ترجمة وتحرير: نون بوست
يبدو جليا أن كوريا الشمالية لا تمتلك أي مخططات للتخلي عن ترسانتها النووية في الوقت الحالي. ويطرح ذلك تساؤلات حول ما إذا كانت إدارة ترامب ستسعى لاعتماد نهج أكثر تطرفا في تغيير هذا الواقع، وحول ما إذا كان تفكير الرئيس الأمريكي في السماح لكيم جونغ أون بالإبقاء على أسلحته النووية يندرج ضمن تحرك إستراتيجي أكبر في آسيا لمجابهة النفوذ الصيني المتصاعد.
في الحقيقة، لا يمكن الجزم بأن اتباع نهج متطرف يمثل الوسيلة الأنجع لاحتواء برنامج كوريا الشمالية الذي يتضمن حوالي 65 رأسا نوويا، لكن يبدو أن هناك سبباً منطقيا يدفعنا للنظر في حل سياسي مختلف تماماً لمعالجة مشكلة آخذة في التفاقم منذ عقود. ويتوجب على المجتمع الدولي النظر في تقييم البدائل قبل النظر في التعايش مع البرنامج النووي لكوريا الشمالية، خاصة مع رفض بيونغ يانغ السير على طريق نزع السلاح النووي في وقت قريب.
من جانبها، تضع الولايات المتحدة خيار التدخل العسكري في أسفل قائمة الخيارات المطروحة للتعامل مع البرنامج النووي لكوريا الشمالية. لكن، يكمن التحدي في كون البنتاغون عاجزا عن ضمان تدمير الترسانة النووية لكوريا الشمالية بشكل كامل، حتى إذا تضافرت جهود أكبر القوى العسكرية في العالم. وفي حال حدوث ذلك، سيظل كيم جونغ أون قادرا على قصف طوكيو وسيول بما يعادل 5000 طن من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية القاتلة والمخبأة مع الصواريخ المتبقية.
سيكون من الحماقة ألا تستخدم الصين كوريا الشمالية كورقة مساومة في إطار صراعها التجاري مع الولايات المتحدة
من جهة أخرى، قد تُستأنف الحرب الكورية، التي لم تنته أبداً، من جديد. ويمكن لحرب بهذا الحجم أن تتسبب في قتل الملايين من الأشخاص، وخسائر مادية تقدر بتريليونات الدولارات، ناهيك عن تكلفة إعادة إعمار المدن التي ستكلف الحكومات الآسيوية مبالغ أكبر بكثير. وبشكل عام، من المحتمل أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية المستفيد الأكبر من قيام هذه الحرب.
من الواضح أن تطبيق سياسة “الضغط الأقصى” لاحتواء البرنامج النووي الكوري الشمالي، عن طريق إقرار العقوبات وفرض العزلة الاقتصادية والدبلوماسية، يعد أمرا غير ممكنا في الوقت الحالي. وفي هذا الصدد، ساهمت القمة التاريخية بين ترامب وجونغ أون، والمصافحة الشهيرة التي جمعت بينهما، في إضفاء بعض الشرعية على ممارسات كوريا الشمالية حول العالم. ويعني ذلك عدم القدرة على تطبيق أي إستراتيجية قائمة على الاحتواء وفرض العقوبات في المستقبل.
في الأثناء، لا يزال المجتمع الدولي عاجزا عن تبين ما إذا كانت الصين، الدولة التي تستأثر بحوالي 90 بالمائة من صادرات كوريا الشمالية، مستعدة لمواصلة فرض العقوبات على حكومة كيم جونغ أون في حال كان ترامب مستعدا للجلوس والتوصل إلى حل سلمي مع الزعيم الكوري الشمالي. ومع خوض الصين والولايات المتحدة الأمريكية غمار حرب تجارية حامية الوطيس تزداد تشعبا وتعقيدا يوماً بعد يوم، لا تمتلك بكين أي حافز لمعاقبة حليفتها الآسيوية.
تجدر الإشارة إلى أن فكرة تغاضي الولايات المتحدة عن البرنامج النووي لكوريا الشمالية تلاقي دعماً كبيرا في الأوساط الأكاديمية
في الواقع، سيكون من الحماقة ألا تستخدم الصين كوريا الشمالية كورقة مساومة في إطار صراعها التجاري مع الولايات المتحدة، فضلا عن صراعها معها حول تايوان وبحر الصين الجنوبي. ويعتبر الوضع الحالي معقدا للغاية، ويحيل إلى تبين ضرورة تراجع الولايات المتحدة عن هذه المشكلة والمضي قدماً، مع الحرص على عدم تمكن الصين من تجاوز النظام الدولي أو تحويل معظم أجزاء القارة الآسيوية إلى مقاطعاتها الخاصة. وتبدو ضرورة التصدي للنفوذ الصيني المتنامي أكثر إلحاحاً من تحدي دولة فقيرة، متمثلة في كوريا الشمالية، التي لا يتجاوز حجم اقتصادها ثلث اقتصاد ولاية رود آيلاند الأمريكية.
تجدر الإشارة إلى أن فكرة تغاضي الولايات المتحدة عن البرنامج النووي لكوريا الشمالية تلاقي دعماً كبيرا في الأوساط الأكاديمية، حيث يرى الأشخاص الذين يمتلكون نظرة واقعية إزاء الشؤون الدولية أن برنامج بيونغ يانغ النووي حقيقة لا يمكن تغييرها. ويعتقد هؤلاء المفكرون أنه يمكن لسياسة قائمة على المزج بين السيطرة على الأسلحة والردع باستعمال القوة أن ينجح، بالاعتماد على النتائج الإيجابية السابقة لهذا التمشي.
حيال هذا الشأن، أفاد دوغ باندو، المساعد الخاص للرئيس السابق رونالد ريغان، والخبير البارز في شؤون كوريا الشمالية، والباحث في معهد كاتو للأبحاث السياسية، أنه “من الجيد اعتبار كوريا الشمالية دولة شبيهة بباكستان، لكن دون الأخذ بعين الاعتبار للعامل الديني. إن هذه الدولة الآسيوية تشهد اضطرابات عديدة وتحتوي على بعض الأسلحة النووية، لكن لا أحد ينظر إليها على أنها تهديد خاص”.
من المرجح أن الصقور المحافظين، على غرار السيناتور ليندسي غراهام، سينددون بهذا الإجراء مشيرين إلى أن النشاط النووي لكوريا الشمالية غير مقبول ويجب معالجته عسكرياً
من المرجح أن ينضم المحافظون الجدد إلى جحافل المطالبين بالانسحاب من معضلة البرنامج النووي لكوريا الشمالية. وفي شهر كانون الثاني/ يناير الفارط، عمد الصحفي في موقع بلومبيرغ الأمريكي، إيلي ليك، إلى دعوة إدارة ترامب للكف عن محاولة دفع كوريا الشمالية للتخلي عن برنامجها النووي. وتابع ليك بالقول إنه يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية عدم النظر لكوريا الشمالية كدولة ذات أسلحة نووية، وهو ما سيلعب دوراً هاما في إنهاء حلقات مفرغة من المفاوضات والضغط المستمر.
على الرغم من أن حجة ليك تبدو دامغة وجريئة للغاية، إلا أنها تركز على الهدف الأكبر المتمثل في محاولة احتواء القوة المتنامية للصين في آسيا. وعلّل ليك ذلك بقوله: “يجب علينا التخلي عن سعينا لردع البرنامج النووي لكوريا في حال أردنا التركيز على علاج هذه المعضلة. ويمكن للدبلوماسيين الأمريكيين والمخططين الإستراتيجيين التركيز على تحسين إستراتيجيتنا لردع كوريا الشمالية”. عموما، يبدو هذا الرأي شبيها بالاستنتاجات الصادرة عن أكثر من مركز أبحاث بارز آخر في واشنطن.
وفقاً لما أفاد به ليك، يمكن لاتباع مثل هذا التمشي ضمان إمكانية تخصيص الموارد العسكرية والمهام الدبلوماسية الأمريكية لمواجهة عسكرة الصين لبحر الصين الجنوبي. بالإضافة إلى محاربة إستراتيجيتها الاقتصادية والسياسية الأوسع نطاقا التي تهدف إلى تحويل حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المحيط الهادئ وشرق آسيا إلى إقطاعيات تابعة لبكين. وتابع ليك القول إن ترامب ودبلوماسييه لن يضطروا إلى قضاء لقاءاتهم مع نظرائهم الصينيين في مناشدتهم لدفع دولتهم للتصرف إزاء برنامج كوريا الشمالية النووي، معللاً ذلك بكون هذا البرنامج أمسى مشكلة الصين في الوقت الحالي.
تمتلك كل من الصين وروسيا ترسانة نووية هامة، ويبدو أن كلاهما على دراية بأن الهجوم النووي يعني نهاية دولهم، مما يدفع للتساؤل حول ما إذا كان ترامب سيجرأ على عقد الصفقة ذاتها مع جونغ أون
بطبيعة الحال، يكمن التحدي في ما يتعلق بهذه السياسة في أنه لا يمكن وضعها في فقاعة، كما يمكن للسياسة الداخلية أن تجعل هذه الخطوة صعبة للغاية. ومن المتوقع أي يواجه ترامب معارضة من طرف الديمقراطيين الذين يمتلكون نظرة استباقية تحيل إلى وجود خسائر بشرية نظير تطبيق هذه الإستراتيجية، حيث سيسعى هؤلاء الديمقراطيون إلى تذكير الناخب الأمريكي بأن ترامب يناقض نفسه ويتحول من إطلاق تسمية “الرجل صاحب الصاروخ الصغير” على كيم جونغ أون، إلى تقبل أسلحته النووية. كما من المرجح أن الصقور المحافظين، على غرار السيناتور ليندسي غراهام، سينددون بهذا الإجراء مشيرين إلى أن النشاط النووي لكوريا الشمالية غير مقبول ويجب معالجته عسكرياً.
في المقابل، يجب علينا التحلي بالحكمة وإمعان النظر في الفوائد المنجرة عن اتباع هذا التمشي. وفي حال كانت الإدارة الأمريكية قادرة بشكل ما على تجنب البرنامج النووي لكوريا الشمالية وعدم قبوله، فإنها ستفتح الباب على مصراعيه أمام مجموعة جديدة من الخيارات. ويمكن لتوقيع معاهدة سلام أن ينهي الحرب الكورية، ناهيك عن إمكانية خفض القوات العسكرية في المنطقة منزوعة السلاح على الحدود بين كوريا الشمالية والجنوبية. كما يمكن أن يصبح تبادل السفراء بين واشنطن وبيونغ يانغ أمراً مقبولا، فضلا عن إمكانية عقد اتفاقيات للحد من الأسلحة وخفض الترسانة النووية لكوريا الشمالية والسماح للمفتشين بدخول البلاد.
في الأثناء، يتعين على الأمريكيين أن يتذكروا تاريخهم ويستحضروا كيفية تعامل بلادهم مع الاتحاد السوفيتي المسلح نووياً في السابق. وفي الوقت الحالي، تمتلك كل من الصين وروسيا ترسانة نووية هامة، ويبدو أن كلاهما على دراية بأن الهجوم النووي يعني نهاية دولهم، مما يدفع للتساؤل حول ما إذا كان ترامب سيجرأ على عقد الصفقة ذاتها مع جونغ أون، ومثلما يقول دونالد ترامب دائما، “سنرى ما الذي سيحصل”.
المصدر: صحيفة ذا هيل الأمريكية