شهدت القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة صعود عديد الدول اقتصاديا، من ذلك دولة تنزانيا التي ما فتئت أن تحقق أرقاما اقتصادية مهمة مكنتها من احتلال أولى المراتب إفريقيا على مستوى النمو الاقتصادي بفضل نجاح تجربتها في هذا المجال.
الأعلى نمو في شرق القارة
تعتبر تنزانيا من الاقتصادات سريعة النمو في إفريقيا. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يشهد هذا البلد الإفريقي زيادة في النمو الاقتصادي خلال السنوات المقبلة بالتعاون مع القطاع الخاص. ويعتمد النمو الاقتصادي لتنزانيا كثيرًا على القطاع الخاص، حيث تساهم الشركات الخاصة بقوة في تعزيز اقتصاد البلاد عبر إقامة الاستثمارات، ودفع الضرائب وتوفير فرص العمل للمواطنين.
وتشير التقارير الاقتصادية أنّ تنزانيا من بين الدول المستقرة اقتصاديا إذ سيحافظ اقتصادها خلال السنوات القادمة على نفس مستوى النمو المقدر بنحو 7%، بحسب توقعات البنك الدولي. ويعرف اقتصاد تنزانيا طفرة نوعية على جميع المستـويات، ولا سيما من خلال تحسين مناخ الأعمال وتعزيز جاذبية الاستثمارات الأجنبيـة.
تعتمد تنزانيا في إنعاش اقتصادها بالدرجة الأولى على قطاعات المعادن والزراعة والسياحة
شهدت البلاد في السنوات الأخيرة، زيادة كبيرة في تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتي ظلت هي وقيمتها الاستثمارية في ازدياد، حيث ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من 150 مليون دولار في عام 1995 إلى 1.8 مليار دولار في العام 2013، ما يشير إلى ثقة المستثمرين الأجانب في الآفاق الاقتصادية للبلاد.
وتعتمد تنزانيا في إنعاش اقتصادها بالدرجة الأولى على قطاعات المعادن والزراعة والسياحة، بينما شهد قطاع الصناعة نمواً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة في هذا البلد. وبحسب معطيات المكتب الوطني للإحصاء في تنزانيا، فإنّ قطاع الخدمات يشكل 41 % من الناتج القومي الإجمالي، وقطاع الزراعة 29 %، وقطاع السياحة 10% وقطاع المعادن 4%، وقطاع التصنيع 6.%.
تتصدر الهند قائمة الدول الأكثر استيراداً للمنتجات التنزانية، تليها كينيا، فجنوب إفريقيا، فالصين، ثم عُمان، بينما تأتي المملكة العربية السعودية، الصين، الهند، الإمارات العربية المتحدة، جنوب إفريقيا في مقدمة الدول المصدرة لتنزانيا. ويأتي الذهب والقطن والقهوة والشاي وفستق الكاجو، في مقدمة المنتجات التي تصدرها تنزانيا إلى الخارج، بينما تستورد النفط ومشتقاته، وآليات النقل (حافلات وسيارات)، آليات التصنيع.
موقع جغرافي مميز
تعتبر تنزانيا إحدى دول شرق إفريقيا المطلة على المحيط الهندي، تحدها كينيا وأوغندا من الشمال، ورواندا وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية من الغرب، وزامبيا ومالاوي وموزمبيق من الجنوب. خضعت البلاد لاستعمار بريطاني وألماني كغيرها من الدول الإفريقية واستقلت عام 1961.
عكس باقي الدول الإفريقية في شرق ووسط القارة، تمتعت تنزانيا، باستقرار سياسي وديني شبه كامل
استغلت البلاد هذا الموقع الجغرافي المميز حتى ترفع من درجة نمو اقتصادها، فهي بمثابة حلقة وصل بين هذه الدول الإفريقية المحيطة بها من كل جانب والرابط بين منطقة شرق إفريقيا وجنوبها، كما استغلت المحيط الهندي لتطوير تجارتها البحرية مع باقي الدول.
امتيازات كبيرة
وفّر النظام التنزاني عدد من الامتيازات للمستثمرين في مختلف القطاعات كالسياحة والفلاحة والطاقة والنفط والغاز والبنية التحتية والمناجم، وتتيح التشريعات الاستثمارية التنزانية كثير من الإعفاءات الضريبية، التي من شأنها جذب المستثمرين.
يتمتع المستثمر في تنزانيا بإعفاء من ضريبة الشركات لمدة 10 سنوات، بالإضافة إلى إعفاء من ضريبة القيمة المضافة على المواد الخام المستخدمة في التصنيع. ومن بين المزايا والحوافر الاستثمارية الأخرى، يأتي الإعفاء من الرسوم الجمركية على المواد الخام ومواد البناء والتشييد.
استقرار سياسي وعرقي
على عكس باقي الدول الإفريقية في شرق ووسط القارة، تمتعت تنزانيا، باستقرار سياسي وديني شبه كامل؛ حيث لم تشهد البلاد حروبًا ونزاعات قَبَلية أو تمردًا مسلحا أو حروبا دينية بخلاف معظم دول الجوار في المنطقة، مثل: رواندا وبوروندي والصومال والكونغو وجنوب السودان.، والتي خاضت حروبًا قبلية مدمرة أدى بعض منها إلى تطهير عرقي غير مسبوق.
وإثيوبيا وأوغندا اللتين ما زالتا تعانيان من حمى التمرد المسلح، وإفريقيا الوسطى التي شهدت مؤخرًا حربًا دينية لا هوادة فيها، فيما ظلَّت الحالة التنزانية عكس ذلك تمامًا، مما جعلها نموذجًا للاستقرار السياسي والتعايش الديني في منقطة تعتبر من أكثر المناطق صراعًا في إفريقيا.
عمل ماغوفولي منذ اليوم الأول لتقلّده منصب الرئيس على إقالة عدد كبير من المسئولين البارزين
يعيش في تنزانيا أكثر من 130 جماعة عرقية مختلفة أبرزهم بانتو، الذين يسكنون الوسط، إلى جانب باشنجا، ماكونزي، السوكوما، والسومبوا، وهناك جالية عربية وآسيوية وأوروبية، واللغة الرسمية هي الإنجليزية والساحلية.
جون بومبي ماغوفولي: “البولدوزر”
في أكتوبر/تشرين الأول سنة 2015، وصل جون بومبي ماغوفولي (59 سنة) المتحصّل على شهادة في الكيمياء إلى رئاسة البلاد. مباشرة بدأ في تطهير بلاده من الفساد والمفسدين، حتى أنه سمي “البولدوزر” أي الجرافة، لسياسته المباشرة في اجتثاث الفساد.
عمل ماغوفولي منذ اليوم الأول لتقلّده منصب الرئيس على إقالة عدد كبير من المسئولين البارزين على رأسهم رئيس جهاز مكافحة الفساد، ورئيس مصلحة الضرائب، وأحد المسئولين بالسكة الحديد، ورئيس هيئة الموانئ، ضمن حملة موسعة لمكافحة الفساد.
حارب “البولدوزر” الفساد المالي أيضا، حيث ألغى الاحتفالات الرسمية بعيد الجمهورية حفاظا على موارد الدولة المالية، ووجه الأموال المرصودة لتلك الاحتفالات إلى محاربة وباء الكوليرا، ودعا الشعب في ذلك اليوم إلى حملات نظافة في البلاد شارك فيها شخصيا.
اتخذ الرئيس التنزاني مجموعة من القرارات الهامة على المستوى الوزاري، حيث قلص عدد وزراء حكومته من 30 إلى 19 وزيرا فقط، وطالب بالكشف عن أرصدة وحسابات كافة الوزراء في البنوك، مهددا بإقالة أي وزير يرفض الكشف عن حساباته البنكية.
إلى جانب ذلك، أوقف كافة سفريات المسئولين بالدولة إلى الخارج دون الحصول على ترخيص مباشر منه، لأن أغلب عمل الوزراء داخلي، بينما السفراء يجب أن يهتموا بالخارج، رافضا أيضا سفر المسئولين في طائرات الدرجة الأولى.
البرلمان هو الآخر كان له نصيبا من حركة ماغوفولي الإصلاحية حيث قلص نفقات حفل افتتاح البرلمان الجديد من 100 ألف دولار إلى 7 آلاف دولار فقط، واستغل هذه المبالغ الفائضة في استكمال التجهيزات والمعدات الناقصة في المستشفى الرئيسي بالدولة.
أمر “البلدوزر” بجمع كافة سيارات المسئولين التابعة للدولة من نوع الدفع الرباعي وطرحها للبيع في مزاد علني، وأبدلهم بسيارات أخرى. وفي 29 ابريل 2017، أمر الرئيس التنزاني ماغوفولي بفصل أكثر من 9900 موظف مدني بعد أن كشفت عملية تحقق وتدقيق أجريت في أنحاء البلاد عن وجود آلاف الموظفين بشهادات مدرسية وجامعية مزورة.