ترجمة وتحرير: نون بوست
من أي كلمة تم اشتقاق اسم حزب حركة “النهضة” الحالي؟ وهل يُعد حزبا إسلاميا أم فرعا رسميا من فروع جماعة الإخوان المسلمين؟ أو هل يُمكن اعتباره حركة تتقدم في الخفاء وتقود مشاريع شمولية ستُنفذ على المدى المتوسط والبعيد؟ وبعيدا عن كل ذلك، هل يُمثل هذا الحزب النسخة التونسية لحزب العدالة والتنمية التركي أم سيكون على شاكلة “الديمقراطيين المسيحيين” الألمان، متمثلا في حزب “المسلمين-الديمقراطيين”، ومقره تونس العاصمة؟
في الحقيقة، تتعلق الإجابات عن هذه الأسئلة بالمنظور الذي يُنظر من خلاله إلى هذا الحزب، خاصة باعتبار أن سعاد عبد الرحيم، مرشحته المنتخبة على رأس بلدية تونس لا ترتدي الحجاب. وفي حال اعتمدنا على المظاهر في أحكامنا، فمما لا شك فيه أن ذلك سيوقعنا في الارتباك. نتيجة لذلك، لا بد من العودة على بعض المعطيات التاريخية المرتبطة بهذا الحزب.
بالعودة إلى الجذور؛ يمثل الحزب حركة إسلامية
تطلب اعتبار حركة الإتجاه الإسلامي حزبا سياسيا وقانونيا الانتظار لمدة 29 سنة، إذ اعترفت بها الحكومة التونسية في أعقاب ثورة 14 كانون الثاني/ يناير سنة 2011. وقد تأسست الحركة في السادس من حزيران/يونيو سنة 1981، التي وُلد من رحمها حزب حركة “النهضة” الحالي. وتنتمي حركة الإتجاه الإسلامي إلى عهد مختلف، كما كانت تتبع عادات مغايرة عن تلك التي يُمارسها حزب حركة النهضة الآن. وعلى الرغم من فتح بورقيبة أبواب الجامعات التونسية أمام نشاط أبناءها خلال السبعينات، حتى تواجه اليسار الصاعد آنذاك، إلا أن رئيس الحكم مدى الحياة رفض الاعتراف بهذه الحركة.
بعد مضي شهر فقط على سقوط ديكتاتورية بن علي، تم الاعتراف بالنهضة كحزب قانوني، كما تم استقبال الغنوشي كبطل من قبل الآلاف من أنصاره في مطار تونس قرطاج
تعذيب، واغتيالات، ومحاكمات كبيرة خلال عهد بن علي
لم يمض سوى ستة أسابيع على تولي بن علي منصب الوزارة الأولى قبل أن يقود انقلابا على الحبيب بورقيبة، الذي عينه في هذا المنصب، بسبب تردي صحته. وقد كان أداء بن علي خلال السنتين الأولتين لحكمه إيجابيا. مع ذلك، سرعان ما انزاح الستار عن الممارسات القمعية التي كان يخفيها. فقد تم إيقاف أعضاء حزب حركة النهضة والمتعاطفين معها، الذين توفي البعض منهم تحت التعذيب، في حين تمت محاكمة البعض الآخر. وقد تسبب ذلك في انهيار هذه الحركة الإسلامية، بعد هروب عدد من أبنائها إلى المنفى، بما في ذلك راشد الغنوشي، الذي استقر في لندن قبل أن يعود بعد الثورة.
بعد مضي شهر فقط على سقوط ديكتاتورية بن علي، تم الاعتراف بالنهضة كحزب قانوني، كما تم استقبال الغنوشي كبطل من قبل الآلاف من أنصاره في مطار تونس قرطاج. ويُعدّ حصول أهم معارضي بن علي على أعلى نسب في التصويت خلال الانتخابات التأسيسية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2011، (قبل أن يفشلوا في تحقيق ذلك في الانتخابات التشريعية في سنة 2014) أمرا منطقيا.
خلال سنة 2016، الحزب يتملص من أيديولوجيته الدينية
الجدير بالذكر أن هذا التغيير حدث حين عقد الحزب مؤتمره خلال شهر آيار/مايو سنة 2016. فقد أعلن حزب حركة النهضة رسميا، أمام نشطاء ودبلوماسيين، أنه وضع حدا “لتفويضه الديني المدني”، ليصبح حزبا سياسيا ديمقراطيا، أي أن “الإسلام فيه ليس هدفا في حد ذاته وإنما مرجعية فقط”.
بسبب حسن ودقة تدبيره السياسي، يُعد حزب حركة النهضة الحزب الوحيد المنظم في البلاد
في الوقت الذي أظهر فيه جميع المرشحين للرئاسة سنة 2014، بما في ذلك الشيوعيون، إيمانهم عبر قراءة آيات من القرآن الكريم والصلاة، لم يُبالغ حزب حركة النهضة في إظهار ذلك. ووفقا لهذا الحزب، ينطوي مصطلح “الإسلام السياسي” على “التشدد والأصولية أو العنف”. وتعد النهضة حزبا سياسيا ديمقراطيا شارك وفاز وخسر في الانتخابات التي نظمت منذ الربيع العربي، كما تتعارض قيمه مع جميع أشكال العنف والتطرف. وقد كان هذا التوضيح بمثابة الرد على أولئك الذين يعتبرون النهضة حزبا إسلاميا، وهو نعت “مظلل “ومؤذ” حسب رأي مؤيدي هذا الحزب.
حزب كبقية الأحزاب الأخرى؟
هل يعد النهضة حزبا ديمقراطيا؟ الإجابة هي نعم، حيث يتجلى ذلك من خلال تخلي الحزب عن السلطة، بعد فوزه في أولى الإنتخابات الديمقراطية في البلاد، لصالح حكومة تكنوقراط أو كفاءات وطنية سنة 2014، أي قبل أن تنتهي فترة ولاية حكومته. وبعد خسارته في انتخابات سنة 2011، وافق هذا الحزب على دعم الحكومة التي كوّنها حزب نداء تونس.
منذ ذلك الحين، أصبح حزب حركة النهضة الحليف المخلص لنداء تونس، كما أنه الحزب الوحيد الذي يدعم رئيس الحكومة الحالي، يوسف الشاهد. وبعد فوزه في الانتخابات البلدية في السادس من آيار/ مايو الماضي، لم يوظف الحزب هذا الفوز لإعادة تنظيم السلطة التنفيذية. وبسبب حسن ودقة تدبيره السياسي، يُعد حزب حركة النهضة الحزب الوحيد المنظم في البلاد.
في الحقيقة، يضم هذا الحزب نشطاء منضبطين، قبلوا، رغما عنهم، بقانون المصالحة الإدارية الذي عفا عن المسؤولين الذين ارتكبوا أخطاء وتجاوزات تحت حكم بن علي. وطالما أن راشد الغنوشي يتولى رئاسة الحزب، يسود الانضباط على الأجواء داخله. وفي هذا السياق، صرح لطفي زيتون، مستشار الغنوشي السياسي، أن “الشيخ يباشر ولايته الأخيرة في الوقت الراهن، التي ستنتهي في سنة 2020. وقد أحدث الخط التوافقي الذي اتبعته قيادة الحزب انشقاقا داخله”. كما ذهب الأمر بهذا المسؤول إلى الحديث عن الانتخابات التمهيدية لحزبه.
بالنسبة لليبيا، فلم يحظ حزب العدالة والبناء (التابع للإخوان المسلمين)، الذي يترأسه محمد صوان، بإقبال كبير من طرف الناخبين
الأحزاب الإسلامية الأخرى في المغرب الكبير
في المغرب، يتمثل نظير حزب حركة النهضة في حزب العدالة والتنمية، الذي تحصل على 27 بالمائة من الأصوات في الانتخابات التشريعية التي أُجريت خلال سنة 2016. الجدير بالذكر أن هذا الحزب المغربي يتطور في صلب نظام سياسي مختلف جذريًا عن نظيره التونسي. ففي المملكة الشريفة، بلد “أمير المؤمنين”، لا يمكن القيام بأي أمر دون الحصول على موافقة القصر. وفيما يتعلق بالمثال الجزائري، وعلى إثر الحرب الأهلية الفظيعة التي شهدتها البلاد خلال التسعينيات (والتي تسببت في وفاة أكثر من 100 ألف شخص)، لم يتمكن الإسلاميون من الحصول على نسبة تصويت عالية خلال الانتخابات.
أما بالنسبة لليبيا، فلم يحظ حزب العدالة والبناء (التابع للإخوان المسلمين)، الذي يترأسه محمد صوان، بإقبال كبير من طرف الناخبين. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن فك رموز الوضع السياسي الليبي وفقاً لمعايير الحسابات السياسية فحسب، ذلك أن القضايا الحقيقية في البلاد تتمحور حول الصراع بين الشرق والغرب (بين طرابلس والبيضاء تحديدا) وغياب الوحدة الوطنية، فضلا عن تكرّر المواجهات المسلحة بين الفصائل المتناحرة.
المحافظون ليسوا دائما كما نعتقد
يُعتبر حزب حركة النهضة الحزب الوحيد ذا الأصول الإسلامية الذي ينمو داخل بيئة ديمقراطية حقيقية. فعلى الرغم من أن بداياته (بين سنة 2011 و2014) لم تكن خالية من العثرات، إلا أن الحزب استعاد قوته وأبعد المتشددين والراديكاليين بأدب عن صفوفه. وقد رأت الأطراف، التي تنتقد هذا الحزب بشدة، في ذلك نوعا من الازدواجية، بل “مهزلة” تهدف إلى إغواء الغرب للحصول على دعمه. وباختصار، لطالما تم اعتبار خطاباته إزدواجية. ويبدو من المستحيل توجيه لوم مماثل لقادة حزب حركة النهضة منذ سنة 2014.
حزب حركة النهضة الطرف الوحيد الذي قدم امرأة على رأس قائمته الانتخابية في العاصمة التونسية
في الواقع، كان الغنوشي الزعيم السياسي التونسي الوحيد الذي صرح أن “المثلية الجنسية ظاهرة طبيعية، كما لا يجب التدخل في اختيارات الأفراد”. ويُعاقب القانون التونسي على ممارسة هذه الحرية الفردية بالسجن لثلاث سنوات. من جانبه، رفض رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، إلغاء تجريم المثلية الجنسية. والجدير بالذكر أن سعاد عبد الرحيم تمثل أول امرأة انتخبت “شيخة” تونس وهي لا ترتدي الحجاب.
في هذا الصدد، ومن خلال ارتدائها البنطلون والبلوزة وتجمّلها على نحو خفيف، وضعت هذه العضوة السابقة في المجلس الوطني التأسيسي حداً للصورة النمطية لنساء النهضة، لدرجة أن جميع المصادر الصحفية في البلاد علقت على عدم ارتدائها للحجاب. علاوة على ذلك، كان حزب حركة النهضة الطرف الوحيد الذي قدم امرأة على رأس قائمته الانتخابية في العاصمة التونسية.
مسلم – ديمقراطي أم إسلامي؟
للجزم في هذا السؤال، سيكون من الضروري انتظار انعقاد المؤتمر التالي للحزب سنة 2020، وإشراك جيل جديد في المناصب القيادية داخل الحزب. ومن الحتمي أن هذا الجيل لن يُشارك في المعركة حول تحديد إسلام أو أسلمة النهضة. وفي الحقيقة، يرتبط مصطلح “المسلم الديمقراطي” ارتباطا مباشرا “بالمسيحيين الديمقراطيين” الألمان، أو بالديمقراطية المسيحية الإيطالية. وقد ظهرت هذه الأحزاب التاريخية في أعقاب الحرب العالمية الثانية. في الأثناء، ليس علينا سوى انتظار ما سيكشفه لنا المستقبل.
المصدر: لوبوان الفرنسية