قبل أيام قليلة لفت نظري فيديو مسجل لطفلة يمنية رفقة عائلتها وهي تصرخ بألم وبلهجة تهامية “وين شنبوك” أي إلى أين سنذهب؟ لخصت تلك الفتاة ما أطلقت عليه لاحقًا “التغريبة التهامية” التي يعاني منها سكان محافظة الحديدة الساحلية غرب اليمن جراء الحرب!
هذه المحافظة المسالمة التي تدفع ثمنًا باهظًا لصراع الحيتان نظرًا لموقعها المتميز على البحر الأحمر، ولكونها مصدرًا من مصادر الدخل القومي للبلد، عبر ميناءها الذي يعتبر الشريان الرئيسي للحياة شمال اليمن، وآخر ميناء ومحافظة يسيطر عليها الحوثيون على البحر الأحمر.
يستميت الحوثيون في الدفاع عن مدينة الحديدة، وينتحرون على أطرافها، يزرعون الألغام في كل شبر منها، ويستحلون مبانيها، ومنازل المواطنين والمحال التجارية، يحفرون الخنادق، ويحتمون بالمدنيين الذين يفوق عددهم مليوني نسمة! يستخدم الحوثيون ميناء الحديدة لتهريب السلاح القادم من إيران حسب تقارير الأمم المتحدة، ويدركون أن فقدانه سيحصرهم بالجبال بين كماشة محكمة وحصار مطبق من جميع الجهات!
بين هذا الشد والجذب يعيش المواطن اليمني في محافظة الحديدة أوضاع إنسانية غاية في الصعوبة، حيث وصل عدد النازحين الفارين من جحيم المعارك حسب آخر تقارير الأمم المتحدة 121 ألف أغلبهم من النساء والأطفال
في الطرف الآخر أعلنت القوات اليمنية المدعومة من التحالف العربي قبل شهر انطلاق معركة الحديدة، توغلت القوات بما يشبه الخط المستقيم على الساحل وصولًا للمطار، وفجأة – وبعد سلسلة من ردود الفعل الدولية – تعلن الإمارات على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش توقف العملية من طرف واحد، وقوبل إعلانه بالرفض من الحوثيين، وهذا الإعلان – على ما يبدو – لم يرق للحكومة اليمنية وتسبب بأزمة مع دولة الإمارات، كما قوبل أيضًا برفض من مؤسسة الرئاسة التي تعتبر إصدار قرارات إعلان العمليات العسكرية وانتهاءها أعمال سيادية تصدر عنها فقط، وتصر على تحرير الحديدة بشكل كامل وليس تسليم الميناء فقط كما اقترح المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن السيد مارتن غريفيث في خطته للحل التي وافق عليها الحوثيون.
بين هذا الشد والجذب يعيش المواطن اليمني في محافظة الحديدة أوضاع إنسانية غاية في الصعوبة، حيث وصل عدد النازحين الفارين من جحيم المعارك حسب آخر تقارير الأمم المتحدة 121 ألف أغلبهم من النساء والأطفال؛ وهذا العدد مرشح للارتفاع بسبب ضراوة المعارك في أطراف المدينة، ويتعرض معظم النازحين – وأغلبهم من الطبقة المسحوقة” – لظروف إنسانية صعبة فكثير منهم يبيتون في العراء، دون أي مساعدات في مناطق سيطرة الحوثيون، وحتى في المناطق التي تسيطر عليها قوات الحكومة الشرعية، ومن يحالفه الحظ يسكن في مدارس مهترئة ومزدحمة أو في خيام لا تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة، ناهيك عن الحالات الصحية، وانتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة التي تهدد حياة الكثير منهم.
يهرب اليمني من موت إلى موت محقق آخرِ؛ وقد نفيق يومًا على موصل جديدة وحلب أخرى، ومدينة تهدم على رؤوس ساكنيها
تشير التقارير الدولية إلى أن مدينة الحديدة على شفا كارثة إنسانية خطيرة إذا استمرت المعارك بهذه الوتيرة البطيئة، وقد تتعرض للتدمير الكلي ويشرد كل سكانها إذا أصرت ميليشيات الحوثي على القتال في وسط المدينة المزدحمة، وفيما يعرف بحرب الشوارع؛ التي عادةً ما تكون نتائجها مرعبة.
يهرب اليمني من موت إلى موت محقق آخر؛ وقد نفيق يومًا على موصل جديدة وحلب أخرى، ومدينة تهدم على رؤوس ساكنيها؛ إذا لم يكن هناك تدخل عاجل لإنهاء هذه معاناة أبناء الحديدة من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وتغليب لمنطق العقل من ميليشيات الحوثي لتجنيب المدينة الدمار، والتزام كامل من التحالف العربي بالقانون الدولي الإنساني، وتخطيط دقيق للتقدم من القوات الحكومية التي تتمركز في تخوم المدينة المنكوبة.