بات واضحا يوما بعد يوم أن تنويع مصادر الطاقة سيكون تحدي الجزائر في السنوات القادمة لتعويض تراجع إنتاجها من النفط ولتغطية انخفاض مداخيل البلاد من العملة الصعبة بسبب تهاوي أسعار النفط، وذلك بالمراهنة على الطاقات المتجددة واستخراج الغاز الصخري وتوقيع صفقات جديدة لاستخراج واستكشاف النفط، لكن هل ستنعكس هذه السياسة الجديدة إيجابا على المواطن البسيط الذي طالما اتهم السلطة بأنها تجعل نصيبه من عائدات البترول دوما مزيدا من الضرائب وارتفاع في القدرة الشرائية.
تعيش البلاد وضعا ماليا صعبا منذ 2014 بعد الانهيار المسجل في أسعار البترول الذي تظل عائداته تشكل أكثر من 95 بالمائة من موارد اقتصاد البلاد، الأمر الذي أدى إلى تسجيل عجز في الميزان التجاري وانخفاض متواصل في احتياط البلاد من النقد الأجنبي.
مخاطرة الغاز الصخري
بعد شد وجذب، يبدو أن الحكومة الجزائرية قد اتخذت قرارها النهائي بالشروع في استغلال الغاز الصخري في أقرب الآجال رغم الاحتجاجات التي طبعت محاولاتها الأولى في 2014 و2015 بجنوب البلاد خاصة في ولاية تمنراست الحدودية مع مالي.
قال أويحيى إن حكومته ” تشجع الاستثمار في مجال المحروقات لا سيما المحروقات الصخرية لأنه لدينا قدرات في هذا المجال”
وجاء هذا الإعلان غير الصريح من السلطات الجزائرية من الرئيس المدير العام لشركة سوناطراك الحكومية عبد المومن ولد قدور، حينما أعلن أن مؤسسته تتطلع إلى توقيع اتفاق لتطوير الغاز الصخري مع إكسون موبيل الأمريكية بحلول نهاية العام الجاري. وتصب هذه التصريحات في خط يسير عليه الوزير الأول أحمد أويحيى الذي دعا في أكتوبر الماضي شركة سوناطراك إلى مباشرة الاستكشاف في البترول والغاز الصخريين.
ودعا أويحيى الشركة إلى ضرورة التواصل مع الجزائريين لإقناعهم أن استغلال الطاقات الصخرية لن يمثل أي خطر على البيئة أو على صحتهم، بهدف تجنب تكرار احتجاجات 2014. وقال أويحيى إن حكومته ” تشجع الاستثمار في مجال المحروقات لا سيما المحروقات الصخرية لأنه لدينا قدرات في هذا المجال، ونطمئن بأن شركة سوناطراك قادرة على أن تشرح أن ذلك ليس بمثابة فتح الباب أمام جهنم وليس بالمغامرة بل بالعكس، فان ذلك سيضمن الاستمرار في ترقية المداخيل الوطنية في مجال الطاقة”.
وأكد أويحيى أن “القدرات الموجودة لدى سوناطراك تبعث على التفاؤل وهي رسالة أمل للجزائريين لا سيما في هذا الظرف الذي يتميز بالضائقة المالية جراء تذبذب أسعار النفط في العالم”، وأشار أويحيى إلى أن” النفط سيبقى المحرك الأساسي للاقتصاد الوطني وسترافق الحكومة سوناطراك لتنشيط مشاريعها”.
في احتجاجات 2015، تحدثت أطراف عن إسناد مهمة الاستثمار في الغاز الصخري إلى مؤسسات أجنبية متعددة الجنسيات اتهمها المحتجون بالبحث عن تحقيق أرباح مالية فقط، دون الاكتراث بالضرر البيئي للمنطقة الذي سيزيد من متاعب سكان المنطقة.
جاء في تقرير للوكالة الدولية للطاقة حول الغاز الصخري تم إصداره في 2013 أنه وبنسبة استرجاع 15 بالمائة، فإن الجزائر تحتل المرتبة الرابعة عالميا من حيث احتياطات الغاز الصخري التي يمكن تقنيا استرجاعها
وكشفت دراسات تقديرية سابقة أجراها مجمع سوناطراك الحكومي بالتعاون مع شركات نفطية عالمية في خمسة أحواض بالصحراء جنوب البلاد، أن الجزائر تحوز على احتياطيات من الغاز الصخري تقدر بحوالي 4940 ترليون قدم مكعب، من بينها 740 ترليون قدم مكعب يمكن استرجاعها على أساس نسبة استرجاع 15 بالمائة. وتوجد هذه الاحتياطات القابلة للاسترجاع في مناطق أحنات وتيميمون، وإليزي ومويدير وبركين جنوب الجزائر.
وجاء في تقرير للوكالة الدولية للطاقة حول الغاز الصخري تم إصداره في 2013 أنه وبنسبة استرجاع 15 بالمائة، فإن الجزائر تحتل المرتبة الرابعة عالميا من حيث احتياطات الغاز الصخري التي يمكن تقنيا استرجاعها بعد كل من الولايات المتحدة (التي تتراوح نسبة الاسترجاع فيها بين 20 و50 بالمائة حسب الحقل) والصين والأرجنتين.
وفي ماي الماضي، أكد وزير الطاقة مصطفى قيطوني أن استغلال الغاز الصخري في الجزائر أمر لا مفر منه، مبينا أن استغلاله لن يشكل خطرا على المواطنين،وضرب مثالا بتجربة الولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال.
وصار لاستثمارات واشنطن ومخزوناتها من الغاز الصخري تأثير كبير على تقلبات أسعار النفط، لكن قيطوني يرى أن شروع بلاده في استغلال هذا المورد الطاقوي فعليا يتطلب ما بين 10 إلى 15 سنة.
قانون جديد
غير أن تنفيذ هذه الخطوة الهامة في السياسة الطاقوية للجزائر يتطلب تعديلات في قوانين الاستثمار في قطاع الطاقة، لذلك أعلنت الحكومة نيتها في تحيين قانون المحروقات بهدف جذب استثمارات أجنبية جديدة في سوق صارت تعرف تنافسا دوليا كبيرا.
يبدو أن الحكومة متخوفة من أي رد داخلي قد يصف أي تسهيلات سيتضمنها القانون المنتظر على انه بيع لخيرات البلاد مثلما تم مع قانون 2003 الذي تم التراجع عنه
وقال الوزير الأول أحمد أويحيى في تصريحات سابقة “حان الوقت للجزائر أن تقوم بتعديل قانون المحروقات لجلب الشركاء ولترقية مداخيل البلاد في مجال الطاقة”. وأضاف أنه من “الضروري إعادة قراءة هذا القانون وفق الرهانات الحالية على الصعيد الاقتصادي، لأن عددا من المستثمرين الأجانب المهتمين بقطاع المحروقات بالجزائر تقدموا إلى مناقصات لينسحبوا كون القانون الحالي لا يمنح التسهيلات اللازمة، و لا بد لهذا القانون أن يكون جذابا خاصة أن السوق الدولية تغيرت بصفة كبيرة”.
لكن رغم أهمية هذا التعديل القانوني، إلا أن حكومة الوزير الأول أحمد أويحيى لم تكشف حتى اليوم عن مضمون القانون الجديد رغم مرور أشهر عن اعلان عزمها تحيين بعض مواده. ويبدو أن الحكومة متخوفة من أي رد داخلي قد يصف أي تسهيلات سيتضمنها القانون المنتظر على انه بيع لخيرات البلاد مثلما تم مع قانون 2003 الذي تم التراجع عنه، ولذلك، أكد مصطفى قيطوني مؤخرا أن “مصالحه ستأخذ الوقت الكاف لصياغة النص القانوني الجديد مع الأخذ بعين الاعتبار كل التجارب الدولية في هذا المجال”.
البحث عن صفقات جديدة
وتسعى الحكومة لتوقيع اتفاقات جديدة من شأنها المساهمة في اكتشاف حقول جديدة للنفط تحافظ على الأقل على إنتاج البلاد الحالي الذي صار مهددا بالانخفاض. خلال مشاركتها في الطبعة الـ27 للندوة العالمية حول الغاز بواشنطن نهاية الشهر الماضي، أجرت الجزائر عبر الرئيس المدير العام لسوناطراك عبد المؤمن ولد قدور سلسلة محادثات مع مسؤولي مجمعات طاقوية دولية بهدف توقيع صفقات جديدة في مجال إنتاج المحروقات ونقلها وتسويقها.
كشف ولد قدور أن المجمع الأمريكي الذي يعد أكبر منتج خام من بين شركاء سوناطراك وعد بتقديم اقتراح نهائي حول هذا الاستثمار بقيمة مليار دولار في أجل أقصاه ثلاثة أسابيع.
والتقى ولد قدور بمسؤولي “إيكسون موبيل” أول مجمع بترولي في العالم مهتم بالاستثمار في المجال المنجمي الجزائري، وبحث ولد قدور مع المجمع الأمريكي أناداركو ملف تطوير آبار جديدة في حقلي حاسي بركين وأورهود.
وكشف ولد قدور أن المجمع الامريكي الذي يعد اكبر منتج خام من بين شركاء سوناطراك وعد بتقديم اقتراح نهائي حول هذا الاستثمار بقيمة مليار دولار في أجل أقصاه ثلاثة أسابيع.
والتقى ولد قدور مع رئيس “شوفرون” المكلف بالتموين والتسويق كولين بارفيت الذي ابدي رغبة في المشاركة في مشروع إنشاء شركة للتبادل التجاري أطلقتها سوناطراك، وأكد أن مؤسسته تريد الاستمرار في التزود بغاز البترول المميع ومواد بترولية أخرى لدى سوناطراك.
وأجرى ولد قدور مباحثات مع مسؤولي المجمع الياباني “كو إيتشو” المتخصص في بناء ناقلات الغاز المميع، ومع ممثلي المجمع الإيطالي إينال والبريطاني بريتش بتروليوم
أسواق ومصادر جديدة
تعول الجزائر من خلال مجمعها النفطي الأول سوناطراك على اكتساح أسواق جديدة، والانتقال إلى الاستثمار في الخارج بعد أن باتت السوق الداخلية لا تكفي لتطوير المجمع الذي استطاع أن يتجاوز بأقل الأَضرار فضيحة الفساد التي طالته في قضيتي “سوناطراك 1 و2 “.
وأكد ولد قدور في أكثر من مرة أن مصالحه تراهن على إستراتيجية تطوير سوناطراك لآفاق 2030 المبنية على تطوير القطاع الغازي و فرع البتروكمياء أكثر مما عليه.
ستقوم سوناطراك أيضا مع شركتي رونيسانس وباييجان التركيتين ببناء منشأة للبتروكيماويات بقيمة مليار دولار في أضنة بتركيا
وقال المسؤول ذاته في وقت سابق إن سوناطراك تسعى لرفع رفع صادراتها من الغاز الطبيعي لاسيما نحو آسيا قصد تأمين حصته في سوق تتميز بالمنافسة، خاصة مع دخول حقول غازية جديدة الاستغلال هذا العام ما سيرفع القدرات الإنتاجية للجزائر.
وبلغت صادرات الشركة السنة الماضية 54 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي نحو أوروبا فيما تراهن على تجاوز 57 مليار متر مكعب سنة 2018 .
وقال إن “هناك الكثير من الحلول من أجل تعزيز حصتنا في السوق و تجنب الشروط القاسية التي قد تفرضها علينا السوق علما أن الغاز يشكل الحل الأنسب بالنسبة للجزائر على المدى الطويل”، وسعت سوناطراك في السنوات الأخيرة إلى الاستثمار في عدة دول.
وأوضح ولد قدور أن “البلد الأكثر مردودية بالنسبة لنا حاليا هو البيرو، لاسيما الحقل الغازي في كامييزيا”، وأشار إلى أن المجمع متواجد بكل من النيجر وليبيا وهناك اتصالات مع العراق التي تأمل في تواجده أيضا.
وستقوم سوناطراك أيضا مع شركتي رونيسانس وباييجان التركيتين ببناء منشأة للبتروكيماويات بقيمة مليار دولار في أضنة بتركيا، كما تنوي الشركة إقامة استثمارات في موريتانيا، وستقوم شركة سونالغاز ثاني أكبر مؤسسة طاقوية في البلاد باستثمارات في السودان هي الأخرى.
وبالموازاة مع ذلك، تهدف الجزائر إلى تنويع مصادرها الطاقوية بإطلاق مشاريع في مجال الطاقة المتجددة خاصة الطاقة الشمسية، كما تحضر الحكومة لإصدار قانون يسهل الاستثمار في الطاقة النووية للاستخدام المدني.
يأمل الجزائريون أن ينعكس الارتفاع الطفيف الذي مس أسعار النفط في السنة الجديدة إيجابيا عليهم بعد أن تأثروا بسياسة التقشف التي باشرتها الحكومة منذ 2014
محل المواطن من الإعراب
شكل انعكاس عائدات النفط على المواطن الجزائري دوما موضوع جدل وتساؤلات من قبل الجزائريين والخبراء، فإذا كان عدد من الشعب يقولون إنهم لم يلمسوا ثمرة الارتفاع الذي شهدته أسعار النفط في السنوات الماضية قبل انخفاضها في 2013، تقول الحكومة إنها وجهت ذلك إلى استثمارات ميدانية وأصبح السؤال حول مصير ألف مليار دولار محل جذب ومد بين المعارضة التي تقول إن الحكومة قامت بتبذير أموال الجزائريين وضيعتها في صفقات فساد ونهب للمال العام، وبين الحكومة وأحزاب الموالاة التي تؤكد أنها أنفقتها في مشاريع البنية التحتية والمدارس والجامعات والمستشفيات.
ويأمل الجزائريون أن ينعكس الارتفاع الطفيف الذي مس أسعار النفط في السنة الجديدة ايجابيا عليهم بعد أن تأثروا بسياسة التقشف التي باشرتها الحكومة منذ 2014، وأعلن وزير الطاقة مصطفى قيطوني أن الجزائر سترفع إنتاجها من النفط الخام بمقدار 26 ألف برميل يوميا بداية من أغسطس المقبل وأضاف أن الجزائر سترفع إنتاجها بمقدار 26 ألف برميل لينتقل 1.106 مليون برميل يوميا.
لكن مراقبين لا ينتظرون أن ينعكس هذا الرفع على القدرة الشرائية للجزائريين، بالنظر إلى أن السعر الحالي لا يغطي حتى إحداث توزن في الميزان التجاري للبلاد الذي يبقى عاجزا مع ميول الكفة لصالح الواردات التي تظل قيمتها أكثر من صادرات البلاد، بالنظر إلى أن إنتاج الجزائر يبقى منخفضا إذا ما قورن بباقي الدول المصدرة للنفط سواء أعضاء أوبك أو خارجها، وكذا لغلاء تكلفة الاستخراج لدى مقارنتها بتكلفته في دول الخليج.
الحكومة تقول إن عائدات النفط توجه كلها لخدمة المواطنين، فالتعليم والعلاج يبقى بالمجان في البلاد والسلطة لازالت تمنح السكنات لمواطنيها
ولكن رغم موضوعية هذا الرأي، يبقى السؤال مطروحا لدى الجزائريين حول مدى استفادتهم من خيرات البلاد النفطية، وهو سؤال مشروع ما دام الحد الأدنى للأجور في الجزائر يبقى محددا عند 150 دولارا، والذي لا يغطي الاحتياجات اليومية ومتطلبات العصر الحالي التي زادها تعقيدا ارتفاع أسعار السلع ذات الاستهلاك الواسع بسبب انخفاض قيمة الدينار الجزائري مقابل الدولار واليورو.
لكن الحكومة تقول إن عائدات النفط توجه كلها لخدمة المواطنين، فالتعليم والعلاج يبقى بالمجان في البلاد والسلطة لازالت تمنح السكنات لمواطنيها، كما ان سعر الوقود يبقى مدعما وتصنف قيمته على أنها من بين الأرخص ثمنا في العالم.
وبين هذا الرأي وذاك، يبقى هم المواطن الجزائري أن تصل السياسة الطاقوية في البلاد إلى هدف تجعل انشغالاته اليومية لا تتعلق بتأمين كيس الحليب ودقيق الخبز ، إنما تحسين مستوى التعليم والعلاج والخدمة التي يتلقاها في جميع المجالات، هدف يراه المختصون سهل التحقيق في حال ما راجعت السلطة نظرتها الاقتصادية وتخلت عن سياسة الريع البترولي وأصبحت أكثر جدية في رسم المخطط الاقتصادي للبلد في السنوات المقبلة.