لم تكن الأولى في اجتياح النظام وميليشياته لها، إلا أنها الأولى في انطلاقة الثورة السورية، بل كانت الشرارة المنيرة لدرب الحرية، تحاول قوات النظام السوري والميليشيات التابعة له من التقدم والسيطرة على مناطق المعارضة مرة تلو الأخرى، لكن بالغطاء الروسي ربما يكون النجاح حليفاً لها.
العديد من المناطق سبق وأن سيطرت عليها قوات النظام مدعومة بميليشيات إيرانية ولبنانية على الأرض وبطيران وإشراف روسي، وتحولت من معارك إلى حصار يخضع المعارضة لاتفاق برعاية روسية. كانت قد سبقت درعا مناطق عدة في دمشق منها الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي وجنوب العاصمة وبعضاً من أرياف محافظة حمص، كلها عادت لسيطرة النظام من جديد.
ولكن في درعا بات الأمر مختلفاً تماماً، بقدر ما كانت المفاوضات ميسرة في تلك المناطق إلا أنها هنا معسرة أضعافاً متلازمة، نظراً لمساحة المنطقة ووقوعها في جيب محاصر من قبل قوات النظام.
وفتحت قوات النظام والميليشيات الموالية له مؤخراً معركة جديدة في ريف درعا، حيث سيطرت قوات النظام على عدد من القرى والبلدات في المنطقة، وذلك بعد تمهيد بالقصف الجوي من الطائرات الروسية وطائرات تابعة للنظام السوري وميليشيات إيرانية تساند النظام في معاركه على الأرض حسب تسجيلات مصورة تناقلتها وسائل إعلامية.
استطاعت قوات المعارضة من تدمير ثلاث دبابات، وعربة “ب م ب”، ومدفع رشاش عيار 23، كما دمرت ثلاث دبابات نوع ت72، على جبهة الطيرة قرب مدينة نوى وشمال مدينة طفس، إثر استهدافهم بصواريخ موجهة من نوع تاو.
استمرار المعارك في درعا
أكثر من 50 عنصراً من قوات النظام وميليشياته قتلوا الثلاثاء 3 تموز ـ يوليو الجاري إثر تنفيذ كمين مُحكم في قرية تل السمن بالقرب من بلدة طفس بريف درعا الغربي، حسب ما أعلنت غرفة العمليات العسكرية في الجنوب السوري.
ويأتي ذلك على خلفية تسجيلات فيديو مصورة أظهرت عناصر وقيادات لميليشيات “أبو الفضل العباس” العراقية التابعة لإيران، على جبهات مدينة طفس بريف درعا الغربي، وذلك أثناء مساندتها قوات النظام في عمليات الاقتحام في تلك المنطقة.
كما قتل وجرح العشرات من قوات النظام يوم الإثنين 2 تموز ـ يوليو خلال مواجهات مع قوات المعارضة في بلدات ريف درعا جنوب سوريا، وذكرت غرفة العمليات المركزية في الجنوب السوري أن قوات النظام والميليشيات الإيرانية حاولت التقدم على مناطق المعارضة من محوري طريق التابلين، وتل السمان شرق وشمال مدينة طفس.
فيما استطاعت قوات المعارضة من تدمير ثلاث دبابات، وعربة “ب م ب”، ومدفع رشاش عيار 23، كما دمرت ثلاث دبابات نوع ت72، على جبهة الطيرة قرب مدينة نوى وشمال مدينة طفس، إثر استهدافهم بصواريخ موجهة من نوع تاو.
وعلى أجيج الرصاص لا تزال قوات النظام وحلفائه تمهد بالقصف الجوي والمدفعي، حيث استهدفت قوات النظام عدة بلدات وقرى منها، الطيبة، وصيدا، والمتاعية، وطفس، والمزيريب، ونوى، ومساكن جلين، وتتعرض أرياف المحافظة بشكل يومي لقصف مماثل كتمهيد سابق لاقتحام النظام.
أعلنت الفصائل العاملة في مدينة انخل بريف درعا النفير العام، الإثنين 2 تموز ـ يوليو، والجاهزية التامة لمواجهة قوات النظام وميليشياتها في المنطقة
دعوات للنفير العام وحمل السلاح
أصدرت خلية الأزمة في محافظة درعا بياناً أعلنت فيه النفير العام في منطقة حوران، ودعت كل حاملين السلاح لمواجهة قوات النظام وروسيا والميليشيات الإيرانية وذلك في الوقت الذي فشلت فيه المفاوضات، وتفرد بعض الفصائل بالقرار.
وجاء في بيان الخلية: “آن أوان المصارحة والمكاشفة، فالآن حصحص الحق، ولقد عمل البعض على استثمار صدق وشجاعة الثوّار الأحرار من أجل تحقيق مصالح شخصيّة ضيّقة أو بأفضل الشروط من أجل تحقيق مصالح آنيّة مناطقة تافهة على حساب الدم السوري الغزير الذي أهرق على مذبح الحريّة على مدار أعوامٍ طويلة”، بحسب وصف البيان.
من جانبها أعلنت الفصائل العاملة في مدينة انخل بريف درعا النفير العام، الإثنين 2 تموز ـ يوليو، والجاهزية التامة لمواجهة قوات النظام وميليشياتها في المنقطة، وذكرت في بيان لها “نعلن نحن الفصائل العاملة في مدينة انخل، عن جاهزيتنا لصد أي عدوان من قبل قوات النظام على مدينتنا، ولن ندخر جهداً عن الدفاع عن أرضنا وعرضنا، ونهيب بشباب المدينة أن يكونوا يداً واحدة مع فصائل الثوار، وعوناً لهم”.
ووقعت على البيان كافة فصائل أنخل ومن بينهم “لواء أسود الاسلام”، و”لواء شهداء أنخل”، و”لواء الخليفة عمر”، و”أحفاد عمر”، و”جيش الإسلام”، و”أحرار الشام”، و”ألوية مجاهدي حوران”، و”لواء المرابطين”، و”أحرار انخل”، و”غرباء حوران”، و”لواء غسان جورش”، و”اللواء الأول مهام خاصة”.
كما خرجت عدة مظاهرات نصرة لأهالي درعا في الشمال السوري، في كل من مدينة اعزاز والباب بريفي حلب الشمالي والشرقي، وطالب المتظاهرون بنصرة محافظة درعا وأكدوا أن الشعب السوري واحد، فيما خرجت مظاهرة في بلدة خان العسل غرب حلب تنديداً بالحملة الشرسة التي يشنها النظام على محافظة درعا.
أصدر مجلس القضاء الأعلى في حوران قراراً يجرم المصالحات المنفردة التي تتخذها البلدات والفصائل مع قوات النظام
عودة المفاوضات بوساطة أردنية.. بعد فشلها
بعد فشل المفاوضات التي أجريت في الأيام الماضية بين الجانب الروسي وقيادات من فصائل الجنوب، بسبب تفرد بعض الفصائل بقرار المنطقة عادت المفاوضات من جديد بوساطة أردنية، وأصدرت العمليات المركزية في الجنوب بيان تكليف أعضاء لجنة جديدة للخوض في المفاوضات مع الجانب الروسي حليف النظام.
وقال البيان: “نظرًا لما تمر به المنطقة الجنوبية من ظروف صعبة وهجمة شرسة يقودها النظام السوري أودت بحياة الكثير من الأبرياء ودمرت بلدات بأكملها وشردت الاهالي، نعلن استمرار المفاوضات مع الجانب الروسي”.
وأضاف البيان “قد تم تشكيل لجنة تفاوض موسعة تمثل الجنوب بشكل كامل للوصول إلى اتفاق يحفظ دماء الأبرياء ويضمن سلامة الاهالي والمقاتلين لتهيئة الظروف لحل سياسي نهائي يحقق طموحات الشعب السوري.”
وقد كلف البيان 12 عضو في لجنة المفاوضات وهم “قاسم نجم، ومهران الضيا، ومصعب بردان، وأبو عمر الزغلول، وأبو حمزة العودة، وأبو منذر الدهني، وبشار القادري، وبشار الزعبي، وبشار فارس، ومحمد شراره وأبو خالد الخالدي وجهاد مسالمة”.
وقالت وزيرة الإعلام الأردنية جمانة غنيمات في تصريحات صحفية أنه “تم تشكيل لجنة مفاوضات موسعة تمثل الجنوب السوري بشكل كامل، وذلك بهدف الوصول إلى اتفاق يحفظ دماء الأبرياء ويضمن سلامة الأهالي ويهيئ الظروف لحل سياسي نهائي”، وهذا بعد ساعات من تشكيل العمليات المركزية لجنة جديدة للتفاوض.
تمكنت المملكة الأردنية من اقناع وفد المعارضة في العودة إلى طاولة المفاوضات بعد فشلها وإعلان غرفة العمليات المركزية استمرار العمليات العسكرية
وذكرت مصادر مطلعة أن سبب فشل المفاوضات السابقة هو تفرد بعض الفصائل في اتخاذ القرار في المنطقة الجنوبية، إضافة إلى رفض وفد المعارضة للشروط الروسية التي تتضمن عمليات تسليم للسلاح، ووصفها من قبل أعضاء الوفد بالمذلة، فيما شهد الوفد تغييرا في بعض الأعضاء وإزالة البعض وإضافة آخرين، مما أدى إلى تعطيل المفاوضات لعدة أيام.
من جانبه أصدر مجلس القضاء الأعلى في حوران قراراً يجرم المصالحات المنفردة التي تتخذها البلدات والفصائل مع قوات النظام، وذكر البيان: ” نظرًا للتطورات الأخيرة التي تمر بها المنطقة، وبعد ملاحظة نتائج المصالحات التي حصلت في بعض القرى من الإعدامات الميدانية ونشر الرعب ومحاربة الثورة وأهلها”.
وأضاف: “من سعى للمصالحة بعيدًا عن قرار جامع تتفق عليه المنطقة كاملة فحكمه حكم من يصالحهم من مجرمي روسيا والنظام وسيحاكم بمحاكم ميدانية”. وكانت قوات النظام قد شنت حملات اعتقالات وإعدامات ميدانية في بعض المناطق التي سيطرت عليها كما نهبت الميليشيات ممتلكات المدنيين في المنطقة.
إلى ذلك تمكنت المملكة الأردنية من اقناع وفد المعارضة في العودة إلى طاولة المفاوضات بعد فشلها وإعلان غرفة العمليات المركزية استمرار العمليات العسكرية، فهل ستنجح المفاوضات؟ أم أنها كسابقاتها؟ وهل ستحقق بعضاً من المكاسب للمعارضة؟
مدنيو درعا الموت من خلفهم والحدود مغلقة أمامهم
بالتزامن مع العمليات العسكرية التي يشنها النظام وحلفائه على الجنوب السوري، شهد الأخير موجات نزوح ضخمة جراء القصف الجوي والمدفعي الذي بدأ بالتمهيد أولاً، وتوجه النازحون السوريون نحو الحدود السورية الأردنية يطرقون أبواب إخوانهم هرباً من بطش النظام والميليشيات التابعة له.
أعلنت الحكومة الأردنية أنها لن تفتح الحدود أمام السوريين الفارين بحجة أن بلادهم لا تحتمل هذه الأعداد الضخمة
ويفترش المدنيون العراء بحسب مصادر لنون بوست في المنطقة، ويواجهون حرارة العراء وصعوبة العيش فيه، يتحملون ما كتب عليهم من مصاعب حيث تحولت عقارب العراء وحشراته إلى وحوش أصبحت تنهش في دمهم وذلك على إثر تسجيل أكثر من حالة موت نتيجة لسع الحشرات للأهالي هناك.
من جانبها أعلنت الحكومة الأردنية أنها لن تفتح الحدود أمام السوريين الفارين بحجة أن بلادهم لا تحتمل هذه الأعداد الضخمة إلا أن فرق الإسعاف المتقدمة استطاعت أن تعالج 300 حالة مرضية قرب الحدود، وتم نقل 40 حالة مرضية إلى المشافي الحكومية داخل الأردن بحسب تصريح العميد سالم الزواهرة، بموقع الغد الأردني.
وبعد العديد من المطالبات التي وجهت للحكومة الأردنية من قبل الأمم المتحدة قامت السلطات بفتح ثلاث معابر إنسانية قرب الحدود لإدخال المساعدات الإنسانية للنازحين من شتات الحرب التي حلت ببلادهم، وحسب تقدير الأمم المتحدة أن عدد النزحين بلغ 330 ألفاً على الحدود السورية الأردنية.
وعلى مثيل أسلافهم يعيش أهالي حوران أياماً عصيبة، قد تكون هي مرحلة المصير لهم، في ظل التقاعس الدولي للمنطقة، وبقي لديهم خياران لا ثالث لما، الأول الرضوخ للقوات الروسية والنظامية، والثاني التصدي لها حتى آخر نفس، وهذا هو الخيار الأصعب في ظل هذه المرحلة المصيرية، فأي الخيارين سيتخذون؟