يحاول اللواء المتقاعد خليفة حفتر منذ عودته إلى الساحة في ليبيا، استغلال كل الفرص التي تأتي أمامه لتدعيم مكانته ونفوذه في هذا البلد الذي يعيش على وقع العنف والفوضى والاقتتال منذ ثورة فبراير 2011.
سعي متواصل، تجسد هذه المرة في محاولته اثبات شرعيته المفقودة التي ظل سنوات عدة يبحث عنها، تارة بالانقلاب على مؤسسات الحكم وأخرى بالتشكيك فيها، غير مبال بمعاناة ليبيا والليبيين، التي أثرت حتى على دول الجوار.
ميزانية خاصة لقواته.. وشروط أخرى
محاولة هذه المرة تمثلت بطلب ميزانية رسمية لقواته من قبل المجلس الرئاسي حتى يعيد نفط البلاد لمؤسسات الدولة الرسمية، بعد أن قرر السيطرة عليه وحرمان الدولة من عائداته المالية، حتى يضفي لعمله شرعية من المجلس الرئاسي صاحب الشرعية الوحيدة في البلاد المتأتية من اتفاق الصخيرات.
حفتر، بعد أيام من قراره تسليم موانئ النفط إلى مؤسسة النفط الموازية في طبرق، طالب بضمان تمويل قواته من الميزانية العامة للدولة مقابل تسليم موانئ الهلال النفطي إلى “المؤسسة الوطنية للنفط” التابعة لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس.
بموجب القانون الليبي، تسلم المؤسسة الوطنية إيرادات النفط إلى مصرف ليبيا المركزي، وتحصل بعد ذلك على مخصصات ميزانيتها من الحكومة الليبية
فضلا عن ذلك، اشترط حفتر استمرار قواته المسلحة السيطرة على المنشآت النفطية، إضافة إلى “احترام وتفعيل القرارات الصادرة عن مجلس النواب، الممثل الشرعي للشعب الليبي، وفي مقدمتها تعيين محافظ مصرف ليبيا المركزي”، وفق نص بيان صادر عنه.
وقبل أيام، أعلنت قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر السيطرة على الموانئ النفطية والمنشآت النفطية وخطوط نقل النفط الموجودة في منطقة الهلال النفطي، وتسليمها لمؤسسة نفطية موازية شرقي ليبيا، في محاولة من حفتر تحويل وجهة عائدات التصدير التي يديرها البنك المركزي بطرابلس إلى طبرق.
وبموجب القانون الليبي، تسلم المؤسسة الوطنية إيرادات النفط إلى مصرف ليبيا المركزي، وتحصل بعد ذلك على مخصصات ميزانيتها من الحكومة الليبية. وتشكل مبيعات النفط نسبة عالية من إيرادات البلاد، وتتوقع ليبيا وصول العجز في الموازنة العامة للدولة لعام 2018، إلى 10 مليارات دينار (الدولار 1.4)، بالاعتماد على إنتاج يومي من النفط يصل إلى مليون برميل.
يسعى حفتر لضمان تمويل رسمي لقواته المسلحة
قُوبل قرار حفتر حينها برفض حكومة الوفاق الوطني، التي طالبت مجلس الأمن الدولي بالتصدي لأي محاولة لبيع النفط الليبي بصورة غير مشروعة، خاصة وأنه سبق أن أصدر مجلس الأمن قرارا أدان فيه المحاولات غير القانونية لتصدير النفط من ليبيا، بما في ذلك النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة، من قبل المؤسسات الموازية التي لا تعمل تحت سلطة حكومة الوفاق الوطني.
تفاديا للقوة القاهرة!
شروط حفتر، جاءت بعد أيام قليلة من اعلان مؤسسة النفط الليبية الحكومية، حالة “القوة القاهرة”، في مينائي “رأس لانوف” و”السدرة” بمنطقة الهلال النفطي شمالي ليبيا. و”القوة القاهرة” في القانون هي إحدى بنود العقود حول النفط، وتعفي الطرفين المتعاقدين من التزاماتهما عند حدوث ظروف قاهرة خارجة عن إرادتهما، مثل الحرب أو الثورة أو إضراب العمال، أو جريمة أو كوارث طبيعية.
إعلان المؤسسة الوطنية للنفط “القوة القاهرة”، تمّ لتخلي مسؤوليتها أمام الأطراف المتعاقدة معها، بعد سيطرة حفتر على موانئ النفط وقراره تسليمها لمؤسسة موازية في طبرق. وتختص المؤسسة الوطنية للنفط بمراقبة عمليات الإنتاج والتصدير للتأكد من موافقتها القواعدَ والضوابط المقررة، إضافة إلى المتابعة والتفتيش عن عمليات قياس الإنتاج من النفط والغاز والمنتجات النفطية الأخرى وقياسات الكميات المصدرة للخارج.
يسعى حفتر إلى استغلال ورقة النفط لفرض شروطه على السراج ومعسكره في غرب البلاد
لم يكن فرض القوة القاهرة على الموانئ الأول، بل هو الخامس، إثنان في الهلال النفطي، وواحد على حقل الوفاء وإثنان على حقل الشرارة، وما زال منذ خمسة أشهر حقل الفيل مغلقا بسبب أعمال ميليشيات إفريقية وافدة تطالب بتجنيس بني جلدتهم ودفع رواتب وهمية لهم.
وتضم منطقة الهلال النفطي عدة مدن بين بنغازي وسرت (سرت 500 كيلومتر شرق العاصمة، كما أنها تتوسط المسافة بين بنغازي وطرابلس)، المخزون الأكبر من النفط، إضافة إلى موانئ السدرة ورأس لانوف والبريقة الأكبر في ليبيا، وتصدر منطقة الهلال النفطي بليبيا نحو 800 ألف برميل يوميا من نحو 1.5 مليون برميل يوميا تقوم بتصدريها في الأوقات الطبيعية.
مغازلة الرئاسي
بيان حفتر، جاء وفقا لعدد من المحللين لمغازلة المجلس الرئاسي بقيادة فايز السراج والرغبة في الخروج بثوب المنتصر الباحث عن مصلحة البلاد، والمدافع عن ثرواتها، خاصة وأن النفط يمثّل عماد عائدات ليبيا المالية.
وتتبين مغازلة حفتر للسراج أيضا، من خلال تجديده الالتزام بمخرجات مؤتمر باريس الذي عقد نهاية مايو/ ايار الماضي، والمُضي قدما في دعم العملية السياسية حتى إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية نهاية العام الجاري كما نصّ عليه نفس الاتفاق.
جدّد حفتر التزامه بمخرجات اجتماع باريس
يسعى حفتر إلى استغلال ورقة النفط لفرض شروطه على السراج ومعسكره في غرب البلاد، فضلا عن فرض شروطه على الدول الغربية على رأسها إيطاليا التي تشهد علاقتها مع حفتر فتورًا كبيرًا نتيجة تباين وجهات النظر بين الطرفين.
وتعدّ حقول النفط إحدى أهم بؤر الصراع بين الفصائل المتنازعة في ليبيا منذ الإطاحة بمعمر القذافي في 2011، والأطراف الخارجية التي تدعمها، ويعتبر النفط مصدر الدخل الأساسي للبلاد الذي مثّل قبل اندلاع الثورة الليبية 95% من عائدات الصادرات الليبية.