بعد أن الشعر الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن الأوضاع الداخلية التي كان يتحكم بها في السابق بيد من حديد بدأت تدريجيًا تفلت منه وتدخل في منعرجات وطرق أخرى بتوجيه من قوى عربية وإقليمية قد تغير معالم القضية الفلسطينية بأكملها، أراد أن يضع حدًا لها ويعيد “العصمة” والقرار لمقر المقاطعة مجددًا.
أبو مازن خلال الشهور الأخيرة لم يُحرك ساكنًا، وبقى يشاهد من بعيد الزيارات المكوكية للوفود الأمريكية والتدخلات العربية وخاصة من السعودية لدعم ما تسمى”صفقة القرن”، لكنه رفض الانتظار طويلًا وتدخل في الوقت المناسب بمبادرة جديدة قد تقلب الطاولة على الجميع وتُفشل كل الحسابات العربية والدولية.
ورغم خلافه السياسي المتشعب والمتجذر مع حركة حماس، وفشل كل الجولات في إحراز تقدم بملف المصالحة الداخلية، فإن الرئيس عباس وبحسب مصادر مقربة يعكف الآن على إطلاق مبادرة قد تكون الأقوى والأقرب للتحقيق، يُعيد بها لحمة الوطن ويتجاوز كل العقبات قبل أن تدخل “صفقة القرن” حيز التنفيذ وتفسد آمال وطموحات الفلسطينيين بدولة ووطن.
تفاصيل المبادرة
يقول مقربون من دوائر المقاطعة في رام الله أن الرئيس الفلسطيني بدأ يتدارك خطورة الموقف وما يُحاك ضد القضية الفلسطينية، وأخذ في البحث بكل سجلاته القديمة عن مخرج للأزمة الراهنة والقادم الأخطر بعد أن رسمت التحركات العربية والدولية ملامحه الأولى، فوجد فيها ورقة قد تساعده في الخروج من عنق الزجاجة.
سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني السابق، التي نجحت الاحتجاجات الداخلية عام 2013 في إقصائه من منصبه، سيكون اليوم الورقة الرابحة الوحيدة التي قد تنقذ عباس، وتساعد في إبطال مفعول “صفقة القرن” التي بدأت رائحتها تفوح من قطاع غزة قبل الضفة والقدس.
اختيار عباس لفياض لم يأت من فراغ، وهو يعلم تمامًا أنه شخصية مقبولة عربيًا ودوليًا وحتى إسرائيليًا، وخلافته مع حركتي حماس وفتح، سيتم تجاوزها نظرًا لما هو أخطر وما يحاك من مشاريع تستهدف القضية
بعد عثور الرئيس أبو مازن على ورقة فياض لم ينتظر طويلًا وعقد معه لقاءً سريًا في مقر المقاطعة بمدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، الخميس الماضي 28 من يونيو، وكشف “نون بوست” تفاصيله كاملًا في تقرير نشر بتاريخ 30 من يونيو، ليبدأ برسم ملامح خطته السياسية ويكون فياض العنصر الأساسي فيها.
اختيار عباس لفياض لم يأت من فراغ، وهو يعلم تمامًا أنه شخصية مقبولة عربيًا ودوليًا وحتى إسرائيليًا، وخلافته مع حركتي حماس وفتح، سيتم تجاوزها نظرًا لما هو أخطر وما يحاك من مشاريع تستهدف القضية التي بنظره أكبر من خلافات فصائلية هنا وهناك.
وبحسب معلومات حصرية حصلت عليها “نون بوست” في غزة، فإن الرئيس عباس سيطرح مبادرة فلسطينية شاملة، خلال منتصف شهر يوليو الحاليّ، تضع حلولاً جذرية لقضايا الخلاف الدائر مع حركة حماس تبدأ بتشكيل حكومة وطنية لتصل في النهاية لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية شاملة تكون الحكم والفصل.
وكشفت المصادر الفتحاوية لـ”نون بوست”، أن وفدًا قياديًا من الحركة برئاسة عضو اللجنة المركزية عزام الأحمد، سيتوجه إلى قطاع غزة خلال أيام للقاء قادة حماس وعرض عليهم مبادرة الرئيس عباس، ومحاولة الوصول من خلال النقاشات إلى نقاط مشتركة تساعد في دعم المبادرة وتجد طريق التنفيذ على الأرض.
هل ستوافق حركة حماس؟
أوضحت المصادر ذاتها أن حركة حماس وبناءً على اتصالات أولية جرت معها، فإنها رحبت وبكل قوة في التعامل ومناقشة أي مبادرة تكون “جادة” تنقذ غزة من الكوارث والأزمات التي تعيش فيها منذ لحظة الانقسام الأولى صيف 2007.
بحسب مراقبين، فإن الوضع الفلسطيني الداخلي أمام “فرصة تاريخية”، وفي حال فشل عباس في مبادرته فإن الأوضاع الداخلية ستؤول لمراحل أشد خطورة من الراهنة
وذكرت أن الهدف الرئيسي من مبادرة عباس الطارئة قطع الطريق على كل الدول العربية والأجنبية التي تسعى لطرح “صفقة القرن”، ومنع تقزيم القضية وزيادة أزماتها الداخلية، وأن المبادرة في حال تم التعامل معها بجدية والتوافق عليها فصائليًا فإنها ستمنع طرح “الصفقة” وستكون صفعة قوية على وجه كل من تآمر على القضية الفلسطينية وحاول تجاهل دور السلطة وعباس.
وبحسب مراقبين، فإن الوضع الفلسطيني الداخلي أمام “فرصة تاريخية”، وفي حال فشل عباس في مبادرته فإن الأوضاع الداخلية ستؤول لمراحل أشد خطورة من الراهنة، وستوفر أرضية خصبة لـ”صفقة القرن”، ومبادرات قد تكون أخطر منها للتنفيذ على الأرض بما يخدم المصالح الإسرائيلية أولًا، ومطامع ومصالح الدول العربية بفتح باب التطبيع السياسي والاقتصادي والعسكري على مصرعيه وتحميل الفلسطينيين مسؤولية الفشل في عملية السلام.
في هذا السياق، يقول المحلل السياسي محمد دراغمة: “لقاء الرئيس عباس بفياض جاء في ظرف سياسي خاص تشهده السلطة الفلسطينية، فتوقيت اللقاء يأتي في فترة تتقاطع فيها عدة عوامل بالمشهد السياسي الفلسطيني مثل مشروع صفقة القرن والتغيرات في الموقف العربي تجاه غزة، مثل الانفتاح المصري القطري الخليجي لبحث وحل مشكلة غزة، إضافة لوجود متغير إسرائيلي على الساحة، فالأخيرة صارت أكثر اهتمامًا بغزة بعد مسيرات العودة لمنع حدوث انفجار بالقطاع”.
وأوضح المحلل السياسي أن كل هذه العناصر، إضافة إلى بعد السلطة عن غزة يشكل نقطة ضعف لها، لذلك فإنها (أي السلطة) تحاول إحداث تغيير، فبدأت بالانفتاح على السياسيين المستقلين أمثال سلام فياض، والهدف من ذلك هو البحث عن مخارج لاحتواء الظروف الدولية.
وقال دراغمة: “القيادة الفلسطينية تحتاج حاليًا لأشخاص يستطيعون التعامل مع الظروف الدولية الحاليّة وتفكيكها وعمل تحالفات وتكتيكات لتجنيب الفلسطينيين المخاطر السياسية لمشروع صفقة القرن”، مشيرًا إلى أن السلطة باتت متأكدة حالًًّا من أنها بحاجة لحكومة جديدة قادرة على التعامل مع النظام الدولي بشكله الحاليّ وبما يحتويه من مشاريع وتحالفات جديدة، وتوقع دراغمة أن يكون لقاء الرئيس بفياض مقدمة لتكليفه بتشكيل حكومة جديدة.
وعلى ضوء تلك التطورات، يبقى التساؤل المطروح بقوة الآن في الساحة الفلسطينية، وخاصة عند سكان قطاع غزة: “هل سينجح عباس؟ وما مصيرنا لو فشل؟” هو سيد الموقف وسط ترقب وحذر كبيرين يحيطان بهذا التحرك المفاجئ الذي قد يكون الأخير للرئيس عباس قبل تركه كرسي رئاسة السلطة ورحيله عن المشهد السياسي.