مرّة أخرى يعود شبح الإرهاب إلى تونس، مخلفا عدد من الضحايا، في وقت اشتدّ فيه الصراع السياسي في البلاد بين مختلف الأطراف حول مصير حكومة الوحدة الوطنية التي يقودها يوسف الشاهد. عملية إرهابية جديدة أعادت الجدل مجددًا حول المستفيد من هذه الآفة الخطيرة التي تهدّد أمن البلاد، وحول من يملك زرّ تشغيلها في تونس في هذا التوقيت.
تفاصيل الحادثة
عملية أمس الأحد، راح ضحيتها ستة من عناصر الأمن التونسي، وأعلنت وزارة الداخلية التونسية في بيان مقتل عناصر الأمن في كمين نصبته “مجموعة إرهابية” في شمال غرب البلاد على مقربة من الحدود مع الجزائر، على الساعة 11.45 بالتوقيت المحلي (10.45 توقيت غرينيتش).
وجاء في البيان الصادر عن الوزارة أن “دورية تابعة لفرقة الحدود البرية للحرس الوطني بعين سلطان على الشريط الحدودي التونسي الجزائري تعرضت إلى كمين تمثّل في زرع عبوة ناسفة أسفر عن استشهاد ستة أعوان“.
قبل شهر من الآن نصحت وزارة الخارجية البريطانية رعايا بلادها بعدم السفر إلى منطقة “غار الدماء” (مسرح الحادثة)
وكالة الأنباء الرسمية في تونس نقلت عن مصادر أمنية، أن الارهابين استخدموا في الاعتداء الذي نفذوه أمس بعين سلطان على الحدود التونسية الجزائرية، قنبلة يدوية الصنع تم تفجيرها في منعرج على حافة الطريق قرب جرف ترابي يحجب الرؤية عن سيارتي الحرس الوطني.
وبعد تفجير القنبلة اليدوية أطلق الارهابيون وابلاً من الرصاص على أعوان الحرس التسعة من ثلاثة اتجاهات، اثنان منهما متضادتان والثالث داعم من خلال توسطه هلال الهجوم، مع استخدام ثلاثة أنواع من الرصاص وأغصان الأشجار في اتجاهين مختلفين وفي أماكن قريبة جدًا من حافة الطريق والمنعرج الذي تم به حادثتا الانفجار والقتل، وفق ما أكدته نفس المصادر الأمنية.
وعادة ما تشهد مناطق عين سلطان والمواجن والبياضة وحمام وشتاتة والمراسن والدورة -وهي أماكن قريبة من مكان وقوع الاعتداء الإرهابي- مداهمات ليلية يقوم بها الإرهابيون للاستيلاء على مؤن غذائية من الأهالي هناك.
بريطانيا تحذّر
قبل شهر من الأن نصحت وزارة الخارجية البريطانية رعايا بلادها بعدم السفر إلى منطقة “غار الدماء” (مسرح الحادثة) التابعة لمحافظة جندوبة إلا للضرورة، لوجود خطر وقوع عمليات إرهابية هناك، كما نصحتهم بعدم زيارة بعض المناطق في جنوب تونس، بما في ذلك مدن مدنين وتطاوين ودوز.
الهجمات شملت المناطق التي حذرت بريطانيا رعاياها من زياراتها
وتنشط في تونس كتيبتي “عقبة بن نافع” الموالية لتنظيم القاعدة في “بلاد المغرب الإسلامي”، وتنظيم “جند الخلافة” التابع لتنظيم الدولة “داعش”، حيث يتحصن المقاتلون بالمناطق الجبلية في غرب البلاد، غير بعيد من الحدود الجزائرية على غرار جبلي الشعانبي والمغيلة في محافظتي القصرين وسيدي بوزيد.
أبرز العمليات الإرهابية في تونس
تعتبر هذه العملية الإرهابية الأولى في البلاد، بعد الهجوم المسلّح الذي شنّه ثلاثة مسلحين على دورية أمنية قارة في منطقة جنعورة التابعة لمحافظة قبلي جنوب تونس في شهر مارس/ آذار 2017، قضى على إثره شرطيًا وجرح آخر، فيما قتل مهاجمان وأصيب ثالث نُقل إلى المستشفى، حيث تعتبر حصيلتها الأعلى منذ هجمات بنقردان سنة 2016.
وتعود أول حادثة إرهابية في تونس عقب الثورة إلى 18 مايو/ أيار 2011، حيث أسفرت مواجهة بين القوّات النظامية (أمن وجيش) وبين عناصر مسلّحة أسفرت عن مقتل المقدم بالجيش الوطني الطاهر العياري والد نائب الشعب ياسين العياري، ومقتل رقيب أول في الجيش وإصابة آخر، فضلاً عن مقتل إرهابيين.
وفي 29 تموز/يوليو 2013، قتل ثمانية عسكريين، بعضهم “ذبحًا”، في كمين خلال شهر رمضان في جبل الشعانبي، بعد فترة وجيزة من واقعة الكمين، حيث انفجر لغم أرضي بمحمية الشعانبي في طريق عربة عسكرية ثانية كانت قد التحقت بالدورية الأولى للتفقّد بعد سماع دويّ الرّصاص ما أسفر عن جرح 3 عسكريين آخرين.
أغلب هذه الهجمات الإرهابية، لم يطالب منفذوها بمطالب خاصة
أما يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول من نفس السنة، نفّذت الوحدات الأمنية عملية استهدفت منزلاً مشبوها بسيدي علي بن عون من محافظة سيدي بوزيد لتسفر الاشتباكات عن مقتل ستّة عناصر من الحرس الوطني وإصابة خمسة أخرين بجروح متفاوتة الخطورة.
وفي 16 تموز/يوليو 2014، الموافق لـ 18 رمضان قتل 15جنديًا في هجوم إرهابي وجرح 18 آخرين عند الإفطار خلال شهر رمضان في جبل الشعانبي بحسب وزارة الدفاع. وكان الهجوم الأكثر دموية في تاريخ الجيش التونسي، وتم تنفيذ الهجوم بواسطة أسلحة رشّاشة وقنابل “آ ربي جي”.
كما في 18 آذار/مارس 2015، فتح رجلان النار من سلاحهما الرشاش على سياح كانوا ينزلون من حافلات لزيارة متحف باردو في العاصمة التونسية، حيث قتل 21 سائحًا وأصيب 43 شخصًا، كما قتل شرطي تونسي في الهجوم، وقامت قوات الأمن بقتل المهاجمين الاثنين، وقد تبنى الهجوم تنظيم الدولة الاسلامية، للمرة الاولى في تونس، ونسبته السلطات أيضًا إلى أبرز مجموعة مسلحة تونسية “كتيبة عقبة بن نافع”، الفرع المحلي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي.
وفي 26 حزيران/يونيو 2015، قتل 38 سائحا بينهم 30 بريطانيا حين قام طالب تونسي مسلح برشاش كلاشنيكوف بفتح النار في فندق في مرسى القنطاوي قرب سوسة على بعد 140 كلم جنوب العاصمة، وتبنى تنظيم الدولة الاسلامية الهجوم.
تعتبر حادثة سوسة الأعلى حصيلة من حيث الخسائر البشرية
وفي 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، فجر انتحاري حزامه الناسف بحافلة تقل عناصر من الحرس الرئاسي، قتل منهم 12 عنصرا في العاصمة التونسية، وتبنى تنظيم الدولة الاسلامية الهجوم. وعرفت السلطات منفذ الهجوم على أنه حسام عبدلي وهو بائع متجول كان يبلغ من العمر 26 عامًا. حيث فرضت حينها السلطات حالة الطوارئ في البلاد وحظر تجول ليلًا في تونس الكبرى، وأغلقت لمدة 15 يومًا الحدود مع ليبيا، والتي كان من الممكن اختراقها.
وفي 7 آذار/مارس 2016، حاول عشرات الجهاديين الذين قدموا من ليبيا، بدون نجاح، إقامة مركز لهم في تونس عبر مهاجمة مركز للشرطة ومركز للحرس الوطني وثكنة عسكرية في بن قردان، المدينة الحدودية الواقعة على الحدود الليبية، ما أسفر عن 13 قتيلا في صفوف قوات الأمن وسبعة من المدنيين. وقتل 55 جهاديا على الأقل. وبحسب السلطات التونسية فان هذه العمليات المنسقة أطلقت بهدف “إقامة إمارة” لتنظيم الدولة الإسلامية.
ما هي مطالبهم؟
أغلب هذه الهجمات الإرهابية، لم يطالب فيها منفذوها بأي مطالب خاصة، وهوما يثير شكوك التونسيين، حتى أن بعضها تزامن مع تصاعد مطالب بعض الأطراف السياسية بإصلاحات في البلاد، سواء تلك التي في المعارضة أو حتى التي في الحكم.
حادثة أمس تزامنت مع ارتفاع الأصوات المنادية بإقالة الحكومة من قبل حزب نداء التونس الذي قال المكلف بالشؤون السياسية داخله قبل أيام قليلة إن “البلاد تعيش على وقع مرحلة فرز حقيقي يطل على ملامح زمن جديد بين خيارين”، معتبرا أنّ “الطبول تدق ولن يكون الأمر مجرد مناورة بالذخيرة الحية”.
بعض الأطراف استغلت الحادثة للمطالبة بإقالة يوسف الشاهد
فضلاً عن نداء تونس، صعّد الاتحاد العام التونسي للشغل في الفترة الأخيرة من لهجته تجاه الحكومة ورئيسها يوسف الشاهد، مطالبين برحيله من القصبة. ومباشرة إثر عملية أمس أصدر الاتحاد بيان طالب فيه بالإسراع في حلّ الأزمة السياسية وتغيير الحكومة وتعيين رئيس يشكّل فريقا كفء قادر على مجابهة المشاكل وإيجاد الحلول الكفيلة بالخروج من الأزمة بجميع أبعادها ومنها الأمنية.
دقائق بعد هذه العملية الإرهابية تصدّرت قيادات في النداء وفي اتحاد الشغل وبعض الشخصيات الوطنية المحسوبة عليهم، المنابر الإعلامية خاصة قناة نسمة المحلية الخاصة، للترويج لخطابهم الداعي إلى إقالة يوسف الشاهد من منصبه وإعادة وزير الداخلية المقال لطفي براهم إلى الوزارة.
وفي السادس من يونيو/حزيران الحالي، أقال رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد وزير الداخلية في حكومته لطفي براهم، وعيّن وزير العدل غازي الجريبي وزيرا للداخلية بالإنابة، وذلك بعد تداول معلومات بشأن انقلاب على السلطة يعدّه براهم بمعية الإماراتيين.