يتواصل التساؤل في الجزائر حول من ستطاله مقصلة الإقالة من المسؤولين في الأيام القادمة، بعد أن أنهى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي يتوجه للترشح لولاية خامسة مهام كلا من مديري الشرطة والدرك الوطني، على خلفية ما أصبح يعرف بقضية حجز 701 كغ من الكوكايين، وفق ما تقوله الصحافة الجزائرية.
وصارت حسابات الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي تورد في كل يوم اسما جديدا مرشحا للإقالة بشبهة التورط في قضية الكوكايين، لتمتزج الحقيقة بالإشاعة في صيف ساخن في البلاد يسبق بأشهر الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها في إبريل نيسان المقبل.
“نوبة” الضحية الجديد
بعد أن أقال الرئيس بوتفليقة في 26 يونيو الماضي المدير العام للأمن الوطني (جهاز الشرطة) عبد الغني هامل بسبب تصريحات انتقد فيها عملية التحقيق في قضية حجز 701 كلغ من الكوكايين في 27 مايو الماضي بميناء وهران غرب البلاد، جاء الدور هذه المرة على قائد الدرك الوطني اللواء مناد نوبة. وقام رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح الذي يشغل أيضا منصب نائب وزير الدفاع الوطني بالتنصيب الرسمي للقائد الجديد للدرك الوطني.
وقال قايد صالح “باسم رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، ووفقا للمرسوم الرئاسي المؤرخ في 03 تموز 2018، أنصب رسميا العميد غالي بلقصير كقائد للدرك الوطني خلفا للواء نوبة مناد.”
وفق ما ورد في صحف محلية، فإن الإقالة قد تكون لها علاقة بقضية الكوكايين التي يتولى جهاز الدرك التحقيق فيها وكان له الفضل في حجزها
والدرك الوطني جهاز أمني يتبع في الجزائر لوزارة الدفاع، في حين يتبع جهاز الشرطة لوزارة الداخلية. ولم يذكر المرسوم الرئاسي سبب هذا التغيير في قيادة الدرك ، خاصة وأن نوبة عين في هذا المنصب في 2015 فقط، وهي فترة تبدو قصيرة مقارنة بسلفه الفريق أحمد بوسطيلة الذي شغل هذا المنصب لمدة قاربت 15 سنة.
ووفق ما ورد في صحف محلية، فإن الإقالة قد تكون لها علاقة بقضية الكوكايين التي يتولى جهاز الدرك التحقيق فيها وكان له الفضل في حجزها، لكن البعض يقول إن إقالة نوبة قد تكون من أجل تكليفه بمهام أخرى قد تكشف الأيام القادمة ما نوعها.
وقال قايد صالح خلال إشرافه على تنصيب القائد الجديد للدرك: “الجميع يعلم، بل يدرك كل الإدراك مدى العناية الشديدة التي يحظى بها سلك الدرك الوطني، هذه العناية التي تبرز معالمها الأساسية في الحرص على توفير كافة العوامل التي تمنحه حسن التطور وحسن الانسجام التام مع ما تستوجبه حساسية وخصوصية المهام المنوطة به، ومع ما يتوافق والرغبة الشديدة، في أن نجعل من سلك الدرك الوطني، دعامة أساسية من دعائم الأمن والاستقرار في بلادنا”.
وأوضح قايد صالح أن الدرك الوطني يقوم “بمهام حيوية وحساسة تتعلق بمكافحة الإرهاب والتخريب والجريمة المنظمة، وتساهم في حماية المناطق الإستراتيجية وحماية الأجانب العاملين بالشركات الاقتصادية”.
تتوقع الصحافة الجزائرية أن سلسلة الإقالات لن تتوقف عند هذه الأسماء، فالايام القادمة قد تحمل في طياته إنهاء مهام أسماء أخرى طالها غضب بوتفليقة
أسماء أخرى على الطريق؟
ومست مقصلة الإقالة أيضا مدير أمن ولاية الجزائر (العاصمة) نور الدين براشدي، واللواء مقداد بن زيان مسؤول الموارد البشرية بوزارة الدفاع الوطني، واللواء بوجمعة بدواور مدير المالية بوزارة الدفاع. وتتوقع الصحافة الجزائرية أن سلسلة الإقالات لن تتوقف عند هذه الأسماء، فالايام القادمة قد تحمل في طياته إنهاء مهام أسماء أخرى طالها غضب بوتفليقة.
وإن كان القانون يسمح للرئيس بوتفليقة بإقالة مختلف المسؤولين الأمنيين في أي وقت، إلا أنه لطالما صنعت إنهاء مهام القياديين في هذا الجهاز الحدث في البلاد دائما ، بالنظر إلى أهمية مؤسسة الجيش التي توصف أو تتهم على الدوام بأنها صانعة الرؤساء في الجزائر.
الرئيس بوتفليقة قال عند تسلمه مقاليد السلطة في 1999 انه لن يقبل بأن “يكون ربع رئيس”، في إشارة إلى أنه لن يسمح بأن يقوم الجيش بمشاركته في بعض الصلاحيات التي يمنحها لها الدستور.
وخلال فتراته الأربع، قام بوتفليقة بإنهاء مهام مسؤولين بارزين في الجيش لعل أبرزهم رئيس أركان الجيش الراحل الفريق محمد العماري في 2004، ورئيس المخابرات الفريق محمد مدين في 2015 في العام الثاني من ولايته الرئاسية الحالية التي يبدو أنه سيختمها بإقالات شبيهة بعد أن طالت العملية رؤساء بارزة ممثلة في عبد الغني هامل ومناد نوبة.
انتخابات على الأبواب
تزداد أهمية هذه الإقالات التي يجريها الرئيس بوتفليقة بأنها تسبق بأشهر الانتخابات الرئاسية المقررة في نيسان المقبل، والتي رشح لأجلها حزب جبهة التحرير الحاكم بوتفليقة لخوض سباق الفوز بولاية خامسة رغم رفض أطراف من المعارضة لهذا الترشيح.
أحزاب الموالاة تقول إن الوضع التي تعيشه البلاد يتطلب مواصلة بوتفليقة الحكم لولاية جديدة قصد إكمال المشاريع التي بدأها في السنوات السابقة
وحسب المعارضة الجزائرية، فإن بوتفليقة الذي يعاني مشاكل صحية منذ إصابته بنوبة إقفارية في ربيع 2013، جعلته نادر الظهور مطالب اليوم بترك منصبه والسماح بالتداول على السلطة الذي يعد أهم معيار لتكريس الديمقراطية الفعلية التي طالما تحدث عنها.
غير أن أحزاب الموالاة تقول إن الوضع التي تعيشه البلاد يتطلب مواصلة بوتفليقة الحكم لولاية جديدة قصد إكمال المشاريع التي بدأها في السنوات السابقة، وبالنظر إلى التحديات الإقليمية المحيطة بالجزائر.
وبين رأي بعض أطراف المعارضة التي ترى في هذه الإقالات مجرد رسالة من محيط الرئيس بوتفليقة أن الأخير لازال قادرا على اتخاذ القرارات وفي جميع المستويات وبالتالي يبقى الأجدر بقيادة البلاد لخمس سنوات إضافية، ووجهة نظر الموالاة التي تراها مجرد تغييرات عادية تمس مختلف القطاعات في البلاد، تبقى الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن ما سيحمله هذا الصيف الذي يبدو أنه لن يكون عاديا، حسب مراقبين.