حضور عربي ضعيف شهدته فعاليات القمة الإفريقية ال31 التي استضافتها العاصمة الموريتانية نواكشوط الأحد والاثنين الماضيين. فمن بين قادة الدول العربية ـ الإفريقية لم يشارك في القمة سوى الرئيس السوداني عمر البشير ورئيس جيبوتي إسماعيل عمر قيلة ورئيس جزر القمر غزالي عثمان.
ويلاحظ الغياب الكبير لقادة دول جوار موريتانيا بشكلٍ خاص، فلم يشارك فيها العاهل المغربي محمد السادس ولا الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة كما غاب الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي والمصري عبدالفتاح السيسي رغم أن معظم هؤلاء القادة كانوا يحرصون على المشاركة بفعالية في القمم الإفريقية السابقة خاصة التي تستضيفها دول المقر “إثيوبيا”.
أسباب الغياب
بعض القادة العرب ربما كانت لديهم أسباب صحية حالت دون حضورهم مثل الرئيس الجزائري بوتفليقة، لكن غياب الأغلبية منهم يثير العديد من التساؤلات مثل العاهل المغربي محمد السادس والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اللذان غابا أيضًا عن القمة العربية التي استضافتها نواكشوط أواخر يوليو/ تموز 2016. فهل كان لمقر استضافة القمتين دور في غياب القادة؟
الواقع أن علاقات موريتانيا توتّرت مع عدد من الدول العربية من بينها المغرب، حيث أفادت مصادر إعلامية بأن وزير الخارجية الموريتاني، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، استقبل السفير المغربي في نواكشوط، حميد شبار، الاثنين قبل الماضي، في محاولة لإطفاء غضب الرباط بعد رفع أعلام جبهة “بوليساريو” في شوارع العاصمة الموريتانية، احتفاءً بمشاركتها في قمة الاتحاد الإفريقي، وهو “ما يتعارض مع موقف الحياد الإيجابي المعلن من طرف موريتانيا بشأن قضية الصحراء”، حسب وسائل إعلام مغربية .
لا ننسى أن موريتانيا كانت قد انحازت إلى دول حصار قطر في الأزمة الخليجية الأخيرة وهو قرار وجد انتقادات شديدة من سياسيين ودبلوماسيين سابقين
والتوتر الموريتاني ـ المغربي ليس جديدًا فالعام الماضي شهد خطوات موريتانية وصفتها وسائل إعلام مغربية بـ”الاستفزازية” في منطقة “الكركرات” الحدودية، كما رفضت نواكشوط اعتماد السفير المغربي الجديد لديها وطالبت الرباط بتغييره.
ولا ننسى أن موريتانيا كانت قد انحازت إلى دول حصار قطر في الأزمة الخليجية الأخيرة وهو قرار وجد انتقادات شديدة من سياسيين ودبلوماسيين سابقين، رأوا أن خطوة نواكشوط وانضمامها للمحور السعودي الإماراتي قد شوّه صورة البلاد وجعلها رهينة لاتجاه محدد بعيدًا عن المؤسسية والاستقلالية والخضوع لمزاجية الرجل الأول.
حيث اعتبر الباحث سيدي أعمر ولد شيخنا أن قرار قطع العلاقات مع قطر مفاجئ ومستغرب، وأنه يجعل موريتانيا تنحاز إلى المحور الخطأ، والذي يتناقض مع مسيرتها خلال الأعوام الأخيرة، إذ إنها انحازت إلى المحور المطبع، والداعم لـ”إسرائيل”، ولقرار ترامب الأخير في الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، كما أنه المحور الذي يدعم الدكتاتوريات، في حين أن موريتانيا أكثر تقدمًا ديمقراطيًا منه.
صحيح أنه لا توجد علاقة مباشرة بين الأزمة الخليجية والقمة الإفريقية، لكن مستوى التمثيل الضعيف للقادة العرب خاصة دول جوار موريتانيا يؤشر إلى وجود خلل في السياسة الخارجية التي تنتهجها نواكشوط والتي تؤدي إلى مزيد من الخسائر الدبلوماسية وربما تحيلها إلى عزلة إقليمية إذا استمر الحال كما هو عليه.
فمشاركة المغرب في قمة نواكشوط على بمستوى تمثيل منخفض “وزير الخارجية” تعد رسالة شديدة اللهجة لحكومة موريتانيا من دولة جارة يفترض أن تمثل كل واحدة منهما عمقًا استراتيجيًا للأخرى، ولكن يبدو أن السياسية الخارجية الموريتانية في عهد ولد عبدالعزيز تحتاج إلى مزيد من النضج ومراعاة مصالح الشعب.
لم تكن النتائج بأفضل حال من مستوى الحضور والمشاركة، فقد جاءت المحصلة النهائية باهتة ومكررة إذ حملت القمة الشعار نفسه الذي كان عنوانًا للقمة الإفريقية السابقة في أديس أبابا وهو “الانتصار على مكافحة الفساد”
ويتعارض ضعف المشاركة المغربية مع سعي الرباط الحثيث لتعزيز علاقاتها مع دول القارة الإفريقية وكيانها الجامع الذي عادت إليه بعد غيابٍ امتدّ لأكثر من 3 عقود، ولكن فيما يبدو أن توتر علاقاتها مع نواكشوط حال دون وجود تمثيل كبير للمغرب في القمة على مستوى الملك محمد السادس أو رئيس الوزراء سعد الدين العثماني.
ونلفت إلى أن وزير الثقافة، الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية، محمد الأمين ولد الشيخ، حاول التقليل من ضعف المشاركة في قمة الاتحاد الإفريقي، معتبرًا أنهم راضون عن كم “التمثيل الدبلوماسي” الذي حضر القمة الإفريقة التي استضافتها نواكشوط. وأضاف ولد الشيخ في تصريح لصحراء ميديا، أن “كم” المشاركة الدبلوماسية الذي شهدته هذه القمة، يعتبر الأفضل بالمقارنة مع القمم الإفريقية في الآونة الأخيرة.
مخرجات ليست بأفضل حال
إلى جانب المشاركة الضعيفة في قمة نواكشوط، لم تكن النتائج بأفضل حال من مستوى الحضور والمشاركة، فقد جاءت المحصلة النهائية باهتة ومكررة إذ حملت القمة الشعار نفسه الذي كان عنوانًا للقمة الإفريقية السابقة في أديس أبابا وهو “الانتصار على مكافحة الفساد”، غير أن الرئيس الرواندي الذي يشغل منصب الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي بول كاغامي، رأى في كلمته أن أبرز نتائج هذه القمة هو توقيع 5 أعضاء جدد على اتفاقية منطقة التجارة الإفريقية الحرة، وهي تشاد وبوروندي وناميبيا وجنوب إفريقيا وسيراليون، ليصبح عدد الدول الموقعة على الاتفاقية 49 دولة .
راهن كاغامي على أن منطقة التجارة ستساعد في بناء إفريقيا بالطريقة التي أرادها الأفارقة.. على حد وصفه.
هل تصبح القمم الإفريقية روتينية وغير مؤثرة مثل القمم العربية؟
ربما يكون الاتحاد الإفريقي المنظمة الأقوى في المنطقة حاليًا بعد فقدان جامعة الدول العربية لتأثيرها وحالة الانقسام التي صار إليها مجلس التعاون الخليجي بعد الأزمة الأخيرة المستمرة منذ ما يزيد عن عام، هذا بالإضافة إلى بوادر تفكك الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه.
وصحيح أن الاتحاد الإفريقي لا يزال يضم مؤسسات قوية وفاعلة مثل مجلس السلم والأمن الذي ينشط في فض النزاعات المتعددة في القارة السمراء فلا يمكن مقارنة الأخير بنظيره في الجامعة العربية حيث لا وجود يذكر لمجلس السلم العربي وليس لديه إنجاز حقيقي كالمجلس الإفريقي.
إلا أن القمم الإفريقية في الآونة الأخيرة لم تعد ذات نتائج مؤثرة تترقبها شعوب القارة السمراء رغم اجتهاد قيادة الاتحاد الإفريقي في الخروج بنتائج حقيقية تحقق قدرًا من التوافق وبعض التفاهمات بين الدول الأعضاء. هذا في ظل وجود العديد من المنظمات الإفريقية التي ينضوي بعضها تحت لواء الاتحاد ولديها تنسيق معه مثل الهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد)، وتجمع دول الساحل والصحراء (س.ص).
وبالإضافة إلى ذلك، فإن القادة الأفارقة مطالبون بتنزيل التفاهمات والاتفاقات التي تم التوقيع عليها إلى أرض الواقع مثل اتفاقية منطقة التجارة الحرة الأخيرة وقبلها اتفاق جواز السفر الإفريقي الموحد الذي تم التوصل إليه قبل عامين في القمة التي استضافتها العاصمة الرواندية كيغالي. عدا هذا تصبح جميع القرارات والاتفاقات الصادرة عن القمم الإفريقية مجرد حبر على ورق وأمنيات لا وجود لها على أرض الواقع وبالتالي يضعف تأثير الاتحاد الإفريقي بشكل تدريجي.