت الطائرات الإسرائيلية يوم 16 يوليو/ تموز 2024 مدرسة صلاح الدين التابعة للأونروا في حي الرمال، ما أدى إلى استشهاد مدني على الأقل وإصابة 6 آخرين، كما تسبّب القصف في دمار كبير لمبنى المدرسة.
واستهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية يوم 19 يوليو/ تموز 2024 مدرسة الفلاح التابعة للأونروا في حي الزيتون، فاستشهد مواطنان وأُصيب 5 آخرين.
الأهداف والتداعيات
ما سبق يعكس بشكل واضح أن الاحتلال الإسرائيلي ينسف الروايات والبيانات المتكررة التي تتحدث عن وجود مناطق آمنة إنسانية، ويرسخ مفهوم ألا منطقة آمنة في القطاع في ظل استمرار الحرب على القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023.
كما يسعى الاحتلال إلى تكرار حالة النزوح من مكان إلى آخر، وعدم ثبات السكان في مكان بعينه يحقق الاستقرار للسكان، وهو ما انعكس بالسلب على حركة النزوح من مكان إلى آخر طوال الفترة الماضية.
بالإضافة إلى ذلك، يركّز الاحتلال على استهداف المدارس لنسف أي وجود فلسطيني في المناطق المتمركزة، تحديدًا مدينة غزة وشمال القطاع، بما يحقق مساعي الاحتلال الرامية إلى تثبيت النزوح والتهجير.
علاوة على ذلك، إن من بين الأهداف هو تحقيق المساس بالحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية بكل السبل المتاحة، ضمن مساعي الاحتلال للضغط على المقاومة الفلسطينية خلال الفترة الحالية من الحرب.