تناقلت وسائل الإعلام في الأيام القليلة الماضية، خبر اتفاق بين النظام السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي، لتسليم الأخير المناطق الخاضعة سيطرته للنظام السوري، وعودة القوى الأمنية التي كانت قد خرجت بداية الثورة السورية من المدن ذات الغالبية الكردية، وتسلم حزب الاتحاد الديمقراطي والقوى المتحالفة معه إدارتها، كما وأضيف إلى أن الاتفاق ينص على انسحاب قوات سوريا الديمقراطية من المناطق التي سيطرت عليها في كل من الرقة ودير الزور لصالح قوات النظام.
حتى الآن لم يخرج أي تأكيد أو نفي رسمي لهذه الاتفاقية من النظام السوري، فيما ينفي مسؤولوا الإدارة الذاتية الديمقراطية توقيع مثل هذا الاتفاق، في وقت لا يبدون فيه رفضهم التام للدخول في مفاوضات مع النظام لتنسيق العلاقة مع المركز، فإحدى تصريحات القيادي البارز في حركة المجتمع الديمقراطي؛ وهو ائتلاف لمجموعة قوى من ضمنها حزب الاتحاد الديمقراطي يعتبر المتحكم الفعلي للإدارة الذاتية، القيادي آلدار خليل لم يبدي مانعاً للتفاوض مع النظام السوري ما لم يضر بمصالح«الشعب وثورته» حسب تعبيره، فيما نفى نفياً قاطعاً الدخول مع النظام في أي مفاوضات في الآونة الأخيرة أو حصول أي اتفاق بين الطرفين على تسليم المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية للنظام السوري.
لقد اضحى جلياً ، إن السيطرة الفعلية على كامل التراب السوري في الوقت الراهن ليس بيد للقوى المحلية في البلاد، بل إن السيطرة الفعلية هي للقوى الإقليمية والدول ذات الشأن التي زجت بجيوشها وشغلت جيوشاً محلية لتقاتل على الأرض السورية لصحالها.
وعليه فإن الاتفاقيات على توزيع مناطق النفوذ والاتفاقيات لن تتم إلا بضوء أخضر من الدول المتحكمة في الشأن السوري، فلا يخفى على أحد إن ما يجري الآن في الجنوب السوري، من هجمة شرسة للنظام السوري على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، جاء بناء على اتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإسرائيل، وهذا ما يذهب إليه معظم المتابعين للشأن السوري.
مدينة منبج التي تخضع الآن لسيطرة المجلس العسكري لمنبج، لم تكن قوات سوريا الديمقراطية ولا وحدات حماية الشعب ولا المعارضة السورية جزءاً من المفاوضات والاتفاقيات التي حصلت
أيضاً ما حصل في مدينة عفرين قبل عدة أشهر، من اتفاق روسي-تركي انسحبت بموجبه القوات الروسية من عفرين، ولم تعترض على استخدام سلاح الجو التركي للأجواء السورية، خاصة وإن روسيا هي التي تتحكم بسير العمليات العسكرية الجوية في تلك المنطقة.
كذلك الأمر بالنسبة لمدينة منبج التي تخضع الآن لسيطرة المجلس العسكري لمنبج، لم تكن قوات سوريا الديمقراطية ولا وحدات حماية الشعب ولا المعارضة السورية جزءاً من المفاوضات والاتفاقيات التي حصلت، بل كان طرفى التفاوض هما تركيا والولايات المتحدة الأمريكية.
تأخذنا المعطيات السابقة إلى أن القرار في شأن تحديد المنطقة التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية حالياً ليس بيدها ولا بيد النظام السوري، فلا يمكن للطرفين تجاهل وجود مقرات وقواعد للتحالف الدولي، ففي محافظة الحسكة وحدها يوجد عدة قواعد للولايات المتحدة الأمريكية، عدا عن وجود قواعد بريطانية وفرنسية في ريف مدينة كوباني بريف حلب، أيضاً النظام السوري لا يمكنه أن يخطو خطوة واحدة في البلاد بدون أمر وموافقة روسية، فالتفاهمات الروسية- الأمريكية محظور على الحلفاء المحليين تجاوزها بشكل مطلق.
وحتى إن حصل وحاولت الإدارة الذاتية تجاوز الولايات المتحدة الأمريكية، والتفاهم مع النظام دون الروجوع إليها، وهذا ما يبرره البعض للإدارة، وحتى إن البعض يجشعها عليه، من باب إن الولايات المتحدة الأمريكية قد تنقض عهدها مع الإدارة و تذهب وراء مصالحها التي قد تفرض عيها في مقبلات الأيام للانسحاب من سوريا، إو فتح الطريق لحليفها الاستراتيجي تركيا لتفرض شروطها في المنطقة.
طبعاً هذا السيناريو مستبعد حالياً، ولا تشير المعطيات الحالية إلى وجود نية أمريكية للإنسحاب من سوريا، وحتى موقفها مع حليفها التركي ليس بتلك الدرجة من المرونة في التعاطي مع شؤون المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية من البلاد.
معظم ما تم تداوله حتى الآن مجرد تكهنات وتحليلات لما يتوفر من معطيات
ومن مبدأ المثل الشعبي السوري القائل «لا دخان بلا نار» يمكن تفسير ما نشر في الآونة الأخيرة من تسريبات أو شائعات إن صح التعبير، بوجود حرب إعلامية بين مختلف الفرقاء السوريين، فالنظام السوري يريد أن يبرهن لداعميه ومؤيديه إنه القوة المسيطرة على كامل التراب السوري، خاصة وإنه يستفيد في دعايته هذه من سيطرته على مناطق مختلفة في سوريا، ويحاول أن يظهر إنها سيطرات بقوته الذاتية لا بقوة ما تفضي إليه مخرجات اجتماعات آستانا، فكل اجتماع في آستنة كان يفضي لسيطرة النظام السوري على منطقة ميدانياً.
أما في حال الاعتداد بنفي الإدارة الذاتية لوجود اتفاق مع النظام أو حتى خوضها مفاوضات معه، فيمكن تفسير إزالة الأعلام والرموز الخاصة بها من المؤسسات بأمر آخر، وهو ما تسرب من قائمة للجنة الدستورية التي أشيع إن الهيئة العليا للمفاوضات السورية قدمتها للمبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي مستورا، والتي تضمنت أسماء لشخصيات من قادة الإدارة الذاتية.
فبالربط بين الحدثين، يأويل خطوة الإدارة الذاتية الأخيرة، إلى وجود نية أمريكية للتخفيف من سيطرة الاتحاد الديمراطي، وتكوين لوحة متعددة الألوان في المنطقة ليسهل عليها حماية منطقة نفوذها، والدفاع عنها لتصبح فعلياً وبالاتفاق منطقة حكم ذاتي، يكون للولايات المتحدة الأمريكية اليد الطولى فيها، وبالتالي تكسب شيء من الشرعية في البقاء في سوريا، في ظل رفض النظام لبقاء أي قوات عدا الروسية والميليشيات الإيرانية في سوريا.
يبقى القول الفصل في كل مايجري على الأرض السورية للتفاهمات الأخيرة بين الدول ذات الشأن التي تشير التطورات الأخيرة إلى أنها بدأت فعلياً بالتمهيد لتقاسم الكعكة السورية
أي بمعنى، إن التخفيف من ألوان الاتحاد الديمقراطي، وإتحاة المجالة لباقي المكونات السياسية في المنطقة لتكون جزء فاعل من الحراك السياسي فيها، سيسهل للولايات المتحدة الأمريكية كسب جانب حليفها التركي الذي يرفض بشكل قاطع سيطرة الاتحاد الديمقراطي على المنطقة.
بكل الأحوال معظم ما تم تداوله حتى الآن مجرد تكهنات وتحليلات لما يتوفر من معطيات، وتفسر حسب التجارب السابقة خلال السنوات السبع الماضية من عمر الثورة السورية، ويبقى القول الفصل في كل مايجري على الأرض السورية للتفاهمات الأخيرة بين الدول ذات الشأن التي تشير التطورات الأخيرة إلى أنها بدأت فعلياً بالتمهيد لتقاسم الكعكة السورية، ويبقى الإنسان السوري هو الخاسر الأكبر في هذ المعركة التي أتت على كل شيء في البلاد فأحالته خراباً.