“اتفقنا مع حماس والإسرائيليين في حال شنت حرب لا تستهدف إسرائيل مشاريعنا القطرية، واتفقنا ألا يتم استهداف هذه المشاريع إلا إذا كان هناك هدفا لحماس”.. لعل هذا التصريح للسفير القطري في فلسطين محمد العمادي لوكالة أنباء “شينخوا” الصينية لم يخف قلق حماس من أن تتحول لجهة حامية لأي مشاريع تنموية أمريكية أو دولية من خلالها أو عبر المنظمات الدولية قادمة لغزة.
مباحثات القاهرة الحاصلة حالياً مع قيادة حماس السياسية وبعض المسؤولين الحكوميين في غزة والتي جاءت بعدة جولة جاريد كوشنير المبعوث الأمريكي الخاص للسلام في الشرق الأوسط، تبحث عن حل اقتصادي مؤقت لمشاريع قابلة لزحزحة الوضع الاقتصادي بمشروطية عالية وهي وقف التسلح، وإدخال المال بعيداً عن حماس، كلها قد يبدو مظهرها أكثر لباقة من الحصار الإنساني المفروض، لكنها في الحقيقة تهدف للفصل الجغرافي بين غزة والضفة تماماً، وحل مشكلة غزة ليعبر الاحتلال الإسرائيلي من فوقها نحو العالم العربي، ومشاريعه الاقتصادية الأمنية العابرة للحدود العربية.
قبل الاندماج الأطراف الفلسطينية في مرحلة الترويض الاقتصادي
بدت مرحلة الإعداد دولياً بالاتفاق مع الاحتلال الإسرائيلي لإجبار الفلسطينيين من كلا الطرفين في غزة والضفة الغربية على تقبل رزمة المشاريع القادمة من خلال زيادة الضغط أكثر على الواقع الاقتصادي للسلطة الفلسطينية، التي تعتمد في تمويل ميزانيتها وقطاعها العام على المساعدات الدولية بنسبة فاقت 65%.
قرار قطع مخصصات عوائل الشهداء والأسرى من الكنيست في الاحتلال الإسرائيلي، لمحاولة أمننة المساعدات الدولية، وترقب مسار المال القادم للسلطة وغزة تحديداً يعني أن لا مكانة لدعم أي مقاوم أو شهيد، يتوافق تماماً مع صفقة القرن التي تعتمد على التغيير الفكري للمقاتل على الأرض
في نظرة على الأحوال الاقتصادية للسلطة الفلسطينية التي تعاني من أزمة مالية حادة بلغ العجز المعلن في ميزانيتها العامة التي أقرت في فبراير 2018 مليار دولار، وتوقف المعونة الأمريكية السنوية للسلطة الفلسطينية البالغة 1.3 مليار دولار بعد إقرار قانون تايلور فورس في مارس 2018، تقابل ذلك مع الإيقاف السابق من الاتحاد الأوروبي في الأشهر الأخيرة لعام 2016 لرواتب موظفي السلطة في قطاع غزة مع الإبقاء على الضفة، ظهر تأثيره جلياً في الأزمة الحالية لقطع وتخفيض رواتب موظفي السلطة في غزة ما يعزز الترويض نحو الانقسام الجغرافي بين المنطقتين غزة والضفة.
استمرت الإجراءات التصعيدية والعقوبات الاقتصادية والمالية، فقرار قطع مخصصات عوائل الشهداء والأسرى من الكنيست في الاحتلال الإسرائيلي، لمحاولة أمننة المساعدات الدولية، وترقب مسار المال القادم للسلطة وغزة تحديداً يعني أن لا مكانة لدعم أي مقاوم أو شهيد، يتوافق تماماً مع صفقة القرن التي تعتمد على التغيير الفكري للمقاتل على الأرض، كذلك توقف أستراليا عن دعم السلطة الفلسطينية من خلال المساعدات القادمة عبر الأمم المتحدة، ووقف الدعم الأمريكي المقدم للأونروا عن طريق الأمم المتحدة واستبداله بدعم الدول المستضيفة لهم، ما يعني إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في بلدان الجوار المقيمين فيها، لبنان والأردن وسوريا وضياع حق العودة لهم، كل هذه الضغوطات قد تجعل السلطة عاجزة عن إيجاد أي حل مالي لغزة مع ازدياد عجزها المالي وفق مسار التمويل الجديد.
أما حماس فمصادر التمويل لها باتت شحيحة، ويمكن قراءة وضعها الاقتصادي من الأزمة المالية الداخلية الحادة التي تعاني منها الحركة، فهي عاجزة الآن عن توفير الحد الأدنى لموظفيها على كادر الحركة، أو على كادر إدارة غزة مؤسساتياً، نتيجة إغلاق الحدود بين مصر والقطاع، ومراقبة كل مسار الأموال القادم لغزة، إضافة إلى أن بعض دول كانت سابقًا مخزناً ماليًا لحماس كاليمن والسعودية تشهد أزمات وملاحقات لكل الداعمين للحركة مما يجعلها عاجزة عن توفير المال بشكل مستمر، وهي تخشى من تفكيك منظومتها القتالية التي دفعت عليها أموال وأرواح باهظة على مدار 12 عام من حكمها المتفرد لغزة، مقابل الحراك الاقتصادي.
فكرة أن يتحول المقاتل الفلسطيني لحارس أمني خاص على المشاريع الدولية والاقتصادية، التي قد تنقل البلد من حالة الحصار إلى حالة الاندماج وفق تعزيز الاستيراد والتصدير طبقت بالفعل إبان عودة السلطة الجزئية إلى قطاع غزة والضفة وفق اتفاق “غزة أريحا أولاً”
هنا يمكن الإشارة إلى رأي الخبراء في الاقتصاد السياسي الذين أكدوا عدم جدية التنمية في ظل الاحتلال، لأن أي تنمية اقتصادية تحتاج قوة لحمايتها، وتجربة الاحتلال الإسرائيلي بقصف كافة مؤسسات الدولة والعديد من المشاريع والبنى التحتية كمطار غزة الدولي وميناء غزة البحري، وشركة الكهرباء حاضرة في النقاش الفلسطيني.
هل حماس مستعدة للاندماج؟
فكرة أن يتحول المقاتل الفلسطيني لحارس أمني خاص على المشاريع الدولية والاقتصادية، التي قد تنقل البلد من حالة الحصار إلى حالة الاندماج وفق تعزيز الاستيراد والتصدير طبقت بالفعل إبان عودة السلطة الجزئية إلى قطاع غزة والضفة وفق اتفاق “غزة أريحا أولاً”، وتحول مقاتلوا فتح الكبار وبعض التيارات المقاتلة مع منظمة التحرير إلى مسؤولين في السلطة بامتيازات خاصة لا يمكن إغفالها، جعلت منهم متشبّتون بأماكنهم بعيداً عن أي عمل ثوري يؤثر على امتيازاتهم الخاصة، وهو ما تخشاه حماس في المرحلة القادمة.
موافقة حماس على شرط الاحتلال الإسرائيلي في وقف الإنتاج والنشاط العسكري لتمرير المشاريع الدولية القادمة لغزة ضمن الأزمة الحاصلة قد يضعها أمام ثلاثة إشكاليات مهمة، أولها تلف الصواريخ في مخازن التسليح التي تملكها نتيجة التقادم، وتعب المقاتلين نتيجة وقف التدريب المستمر، ثانيها تعزيز الانفصال بين غزة والضفة الغربية مما يحدث استقلالية منقوصة تختلف حولها الرؤى للاحتلال الإسرائيلي، معها يصبح كل من الطرفين يبحث عن الاستمرار في الحياة الاقتصادية والسياسية دون تكلفة الصراع الحاصل.
يبدو أن الطرفان يتجهان نحو الاندماج الصعب في تقنين الحالة الثورية والقرار السياسي بما يتفق تماماً مع الاندماج الاقتصادي الأكبر بين الاحتلال الإسرائيلي والدول العربية.
أما الإشكالية الثالثة وهي الأهم تتعلق بجذور نشأة حركة حماس كحركة تحرر وطني يجتمع حولها الجماهير، ما يعني ضياع فكرة النشأة بعد توطين الناس، وقتل روح التحرر فيهم، بمشاريع اقتصادية مؤقتة ينظر إليها المأزوم في غزة أنها خير من بقاء الحال على ما هو عليه، أو خير من الاشتباك أو الحرب في ظل تجربة 2014.
كلا الطرفان فقدا البوصلة تماماً، حماس التي تتخبط بردود الأفعال على القرارات الأمريكية وقرارات الاحتلال الإسرائيلي بعد حصار خانق عليها، وتحديد أماكن تواجد قياداتها في الداخل والخارج، وربط اتجاه قراراتها باتجاه واحد، والسلطة الفلسطينية التي لم تتخذ إلى الآن أي خطوات مضادة تجاه الانقسام الجغرافي بين الضفة وغزة بتخطيط أمريكي مع الاحتلال الإسرائيلي وأولها رفع العقوبات عن غزة، أو إتمام المصالحة، وتعاني عقوبات أمريكية.
يبدو أن الطرفان يتجهان نحو الاندماج الصعب في تقنين الحالة الثورية والقرار السياسي بما يتفق تماماً مع الاندماج الاقتصادي الأكبر بين الاحتلال الإسرائيلي والدول العربية.