ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ميشيغان في شباط/فبراير الماضي، كان لدى حركة غير الملتزمين رسالة بسيطة للرئيس جو بايدن: نفّذ حظر الأسلحة على إسرائيل وإلا لن نصوت لك – مما قد يتسبب في خسارتك ولاية متأرجحة رئيسية في تشرين الثاني/ نوفمبر. وفعلًا اختار أكثر من 100 ألف ديمقراطي في ميشيغان – ما يقارب 13 بالمائة من الذين صوتوا – عدم الالتزام.
لقد أثّرت حرب إسرائيل المستمرة في غزة على مشاعر 390 ألف أمريكي عربي في ميشيغان الذين أعربوا باستمرار عن شكواهم من قيام بايدن وإدارته بتزويد إسرائيل بشحنات الأسلحة غير المحدودة، التي يقولون إنها تمكّن إسرائيل من ارتكاب إبادة جماعية. وبسبب عمليات نقل الأسلحة تلك يرى الناخبون الفلسطينيون والعرب في ميشيغان أن الولايات المتحدة مسؤولةٌ بشكل مباشر عن الموت والدمار والخراب الذي أطلقته إسرائيل في غزة، وقد تم تحويل هذا الغضب إلى عمل وتعبئة سياسيين.
إن غضب هؤلاء الناخبين موجّه عن حق إلى الديمقراطيين الذين يدّعون أنهم يؤيدون حقوق الفلسطينيين ولكنهم غالبًا ما يتعاونون مع نظرائهم الجمهوريين المتشددين لحرمان الفلسطينيين من حرياتهم. وقد أثرت عدة أشهر من المعارضة التي قادها الفلسطينيون والعرب الأمريكيون، بالإضافة إلى الطلاب المحتجين وغيرهم من الديمقراطيين المعارضين للحرب، على أرقام استطلاعات الرأي التي أجراها بايدن في تموز/ يوليو، مما أثار الشكوك حول فرص الرئيس في الفوز في ولاية ميشيغان.
ومع أن بايدن لم يعد على رأس قائمة مرشحي الحزب الديمقراطي، إلا أن العديد من الناخبين الأمريكيين العرب غير الملتزمين في ميشيغان ما زالوا لا يدعمون هاريس. وقال معظمهم لمجلة “فورين بوليسي” إنهم يخططون للتصويت كغير الملتزمين إذا أتيحت لهم الفرصة، في حين قالت فئات أصغر من الناخبين إنهم قد يمتنعون عن التصويت أو يستكشفون خيارات الطرف الثالث في تشرين الثاني/نوفمبر.
ظهر هذا الشعور بوضوح في إحدى فعاليات حملة هاريس الانتخابية في وقت سابق من هذا الشهر، عندما تجمع 15 ألف شخص في محطة صاخبة للحملة في مطار ديترويت. وخلال خطاب هاريس، هتف اثنان من المتظاهرين: “كامالا، كامالا، لا يمكنك الاختباء! لن نصوت للإبادة الجماعية!”. فقدت نائب الرئيس صبرها ووبّختهم قائلةً: “أتعلمون؟ إذا كنتم تريدون فوز دونالد ترامب، فقولوا ذلك وإلا سأواصل أتحدث”.
من بين المتظاهرين الذين وجهت هاريس توبيخها لهم سلمى حمامي، وهي أمريكية من أصل فلسطيني ورئيسة منظمة طلاب متحالفون من أجل الحرية والمساواة ورئيسة تحالف التحرير في جامعة ميشيغان. ووفقًا لما قالته حمامي لمجلة “فورين بوليسي: “كان من الممكن أن تكون هذه لحظةً مناسبة لها للتعبير عن دعمها للفلسطينيين وقول “حسنًا، سأتخذ إجراءات وأقوم بتغييرات”. بدلاً من ذلك، قللت هاريس من شأننا واستخدمت حدثها كمنصة لتقول: “أنتم عالقون معي ولن نفعل شيئًا لمساعدة الفلسطينيين””.
على الرغم من أن استطلاعات الرأي تتوقع حاليًا فوز هاريس في ولاية ميشيغان، إلا أنه لا ينبغي لنائب الرئيس أن تشعر بالراحة بسرعة كبيرة إذ لا يزال تقدمها ضئيلاً، وسيكون من الحكمة ألا تستهين بالناخبين الأمريكيين العرب. عزّزت ليلى العابد، الرئيسة المشاركة للحركة الوطنية لغير الملتزمين، هذه الفكرة في المؤتمر الوطني الديمقراطي في شيكاغو يوم الإثنين. قالت العابد في مؤتمر صحفي: “[هاريس] معرضة لخطر خسارة الولايات المتأرجحة الرئيسية. في الوقت الحالي، لا يمكن لغالبية الناخبين في ميشيغان… أن يدعموا نائب الرئيس هاريس. ما نحتاجه الآن هو تغيير السياسة”.
في نفس التجمع الذي واجهت فيه حمامي هاريس، تمكنت العابد وعباس علوية، أحد مؤسسي حركة غير الملتزمين، من تأمين لقاء قصير مع نائب الرئيس. وهناك، أشارت هاريس إلى أن الديمقراطيين يجب أن يكونوا منفتحين على إجراء محادثة حول فرض حظر على توريد الأسلحة إلى إسرائيل، على حد قولهم. وحسب ما ورد، قالت العابد لهاريس: “يريد ناخبو ميشيغان دعمك، لكننا بحاجة إلى سياسة تنقذ الأرواح في غزة الآن”.
يثير النهجان المتناقضان – الاحتجاجات المزعجة أو المشاركة المباشرة مع قادة الحزب الديمقراطي – سؤالاً حول أي استراتيجية هي الأكثر فعالية؟ بالنسبة لمعظم الناخبين الأمريكيين العرب في ميشيغان، يظل التصويت كغير الملتزم هو الهدف.
يصوّت بعض أفراد الجالية العربية الأمريكية كغير الملتزمين باعتبارها فرصة للتعبير عن مخاوفهم من أن هاريس لن تكون مختلفة عن بايدن في مسألة تقديم المساعدات العسكرية لإسرائيل. ومن بين 70 ناخبًا أمريكيًا عربيًا محتملًا تحدثوا مع مجلة فورين بوليسي، أشار 65 منهم إلى التزامات هاريس تجاه إسرائيل عندما كانت نائبًا لبايدن قبل أربع سنوات. وخلال تلك الحملة، صرّحت هاريس بأن إدارة بايدن ستواصل تزويد إسرائيل بالمساعدات العسكرية غير المشروطة.
وحسب ما أفاد به العديد من العرب الأمريكيين، فإن تعاطف هاريس المعلن مع الفلسطينيين في غزة لا يُترجم إلى تغييرات حقيقية في السياسة تجاه إسرائيل. فعند لقائها برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الشهر الماضي، تحدثت هاريس بصرامة وسلطت الضوء على معاناة الفلسطينيين في غزة. كما أعربت هاريس عن دعمها لإنهاء الحرب. ومع ذلك، بالنسبة للفلسطينيين الأمريكيين مثل أمين، الذي فضّل حجب اسم عائلته، فإن فشل هاريس في الضغط من أجل التغيير يجعلها امتدادًا لسياسات بايدن ومتواطئة بشكل مباشر في معاناة الفلسطينيين. وقال: “لا نريد مجرد كلمات لطيفة، لأن حياة الفلسطينيين ليست شيئًا يمكن الاستخفاف به”.
يعتقد العديد من الناخبين غير الملتزمين أن دعم هاريس للمساعدات العسكرية لإسرائيل لن يتغير إلا إذا أُجبرت على ذلك من قبل الناخبين غير الملتزمين الذين يمارسون ضغوطًا سياسية، على أمل أن يؤدي هذا الضغط، على المدى الطويل، إلى كسر الوضع الراهن المتمثل في دعم واشنطن الثابت لإسرائيل وترجيح الكفة لصالح الفلسطينيين. وبالفعل أدت جهود الحركة إلى تنظيم المؤتمر الديمقراطي في شيكاغو لأول جلسة نقاش حول حقوق الإنسان الفلسطيني.
حسب ساماريا بزي، وهي أمريكية من أصل لبناني، فإن هناك عاملًا آخر يحفّز الناخبين على معارضة هاريس وهو الاعتقاد بأن الحركة غير الملتزمة يمكن استغلالها لإظهار إحباطهم بشأن الاضطرار إلى الاختيار بين “أهون الشرين” (هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب). وقالت بزي إنها قد تصوّت لصالح مرشحة الحزب الأخضر جيل شتاين بسبب موقف شتاين من فلسطين. (قبل بضعة أسابيع، بدا أن ستاين تحظى بشعبية كبيرة في ميشيغان. فقد أظهر استطلاع رأي أجرته لجنة مكافحة التمييز العربية الأمريكية في أواخر تموز/يوليو أن 45 بالمائة من الأمريكيين العرب على مستوى البلاد سيصوتون لصالح شتاين. مع ذلك، أعرب معظم الناخبين الذين تحدثوا مع فورين بوليسي عن القليل من الدعم لشتاين، مشيرين بدلاً من ذلك إلى أنهم يفضلون التصويت كغير ملتزمين أو عدم التصويت على الإطلاق في تشرين الثاني/نوفمبر.)
قالت فرح خان، المتحدثة باسم حركة التخلي عن هاريس (حركة التخلي عن بايدن سابقًا)، لفورين بوليسي إنه من خلال التصويت كغير ملتزم أو لحزب ثالث، يمكن للناخبين “كسر عقلية التصويت لأهون الشرين. نحن بحاجة إلى مرشحين جيدين. نحن بحاجة إلى انتخاب مسؤولين يستحقون أصواتنا”. وتعتقد خان أن حركة غير الملتزمين قد مكنت الجالية العربية الأمريكية في ميشيغان من امتلاك وكالة سياسية وقوة لم تكن تملكها من قبل. وقالت خان: “لقد أصبحنا تهديدًا سياسيًا ملموسًا. ليس لدينا القدرة على وضع شخص ما في المنصب، ولكن لدينا القدرة على إخراجه. نحن لم نكن نعلم أن بإمكاننا القيام بذلك. نحن الآن على دراية بهذه القوة ويجب أن نستخدمها”.
هناك شريحة صغيرة من المجتمع ترى أن التأثير على الحزب من الداخل، بدلاً من الاحتجاج من الخارج، هو التكتيك الأكثر فعالية. ففي مقابلة مع مجلة +972 قال وليد شهيد، مدير التواصل في حركة ديمقراطيي العدالة وأحد مؤسسي حركة غير ملتزمين: “تحتاج حركة حقوق الفلسطينيين إلى زيادة نفوذها وقوتها في الحزب الديمقراطي”.وأضاف شهيد: “يجب على الديمقراطيين التقدميين والشباب والديمقراطيين العرب والمسلمين توفير نوع من البنية التحتية التي يمكن أن تضاهي مستوى التأثير الذي تتمتع به المنظمات المؤيدة لإسرائيل”.
ويرى شهيد بوادر نجاح إلى حد ما، بدءًا من خطاب هاريس في مدينة سيلما بولاية ألاباما الذي ألمحت فيه إلى موقف أكثر تقدمية من القضايا الفلسطينية إلى عمل المنظمين. وأشار شهيد إلى أنه كان “متشككًا في رغبة الحزب الديمقراطي والبيت الأبيض في الاستجابة لتنظيم المسلمين الأمريكيين والعرب الأمريكيين …. لكنني فوجئت بذلك بسرور”.
يصرّ ناخبون آخرون غير ملتزمين على ضرورة الاستفادة من الحركة بطريقة تجعل الأمريكيين الآخرين ينضمون إليها. فوفقًا لماثيو بيتي، الصحفي في مجلة “ريزون”، والذي لا ينتمي إلى الحركة، فإن أولئك الذين اختاروا العمل مع القادة الديمقراطيين لإحداث التغيير قد اتخذوا خيارًا ذكيًا، مما يسمح للحركة بأن تكون جزءًا من الحزب ويحميها من الاتهامات بأنها تساعد ترامب على الفوز. وقال بيتي: “إحدى التهم التي تُوجّه إلى اليساريين وحلفائهم هي أنهم على استعداد لإفشال الانتخابات لصالح الجمهوريين بدافع الانتقام. وقد كان الاحتشاد خلف حركة غير الملتزمين ردًا ذكيًا، حيث أرسلوا رسالة مفادها أنهم جزء من التحالف الديمقراطي ومستعدون للعمل مع الحزب ولكنهم بحاجة إلى مقعد على الطاولة في المقابل”.
بغض النظر عما إذا كانت حركة غير الملتزمين ستختار في نهاية المطاف الاحتجاج العلني أو الضغط الداخلي على الديمقراطيين، فإن لجوء هاريس إلى تهديد المتظاهرين المؤيدين لفلسطين باحتمال تولي ترامب رئاسة ثانية في وقت سابق من هذا الشهر لن يكسبها أصوات الناخبين وذلك لأن هناك شعورًا واسع الانتشار بين الناخبين غير الملتزمين لم يلاحظه خبراء وسائل الإعلام الوطنية: فيما يتعلق بقضية فلسطين، لا يقتصر الأمر على عدم رؤية الأمريكيين العرب في ميشيغان لأي فرق بين هاريس وبايدن، بل إنهم لا يرون أيضًا كيف تختلف هاريس اختلافًا كبيرًا عن ترامب.
وفي حين يدرك الفلسطينيون وغيرهم من العرب الأمريكيين أن رئاسة ترامب قد تكون أكثر خطورة بالنسبة لهم بالنظر إلى أنه وعد بإعادة العمل بحظره سيئ السمعة على المسلمين ومنع اللاجئين من غزة من دخول الولايات المتحدة، فهم ليسوا على استعداد لإعطاء فرصة للديمقراطيين. وقد أشار الذين قابلتهم مجلة “فورين بوليسي” إلى أن كلاً من هاريس وبايدن قد طبقا سياسات ترامب الصارمة المعادية للفلسطينيين بمجرد مغادرته.
فقد طبّق وزير خارجية ترامب مايك بومبيو “مبدأ بومبيو” سيئ السمعة، الذي أكد أن المستوطنات لم تعد غير قانونية، وهو ما يعد خروجًا عن السياسة الأمريكية القائمة منذ فترة طويلة – ووصل الأمر إلى حد فرض وضع علامة “صُنع في إسرائيل” على البضائع المنتجة في المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وخلال فترة ولايته، نقلت الحكومة الأمريكية السفارة الإسرائيلية إلى القدس، وسحبت التمويل من الأونروا، وكالة الأمم المتحدة التي تركز على اللاجئين الفلسطينيين.
وحسب ما يسارع الناخبون غير الملتزمين بالإشارة إليه، فإن ما يقارب ست سنوات قد مرت ولا تزال إدارة بايدن تطبق العديد من هذه السياسات بشكل فعال حتى اليوم. ولم يتم إعادة فتح القنصلية الفلسطينية في القدس، ولا يزال مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن مغلقًا، ولا تزال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لا تحظى بالتمويل الأمريكي المناسب. وبصفتها نائبًا لبايدن، لم تتحدث هاريس ضد هذه السياسات ولم توضح ما إذا كانت ستلغيها إذا تم انتخابها.
من خلال مواصلة الضغط على هاريس، يشعر الناخبون غير الملتزمين بأنهم قد يكونون قادرين على تغيير موقفها. قالت سابا سعيد، طالبة في السنة الرابعة في جامعة ولاية ميشيغان ورئيسة الجمعية الثقافية في الجامعة: “أنت تريد أن تحاول أن تحب هاريس بل وأن تدعمها، لكن استمرارها هي وبايدن في العديد من سياسات ترامب هو علامة تحذير كبيرة. إذا لم تقم هاريس بإعادة تمويل الأونروا وإنهاء سياسات عهد ترامب، فحظًا موفقًا لها في تشرين الثاني/نوفمبر”.
قام رجل فلسطيني من مدينة ديربورن بولاية ميشيغان، تعود جذور عائلته إلى مدينة رام الله في الضفة الغربية، ولكنه فقد أيضًا أفرادًا من عائلته في غزة، بتقديم تشبيه كئيب لتعزيز رؤية الناخبين العرب لهاريس وترامب. قال الرجل الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لتجنب صعوبات السفر إلى المنطقة في المستقبل: “قال شاعر فلسطيني شهير ذات مرة: “يمكن للقاتل أن يخنقك بوشاح حريري أو يمكن أن يحطم رأسك بفأس”. كامالا هي صاحبة الوشاح الحريري. قد لا ترحلني، لكنها ستظل ترسل القنابل إلى إسرائيل لقتل شعبي في غزة. ترامب لديه الفأس. سيُرحّلني أنا وشعبي على حد سواء، ثم سيعطي إسرائيل القنابل لقتلنا. ولكن ما الفرق بينهما؟ في كلتا الحالتين، نحن أموات”.
المصدر: فورين بوليسي