عرض العالم الفلسطيني ورجل الأعمال البروفيسور عدنان مجلي خلال ندوة إعلامية نظمها معهد بيت الحكمة للاستشارات وحل النزاعات في فندق الكومودور بقطاع غزة تفاصيل مبادرته السياسية الهادفة إلى كسر الجمود في تحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام بين شطري الوطن وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أساس الشراكة الوطنية والممكن السياسي لمواصلة مسيرة النضال من أجل الحقوق الوطنية العادلة ومواجهة الأخطار القادمة وإنقاذ قطاع غزة من الحصار الجائر والفقر والبطالة.
جاءت المبادرة في صفحتين اثنتين فقط وذلك لأن – وعلى حد تعبير البرفيسور مجلي في بداية الندوة – الخوض في التفاصيل والتوسع في التوضيح يؤدي إلى التعقيد والاختلاف، في حين أن هدفه الوصول إلى إستراتيجية واحدة يجمع عليها الكل الفلسطيني وتكون المنطلق لإنهاء الانقسام ورأب الصدع الحاصل في المجتمع الفلسطيني.
وبحسب المبادرة يمكن تحقيق إنهاء الانقسام وبناء نظام سياسي قوي وموحد من خلال خطوتين الأولى منهما: فتح باب منظمة التحرير أمام كل القوى الفلسطينية وفق شراكة وطنية تستند إلى انتخابات عامة أو إلى استطلاعات رأي مهنية محايدة أو أي وسيلة أخرى تتفق عليها الأطراف، والخطوة الثانية: مبادرة حركة حماس من جانبها إلى تجميد العمل في تطوير السلاح ووقف حفر الأنفاق والموافقة على تحويل القوى والتشكيلات العسكرية كافة في قطاع غزة إلى قوات أمن وطني تحت إدارة تامة من الحكومة الفلسطينية الجديدة التي تحظي بثقة الأطراف وتكون مهمة هذه القوات حماية القطاع من أي عدوان خارجي.
البرفيسور مجلي وضح في مبادرته أن هناك قواسم سياسية مشتركة بين حركتي فتح وحماس تجسدت هذه القواسم في تبني حركة حماس المقاومة الشعبية السلمية وإقرارها إقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967
مبادرة البرفيسور عدنان مجلي مثلت السهل الممتنع وتنفيذها فلسطينيًا بحاجة إلى جهود متضافرة وعمل شاق، فالخلافات بين الأقطاب الفلسطينية متجذرة ومتسعة وعميقة بعمق المأساة الفلسطينية ذاتها.
البرفيسور مجلي وضح في مبادرته أن هناك قواسم سياسية مشتركة بين حركتي فتح وحماس تجسدت هذه القواسم في تبني حركة حماس المقاومة الشعبية السلمية وإقرارها إقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967، والتزام حركة حماس في قطاع غزة بهدنة مفتوحة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وأن لدى الحركة قرار بعدم الدخول في أي مواجهة عسكرية مفتوحة مع “إسرائيل” وهذا أيضًا ما تؤمن به حركة فتح.
أرضية إصلاح منظمة التحرير موجودة وممكنة بالنظر إلى تفاهمات 2005 و2011 بين الأطراف الفلسطينية في القاهرة وقد كان في حينها بادٍ إلى حد ما على أطراف الصراع الفلسطيني نية التعاطي إيجابيًا مع ما جاء في هذه التفاهمات لكن ومنذ ذلك الحين وحتى الوقت الراهن لم يحدث شيئًا ولم يتقدم هذا الملف قيد أنملة تحت ظروف وضغوطات شتى، ويبدو أنه من المستحيل إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها وفتحها أمام الكل الفلسطيني والسماح لها بالقيام بمهامها المنوطة بها في ظل التدخل السافر من بعض الأنظمة العربية التي تتطلع لبسط سيطرتها على القرار الفلسطيني وفرض أجندتها ورؤيتها على القيادة الفلسطينية لحل الصراع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وفي ظل تعقيدات الواقع والوقائع على الساحة العربية بمجملها.
إضافة إلى أنه لو حصل توافق فلسطيني على تحويل القوى والتشكيلات العسكرية كافة في قطاع غزة إلى قوات أمن وطني تحت سيطرة وإدارة تامة من وزارة الداخلية والحكومة الفلسطينية فهل “إسرائيل” والمجتمع الدولي سيوافقان على ذلك؟ وهل من ضامن بعدم إقدام “إسرائيل” على شن هجوم ضارٍ على قطاع غزة وربما إعادة احتلاله على غرار ما حدث في عملية السور الواقي في 2002 في الضفة الغربية؟
تركز المبادرة على التنمية الاقتصادية والاستثمار وتحويل غزة إلى سنغافورة جديدة وكأنها في ذلك تتساوق مع صفقة القرن الأمريكية التي تنظر للقضية الفلسطينية وتتعامل معها على أنها قضية إنسانية واقتصادية فقط
في حال استطاع البرفيسور مجلي أن يجمع الكل الفلسطيني على مبادرته ويصل بالحالة الفلسطينية المتشرذمة والمتنافرة إلى الإجماع وتحقيق الوحدة، فهل سيستطيع أن يقتحم بالجسد الفلسطيني الموحد الإرادة الدولية والإقليمية والعربية وأن يحصل منهم على ضمانات ملزمة ونافذة لإفساح الطريق أمام الفلسطينيين لتحقيق تطلعاتهم ومصالحهم الوطنية وإنجاز نهضتهم الاقتصادية؟ وهل يستطيع أن يلزم المجتمع الدولي بتنفيذ ما عليه من التزامات وواجبات تجاه الشعب الفلسطيني.
تثير المبادرة الكثير من التساؤلات والاستفسارات عنها، شأنها في ذلك شأن أي مبادرة سياسية تسعى للتوفيق بين أطراف متنافرة، خصوصًا في دلالات توقيت عرضها، إذ إنها جاءت في وقت يشهد فيه قطاع غزة حالة غير عادية من استقبال بشكل سري وعلني وفود دولية وإقليمية وعربية رفيعة المستوى، ويشهد أيضًا الشق الآخر من الوطن في الضفة الغربية ذات التحركات تقريبًا من ذلك اجتماع الرئيس محمود عباس مع سلام فياض بعد ما كان بينهما من قطعية طويلة، ومما تثيره المبادرة من مخاوف الحديث عن وقف تطوير السلاح وحفر الأنفاق وهذا كما هو معلوم ما تطالب به “إسرائيل” في كل المحافل الدولية.
تركز المبادرة على التنمية الاقتصادية والاستثمار وتحويل غزة إلى سنغافورة جديدة وكأنها في ذلك تتساوق مع صفقة القرن الأمريكية التي تنظر للقضية الفلسطينية وتتعامل معها على أنها قضية إنسانية واقتصادية فقط، وتأكيد المبادرة عودة السلطة للعمل بصورة تامة في القطاع يمكن الربط بينه وبين مطلب التمكين الذي اتخذته حركة فتح ذريعة للتنصل من اتفاقيات المصالحة الأخيرة.
مبادرة البرفيسور عدنان مجلي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، وإن كان هناك بعض التحفظات عليها والشكوك حولها فإنها وعلى الرغم من ذلك تأتي في سياق المحاولات الرامية إلى رأب الصدع الفلسطيني وإصلاح ما أفسده الانقسام وتفويت الفرصة أمام المتربصين بالقضية الفلسطينية، فالمشهد الفلسطيني يمر اليوم بتحولات جذرية ومصيرية خطيرة، ولم يعد خافيًا على أحد المستوى المقلق للجهود التي تدور في الأروقة للسياسة الدولية العليا لفرض تصورها على الفلسطينيين في حل الصراع مع دولة الاحتلال الاسرائيلي بطريقة مخلة وغير منصفة، وهذا يتطلب من المجموع الفلسطيني أن يتوحد ويرص الصف حتى لو اضطر كل طرف للتنازل عن بعض المكاسب الإستراتيجية.