من المعروف أن علاقة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، والمتمثلة بحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” مع النظام السوري، كانت متوترة منذ الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975م. حيث كانت القيادة الفلسطينية وعلى وجه الخصوص قيادة حركة فتح تتهم النظام السوري بمحاولة انتزاع القرار الفلسطيني المستقل لصالحه، وعبر عن ذلك عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الراحل صلاح خلف (أبو إياد ) في خطاب له في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية المنعقد في الجزائر عام 1983م، بقوله: ” أن قرارنا الوطني المستقل على الطاولة والقرار السوري على الطاولة.. قرارنا وقراركم لنا ولكم، ولكن ليس قرارنا لكم وقرارنا فقط هو الموضوع على الطاولة“.
مع بداية اندلاع الأزمة السورية عام 2011م، أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية عدم تدخلها في الشأن السوري الداخلي، ضمن سياسة فلسطينية واضحة المعالم، ومنسجمة مع الشعار الذي كانت تردده حركة فتح دوماً: ” عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية “، في حين سارعت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” لمهاجمة وإدانة النظام السوري، ما تسبب بقطيعة العلاقات بعد أن كانت في أوجهها.
يبدو أن القيادة الفلسطينية أيقنت بأن السيناريو الذي تم في مصر وتونس، ليس وارداً في سورية، وذلك بعد أن أخذ الصراع الدائر في سورية بُعداً دولياً، وتدخّلت فيه قوى كبرى لصالح كل طرف من أطراف الأزمة. وعليه بقيت التصريحات الفلسطينية الرسمية تتماهى ما بين الاعتدال إزاء الأزمة السورية والغزل الخفيف إزاء النظام السوري أحياناً.
مثّل افتتاح المقر الجديد للسفارة الفلسطينية في دمشق في أغسطس عام 2016م تتويجاً للعلاقات مع النظام السوري، وإيذاناً ببداية عهد جديد من العلاقات بين الطرفين
شهر حزيران من العام 2014م، نقلة نوعية في العلاقات الفلسطينية-السورية، بعدما أرسل الرئيس الفلسطيني محمود عباس برقية تهنئة لنظيره السوري بشار الأسد ، بمناسبة فوزه بولاية جديدة في انتخابات الرئاسة التعددية التي أجريت في المناطق الخاضعة لسيطرته، وقد أكّد الرئيس عباس في رسالته: “أن إعادة انتخاب الأسد تساهم في إنهاء الأزمة السورية”. وهو تصريح يعكس مدى تطور العلاقة والدعم الغير مسبوق للنظام السوري.
في المقابل صرح الرئيس بشار الأسد خلال اجتماع له مع رؤساء الجالية الفلسطينية في أوروبا على هامش المؤتمر الثالث للجاليات الذي عُقد بدمشق بداية كانون أول 2014م بأن :” النظام السوري لم يطلب من السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية الانحياز له، ولم ننتقدهم لحياديتهم، ورأينا في موقفهم انتصاراً لقضيتهم وهذا حقهم، ولكن ما يثلج صدورنا أن الوطنيين الفلسطينيين وعلى رأسهم الرئيس عباس ومنظمة التحرير التقطوا حجم المؤامرة التي تعّد لسورية“. يعكس تصريح الرئيس بشار الأسد مدى الامتنان إزاء القيادة الفلسطينية، التي أبقت على خيط العلاقات السورية – الفلسطينية، بعد خروج حركة حماس عن الخط السوري. وفي ذلك مصلحة كبرى للنظام السوري، ودعم معنوي كبير خصوصاً في ظل التحديات الراهنة التي يواجهها.
مثّل افتتاح المقر الجديد للسفارة الفلسطينية في دمشق في أغسطس عام 2016م تتويجاً للعلاقات مع النظام السوري، وإيذاناً ببداية عهد جديد من العلاقات بين الطرفين. والجدير بالذكر أن التمثيل الفلسطيني الدبلوماسي في سورية، يأتي في الوقت الذي يقتصر فيه عدد البعثات الدبلوماسية العربية المعتمدة في دمشق على سبعة فقط (الجزائر، ومصر، والعراق، ولبنان، وسلطنة عُمان، والسودان، واليمن)، ما قد يعني وجوباً مدى أهمية رفع مستوى العلاقة بالنسبة لسورية، خصوصاً وأن القضية الفلسطينية قضية مركزية.
إن مخاطر تحسين العلاقة الفلسطينية السورية بالنسبة للفلسطينيين، أعلى بكثير من فوائدها، وفقاً للواقعية السياسية، والنظام الأحادي القطب السائد حالياً، والعجز العربي العام.
في الرابع من تموز للعام 2017م، أعلنت وزارة الخارجية الفلسطينية عن اعتماد مُسمى جديد لها ليصبح “وزارة الخارجية والمغتربين”، وذلك بناءً على مرسوم الرئيس محمود عباس. على الرغم من عدم توضيح أسباب التغيير، إلا أن واقع عدم اعتماد سوى سورية ولبنان لهذا الاسم في العالم العربي قد لا يكون مصادفةً، وقد تكون رسالة مبطنة لسورية و القوى الإقليمية بأن فلسطين وسوريا تشترك في وحدة المصير، وأن سقوط سوريا والقضية الفلسطينية مرتبطان ببعضهما.
على الرغم من الفوائد التي يراها بعض الكتاب والمحللين من توطيد العلاقة الفلسطينية السورية، والتي يتمثل أبرزها في رعاية شؤون اللاجئين في سورية، وتفعيل لجنة أملاك المنظمة وفتح في سورية بعد أن كانت محجوزة لعقود، والتي نُقل بعضها لمصلحة حركة حماس، إلا إن مخاطر تحسين العلاقة الفلسطينية السورية بالنسبة للفلسطينيين، أعلى بكثير من فوائدها، وفقاً للواقعية السياسية، والنظام الأحادي القطب السائد حالياً، والعجز العربي العام. هذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على أن استقلالية القرار الوطني تمثل أولوية قصوى بالنسبة للقيادة الفلسطينية، وبالتأكيد فإن العلاقة مع سورية منسوجة على قاعدة صلاح خلف “أبو إياد” : قرارنا وقراركم لنا ولكم .
إن تقرب القيادة الفلسطينية من النظام السوري، في الوقت الذي تواجه فيه سورية طابور من القوى الكبرى والإقليمية، يعزز استقلالية القرار الوطني الفلسطيني أمام سورية و العرب وكافة القوى الدولية، ويعيد تأكيد مقولة الرئيس الراحل ياسر عرفات التاريخية: “نحن الرقم الصعب في الشرق الأوسط”.