في خطوة نادرًا ما تحدث، سلمت قيادات من تنظيم ولاية سيناء أنفسها لأجهزة سيادية مصرية، بسبب الحصار القاتل والطوق الصارم الذي يفرضه الجيش على داعش وقطع شرايين الحياة عنه، ووقف أي عملية إمداد أو تواصل بين الخلايا العنقودية التي كانت تطوق شمال سيناء ووسطها على وجه الخصوص، وذلك ضمن نتائج العملية العسكرية الأكبر في المنطقة منذ أعوام، التي تستهدف اقتلاع التطرف من سيناء.
خبر تسليم قيادات داعش لأنفسهم، جرى إعلانه على موقع اتحاد قبائل سيناء المقرب من السلطة الذي غالبًا ما ينفرد بإذاعة اللقطات الحصرية للصراع الأمني مع التنظيم في سيناء، وعنه نقلت التايمز البريطانية والحياة اللندنية وبعض الصحف الدولية، وحاول “نون بوست” بدوره الحديث مع القائمين على الموقع لمعرفة معلومات أدق عن القيادات وهويتهم، فاكتفوا بالرد أن الأسماء ستخرج في الوقت المناسب، وبعد عدة ساعات من الحديث معهم، نشروا قائمة كاملة لقيادات داعش في سيناء سواء الذين لقوا حتفهم أم المعتقلين منهم.
قائمة كاملة لقتلى داعش والمعتقلين لدى أجهزة الأمن المصرية
ما الذي يحدث في سيناء؟
في فبراير الماضي، اعترف تنظيم داعش بالخسائر الكبرى في صفوفه، كانت صدمة كبرى لأتباعه الذين نشروا قائمة الخسائر البشرية في قيادات التنظيم، وقتلوا بفعل ضربات ما أطلق عليها اصطلاحًا من جانب الجيش المصري “العملية الشاملة سيناء 2018″، استمرت الخسائر تلاحق ولاية سيناء حتى أُعلن مقتل ناصر أبو زقول أمير التنظيم بوسط سيناء، بما حمل مؤشرات قوية عن استنزاف التنظيم ومحاصرته بالضربات من كل اتجاه.
يمكن القول إن التحسن الواسع في عمليات استهداف عناصر التنظيم بسيناء، يعود إلى التأمين اللوجستي والمعلوماتي الكبير والتعاون غير المسبوق بين الجيش المصري وأجهزة الأمن الفلسطينية التابعة لحركة حماس التي تقف بجواره في عملياته النوعية ضد التنظيم، بل وتشن هي الأخرى هجمات قاسية عليه.
في اشتباكات مسلحة مع الأمن، لقي أبناء التنظيم “حمساويون الأصل” حتفهم بشكل متسارع، بما أوصل رسالة للتنظيم مفادها أن كل ما كان على صلة بحماس وانتقل لولاية سيناء سينتهى أجله
منذ مطلع العام الحاليّ، وجهاز الأمن الداخلي في قطاع غزة ينشط بقوة لمواجهة استهدافه بشكل انتقامي من داعش، فنشر الجهاز في يناير الماضي ما يؤكد معاناة التنظيم وإحكام القبضة عليه من جميع الاتجاهات، وأبرز اعترافات عنصرين خطرين من ولاية سيناء، كشفوا فيها خطط التنظيم لقطع المعدات العسكرية والبضائع القادمة إلى القطاع من مصر، وهو أمر لا يخفيه تنظيم الدولة الذي يناصب حماس العداء ويتمنى إزاحتها من الصورة تمامًا.
لقاءات حمساوية مع عناصر الفكر المنحرف في ولاية سيناء
كان التنظيم يحرص بين الحين والآخر على استدراج حماس إلى أجواء قتالية؛ يُحمَل ولاية سيناء حركة المقاومة الفلسطينية عملية مقتل العديد من قادته الذين كانوا أبناءً للحركة بالأساس، مثل موسى أبو زماط القيادي السابق الذي آثر الهرب للانضمام إلى تنظيم أنصار بيت المقدس، قبل أن يعلن مبايعته لداعش لاحقًا، وكذلك القيادي أنور الدجني، وكان من قيادات حماس في القطاع، ورغم توليه مسؤولية “ملف لين”، عبر حماية ومعالجة الجرحى في غزة، إلا أن التنظيم استطاع تجنيده واستقطابه للقتال في سيناء.
في اشتباكات مسلحة مع الأمن، لقي أبناء التنظيم “حمساويون الأصل” حتفهم بشكل متسارع، بما أوصل رسالة للتنظيم مفادها أن كل ما كان على صلة بحماس وانتقل لولاية سيناء سينتهى أجله، وهي الرسالة التي حرص داعش على إعادتها لحماس في الإصدار الشهير “ملة إبراهيم” وأتهمها بإباحة دماء كل من يرى الحق مع التنظيم ويرغب في الانضمام إليه، واختص بالاسم عبد اللطيف موسي القيادي التاريخي بالحركة الفلسطينية الذي اتهم حماس من على منبر مسجد ابن تيمية في غزة بعدم تطبيق الشريعة الإسلامية، ثم ذيل اتهاماته بإعلان غزة إمارة إسلامية، بما استوجب إهدار دمه.
كانت حماس قد وجهت ضربة ذاتية للتطرف داخلها عام 2009، وبعد انتهاء جولات التفاوض خاوية الوفاض، حاصرت عبد اللطيف موسى وأتباعه، وقضت عليهم بعد رفضهم الانصياع لقرارات الحركة، ومع ترجيح كفة حماس في الصراع، فر بعض أنصار موسى إلى سيناء، ليختمر العداء ويظهر واضحًا للجميع العام قبل الماضي، بعدما تحرش تنظيم داعش بتجار رفح المصرية، وأجبرهم على وقف تهريب البضائع إلى قطاع غزة، ردًا على اعتقال العديد من أبناء الجهاديين.
أكثر ما يمكن ملاحظته على الضربات الكبرى التي توجه إلى ولاية سيناء، أنها والجماعات الدينية التي تتخذ مسارات تقترب منها، يكشفون أنفسهم بأنفسهم من خلال إشاعة الصراعات بينهم وإعلانها على الملأ
بعد سنوات قليلة بدا واضحًا أن تنظيم داعش لا ينسى أبدًا، فقط ينتظر الوقت وإعداد العدة اللازمة للقضاء على حماس، وحتى ينجح في ذلك لم يكتف بتأثيمها فقط، بل كفرها بشكل صريح، وطالب التنظيم أنصاره بالاشتباك المسلح معها ونسف مقراتها الأمنية وكل مظاهر الحياة المدنية التي تتبعها حركة المقاومة الإسلامية، رغم كل الانتقادات التي توجه لها، وليس وحدهم بل جميع أركان المجتمع من مسيحيين وإخوان وشيعة.
في اختلافهم اعتقال
أكثر ما يمكن ملاحظته على الضربات الكبرى التي توجه إلى ولاية سيناء، أنها والجماعات الدينية التي تتخذ مسارات تقترب منها، يكشفون أنفسهم بأنفسهم من خلال إشاعة الصراعات بينهم وإعلانها على الملأ، سواء كانت دينية أم خلاف على منهج التعامل مع الدولة المصرية بجميع مؤسساتها، وهي الخلافات التي مكنت مصر من ضرب نحو 20 تنظيمًا مسلحًا داخل سيناء، ولم يتبق أمامها إلا تنظيم بيت المقدس “ولاية سيناء” في ثوبه الجديد منذ عام 2013، فيما يكتفى تنظيم القاعدة بالظهور الإعلامي بين الحين والآخر، لإثبات وجوده.
من ناحية أخرى، يبقى الصراع الطويل بين جماعة جند الإسلام وداعش أحد الثغرات المهمة التي تُمكن الأمن المصري من ضرب التنظيمين معًا، في ظل البيانات المتبادلة التي تصدر بين حين وآخر، وتكشف فيها عن أسماء قيادات وخطايا شرعية من كل تيار تجاه الآخر، بل وهناك بعض المصادر الجهادية رجحت لـ”نوت بوست” أن يكون هناك وشايات متبادلة بين الطرفين للإيقاع بالقيادات الكبيرة في أيدي الأمن، بجانب التحريض من كل منهما لعناصر الفريق الآخر على الانشقاق وإعلان العصيان ومن ثم الانضمام إلى غريمة التقليدي، وهي الصراعات التي كشف جزءًا كبيرًا منها عيد المرزقي الناشط الإسلامي السيناوي، لقناة الشرق الموالية للإخوان من تركيا.
عيد المرزوقي: الجهاديون داخل تنظيم داعش انشقوا بالفعل إلى جند الإسلام التابعين لتنظيم القاعدة
ترى “جند الإسلام” تنظيم البغدادي “خوارج” وتنتقد عمليات القتل الموسعة بما يضر بفكرة الجهاد بشكل عام، بدأ الصراع بينهما بخلافات حادة سرعان ما تطورت بين الجماعة وتنظيم داعش، وتمحورت حول العديد من الوسائل التي ينبغي اتباعها في مواجهة الخصوم، ومن العدو تحديدًا الذي يجب قتاله، وبمرور الوقت ظهر لكلا الطرفين أن الروية والمنهج والمسار مختلف.
بدأ تنظيم داعش طريق الاشتباك المسلح، وتحويل الخلاف الفكري العقائدي السياسي إلى حرب شعواء، وتعقب بعض قادة وعناصر الجماعة وقتل بعضهم، مما أشعل نار الحرب بينهما، وأجبر جند الإسلام على رافع راية العصيان، وإعلان الانفصال عن عباءة ولاية سيناء، تلى ذلك خطوة أخرى بنقد علني لممارسات التنظيم الداعشي، ثم تطورت الصراعات وسيطرت رغبة الانتقام المتبادل على قيادات التنظيمين.
في تسجيل صوتي شهير، أعلن “جند الإسلام” في أكتوبر الماضي، الاشتباك مع إحدى سيارات “ولاية سيناء” وقتل من فيها جميعًا، واغتنام كل ما كان في السيارة، فضلاً عن مقتل اثنين من عناصر الجماعة، بعدما طالبتهم جند الإسلام بتسليم أنفسهم
ورغم قوة ولاية سيناء وتفوقها النوعي على جماعة جند الإسلام، فإن الأخيرة شهدت تفوقًا حركيًا العام الماضي، وأصبحت تتحرش بشكل علني من خلال ما يسمى بالجهاز الأمني للجماعة بقوافل السيارات التابعة لداعش، واشتبك الجهاز بالفعل مع التنظيم بشكل موسع في العديد من المواقع التي يظهر فيها، وتمكن جند الإسلام من أسر عدد من عناصر ولاية سيناء وأجرى تحقيقات موسعه معهم.
وفي تسجيل صوتي شهير، أعلنت جماعة جند الإسلام في أكتوبر الماضي، الاشتباك مع إحدى سيارات ولاية سيناء، وقتل من فيها جميعًا، واغتنام كل ما كان في السيارة، فضلاً عن مقتل اثنين من عناصر الجماعة بعدما طالبتهم جند الإسلام بتسليم أنفسهم، فرفضوا وقرروا المقاومة إلا أنهم قتلوا جميعًا وحسم جند الإسلام نتيجة الصدام لصالحه.