تمثّل سياسة الدعم أحد أبرز الخطوط الحمراء في الجزائر، التي لا يجرأ أحد من الاقتراب منها، فهي من اختصاصات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة دون غيره. سياسة دعم ظلّ النظام الجزائري لسنوات يتجنّب الخوض فيها نظرا لتأثيرها المباشر على أغلبية الجزائرية، غير أن النية الحالية تتجه إلى مراجعة هذه السياسة في ظلّ تواصل الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد.
البداية بالمواد الطاقية
الحديث عن نية الحكومة الشروع في مراجعة سياسة الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية بداية من السنة المقبلة، جاء على لسان وزير المالية عبد الرحمان راوية، حيث أكّد أن حكومة بلاده عازمة على رفع الدعم بطريقة تدريجية بداية بالمواد الطاقية الكهرباء والغاز، لتمتد بعدها للمواد الاستهلاكية والماء.
الوزير الجزائري اعتبر أن سياسة الدعم المطبقة حاليا “غير عادية”، ولا تصب في صالح الفئات الفقيرة التي تستفيد من 7 % فقط من الدعم، فيما تحصل العائلات الغنية على ما يعادل 14 %، مؤكدا أن السياسة الجديدة للدعم لن يشرع في تطبيقها إلا بعد نهاية الدارسة التي تحدد الفئات المعنية والتي ستستفيد من الدعم المباشر والقيمة المالية لهدا الدعم الذي لطالما دعا إليه خبراء الاقتصاد سابقًا.
صندوق النقد الدولي قد أوصى الجزائر في العديد من المناسبات، بضرورة مراجعة آليات الدعم
لفت الوزير عبد الرحمان راوية إلى أن الشروع في تنفيذ سياسة الدعم الجديدة ستكون قبل انتهاء الحكومة من الدراسات التي هي بصدد إعدادها لتحديد الفئات المعنية والتي ستستفيد من الدعم المباشر، والقيمة المالية لهذا الدعم.
وبداية السنة الحالية، أقرت الحكومة الجزائرية زيادة في البنزين والديزل المدعمة، حيث ارتفعت أسعار البنزين الممتاز والخالي من الرصاص والعادي بنسب تبلغ 16.65% و16.84% و18.2% على الترتيب، بينما ارتفع سعر الديزل بنسبة 11.65%. وأصبح بمقتضى هذه الزيادات سعر سعر أعلى نوع من البنزين (الممتاز) في حدود 42 دينارًا تقريبًا للتر الواحد (0.38 دولار)، وقرابة 23 دينارًا للمازوت (0.21 دولار).
جدال قديم متجدّد
الحديث عن مراجعة فاتورة دعم الطاقة في الجزائر، قديم متجدّد، وتؤكّد الحكومة ضخامة هذا الدعم، حيث تصل إلى ثلث الميزانية العامة السنوية للبلاد. وما يقلق الحكومة وفق وزرائها عدم تمتع المعنيين بالأمر بالدعم واستحواذ طبقة الأغنياء والمستثمرين على القسط الأكبر منه.
حديث الوزير جاء بعد أشهر قليلة من تأكيد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ابقاء بلاده على سياستها الاجتماعية لدعم الفئات الفقيرة، والتضامن معها رغم تبعات الأزمة النفطية على اقتصاد البلاد. وفي نهاية فبراير/شباط الماضي أكّد بوتفليقة أنه “لا مناص لنا أن نتأقلم مع التحولات من خلال الارتقاء باقتصادنا ومؤسساتنا وجامعاتنا إلى معايير الامتياز والتنافسية العالمية“.
يستفيد نحو ربع سكان الجزائر من سياسة الدعم
يقدر الخبراء الاقتصاديون عدد المستفيدين من سياسة الدعم الحكومية بنحو 10 ملايين جزائري، ويقدّر العدد الاجمالي لسكان البلاد بأكثر من 42 مليون نسمة، وفقا لأخر إحصاء. ويشمل الدعم الحكومي قطاعات عدة من بينها الوقود والصحة والمياه والسكن، والسلع الأساسية كالزيوت والسكر والحبوب.
وكان صندوق النقد الدولي قد أوصى الجزائر في العديد من المناسبات، بضرورة مراجعة آليات الدعم، خاصة الموجّه إلى الوقود والكهرباء، حيث طالب خبراء الصندوق الجزائر بأن تباشر بخفض معظم الدعم المعمم تدريجيا وإبداله ببرنامج للتحويلات النقدية للأسر منخفضة الدخل.
أين يوجّه الدعم؟
تخصّص الحكومة الجزائرية أموالا طائلة لسياسة الدعم، قدّرت هذه السنة بنحو 17 مليار دولار، توجّه لعدة قطاعات وفئات، ويتوزع الدعم ما بين دعم مباشر بمبالغ مالية للمعنيين به، وغير مباشر بتحمل الدولة لفارق سعر تسويق المنتجات الواسعة الاستهلاك.
ويبرز قطاع الإسكان، حيث يتم توفير مساكن مجانية للفقراء الذين لا يتعدى دخلهم الشهري 24 ألف دينار تساوي نحو 240 دولارا تقريبا. وتطبق السلطات الدعم في قطاعات الصحة والتعليم، من خلال مجانية الاستفادة منهما، إضافة لدعم الفقراء في رمضان بمنتجات غذائية. ويشمل الدعم أيضا مبالغ مالية شهرية تقدم لذوي الاحتياجات الخاصة والأرامل والنساء من ربات المنازل، والمواطنين محدودي الدخل بين 50 و100 دولار شهريا.
بدأت الجزائر في السنوات الأخيرة إصلاحات موجعة من بينها التوجه إلى تعبة الموارد غير التقليدية
يمثل الدعم الحكومي للمواد الغذائية الأساسية وهي السكر والخبز والحليب، إضافة إلى الوقود والكهرباء والماء والصحة والسكن والتعليم، ما يعادل 23%من الناتج المحلي، بحسب صندوق النقد الدولي. وتعاني الجزائر من تبعية مفرطة لإيرادات النفط ومشتقاته التي تشكل أكثر من 95% من مداخيل البلاد من النقد الأجنبي، كما أن الموازنة العامة للبلاد تعتمد على نحو 60% من مداخيل النفط والغاز.
إصلاحات موجعة
يندرج قرار الحكومة الجزائرية التي يترأسها أحمد أويحي، التخلي عن سياسة الدعم العام “ضمن جملة من الإصلاحات الاقتصادية التي تندرج في إطار خطة الجيل الثاني الإصلاحية، التي تهدف بحسبها إلى تحريك عجلة الاستثمار”، وفقا لعدد من المسؤولين فيها.
وتشهد الجزائر، العضو في منظمة أوبك، منذ صائفة عام 2014 أزمة اقتصادية حادة؛ جراء انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية، الذي يشكل أكثر من 95 % من مداخيل البلاد من النقد الأجنبي، كما أن الموازنة العامة للدولة تعتمد على نحو 60 % من هذه الموارد المالية.
لجأت الجزائر إلى طباعة الأوراق النقدية
نتيجة هذه الأزمة، بدأت الجزائر في السنوات الأخيرة إصلاحات موجعة من بينها التوجه إلى تعبة الموارد غير التقليدية وطباعة الأوراق النقدية والترفيع في أسعار عديد المواد الاستهلاكية وفرض ضرائب على المنتوجات الطاقية وعلى عديد المواد الموردة، إلى جانب التقليل من النفقات وغيرها من الإجراءات التقشفية التي أثقلت كاهل المواطن الجزائري.