في 5 من أغسطس 2014، عبّر السيسي عن حلمه في امتلاك إعلام موالٍ تمامًا له، وذلك خلال كلمته في احتفالية إعلان تدشين محور تنمية قناة السويس، التي قال فيها بالحرف الواحد: “الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كان محظوظًا، لأنه كان بيتكلم والإعلام كان معاه”.
السيسي والإعلام.. صدام متكرر
أمنية السيسي في امتلاك إعلام داعم له تأتِ من فراغ، فعلى مدار ولايته الرئاسية الأولى، اصطدم السيسي بوسائل الإعلام الحكومية والخاصة ووسائل التواصل الاجتماعي، غير مرة، مهاجمًا ومحذرًا وموجهًا إياها نحو تبني اتجاهات وأفكار محددة.
في 6 من سبتمبر 2014، مثلًا، انتقد السيسي خلال كلمته في إحدى الندوات التثقيفية للقوات المسلحة، طريقة تناول وسائل الإعلام لقضية انقطاع الكهرباء، وتحديدًا جملة “الحكومة منورة”، قائلًا: “لما ألاقي في الجرنال مكتوب الحكومة منورة، هو أنت كده يعني بتعالج الموضوع لما تكتب كده؟ مينفعش، لكن الحل في معالجة الأمور”.
وفي 21 من أكتوبر 2014، وجّه السيسي كلمة للإعلاميين، خلال حضوره مناورة ذات الصواري بالإسكندرية، قائلًا: “أنتوا الإعلاميين، على مهلكوا على المصريين، الناس قاعدة في بيوتها بتسمع منكم وبتقرأ لكم، خلوا عندهم أمل عشان إحنا ماشيين كويس، مش زي ما إحنا عايزين، لأن آمالنا كبيرة أوي، خلوا فيه سياق عام تتكلموا فيه، اللي هو الحفاظ على الدولة المصرية”.
وفي 1 من نوفمبر 2015، هاجم السيسي خلال ندوة تثقيفية نظمتها القوات المسلحة، تصريحات أحد الإعلاميين التي انتقد خلالها اجتماع الرئيس مع مجموعة سيمنز الألمانية في أثناء أزمة غرق شوارع الإسكندرية بمياه الأمطار، حيث قال السيسي: “أحد الإعلاميين بيقول إزاي الرئيس يقعد مع سيمنز وشايف إسكندرية بتغرق، حاجة صعبة أوي، عيب ميصحش كده، إيه الشغل ده والأمر ده لا يليق، أنتوا بتعذبوني أني جيت وقفت هنا”.
طالب السيسي الإعلام، خلال فعاليات المؤتمر الدوري الرابع للشباب بالإسكندرية، بخلق “فوبيا” لدى الشعب المصري من إسقاط الدولة المصرية، وحماية مصر من السقوط، مؤكدًا استعداد الدولة لدعم إنتاج عمل سينمائي في مواجهة ما أسماه محاولات هدم وإضعاف الدولة
وفي 24 من فبراير 2016، فقد السيسي أعصابه خلال كلمته باحتفالية تدشين إستراتيجية التنمية المستدامة مصر 2030، وطلب من الشعب المصري عدم الاستماع إلى أي شخص آخر غيره.
وفي 13 من أبريل 2016، وخلال لقائه بممثلي فئات المجتمع المصري بقصر الاتحادية، اتهم السيسي مواقع التواصل الاجتماعي بتضخيم أزمة مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني الذي عُثر على جثته مشوهة في 3 من فبراير 2016، قائلًا: “نحن من صنعنا الأزمة في هذه القضية، بمجرد أن تم إعلان مقتل ريجيني، البعض منا اتهم الأجهزة الأمنية المصرية بالتورط في هذه الجريمة، وشبكات التواصل الاجتماعي تحدثت عن ذلك”.
وفي 26 من يوليو 2017، طالب السيسي الإعلام، خلال فعاليات المؤتمر الدوري الرابع للشباب بالإسكندرية، بخلق “فوبيا” لدى الشعب المصري من إسقاط الدولة المصرية، وحماية مصر من السقوط، مؤكدًا استعداد الدولة لدعم إنتاج عمل سينمائي في مواجهة ما أسماه محاولات هدم وإضعاف الدولة.
الحل السحري لتأميم الإعلام
لم ينتظر الجنرال طويلًا لتحقيق حلمه في امتلاك “إعلام عبد الناصر” والتخلص من الأصوات والمنصات غير الموالية، ففي 11 من أبريل 2017، أصدر السيسي قرارًا بتشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، برئاسة أحد أبرز مؤيديه في الإعلام، نقيب الصحفيين الأسبق مكرم محمد أحمد، وعضوية 12 آخرين.
ووفقًا لقرار السيسي، يُعامل رئيس المجلس ماليًا على درجة وزير، ومدة كل عضو في هذا المجلس 4 سنوات.
منذ هذا التوقيت، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام يعمل على تحقيق أمنيات السيسي في امتلاك إعلام الصوت الواحد الذي كان يتمتع به عبد الناصر طيلة فترة حكمه، فكانت قراراته بإخراس ومعاقبة الأصوات التي لا تعزف سيمفونية النظام.
أبرز هذه القرارات، توقيعه، مطلع أبريل الماضي، غرامات مالية على صحيفة “المصري اليوم” وموقع “مصر العربية” على خلفية تغطية الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
بخصوص “المصري اليوم”، قرر “الأعلى للإعلام” إحالة رئيس تحرير الجريدة ومحرر خبر مانشيت الصحيفة الصادر في طبعتها الأولى “الدولة تحشد الناخبين للتصويت في اليوم الأخير” إلى نقابة الصحفيين للتحقيق معهما في صدور المانشيت الذي اتهم الدولة بالحشد، على حد تعبير القرار، وقرر أيضًا إلزام الصحيفة بنشر اعتذار للهيئة الوطنية للصحافة بنفس المكان ونفس المساحة وتوقيع غرامة قدرها 150 ألف جنيه.
فيما يخص “مصر العربية”، وقع المجلس غرامة مالية قدرها 50 ألف جنيه، بعد نقله تقريرًا مترجمًا عن صحيفة الـ”نيويورك تايمز” الأمريكية بعنوان “المصريون يزحفون للانتخابات من أجل 3 دولارات”.
وفي 20 من أبريل الماضي، أعد المجلس مدونة المعايير الإعلامية والأكواد ومعايير التغطية المتخصصة، اعتبرها كثيرون مقيدة لحق الجمهور في المعرفة، من ضمن هذه الأكواد المفروضة على الإعلاميين والصحفيين: “الالتزام بعدم إذاعة أو نشر أو بث خطوط سير العمليات أو التمركزات الأمنية أو العسكرية أو الخطط، الالتزام بالبيانات الرسمية فيما يتعلق بأعداد الشهداء والمصابين والنتائج الخاصة بالعمليات”، وهو ما يعني استبعاد الروايات غير الرسمية لهذه الأحداث.
وفي 20 من مايو الماضي، أعلن المجلس التقرير السنوي الأول عن حالة الإعلام في مصر، ورغم الأوضاع الحقوقية المأساوية للصحفيين المصريين وحبس عدد منهم، ذكر المجلس في تقريره أنه “لا يوجد صحفي محبوس بقضايا نشر في مصر، والإعلام يتمتع بحرية التعبير والاستقلالية”. الأمر الذي دفع نقيب الصحفيين السابق لاستنكار النتائج التي توصل إليها تقرير المجلس، قائلًا: ” تم حجب وإغلاق عشرات المواقع الصحفية، وأُلقي بأعداد كبيرة من الصحفيين في الشارع، وتم حبس عدد آخر، وأخير تتم عمليات فصل جماعي لأعداد من الزملاء في مواقع وصحف تم الاستحواذ عليها لحساب ملاك جدد، ثم يؤكد تقرير صادر مؤخرًا عن المجلس الأعلى للإعلام أننا نعيش أزهى عصور حرية الصحافة والإعلام!”.
الحاكم بأمره
لم يقف الأعلى للإعلام عند هذا الحد، بل وصل إلى فرض سطوته على الجمهور، بتحديد ما يُذاع وما لا يُذاع على الشاشات، ففي 30 من سبتمبر 2017، حظر المجلس الترويج لشعارات المثليين أو نشرها، حفاظًا على السير والأخلاق العامة واحترامًا لقيم المجتمع وعقائده الصحيحة، على حد تعبير المجلس.
كما حظر ظهور المثليين في أي من أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية إلا أن يكون اعترافًا بخطأ السلوك وتوبة عنه.
وفي 21 من ديسمبر 2017، أصدر الأعلى للإعلام قرارًا بمنع إذاعة إعلان شركة فودافون “أبلة فاهيتا” على جميع الشاشات والإذاعات، نظرًا لما يحتويه من ألفاظ ومشاهد لا تليق بالذوق العام وتجافي كل القيم، على حد قوله.
في 18 من يونيو الماضي، قرر الأعلى للإعلام إحالة أحمد سعيد، مقدم برنامج “كلام في الكورة” على قناة “الحدث اليوم” إلى التحقيق بنقابة الإعلاميين بسبب ما اعتبره تجاوزًا في حق تركي آل الشيخ، وزير الشباب والرياضة السعودي
وفي 11 من فبراير الماضي، أصدر المجلس بيانًا أعلن فيه وقف برنامج “S.N.L” بالعربي الذي يُبث على قناة “ON.E”، وذلك لدأب البرنامج، حسبما زعم المجلس، على استخدام الألفاظ و العبارات والإيحاءات الجنسية التى تخالف المعايير الأخلاقية والمهنية.
وفي 8 من مارس الماضي، أعلنت قناة سي بي سي، إيقاف برنامج “أبلة فاهيتا” لأجل غير مسمى، في ظل القرار الذي أصدره الأعلى للإعلام، بإلزام القناة بحذف الإيحاءات الجنسية من أي حلقة.
وفي 21 من مايو الماضي، قرر المجلس منع ذكر اسم شيخ الأزهر دون أن يسبقه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، وذكر اسم البابا دون أن يسبقه قداسة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.
وفي 18 من يونيو الماضي، قرر الأعلى للإعلام إحالة أحمد سعيد، مقدم برنامج “كلام في الكورة” على قناة “الحدث اليوم” إلى التحقيق بنقابة الإعلاميين بسبب ما اعتبره تجاوزًا في حق تركي آل الشيخ، وزير الشباب والرياضة السعودي.
فريدم هاوس ومجلس السيسي
على خلفية قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المقيدة للحريات الإعلامية والصحفية، انتقد مؤشر مؤسسة “فريدم هاوس” أو “بيت الحرية” للحريات لعام 2017، سيطرة الحكومة المصرية على قطاع الإعلام، بعد أن أغلقت معظم المنافذ المعارضة بعد 3 يوليو 2013.
تحدث التقرير عن دور الأعلى للإعلام في السيطرة على محتوى بث وسائل الإعلام والطباعة، وانتقد مشاركة المجلس في حملة القمع ضد الأشخاص ذوي الميول الجنسية المثلية، حينما حظر ظهورهم على القنوات الفضائية، وشددّ على منع أي تغطية إعلامية بشأن القضية، باستثناء وجهة النظر الرافضة للمثليين.
أزمة مع النائب العام
الصلاحيات الواسعة التي أعطاها السيسي للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وضعته في أزمة مع النائب العام، حينما أصدر المجلس، في 4 من يوليو الماضي، قرارًا بحظر النشر ووقف البث في كل ما يتعلق بمستشفى سرطان الأطفال 57357.
لم يقف رئيس الأعلى للإعلام مكتوف الأيدي أمام اتهامات النائب العام، فأشار صراحة إلى أنه يخدم رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي في إصلاح المجال الإعلامي، ولا يفكر في الاستقالة من منصبه مطلقًا
النائب العام المستشار نبيل صادق، اعتبر قرار المجلس “تدخلًا في اختصاص النيابة العامة، وتعديًا على اختصاصات السلطات القضائية والتنفيذية المنوط بها وحدها حماية الشأن العام للدولة”، وبناء عليه، قرر، السبت الماضي 7 من يوليو، مثول رئيس المجلس مكرم محمد أحمد، أمام نيابة أمن الدولة العليا، للتحقيق في إصداره قرارًا بحظر النشر في قضية المستشفى.
لم يقف رئيس الأعلى للإعلام مكتوف الأيدي أمام اتهامات النائب العام، فأشار صراحة إلى أنه يخدم رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي في إصلاح المجال الإعلامي، وأنه لا يفكر في الاستقالة من منصبه مطلقًا، مشددًا على أن الأمر الذي يدفعه للاستقالة ألا يستطيع خدمة رؤية السيسي، وألقى الكرة في ملعب النائب العام قائلًا: “سبب استمراري في منصبي هو ثقة الرئيس في شخصي لإصلاح أوضاع الإعلام بمصر”.
وعبر شاشة “سي بي سي”، دافع مكرم محمد أحمد عن قرار حظر النشر مؤكدًا أن “القرار شرعي بموجب السلطات المخولة للمجلس”، مؤكدًا أنه أقدم خلال الفترة الماضية على وقف تداول بعض الأخبار ومنع عدد من الشخصيات من الظهور، بموجب تلك الصلاحيات.
أي مصير ينتظر رجل الرئيس وسيفه المسلط على رقاب الإعلام المصري، هذا ما ستخبرنا به الأيام القادمة.