ترجمة وتحرير: نون بوست
على الرغم من مشاركة أربعة منتخبات عربية في كأس العالم لسنة 2018 التي أقيمت في روسيا، وهي سابقة في تاريخ هذه المنافسة، إلا أن المغرب وتونس ومصر والمملكة العربية السعودية لم تتمكن من التأهل إلى الدور 16. ومنذ انطلاق هذه المسابقة سنة 1928، لم يتمكن أي بلد عربي من الفوز باللقب، ولا حتى التأهل إلى الدور ربع النهائي. فهل تتعارض كرة القدم مع العروبة؟ وما هي أسباب هذا “الاستثناء العربي” من المشهد العالمي في رياضة كرة القدم، التي تحظى بشغف ومتابعة شعوب المنطقة؟
منتخبات تواجه صعوبات في التأهل
لفهم حجم هذه الظاهرة بشكل جيد، يجب العودة إلى بعض المعطيات التاريخية. فمن جملة 21 نسخة تم تنظيمها خلال العقود التسعة الماضية، شاركت المنتخبات العربية في 13 نسخة فقط من كأس العالم لكرة القدم. وخلال النصف الأول من القرن العشرين (خلال الفترة الممتدة بين سنة 1928 و1978)، لم يتم تمثيل المنتخبات العربية في هذه المنافسات سوى في ثلاث مناسبات فقط، وكان ذلك سنة 1934 (بعد ترشح مصر) وسنة 1970 (مع المغرب) ثم سنة 1978 (مع تونس).
غالبا ما يكون الحضور العربي في المونديال ممثلا عن طريق منتخب واحد أو منتخبين (وقد كان ذلك في عشر نسخ من جملة 13). وقد كسرت هذه القاعدة للمرة الأولى سنة 1986 عندما تمكنت ثلاثة منتخبات (وهي العراق والجزائر والمغرب) من الانضمام إلى منافسات كأس العالم، ثم سنة 1998 بعد ترشح كل من المملكة العربية السعودية والمغرب وتونس. أما سنة 2018، فقد حققت أربعة منتخبات عربية إنجازا تاريخيا، من خلال ترشحها لخوض هذه المنافسات.
أوضح المتخصص في العلوم الرياضية، نديم نصيف، أن “الدول العربية انطلقت في إنشاء هياكل مهنية خاصة بكرة القدم بعد فترة طويلة من قيام أمريكا الجنوبية والأوروبيين بذلك، ما يجعلها متأخرة في هذا المجال
منذ سنة 1928، لم تُشارك سوى ثماني دول عربية من مجموع 22 في كأس العالم، ولم يسبق لثلثي منتخبات المنطقة تجاوز مرحلة التصفيات. وإذا كانت كرة القدم العربية ممثلة بشكل منتظم منذ سنة 1978 في هذه المسابقة العالمية، فإن ثلاثة منتخبات فقط تمكنت من اجتياز مرحلة المجموعات، وهي المغرب سنة 1986 والمملكة العربية السعودية سنة 1994 والجزائر سنة 2014.
رياضة لا تحظى بالدعم الكافي
أوضح المتخصص في العلوم الرياضية، نديم نصيف، أن “الدول العربية انطلقت في إنشاء هياكل مهنية خاصة بكرة القدم بعد فترة طويلة من قيام أمريكا الجنوبية والأوروبيين بذلك، ما يجعلها متأخرة في هذا المجال. ولهذا السبب، تُعاني الهياكل المهنية الرياضية في البلدان العربية من نقص في الخبرات على مستوى تنظيم المسابقات، وانتداب المواهب وحسن توظيفها، وتكوين المدربين، والتسويق للبطولات الوطنية”.
في سياق متصل، أضاف نديم نصيف أنه “على الرغم من تحسنه، إلا أن مستوى المدربين لازال بعيدا جدا عن مستوى نظرائهم الأوروبيين والأميركيين الجنوبيين. كما يخلق الترويج الضعيف للمسابقات المحلية حالة من اللامبالاة الشعبية، الأمر الذي يحول دون تدفق الداعمين والأموال للقطاع الخاص”.
وفقاً لهذا الخبير، تعاني رياضة كرة القدم في بلدان المنطقة تدنيا واضحا في المستوى، لن تتمكن من تجاوزه إلا إذا اتبعت استراتيجية وطنية أو عابرة للحدود الوطنية، ثم عملت على إصلاح السياسات السابقة. وقد أورد نصيف أن “الترويج الضعيف للمسابقات المحلية يخلق حالة من اللامبالاة الشعبية، الأمر الذي يحول دون تدفق الداعمين والأموال”، ومن المؤكد أن هذا الأمر يؤثر سلبا على موارد الفرق. كما بين نصيف أنه “باستثناء بعض الأندية الخليجية، فإن رواتب بقية اللاعبين تظل منخفضة نسبيا”، وهذا من بين الأسباب التي لا تساعد على استقطاب المواهب.
أشار الصحفي إيلي سايكالي إلى أن “المنتخب الجزائري قدم أداء رهيبا فاجأ به العالم أجمع خلال مرحلة المجموعات بتسجيله لمهرجان من الأهداف، ناهيك عن مردوده المتميز خلال المباراة التي واجه فيها الألمان
إقدام واعد
تبقى مشاركة المنتخبات الأربعة في نسخة 2018 وأسلوب اللعب الجيد الذي أظهرته بعض المنتخبات العربية، دليلا على تحسن مستواها بشكل عام، وهذا يبشر بمستقبل مشرق للكرة العربية. خلال اللقاء الذي جمعه بإسبانيا بتاريخ 25 حزيران/ يونيو، سجل المغرب هدفين في شباك لاروخا. وقد نجح المنتخب المغربي في هز شباك أكثر المنتخبات أداء في العالم، مقتلعا نقطة التعادل في مباراة مشوقة انتهت بنتيجة هدفين مقابل هدفين.
بالنسبة لتونس، انهزم المنتخب بنتيجة هدفين مقابل هدف ضد إنجلترا بطلة كأس العالم سنة 1966. وقد انتصر منتخب الأوروغواي، المتوج في مناسبتين بكأس العالم سنة 1930 و1950 والذي سيواجه فرنسا في الدور ربع النهائي، بنتيجة متواضعة على المنتخب السعودي بنتيجة هدف مقابل لا شيء، علما بأنه انتصر على الفراعنة بالنتيجة نفسها.
أما المنتخب المصري، فهو ينتشي بمشاركة محمد صلاح، أحد المساهمين في تقديم نادي ليفربول الإنجليزي لموسم استثنائي. كما يعتبر صلاح أحد أفضل اللاعبين في العالم. ولكن المنتخب الجزائري، الذي غاب عن نسخة 2018، نجح خلال مونديال سنة 2014 من خلال اتباع أسلوب لعب مميز في التأهل للدور الثاني.
في تقرير نشر الشهر الماضي في صحيفة “لوريون لوجور”، أشار الصحفي إيلي سايكالي إلى أن “المنتخب الجزائري قدم أداء رهيبا فاجأ به العالم أجمع خلال مرحلة المجموعات بتسجيله لمهرجان من الأهداف، ناهيك عن مردوده المتميز خلال المباراة التي واجه فيها الألمان… وخلال 120 دقيقة من المباراة (الوقت الأصلي مع الأشواط الإضافية)، قدم الجزائريون أداء مشرفا ضد أحد أكبر منتخبات العالم”.
قترح نديم نصيف أنه “لابد أن تعمل الأندية العربية على تطوير مراكز تكوينها الشبابية، ويجب على الاتحادات الوطنية تنظيم المزيد من المسابقات للسماح لهؤلاء الشباب بالتقدم”
كان المنتخب الجزائري الممثل الوحيد للعرب في مونديال 2010 و2014. وقد نشرت الفيفا على موقعها تقريرا تحت عنوان “الدول العربية والمونديال: تاريخ يُكتب” ورد فيه “لقد دخل الأفناك سنة 1982 التاريخ بتسجيلهم هدفين ضد ألمانيا الغربية، ليصبحوا بذلك المنتخب العربي الوحيد الذي ينتصر على بطل سابق في كأس العالم”.
إلى جانب ذلك، يوجد دليل آخر على الإمكانيات التي تتحلى بها المنتخبات العربية التي لم يقع استغلالها. فقد أحدثت منتخبات كل من المغرب والسعودية وتونس المفاجأة خلال كأس العالم لسنة 1998 في فرنسا، مسجلين حسب الفيفا “ثمانية أهداف في تسعة لقاءات من الدور الأول” على الرغم من عدد الأهداف الضعيف الذي سجلته المنتخبات العربية مجتمعة على مر تاريخ مشاركتها في كأس العالم.
حيال هذا الشأن، اقترح نديم نصيف أنه “لابد أن تعمل الأندية العربية على تطوير مراكز تكوينها الشبابية، ويجب على الاتحادات الوطنية تنظيم المزيد من المسابقات للسماح لهؤلاء الشباب بالتقدم”. ويمكن أن يخدم تنظيم وتطوير البطولات الإقليمية مصلحة المنتخبات. ولكن هذا النهج سيكون أيضا بمثابة الاختبار للتنسيق والوحدة بين الدول العربية، وهما أمران يغيبان بالفعل في العديد من المجالات.
يوم 13 حزيران/ يونيو، الذي يمثل تاريخ التصويت للملف الذي سينال شرف استضافة مونديال سنة 2026، تعرض المغرب الذي كانت له الأفضلية، للخيانة من قبل مصوتين من القارة الإفريقية ومن بلدان عربية. في المقابل، حظي الملف الثلاثي المتمثل في كل من كندا-الولايات المتحدة- المكسيك بشرف تنظيم هذه التظاهرة الدولية التي ستنعقد سنة 2026، أي بعد مونديال قطر سنة 2022.
المصدر: سلايت