قبل عام، وتحديدًا في 30 من يونيو 2017، اعتقلت قوات الأمن السيدة عُلا القرضاوي (مواطنة قطرية من أصل مصري تبلغ من العمر 56 عامًا)، ابنة العالِم الإسلامي الشهير يوسف القرضاوي، وذلك برفقة زوجها حسام خلف، عضو الهيئة العليا لحزب الوسط، خلال قضائهما إجازتهما في الساحل الشمالي بمصر.
برر الأمن المصري، آنذاك، عملية الاعتقال بأن الزوجين تصرفا في ممتلكات شاليه تابع للشيخ القرضاوي الذي تتحفظ الدولة على أمواله وأموال أبنائه تحت زعم انضمامهم لجماعة الإخوان، وكان تحقيق نيابة أمن الدولة منصبًا بالفعل على تلك الواقعة التي نفتها عائلة القرضاوي في بيان رسمي، مؤكدين أن الشاليه مِلك زوجته الراحلة، ولكن بعد يومين فقط من التحقيق، فوجئت العائلة بأن الزوجين متهمين بالانضمام إلى جماعة وتموليها على خلاف القانون.
مأساة في القناطر والعقرب
أودعت السلطات المصرية حسام خلف سجن “العقرب”، سيء السمعة، بينما أودعت زوجته سجن “القناطر الخيرية للنساء”، وتفننت على مدار عام كامل في إلحاق الأذى بهما وإحاطتهما بظروف حبس قاسية وغير اعتيادية.
على الرغم من تدهور صحة الزوجين، خاصة عُلا، إلا أنهما حُرما من الحصول على رعاية طبية، تمنع السلطات كذلك الزيارة العائلية عن علا وحسام، كذلك تحرمهما من التواصل مع المحامين، في تحدٍ سافرٍ لأبسط حقوق المتهم الأساسية
تقبع السيدة عُلا، حسبما تؤكد عائلتها، في زنزانة انفرادية، بحجم حوالي 160 × 180سم، بدون سرير، وتفتقر إلى الإضاءة والتهوية، وممنوعة من استخدام المرحاض، حيث يسمح الحراس لها بخمس دقائق في الصباح فقط، وهو ما يضطرها إلى الحد من تناول الطعام، لتجنب الحاجة إلى الذهاب إلى المرحاض. وقد فقدت الكثير من وزنها. كما أن الزوجين لا يتلقيا الغذاء الكافي، ولا تسمح السلطات لأفراد أسرهم بتقديم الأغذية أو غيرها من المواد لتكملة النظام الغذائي غير اللائق في السجن.
وعلى الرغم من تدهور صحة الزوجين، خاصة عُلا، إلا أنهما حُرما من الحصول على رعاية طبية، تمنع السلطات كذلك الزيارة العائلية عن علا وحسام، كذلك تحرمهما من التواصل مع المحامين، في تحدٍ سافرٍ لأبسط حقوق المتهم الأساسية.
علاوة على ذلك، فقد انتقد محامي الزوجين، غير مرة، عدم إقدام المحكمة على التحقيق الجاد في القضية، واصفًا جلسة تجديد حبسهما كل 45 يومًا بالروتينية.
تنديد حقوقي عالمي
خلال عامهما الأول، نددت عدة منظمات وجهات رسمية دولية باعتقال علا وحسام، على رأسها منظمة العفو الدولية، هيومن رايتس ووتش، وزارة الخارجية الأمريكية. وطالبت السلطات المصرية مرارًا وتكرارًا بالإفراج عنهما، دون استجابة من الأخيرة.
العفو الدولية: ظروف حبس عُلا الانفرادي “لا يمكن وصفها إلا بالتعذيب”، حيث تظل محبوسة في زنزانتها لمدة 24 ساعة يوميًا باستثناء دقائق معدودة، لتصبح أطول مدة حبس انفرادي لسيدة في السجون المصرية، على ذمة قضية سياسية
أصدرت منظمة العفو الدولية ثلاثة تقارير عن القضية، نددت خلالها باعتقال الزوجين، التقرير الأول في 8 سبتمبر 2017، ودعت فيه السلطات المصرية إلى ضمان احتجازهما في ظروف إنسانية والحصول على الرعاية الصحية الكافية، وحثها على توفير الوصول إلى الأسرة والمحامين. وحثها أيضًا على ضمان حماية علا وحسام من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة. وأن يُعاملوا وفقا لقواعد مانديلا في جميع الأوقات.
وفي 29 نوفمبر 2017، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرها الثاني، وناشدت فيه السلطات المصرية بإطلاق سراح علا وحسام فورًا، مؤكدة أن “الزوجين تم اعتقالهما بتهمة لا أساس لها من الصحة”.
وفي 7 مايو 2018، أصدرت المنظمة تقريرًا بعنوان “سحق الإنسانية: إساءة استخدام الحبس الانفرادي في السجون المصرية”، قالت فيه أن ظروف حبس عُلا الانفرادي “لا يمكن وصفها إلا بالتعذيب”، حيث تظل محبوسة في زنزانتها لمدة 24 ساعة يوميًا باستثناء دقائق معدودة، لتصبح أطول مدة حبس انفرادي لسيدة في السجون المصرية، على ذمة قضية سياسية.
منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية نددت باعتقال علا وحسام هي الأخرى، وأصدرت تقريرًا في 14 سبتمبر 2017، أكدت فيه أن السلطات المصرية انتهكت مرارًا حقوق الزوجين منذ اعتقالهما في 30 يونيو 2017.
وطالبت المنظمة الحقوقية الشهيرة النيابة العامة في مصر بتوجيه اتهام إلى الزوجين بناءً على أدلة واضحة وعرضهما على قاضٍ ليحكم بشأن شرعية احتجازهما وضرورته، أو إطلاق سراحهما فورًا.
وذكرت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة، أن وزارة الداخلية المصرية لا تعتدي على سلطة القضاء المحاصرة وحسب، بل على الحقوق الأساسية للمصريين مثل علا القرضاوي وحسام خلف كل يوم. مشيرة إلى أن “قضيتهما مثال محزن لما أصبح مألوفا في مصر”.
وفي 20 أبريل 2018، أصدرت الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي حول حالة حقوق الإنسان في العالم خلال 2017. سلط التقرير الضوء على قضية علا وحسام، وظروف حبسهما غير الآدمية، وأدان حرمانهما من التواصل مع المحامين، كذلك عدم توجيه اتهام رسمي لهما رغم مدة الاحتجاز الطويلة.
فتش عن خلافات الخليج
سلطت عدة صحف أجنبية كبرى الضوء على قضية علا وحسام، من بينها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، التي نشرت تقريرًا صحفيًا في 21 أكتوبر 2017، أكدت خلاله أن علا وحسام ضحايا الخلافات السياسية في الشرق الأوسط.
وتساءلت صحيفة نيويورك تايمز: ما هي طبيعة الجرائم التي ارتكبتها علا لتلقى معاملة قاسية كهذه؟ لتؤكد الصحيفة أن السبب الحقيقي وراء معاقبة علا وحسام “مرتبط أكثر بالخلاف الجيوسياسي بين البلدان الغنية والكبرى بالشرق الأوسط، الذي تحولت فيه علا إلى ضحية لا حيلة لها”، في إشارة إلى الأزمة الخليجية بين قطر وجيرانها.
عُلا تضرب عن الطعام
خلال جلسة تجديد حبسها، 26 يونيو الماضي، أخبرت علا القرضاوي محاميها أنها سوف تبدأ إضرابًا عن الطعام لحين “وقف تعذيبها وقتلها بالبطيء وتغيير أوضاع حبسها المأساوية”.
محامي علا أكد أنه لم يشجعها على الإضراب عن الطعام لأنه قد يودي بحياتها في ظل صحتها المتدهورة وظروف السجن السيئة، لكن علا شددت على أنها ستواصل الإضراب عن الطعام حتى تلبية أبسط مطالبها الإنسانية.
الأمم المتحدة تدخل على الخط
في ذكرى اعتقالهما الأولى، دعا مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، مصر إلى الإفراج غير المشروط عن علا القرضاوي وزوجها حسام خلف، ووصف احتجازهما بـ “التعسفي”. وذكر المكتب، في بيانه الصحفي، أن علا القرضاوي تخضع للحبس الانفرادي منذ عام في واحد من أسوأ السجون في مصر مع حرمانها من تلقي زيارات من أسرتها ومحاميها منذ اعتقالها.
وقالت ليز ثروسيل المتحدثة باسم المكتب إن المعلومات تفيد بأن القرضاوي بدأت مؤخرًا إضرابًا عن الطعام احتجاجًا على هذا الوضع. وأقر المكتب بأن احتجاز علا القرضاوي في الحبس الانفرادي لمدة طويلة، قد يصل إلى درجة التعذيب “وغيره من أشكال المعاملة القاسية والمهينة”.
أعلن المحامي الدولي لعلا القرضاوي وحسام خلف، جاريد جنزر، أن لجنة الأمم المتحدة المعنية بقضية الاعتقال التعسفي، أقرت أن الزوجين محتجزان بطريقة غير قانونية في انتهاك صريح للقانون الدولي، وطالبت بإطلاق سراحهما على الفور
وأشار مكتب حقوق الإنسان إلى ضعف وتدهور صحة علا القرضاوي، وحث السلطات على احترام حقها في الصحة والسلامة الجسدية والنفسية. ودعا مصر إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين تعسفيًا بدون شروط.
في 19 يونيو الماضي، أعلن المحامي الدولي لعلا القرضاوي وحسام خلف، جاريد جنزر، أن لجنة الأمم المتحدة المعنية بقضية الاعتقال التعسفي، أقرت أن الزوجين محتجزان بطريقة غير قانونية في انتهاك صريح للقانون الدولي، وطالبت بإطلاق سراحهما على الفور.
وذكرت اللجنة أن التجديد المتكرر لأمر احتجازهما لمدة 45 يومًا، أدى إلى انتهاكات مستمرة لحقوقهما في المحاكمة العادلة والإجراءات الواجبة، وخلصت إلى أنه “لا يمكن إلا أن تستنتج أن علا وحسام قد اُعتقلا واُحتجزا بسبب صلتهما العائلية بالشيخ يوسف القرضاوي”.
رسالة القرضاوي لابنته
وبمناسبة مرور عام على اعتقالها رفقة زوجها، نشر الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، رسالة مؤثرة لابنته عُلا، عبّر فيها عن حزنه وألمه لاعتقال ابنته والظروف المأساوية التي تمر بها.
يقول القرضاوي في رسالته لعُلا: “إنك يا ابنتي لا تغيب صورتك عن مخيلتي، ولا ذكرك عن بالي، وأسأل الله في دعواتي وصلواتي وخلواتي: أن ينجيك من القوم الظالمين، وإن كنت ككل أب.. تتحرك مشاعره.. ويعتصره الألم.. فيحترق قلبه.. وتفيض عيناه؛ كلما ذكر هول ما تعانيه ابنته ظلما وعدوانا، بلا جريمة أو جريرة، وبلا ذنب أو مخالفة”.
ويضيف: “عام مضى ونحن ننتظر ضميرا ساكنا أن يتحرك.. نائما أن يصحو.. حبيسا أن يتحرر.. ميتا أن يحيى! عام مضى، وهي بعيدة عن بيتها، وعن أبنائها، وعن أحفادها، وعن أبيها، وعن إخوانها وأخواتها، في زنزانة انفرادية ضيقة، لا تتوافر لها أدنى الحقوق، ويضيق عليها عمدا في كل أمورها، لماذا؟ لأنها ابنة القرضاوي، وتحمل الجنسية القطرية؟”.
وختم القرضاوي رسالته لابنته قائلًا: “لو كانت المناشدة يا ابنتي تجدي عند هؤلاء لناشدتهم، ولكنهم قساة القلوب، غلاظ الأكباد، نزع الله الرحمة من قلوبهم، والمروءة من أخلاقهم، ولكني ألجأ إلى الله الذي بيده ملكوت السموات والأرض، وكفى به وكيلًا”.