“إغلاق مضيق هرمز بالنسبة لإيران أسهل من شربة ماء”.. كانت تلك عبارة أطلقها قائد القوات البحرية الإيرانية الأميرال حبيب الله سياري في أعقاب المناورات التي أجرتها إيران في 24 ديسمبر/كانون الأول 2011، وبعد حوالي 7 سنوات يقفز مضيق هرمز مجددًا بين سيناريوهات التصعيد المحتمل بين أمريكا وإيران، لتتوارد الأسئلة عن تداعيات دخول أحد أهم الممرات المائية في العالم دوائر التصعيد بين طهران وواشنطن.
النفط وقود الحرب القادمة
شهدت منطقة الخليج على مدار السنوات الماضية مضايقات من جانب البواخر التابعة للقوات البحرية للحرس الثوري الإيراني باتجاه السفن التجارية في مضيق هرمز، لكن التهديدات بغلق المضيق تضاعفت الآن أكثر من أي وقت مضى، وذلك ترامنًا مع تطورات إقليمية هامة عنوانها النفط، ما يزيد من احتمالية تنفيذ تلك التهديدات مع تصاعد الأحداث الجارية في المنطقة.
وكانت التصريحات التي قالها كبير المستشارين السياسيين في وزارة الخارجية الأمريكية براين هوك بشأن خفض إيرادات طهران من النفط إلى الصفر في مسعى لدفع القيادة الإيرانية إلى تغيير سلوكها في المنطقة، بمثابة “القشة التي قصمت ظهر البعير”، إيذانًا بعودة قضية التهديد بإغلاق مضيق هرمز في وجه الملاحة الدولية إلى الساحة الدولية مجددًا.
شهدت السفن التجارية في مضيق هرمز منطقة الخليج مضايقات من جانب القوات الإيرانية
فالرد على تهديدات براين جاء سريعًا، حيث قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن الولايات المتحدة لن تستطيع خفض إيرادات بلاده من النفط إلى “الصفر”، وزاد على ذلك ما حمل تلميحًا بأن بلاده ستعرقل صادرات النفط في المنطقة حال مضت واشنطن قدماً في سعيها لمنع إيران من تصدير نفطها.
لكن ما قاله روحاني تلميحًا بالأمس تحوّل بعد ساعات إلى تهديد صريح، إذ سارع قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بالترحيب بمواقف روحاني المواجهة لأمريكا وسياستها في المنطقة، مبديًا استعداده لنقل تلك التهديدات إلى موضع التنفيذ، وقال إن “الحرس الثوري الإيراني مستعد لتطبيق سياسة تمنع صادرات النفط الإقليمية حال حظر أمريكا مبيعات النفط الإيرانية”.
وفي سياق التصريحات التي أعلنها الحرس الثوري الإيراني بهذا الخصوص، هدد القيادي في الحرس الثوري العميد إسماعيل كوثري بمنع مرور شحنات النفط في مضيق هرمز بالخليج، محملاً الولايات المتحدة مسؤولية ما سماها التبعات الثقيلة لمنع إيران من تصدير نفطها.
تهديدات قادة الحرس الثوري جاءت في وقت تدرس فيه الإدارة الأمريكية خيار تصنيفه ضمن لائحة الجماعات الإرهابية
تهديدات قادة الحرس الثوري جاءت في وقت تدرس فيه الإدارة الأمريكية خيار تصنيفه ضمن لائحة الجماعات الإرهابية، لكن لم يتم حتى اللحظة التوصل إلى توافق نهائي بشأنه. ومن شأن مثل هذا القرار – الذي يحظى بدعم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو- تجميد الأصول التابعة للحرس الثوري الإيراني وفرض حظر سفر على عناصره، بالإضافة إلى فرض عقوبات جنائية بالتوازي مع العقوبات الاقتصادية الموجودة حالياً.
ولطالما هددت إيران بغلق مضيق هرمز أمام السفن المارة، فعلى مدار السنوات الماضية، خرجت تهديدات كثيرة على لسان الكثير من القادة الإيرانيين، كان منها ما قيل على لسان قائد القوة البحرية في حرس الثورة الإسلامية، الأميرال علي فدوي في مارس/آذار 2015، إن “مضيق هرمز إذا أُغلق فإن السبب هم الأمريكان”، مشيرًا إلى قدرة الحرس الثوري على إغلاق المضيق إذا تطلب الأمر.
في المقابل، تعهد الجيش الأمريكي بإبقاء الطرق المائية في مياه الخليج مفتوحة أمام ناقلات النفط، وقال المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية بيل أوربان لوكالة أسوشيتد برس، أمس الأربعاء، إن القوات البحرية الأمريكية وحلفاءها الإقليميين “على أهبة الاستعداد لضمان حرية الملاحة والتدفق الحر للتجارة أينما يسمح القانون الدولي بذلك”.
مضيق هرمز يتحكم بنحو 40% من نفط العالم المنقول بحرًا بشكل يومي
مضيق هرمز.. الخطر يقبع بين الأمواج
تلك التهديدات التي لا تتوقف تكمن في أهمية مضيق هرمز الذي يقع عند مدخل الخليج، بين عُمان وإيران وهو واحد من أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حركة للسفن، كما أنه ممر استراتيجي يتحكم في الملاحة النفطية لنحو 40% من نفط العالم المنقول بحرًا بشكل يومي، بحسب إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، لذلك فإن إغلاقه يتسبب بكارثة على دول الخليج وعلى مصالح دول العالم.
ويعتبر القانون الدولي مضيق هرمز جزءاً من أعالي البحار، ولكل السفن الحق والحرية في المرور عبره، ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس سلامها وأمنها، وتخضع الملاحة فيه بالتالي لنظام “الترانزيت”، ما يعني عدم فرض أية شروط على السفن التي تمر من خلاله ما دام مرورها يكون سريعاً، ولا يشكل أي تهديد للدول الواقعة حوله.
وللمضيق أهمية خاصة لدول الخليج التي تصدر نحو 90% من نفطها عن طريق ناقلات نفط تمرّ عبره. كما تأتي واردات دول الخليج من خلال سفن شحن تمر عبره، خاصة تلك القادمة من الصين واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان.
على الرغم من الخطاب العسكري الناري للقيادات الإيرانية، فإن القوات البحرية الإيرانية فقيرة إذا تم مقارنتها بالأسطول الخامس الأمريكي
وبينما جاءت التصريحات الإيرانية في سياق التحذير من مغبة حظر تصديرها للنفط في إطار العقوبات، يرى خبراء عسكريون إن عرقلة إيران الملاحة في المضيق ممكن، لكن إغلاقه كاملاً أمر صعب، فمن الناحية العملية، ستكون الولايات المتحدة ومعظم دول العالم ستكون ضد التصرف الإيراني وستعمل لحماية مصالحها البترولية في المنطقة، ولو بالقوة.
أما من الناحية العسكرية، فإن الصعوبة تكمن في عدة خيارات أولها إمكانية زرع إيران ألغام بحرية، وهو خيار يبقى نجاحه نسبيًا بسبب عرض المضيق الذي يصل في أضيق إلى 34 كيلومتر وعمقه الذي لا يتجاوز 60 متر، ولتوفر البحرية الأمريكية المتواجدة في المنطقة على كاسحات ألغام.
الخيار الثاني يتعلق بلجوء إبران إلى زوارق حربية سريعة تستهدف بوارج وسفن حربية أمريكية وناقلات نفط، وتتجاوز قوة الردع الأمريكية القادرة على تدمير أي قطع حربية إيرانية. أما الخيار الثالث فيتمثل في لجوء إيران إلى الصواريخ الطوافة المضادة للسفن عبر نصب منصات صواريخ “كروز” متحركة برًا، قد يصعب على الطيران الأمريكي تحييدها إلا بعد أسابيع بحسب خبراء.
لكن في المقابل، ستدفع القوات الإيرانية ثمنًا باهظًا للقتال في الخليج، حيث من الممكن أن تُدمر قواتها بدون أن يتم إلحاق ضرر أولي ضخم بالقوات المقابلة، مما سيعرض النظام الإيراني لنوع من الإهانة، فعلى الرغم من الخطاب العسكري الناري للقيادات الإيرانية، فإن القوات البحرية الإيرانية فقيرة إذا تم مقارنتها بالأسطول الخامس الأمريكي.
كما أن إيران تعتمد على المضيق في حرية الملاحة وتصدير نفطها أكثر من جيرانها، الذين استطاعوا إيجاد حلول أخرى لتصدير نفطهم من خلال بناء خطوط أنابيب لتجاوز عقبة غلق الممر المائي الاستراتيجي، في حين معظم الصادرات والواردات الإيرانية تمر من المضيق.
تعمد أمريكا إلى عقاب إيران اقتصاديًا بعيدًا عن الخيارات العسكرية
تصفير النفط الإيراني.. الحرب الاقتصادية عوضًا عن الحرب العسكرية
بالعودة إلى تصريحات براين هوك والمسئولين الأمريكيين، نستنتج أن إدارة ترامب اختارت الحرب الاقتصادية ضد نظام طهران، فالنفط الذي تُعَد إيران ثالث أكبر مصدر له في منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك”، إذ تصدر نحو مليوني برميل من الخام يوميًا، سيكون هو عنوان الحرب القادمة.
ولا يمكن الحديث عن تصريحات هوك بخصوص “تصفير” النفط الإيراني باعتبارها مجرد تصريحات إعلامية فقط،، فخطة الولايات المتحدة المعلنة هي تقليص واردات أكبر عدد ممكن من الدول من النفط الإيراني إلى صفر في أقرب وقت ممكن، وبينما تمضي إيران في تهديداتها العسكرية، تحاول واشنطن القضاء على آمال إيران الاقتصادية.
وفي سبيل ذلك قامت أمريكا بالفعل بخطوات عملية لتنفيذ هدفها، وكثف الرئيس الأمريكي الضغط على حلفاء بلاده لوقف واردات النفط الإيراني بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي أبرمته القوى العالمية مع طهران؛ ونتيجة لذلك خفّض مشترون في أوروبا والهند الواردات بالفعل في مسعى لتجنب التداعيات السلبية للعقوبات.
وتسيِّر واشنطن حملات دبلوماسية تحذر فيها الأقربين والأبعدين بأن التعامل مع إيران أو استيراد نفطها سيجعلهم شركاء في العقاب، وقد بدا ذلك في زيارة سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هالي إلى الهند، وحثها الهند صراحة على تقليص وارداتها من نفط إيران.
ومن أجل تعويض انخفاض الصادرات الإيرانية، استخدم ترامب خلفاءه الخليجيين، فقد فاجأت السعودية شركاءها في منظمة “أوبك” لتكشف عن استعدادها لزيادة إنتاجها من النفط بنحو مليوني برميل يوميًا، بعد اتصال هاتفي بين الرئيس الأمريكي والعاهل السعودي كان كافيًا ليُجري طبيعة تلك العلاقة بين الجانبين.
وأظهر مسح حديث قامت به رويترز أن حلفاء السعودية الخليجيين لم يتقفوا أثر المملكة بعد، وأبقوا على إنتاجهم مستقراً في يونيو،/ حزيران الماضي، لكن رغبات ترامب جذبت الإمارات أيضًا، حيثقالت شركة بترول أبو ظبي الوطنية “أدنوك” إنها ستزيد إنتاجها من النفط بمئات الآلاف من البراميل يوميًا إذا كان ذلك ضروريًا لتخفيف أي نقص في السوق العالمية، لتحذو بذلك حذو السعودية التي استجابت لطلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بهذا الخصوص.
لهذه الأسباب هددت إيران الخليجيون على الشاطئ الآخر، فالسعودية ستتضرّر صادراتها من النفط الخام المحمول بحرًا بنسبة 88% إلا أن لها منافذ أخرى تستطيع التعويض عبرها وهي على بحر العرب والبحر الأحمر، أمّا الأكثر تضرّرًا فهي دولة الكويت والبحرين، أما الإمارات العربية المتحدة فبادرت بعد انتهاء خط أنابيب “حبشان الفجيرة” الذي افتتحته (بضخّ نفطها عبره، إلا أنها ما زالت تحتاج لمياه المضيق.
وبعيدًا عن الخيارات العسكرية، يعقد وزراء خارجية الدول الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران، أول اجتماع لهم بدون واشنطن، في فيينا، في 6 يوليو الجاري، لبحث مقترحات أوروبية لحماية الاتفاق. وقد تضغط هذه الدول على الولايات المتحدة لضمان صادرات إيران النفطية بهدف ألا تخرج الأخيرة من الاتفاق النووي.
هذه الخيارات قد تجعل التصريحات الإيرانية حربًا نفسية لكنها قابلة للتطور، ويبقى التساؤل معها حول كيفية تطبيق الحظر على النفط الإيراني، وكيفية إغلاق إيران المضيق الذي يعتبر ممراً مائياً دولياً، كما أي محاولة لعرقلة الملاحة فيه تشكل انتهاكاً للقوانين الدولية.