وثائقي بي بي سي:محمد بن سلمان اقترح تسميم الملك عبد الله وزوّر توقيع والده

محمد بن سلمان

لم يكن الفيلم الوثائقي الذي عرضته شبكة “BBC” البريطانية عن صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى السلطة وكيفية حكمه، الأول من نوعه، إلا أنه كشف عن معلومات جديدة لم تطرح من قبل، ما أثار ردود فعل واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي داخل المملكة العربية السعودية وخارجها.

الفيلم الوثائقي، الذي يحمل عنوان “المملكة – أقوى أمير في العالم“، يسرد قصة العائلة الحاكمة في السعودية تاريخيًا، وصولًا إلى كيفية تشكيل السياسيات الحالية تحت ظل حكم ابن سلمان الذي أحكم قبضته على المملكة بعد القضاء على منافسيه، ويكشف معلومات خطيرة من قبيل محاولة ابن سلمان تسميم الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.

واعتمد الفيلم على مقابلات مع دبلوماسيين غربيين إضافة إلى المسؤول السابق في الاستخبارات السعودية سعد الجابري، الذي فر من الرياض عام 2017، وأقام علاقات وثيقة مع مسؤولي المخابرات الأمريكية.

ونستعرض في هذا التقرير أهم ما كشف عنه الوثائقي الجديد الذي جاء في جزئين، الأول بعنوان “صراع العروش” والثاني “عودة المملكة”، مدة كل واحد منهما ساعة.


الجزء الأول: صراع العروش

يتضمن الجزء الأول من الفيلم سردًا لقيادة المملكة السعودية على يد مؤسسها الأول عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود بين عام 1877 و 1953، وصولًا إلى تسليط الضوء على حياة ولي العهد الحالي، محمد بن سلمان منذ طفولته التي وصفت بالرخاء والتساهل من قبل والده الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، والتشجيع المستمر من والدته بهدف نيل مكانة شخصية في البلاط الملكي.

ويركز الجزء الأول على كيفية وصول محمد بن سلمان إلى السلطة في عام 2017 بالتخويف والترهيب حتى وصل به الأمر للسعي لقتل عمه الملك عبد الله.

من الجد إلى الحفيد

يبدأ الجزء الأول من الوثائقي بسرد قيام المملكة السعودية على يد الجد الملك عبد العزيز آل سعود وانطلاق حياته السياسية ومحاولاته في أن يكون ملكًا، وطريقته في إدارة الأزمات والحروب، وتوحيده لمختلف الفئات القبلية العربية تحت سيطرته، عبر اتباع طريقة الرجل الواحد في الحكم، وإلغاء كافة مظاهر الديمقراطية في البلاد، المتمثلة في البرلمان والحكومة، مقابل الملكية المطلقة.

وتطرق الفيلم إلى الطريقة التي استخدمها الملك سلمان لتجاوز تسلسل العرش التقليدي بتوليه الحكم متخطيًا أكثر من خمسة وعشرين من إخوته، بطريقة يمكن القول إنها الأول من نوعها، مما يظهر تحولاً كبيراً في آليات انتقال الحكم داخل الأسرة الحاكمة.

كما يشير إلى علاقة الملك سلمان بزوجته فهدة آل حثلين، التي كانت تتمتع بمكانة خاصة في حياته، وهو ما يُعتقد أنه كان السبب وراء إيلاءه اهتمامًا خاصًا لنشأة ابنهم الأول محمد بن سلمان، من بين باقي أولاده، الذي ينتقل الفيلم عقب ذلك للحديث عن نشأته.

الابن الضال والوالد المتساهل 

يصف الفيلم فترة مراهقة محمد بن سلمان بين عامي 1995 و2005 بأنها كانت تتسم بالفوضى والمشاكسات التي لم يكن الأمير يتردد في ارتكابها باستمرار مع أقرانه، أو مع ممن يقومون على خدمته، مثل الخدم وأفراد الحراسة. مستخدمًا سلطته كأمير. مع العلم أنه كان يمتلك حريًة أكثر من أقرانه، في التجربة وارتكاب الأخطاء.

ثم يستعرض الوثائقي تطور علاقة بن سلمان بوالده في أواخر التسعينيات، أيّ مع نهاية فترة المراهقة، من خلال إشراكه في الرحلات الرسمية الخارجية للملك. وما نتج عن هذا التقارب من اتخاذ القرار باستكمال تعليمه داخل المملكة، في جامعة الملك سعود، على عكس العديد من الأمراء السعوديين في الخارج. كما يحدد فترة دخوله للجامعة، بأنها كانت بدايات تحول الأمير من مراهق شقي، إلى شخص لديه التزام أكبر تجاه حياته الشخصية، وهو ما ظهر من خلاله اهتمامه بالسلطة.

يقول أحد المستشارين غير الرسميين لولي العهد، بأنه كان طموحًا جدًا بشأن جمع ثروته الخاصة، عبر طرق مختلفة تضمنت أساليب غير شرعية تمثلت في الضغط على الناس من تجار ومستثمرين. وإجبار نفسه على الدخول في تحديات يمكنه من خلالها تحقيق أرباح كبيرة، بالأخص في سوق الأسهم والاستثمارات العقارية.

ويروي الفيلم قصة نزاع بين بن سلمان ومواطن سعودي بشأن قطعة أرض، عندما تطورت الأمور حينها حتى وصلت لرفع قضية قانونية ضد محمد بن سلمان الذي استشاط غضبًا بعد صدور قرار القاضي ضده، ما دفعه لتهديد القاضي بالقتل، عبر إرسال رصاصة في ظرف إلى بيته، لإجباره على سحب القرار. وتهديده بالقول: “هذا ما ستحصل عليه إذا لم تغيّر قرارك”، وهو ما كان مدعاةً لفخر الملك سلمان بقوله: “هذا الصبي يذكرني بالملك المؤسس، لديه ذات الروح العدوانية القوية”.

اقتراح تسميم الملك عبد الله

يروي سعد الجابري، الذي كان يشغل سابقًا وظيفة رئيس الموظفين لولي العهد السابق محمد بن نايف ابن عم محمد بن سلمان، اقتراح قتل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود باستخدام خاتم روسي مسمم عبر مصافحته، بهدف تسريع انتقال السلطة لوالده.

أدى تسريب مقطع صوتي مسجل بين الأمير وابن عمه محمد بن نايف، في أثناء مناقشتهم لهذا المقترح، إلى حظر الأمير من حضور البلاط الملكي أو مقابلة الملك، كما مُنع من مصافحة الملك أو الاقتراب منه لفترة طويلة.

أمير الحزم 2015

أشارت التحليلات الأمريكية إلى أن عاصفة الحزم كانت وسيلة ليثبت الأمير ابن سلمان من خلالها، قدرته على تجاوز التبعية للولايات المتحدة الأمريكية بما يتعلق بمسألة الأمن. في محاولة لتجاوز سلطة ابن عمه الأمير محمد بن نايف، الذي كان معروفًا عنه علاقته الوثيقة بالأمريكان، ودعمه القوي لهم في ما يتعلق بالأمن ومكافحة الإرهاب، وتقديم الدعم الاستخباراتي عبر قسم المباحث في وزارة الداخلية السعودية.

كما أن اختيار اسم “عاصفة الحزم” للعملية ضد الحوثيين في اليمن، كان الهدف منه تأكيد محمد بن سلمان على مدى سلطته العسكرية، وقدرته على خوض غمار الحرب.

وهو ما أكده سعد الجابري في تصريحه، بأن محمد بن نايف الذي كان يشغل منصب ولي العهد حينها، كانت لديه شكوك عالية بشأن صوابية غزو اليمن. بينما على الطرف الآخر، كان محمد بن سلمان يدفع نحو التدخل البري، عبر إصدار مرسوم ملكي سري، للسماح بالتدخل البري للجيش السعودي في اليمن.

وقال سعد الجابري: “من وقّع المرسوم هو محمد بن سلمان لكنه زور توقيع الملك”.

القضاء على شرطة الأخلاق 2016

عبر استصدار مرسوم ملكي آخر وبالاستفادة من قربه من الملك، استطاع محمد بن سلمان الحد من صلاحيات شرطة الأخلاق، وتجريد تراخيص عمل أعضاء ما يسمى بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنهاء دورهم بشكل كامل تقريبًا. وهو ما كان جزءًا من خطته في الاستفادة من المرأة السعودية في الاقتصاد كأيدٍ عاملة، واستغلال شريحة واسعة في المجتمع لصالح خطط الدولة التوسعية. على عكس ما روّج له لسنوات بأنه من خلال هذه التحديثات يسعى لدعم لحقوق المرأة، وتحريرها من سلطة الدين والمجتمع.

اختطاف الأمراء المعارضين 2016

ردًا على تصاعد الأصوات المعارضة في البلاط الملكي، لحملات الانفتاح والترفيه التي انتهجتها الرياض، قرر محمد بن سلمان قمع النقد عبر تأسيس فرق أمنية سرية، مهمتها اختطاف أفراد من العائلة المالكة. والحرص على إظهارهم الطاعة والتشجيع على الرؤية الجديدة للسعودية.

احتجاز ولي العهد محمد بن نايف 2017

في قصر الصفا بمكة، تم احتجاز ولي العهد محمد بن نايف وإبعاد حراسه الشخصيين عن القصر، فيما جُرّد من أجهزته الشخصية، في أثناء إقناعه بالتنازل الطوعي عن منصب ولي العهد، من خلال عقد صفقة مع محمد بن سلمان تفيد بالتنازل عن سلطته.

مع رفض محمد بن نايف التنازل عن منصبه، تم احتجازه وحيدًا لليلة كاملة في غرفة بقصر الصفا، وهُدد بالكشف عن إدمانه المزعوم على مسكنات الألم إن لم يقبل بشروط الصفقة، انتهت تلك الليلة بمشاهد مذلة لابن نايف، ولم يُر بعدها، وأصبح بعدها محمد بن سلمان وليًا للعهد، وخليفًا للعرش الملكي، بعد أن لم يتبقَ أمامه أحد.


الجزء الثاني: عودة المملكة

شراء أهم لوحة مسيحية

سبتمبر/أيلول 2017
بعد أيام قليلة من تسلمه لقب ولي العهد، اشترى محمد بن سلمان مستخدمًا اسم أحد الأمراء السعوديين المقربين منه، أكثر اللوحات المسيحية شهرة في العالم، لوحة “يسوع” للرسام ليوناردو دافنشي. بقيمة 400 مليون دولار أمريكي، متجاوزًا أكبر رقم قياسي عالمي لأي عمل فني تم بيعه.

يُرجح مستشارون سابقون لمحمد بن سلمان، أن شراء هذه اللوحة جزء من خطته لبناء متحف فني كبير في الرياض، يجذب السياح من كل أنحاء العالم، ويكون مساويًا لمتحف اللوڤر في باريس في أهميته.

احتجاز أغنى 200 رجل أعمال سعودي

نوفمبر/تشرين الثاني 2017
احتجز محمد بن سلمان ليلة الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017، أكثر من 200 شخصية من أغنى وأقوى رجال السعودية، في فندق “الريتز كارلتون” الشهير بمدينة الرياض. في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ المملكة. وكان من بين المحتجزين بعض أبناء عمومة ولي العهد، بما فيهم الأمير الوليد بن طلال. لإجبارهم على التنازل عن أصول يمتلكونها، وابتزازهم للتخلي عن مليارات الدولارات.

حسب شهود كانوا موجودين في أثناء فترة الاحتجاز داخل الفندق، قالوا إنه تم وضع أقفال إضافية على الأبواب منعًا لهروبهم، كما تعرض بعض المحتجزين للضرب، وتوفي منهم مسؤول سعودي كبير بعد استجوابه.

يرجح أن سعد الحريري، الذي كان يشغل حينها منصب رئيس الحكومة في لبنان، كان من بين المحتجزين في الفندق، نظرًا لحمله الجنسية السعودية، ولم يعد من زيارته للرياض في الوقت المحدد، وازدادت الشكوك أكثر بعد إعلانه استقالته من رئاسة الحكومة، من العاصمة الرياض، ودون وجود أيّ مبرر سياسي.

زعم ولي العهد لاحقًا أنه استعاد أكثر من 100 مليار دولار من أولائك المحتجزين.

اشتباه بمحاولة اغتيال سعد الجابري

أكتوبر/تشرين الأول 2018
بعد مرور مرور أشهر قليلة على اغتيال الصحفي جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول، من قبل فريق من الرجال المدربين، علم سعد الجابري، الذي شغل سابقًا مناصب عدة من بينها رئيس الموظفين لمحمد بن نايف، ورئيس الأمن السعودي، أن مجموعة من الرجال، يرتبطون بالديوان الملكي السعودي، تم إيقافهم في مطار أوتاوا بكندا حيث يقيم، ومنعوا من دخول البلاد من جانب وزارة الهجرة الكندية، لاشتباههم بتنفيذ عملية اغتيال الجابري.

كما ثبت بعد إجراء تفتيش أمني دقيق لهوياتهم ومتعلقاتهم، وجود خبير في الطب الشرعي من بين أفراد المجموعة، ومعدات تستخدم للكشف عن الحمض النووي.

لقاء سري مع نتنياهو في نيوم

نوفمبر/تشرين الثاني 2020
عقد محمد بن سلمان في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2020 اجتماعًا سريًا مع رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في صحراء مدينة نيوم شمال غرب المملكة السعودية. بحثوا خلالها للمرة الأولى تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الإحتلال الإسرائيلي.

فيما يؤكد مستشارون أمريكيون بأن هذا اللقاء كان أولى محاولات محمد بن سلمان لمعرفة ما الذي يمكن أن يكتسبه من الإسرائيليين مقابل تحقيق صفقة سلام شامل، مشيرون إلى أن دولة “إسرائيل” أيضًا مستعدة لتقديم الكثير مقابل تحقق خطوة كهذه، لإدراكهم أهمية وجود السعودية إلى جانبهم في تغيير الموقف العربي.

يعرج الوثائقي في نهايته على علاقة أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وما تلاها من حرب على غزة، بسرعة مسار التطبيع السعودي الإسرائيلي، وتأثيره على إبقاء القضية الفلسطينية حيّة في قلوب الملايين من العرب، بالأخص لدى الشعب السعودي الذي دعم مسيرة تحرر الشعب الفلسطيني لعقود، ويرى أنها مسألة لا يمكن فصلها عن الدين. بالإضافة إلى تحدث مستشاريين سابقين مقربين من ولي العهد، عن قلقه المستمر من عملية اغتيال مشابهة لما حصل للرئيس المصري، أنور السادات، بعد إبرامه اتفاقية سلام مع “إسرائيل”.