منذ اليوم الأول من يوليو/تموز 2018 يعيش العراق حالة غير طبيعية وغير دستورية، فاليوم ليس هنالك أي برلمان، ولا أي نائب يتمتع بحصانة دبلوماسية لا من السابقين ولا من الفائزين في الانتخابات غير محسومة النتائج التي جرت في 12 من مايو/أيار الماضي.
وحاليًّا ورغم مرور أكثر من 50 يومًا على انتهاء الانتخابات البرلمانية العراقية، ما زال الشعب ينتظر النتائج الرسمية التي من المتوقع أن تتأخر شهرًا كاملًا على الأقل نتيجة الاتهامات بالتزوير واحتراق صناديق الاقتراع في جانب الرصافة من العاصمة بغداد. ووفقًا للدستور العراقي، فإن ما يجري اليوم مخالفة دستورية، وحالة من لا دستورية الإجراءات أو المسار العام في الدولة، حيث أكدت المادة (56):
أولًا: تكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنواتٍ تقويمية، تبدأ بأول جلسةٍ له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة.
ثانيًا:- يجري انتخاب مجلس النواب الجديد قبل خمسةٍ وأربعين يومًا من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة.
ويوم السبت الماضي – لتلافي الانتقادات الشعبية والرسمية من القوى الخاسرة أو ربما الفائزة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة – أعلن البرلمان العراقي في بيان أصدرته دائرته الإعلامية أنه: “أنهى مجلس النواب العراقي دورته الانتخابية الثالثة بعقد جلسة تداولية برئاسة الشيخ الدكتور همام حمودي النائب الأول لرئيس مجلس النواب، وبحضور 127 نائبًا لتصويب العملية الانتخابية، وأن العملية الانتخابية أصبحت عند الجميع مشكوكًا بها، سواء عند الحكومة بأجهزتها المتعددة أو من قبل مجلس النواب الذي ثبت وجود خلل وتجاوزات على حقوق المواطن وأصبح الجميع سواء من نال الثقة أو لم ينل أمام مسؤولية حفظ ثقة الناس بمجلس الوزراء”.
اليوم البلاد العراقية في حالة فوضى قانونية ودستورية، والحكومة المسؤولة عن مسيرة الانتخابات عبر مفوضية الانتخابات لم تستطع أن تنهي العملية الانتخابية بعدم سيطرتها التامة عليها
دستوريًا انتهت يوم السبت الماضي أعمال البرلمان العراقي، بعد فشله في تمديد دورته الحاليّة عبر تعديل حاول إدخاله على قانون الانتخابات يسمح له بالبقاء لمراقبة عمليات العدّ والفرز اليدوي لنتائج الانتخابات، وأكد خبراء قانونيون – ومنهم الخبير القانوني طارق حرب – أن “اليوم، الـ30 من يونيو/حزيران، تنتهي قانونيًا ودستوريًا أعمال البرلمان، وسيكون هناك فراغ برلماني حتى عقد البرلمان الجديد أولى جلساته، وأن الدستور حدد عمر البرلمان بأربع سنوات، ولا يوجد أي سند قانوني يتيح له البقاء يومًا إضافيًا بعد الفترة المحددة في الدستور”.
وسبق للبرلمان العراقي أن اتخذ قرارًا بإعادة العدّ والفرز اليدوي لأصوات الناخبين الخاصة بالانتخابات البرلمانية التي أجريت في 12 من مايو/أيار الماضي، وقضت المحكمة الاتحادية في 21 من يونيو/حزيران، بصحة القرار ودستوريته.
اليوم البلاد العراقية في حالة فوضى قانونية ودستورية، والحكومة المسؤولة عن مسيرة الانتخابات عبر مفوضية الانتخابات لم تستطع أن تنهي العملية الانتخابية بعدم سيطرتها التامة عليها، وأيضًا بسبب عمليات التزوير الكبيرة والخروقات العلنية لسيرها فضلًا عن حرق صناديق الاقتراع في جانب الرصافة من العاصمة بغداد.
ونهاية الأسبوع الماضي أكد الناطق الرسمي للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات القاضي ليث جبر حمزة:
1. تبدأ عملية العد والفرز اليدوي ابتداءً من يوم الثلاثاء الموافق 3 من يوليو/تموز 2018 وتجري بحضور أعضاء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وضمن المكتب الانتخابي لكل من محافظات كركوك والسليمانية وأربيل ودهـوك ونينوى وصلاح الدين والأنبار بصورة متتالية.
2. إجراء عملية العد والفرز اليدوي بصورة كاملة لمكاتب انتخابات الخارج للدول كل من إيران وتركيا وبريطانيا ولبنان والأردن والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا واتخاذ الإجراءات اللازمة من المفوضية والجهات ذات العلاقة لنقل صناديق الاقتراع إلى بغداد.
رغم أن ما يجري اليوم في المشهد السياسي مخالف للدستور وللأعراف السياسية، فإن الأحزاب السياسية والكتل الفائزة غير مهتمة لهذه المخالفة
المفوضية الجديدة للانتخابات حددت يوم الثلاثاء القادم موعدًا لإعادة عمليات العد والفرز اليدوي للأصوات، وهذا يعني أننا عدنا للمربع الأول، أي الساعات الأولى بعد يوم 12 من مايو/أيار الماضي، وبالتالي ربما يجب علينا أن ننتظر لأكثر من شهر لحسم عمليات العد، والنظر في الشكاوى والطعون المقدمة، وبذلك تصل المخالفة الدستورية لأكثر من شهر تقريبًا، دون أن ترى الجلسة الأولى للبرلمان الجديد النور!
ورغم أن ما يجري اليوم في المشهد السياسي مخالف للدستور وللأعراف السياسية، فإن الأحزاب السياسية والكتل الفائزة غير مهتمة لهذه المخالفة، وكأننا أمام شركة قطاع خاص، ومجلس الإدارة يجتمع بين فترة وأخرى لترتيب أوراق الشركة – العملية السياسية – وهذا مؤشر خطير يؤكد عدم احترام تلك الأحزاب والكتل لإرادة الناخب العراقي، وعدم تقديرهم للدستور الذي كتبوه بأيديهم، ويثبت حقيقة مهمة وهي هشاشة العملية السياسية والتجربة الديمقراطية في العراق!
استمرار هذه الحالة غير الدستورية بحاجة إلى حلول جذرية وليس إلى حلول ترقيعية، فما جرى من عمليات تزوير منظمة وعمليات شراء للأصوات، بحسب تأكيدات المحكمة الاتحادية، وكذلك جريمة حرق للصناديق الانتخابية كلها أدلة قاطعة على أن هنالك أطرافًا فاعلة تتحكم بالمشهد السياسي، وهي في ذات الوقت تدعي أنها تحترم النظام الديمقراطي، وهذا تناقض لا يمكن تفهمه ولا يمكن قبوله في ذات الوقت.
المشهد السياسي الذي سيتشكل في العراق بعد شهر تقريبًا يتمثل بأن الأحزاب الفاعلة ستتفاهم وتتوافق فيما بينها على تقسيم مقاعد مجلس إدارة الشركة – المقاعد البرلمانية – وترتيب شكل إدارة الشركة – الحكومة القادمة – وسيبقى العراق يعاني من ذات المآسي لأربع سنوات جديدة، وبذات النغمة النشاز التي يرددونها، وهي العملية الديمقراطية!
ما يجري استخفاف بكل القيم الإنسانية والقانونية، فمتى تنتهي هذه اللعبة السقيمة؟