مرتدية زي منتخبها المميز بمربعاته الحمراء والبيضاء، نجحت في تسليط أضواء الكاميرات التي كانت تنقل مباراة ربع نهائي كأس العالم بين المنتخب الروسي والكرواتي، فما فتئ مخرج المباراة توجيه الشاشة نحوها مع كل هدف، لتغدو جزءًا من اللقاء الحماسي الذي امتدّ حتى ضربات الترجيح، وإن كانت عادات الجالسين في منصة الضيوف بالملاعب احترام البروتوكول الخاص بمتابعة مجريات المباراة، فقد تمرّدت تلك الشقراء، وصارت تنفعل مع كل هدف بعفوية، شاهدت المباراة كما لو أنها وسط الآلاف الذين حضروا الملعب، ونسيت – أو تناست – أنها الرئيسة الحاليّة للجمهورية الكرواتية.
كوليندا غابار كيتاروفيتش، رئيسة كرواتيا التي سُلّطت عليها الأضواء خلال مونديال روسيا 2018، بسبب الطريقة التي شجعت بها منتخب بلادها الذي يقدّم البلاء الحسن في المسابقة، فكيتاروفيتش صارت حديث العالم بأسره، بعدما شوهدت بقميص المنتخب الكرواتي وهي تتابع مباراة منتخب بلادها أمام الدانمارك في ثمن النهائي، ثم نشر صورة لها برحلتها المتوجهة من كرواتيا إلى روسيا، حيث حجزت تذكرة من مالها الخاص عبر الدرجة الاقتصادية، لا درجة رجال الأعمال التي يعتاد الرؤساء ركوبها.
ظاهرة كيتاروفيتش هذه خلفت الكثير من اللغط، ما بين معلن إعجابه، وآخرين يرون في تصرف رئيسة كرواتيا جانبًا كبيرًا من “الشعبوية” وممارستها للبروبغاندا لصالح صورتها المهزوزة بكرواتيا
وفي مباراة ربع النهائي بين كرواتيا وروسيا اعتلت منصة كبار الشخصيات رفقة كل من رئيس الفيفا جياني أنفانتينو، ورئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف، حيث رصدت الكاميرات التي تنقل المباراة ردود فعل الزعيمين السياسيين وحربهما الباسمة في أثناء المباراة.
تقفز كيتاروفيتش فرحًا مع كل هدف لمنتخب بلادها، وتنحني أمام ميدفيديف بانصياع مع الهدف الروسي، قبل أن يُسدل الستار بعبارات التهاني واعتراف بالهزيمة من رئيس وزراء روسيا للرئيسة الكرواتية في نهاية المباراة.
ظاهرة كيتاروفيتش هذه خلفت الكثير من اللغط، ما بين معلن إعجابه، وآخرين يرون في تصرف رئيسة كرواتيا جانبًا كبيرًا من “الشعبوية” وممارستها للبروبغاندا لصالح صورتها المهزوزة بكرواتيا.
من تكون كيتاروفيتش؟
كيتاروفيتش استقلت الطائرة بالدرجة الاقتصادية خلال رحلتها لروسيا دعمًا للمنتخب الكرواتي
كوليندا غابار كيتاروفيتش، هي الرئيس الرابع للجمهورية الكرواتية، حيث تم انتخابها لهذا المنصب سنة 2015، لتصبح أول امرأة تتولى رئاسة البلاد، ولدت سنة 1968 بمدينة رييكا التابعة للجزء الكرواتي من يوغوسلافيا السابقة، تلقت تعليمها العالي بمجموعة من الجامعات بمختلف المدن العالمية (فيينا وواشنطن وهارفرد)، قبل أن تنال شهادة الدكتوراة ببلدها كرواتيا، شغلت مناصب سياسية عديدة، بداية باشتغالها مستشارة لوزارة الخارجية، ومرورًا بانتخابها عضوة في البرلمان الكرواتي، قبل تعيينها سفيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، ونائبة للكاتب العام لحلف الناتو.
بجانب لغتها الأم الكرواتية، تتحدث كيتاروفيتش الإنجليزية والإسبانية والبرتغالية بطلاقة، إضافة لمبادئ في اللغات الفرنسية والإيطالية والألمانية.
حضور مونديال 2018.. من منطق الإشادة
كيتاروفيتش زارت غرفة ملابس لاعبي المنتخب الكرواتي بعد التأهل أمام المنتخب الروسي
بعد مباراة المنتخب الكرواتي أمام نظيره الدانماركي، خطفت كيتاروفيتش الأنظار في مواقع التواصل الاجتماعي بعد انتشار صور لها وسط الجماهير الكرواتية بمدرجات ملعب نيجني نوفغورد بروسيا مرتدية القميص الكرواتي، وزاد الحديث أكثر عبر الإشادة بالرئيسة الكرواتية بعدما ظهرت صورة أخرى لها متوسطة الجماهير الكرواتية بالدرجة الاقتصادية من الطائرة التي أقلت المشجعين الكروات لروسيا لمساندة منتخب بلادهم في المشوار المونديالي.
الموضوع لاقى استحسانًا كبيرًا، مانحًا كيتاروفيتش صورة المهتمة بالشأن الكروي في البلد – الذي صادف وجود واحد من أفضل الأجيال التي مرت عبر التاريخ -، بعدما أهمل الرؤساء السابقون هذا الشأن وأساؤوا إدارته، مما أدى لتدهور كرة القدم الكرواتية بشكل كبير خلال العقود الماضية.
الصحفي روبرت ماكي، نشر عبر تويتر صورة للرئيسة الكرواتية وهي منفعلة بعد هدف المنتخب الكرواتي الثاني أمام روسيا بحضرة رئيس وزراء ديميتري ميدفيديف معلقًا: “يبدو أن ميدفيديف قد ندم على دعوته الرئيسة الكرواتية كيتاروفيتش لحضوره مباراة روسيا وكرواتيا بصحبته”، أما الإعلامي الآخر فيليب إيثال، فقد أظهر استحسانه لمبادرة الرئيس الكرواتية حيث غرّد قائلًا بعد فوز كرواتيا على روسيا: “هذه هي السيدة التي ألهمت كرواتيا الليلة، لقد كانت حاضرة، صرخت، صاحت، وتفاعلت، ثم صافحت يد ديميتري (ميدفيديف)، نعم، إنها أكثر من مجرّد أم للكروات”.
نظرية البروباغندا
فرحة كيتاروفيتش بالهدف الثاني للمنتخب الكرواتي أمام روسيا، أمام أنظار رئيس الفيفا أنفانتينو ورئيس وزراء روسيا ميدفيديف
غير بعيد عن الإشادات، كان هناك جانب من المتابعين الذين انتقدوا فعلة كيتاروفيتش هذه، متهمين إياها بممارسة البروباغندا لتلميع صورتها الخارجية والداخلية، فيما يشبه الحملة الانتخابية المبكرة استعدادًا للانتخابات الرئاسية التي ستجرى بالبلد السنة القادمة.
الانتقادات طالت كيتاروفيتش حينما وصف البعض ما تقوم به “بالحيلة القديمة”، مقلدة بذلك رئيسة الوزراء الألمانية أنجيلا ميركل التي تعودت حضور مباريات المنتخب الألماني في المسابقات العالمية.
وما زاد الاتهامات والشكوك عن الرئيسة الكرواتية، ارتباط اسمها بـ”زدرافكو ماميتش” المسؤول السابق بالاتحاد الكرواتي لكرة القدم، المتورط في قضايا فساد ورشوة (من بينها قضية رشوة في صفقة انتقال قائد المنتخب الحاليّ لوكا مودريتش من دينامو زغرب لتوتنهام سنة 2008)؛ الأمر الذي أدى لفراره ولجوئه للبوسنة والهرسك.
علاقة الرئيسة الكرواتية بزدرافكو ماميتش قوية للغاية، حيث تولى هذا الأخير تمويل حملتها الانتخابية الرئاسية، ومع التأكد من العلاقة القوية بين الشخصين، اضطرت كيتاروفيتش لتبرير الأمر قائلة: “خلال تواصلي مع ماميتش، لم أكن أعلم أنه خاضع للمراقبة ومتهم بهذه القضايا، أنا لا أخفي أنني كنت على تواصل معه، فقد نظّم من أجلي العديد من حفلات العشاء”.
كيتاروفيتش ستُواصل تشجيعها للمنتخب الكرواتي، والآراء ستظل متباينة
مع كل هذه الشبهات، يرى الكثيرون أن كيتاروفيتش وجدت في تألق المنتخب الكرواتي فرصة لتلميع صورتها أمام الشعب الكرواتي العاشق لكرة القدم، وأرادت – حسب قول المنتقدين – أن تصبح الوجه الإعلامي الأول للمغامرة الكرواتية في مونديال 2018، والشبيهة بما قام به جيل 1998 الذي وصل لنصف نهائي كأس العالم، قبل الخروج أمام البلد المنظم فرنسا في نسخة كان الفائز بلقب الهدّاف فيها هو دافور سوكور، رئيس الاتحاد الكرواتي لكرة القدم الحاليّ.
كيتاروفيتش ستُواصل تشجيعها للمنتخب الكرواتي والآراء ستظل متباينة، البعض سيكتفي بقبول البُعد الصوفي من هذا الدعم باعتباره عشقًا لمنتخب البلد فقط، والآخرون سيتناولون الموضوع من المنظور السياسي الذي يرى زيفًا وترويجًا من كيتاروفيتش لرفع شعبيتها في البلد، وما بين هذا وذاك، فالتحية موجّهة للمنتخب الكرواتي الذي يقدّم بطولة ماراثونية بحثًا عن إنجاز مشابه لجيل ولّى منذ عشرين سنة.