لسنوات عدة، ظلت السواحل الليبية أبرز نقاط انطلاق المهاجرين غير النظاميين الأفارقة إلى دول القارة الأوروبية، غير أن تشديد هذه الدول إجراءاتها الخاصة بالهجرة قلّص العدد وأجبر الغالبية العظمى من المهاجرين غير النظاميين على تغيير الاتجاه نحو المملكة المغربية التي أضحت سواحلها نقطة الانطلاق الأهم بدل السواحل الليبية.
خط ليبيا – إيطاليا في تراجع متواصل
تراجع عدد المهاجرين غير النظاميين الذين يغامرون بعبور البحر الأبيض المتوسط عن طريق سواحل ليبيا إلى أكثر من الثلثين في الأشهر الست الأولى من 2018 مقارنة بالفترة ذاتها من 2017، ومنذ الأول من يناير/ كانون الثاني وصل 16687 شخصًا إلى السواحل الإيطالية بينهم 11 ألفًا من ليبيا، أي أقل بـ80% من العام الماضي خلال الفترة نفسها بحسب أرقام نشرتها الخميس وزارة الداخلية الإيطالية.
ويعود سبب تراجع أعداد المهاجرين الأفارقة القاصدين أوروبا من ليبيا إلى تشديد الإجراءات في البحر؛ ما أدّى إلى هلاك العديد منهم، ومنذ أن تم منع سفن إنقاذ وطائرة مراقبة لمنظمات خاصة من العمل من طرف إيطاليا والرسو في موانئها، ارتفع عدد الغرقى في البحر، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة.
من أسباب التراجع أيضًا، ارتفاع المخاطر التي تواجه المهاجرين الأفارقة في ليبيا نتيجة هشاشة الوضع الأمني
خلال حملته الانتخابية الأخيرة ركز وزير الداخلية الإيطالي الجديد ماتيو سالفيني على مسألة الهجرة، متوعدًا المهاجرين غير النظامين بمستقبل أسود، وكان سلفيني قد قال بعد ساعات من تشكيل الحكومة الجديدة إن بلاده سوف تتخذ نهجًا أكثر صرامة فيما يتعلق بقضية المهاجرين غير الشرعيين، وأضاف “أبواب إيطاليا ستكون مفتوحة أمام الطيبين، بينما ستعطى تذكرة ذهاب بلا عودة لأولئك الذين يأتون إلى إيطاليا لإثارة الفوضى ويعتقدون أنهم سيحظون بالاحترام، إن إرسال هؤلاء إلى أوطانهم على رأس أولوياتنا”.
إلى جانب ذلك، يرجع عدد من المحللين سبب هذا التراجع إلى إجبار جماعات مسلحة تدعمها حكومة طرابلس المهربين في مدينة صبراتة – التي تعد بؤرة رئيسية للتهريب على الساحل الغربي – على الكف عن إرسال مراكب تحمل مهاجرين، كما عززت إيطاليا أيضًا قدرة خفر السواحل في ليبيا على إعادة تلك المراكب.
من أسباب التراجع أيضًا، ارتفاع المخاطر التي تواجه المهاجرين الأفارقة في ليبيا نتيجة هشاشة الوضع الأمني وانتشار الإتجار بالبشر والعنف والفوضى والاختطافات والاعتداءات وعدم الاستقرار السياسي الناجم عن تفكّك الدولة الليبية ومؤسساتها وانتشار السلاح والفوضى في كامل أنحائها وغياب سلطة مركزية تحكم سيطرتها على البلاد.
خط المغرب – إسبانيا.. ارتفاع بأكثر من ثلاثة أضعاف
هذه الأسباب وغيرها، ساهمت في تغيير المهاجرين غير النظاميين وجهتهم لتصبح المغرب عوض ليبيا، وتقول المنظمة الدولية للهجرة إن عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى إسبانيا زاد ثلاثة أضعاف خلال الأشهر الست الأولى من 2018 مقارنة بالفترة ذاتها من 2017.
وبحسب الأرقام الأخيرة التي نشرتها المنظمة الأممية في تقريرها السنوي، فقد وصل نحو 12155 مهاجرًا إلى إسبانيا بين الأول من يناير و20 من يونيو، فيما قضى 292 مهاجرًا في أثناء محاولتهم الوصول إلى السواحل الإسبانية.
بالتزامن مع ذلك، أورد مرصد الشمال لحقوق الإنسان (مرصد حقوقي مغربي) أن 15.000 مهاجر غير نظامي حاولوا الوصول إلى أوروبا انطلاقًا من شمال المغرب خلال النصف الأول من سنة 2018، بينهم 4000 خلال الأشهر الثلاث الأولى، وأكثر من 11.000 خلال الأشهر الثلاث الثانية من السنة ذاتها.
المرصد الحقوقي المغربي قال في بيانه الصادر أمس إن المهاجرين قاموا بـ400 محاولة للوصول إلى الضفة الأخرى خلال الأشهر الثلاث الثانية من سنة 2018، 80% منها عبر قوارب الموت، و5% عن طريق اقتحام السياجات الحدودية لسبتة ومليلية في مجموعات صغرى (أقل من 300 مهاجر) تم التصدي لها من طرف حرس الحدود الإسباني والمغربي؛ فيما تمت %15 بطرق أخرى.
وشدد المرصد على أنه من خلال المعطيات المتوفرة يلاحظ استمرار ارتفاع عدد المهاجرين المغاربة الراغبين في الوصول إلى أوروبا إلى 17%، فيما 82 % يحملون جنسيات دول جنوب الصحراء، و1% من جنسيات أخرى (جزائريون وسوريون).
وكشف المرصد الحقوقي أنه ينتظر استمرار ضغط المهاجرين غير النظاميين الراغبين في الوصول إلى أوروبا انطلاقًا من المغرب خلال الفترة المقبلة، خصوصًا عن طريق استعمال قوارب الموت، نتيجة تحسن الأحوال الجوية بالبحر الأبيض المتوسط وتكلفتها القليلة ونسبة النجاح الكبيرة لهذه الوسيلة مقارنة بالوسائل الأخرى وصعوبة ضبط الحدود البحرية خلال هذه الفترة.
المغرب يغرق
ارتفاع أعداد المهاجرين غير النظاميين القاصدين المغرب، من شأنه أن يؤثر سلبًا على المملكة، وتنصح شبكات إجرامية متخصصة في تهريب البشر، المهاجرين في النيجر بالرهان على الطريق المغربية الإسبانية، باعتبارها الأكثر أمنًا وأمانًا مقارنة مع طريق ليبيا، حيث تعم الفوضى والميليشيات المسلحة.
وكان مدير الوكالة الأوروبية لمراقبة حدود الاتحاد الأوروبي فابريس ليجيري، قد أعرب في وقت سابق في حوار مع مجلة “فيلت” الألمانية، عن تخوفه من تحول الطريق الغربية بين المغرب وإسبانيا إلى المعبر الرئيس للمهاجرين السريين الراغبين في الانتقال من إفريقيا إلى أوروبا، مؤكدًا: “إذا سألتموني ما هو أكبر همي في هذا الوقت، سأقول لكم إسبانيا”.
يخشى قادة الاتحاد الأوروبي من أن تصبح إسبانيا موقعًا لأزمة جديدة
يعتبر طريق المغرب – إسبانيا الأكثر أمنًا والأقل تكلفة مادية مقارنة مع ليبيا، وفقًا لعدد من المسؤولين الأوروبيين، لذلك يفضل المهاجرون الأفارقة غير النظاميين هذا الطريق للتوجه نحو حلمهم الأوروبي، وحذّر التقرير الأخير للمنظمة الدولية للهجرة من صيف ساخن بين المغرب وإسبانيا.
ويستغل المهاجرون الأفارقة اعتماد الحكومة المغربية الإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء لتوفير الأمن والحماية للمهاجرين واللاجئين منذ سنة 2014 من خلال تيسير ظروف الاندماج والاستفادة من التغطية الصحية والتعليم والعمل، إضافة إلى دعم مقاولاتهم.
وفي وقت سابق أشار معهد الدراسات الأمنية الإفريقي إلى أن اتخاذ تدابير صارمة لمراقبة الحدود في ليبيا يمكن أن يزيد الضغط على جيرانها (تونس والجزائر وحتى المغرب)، وحذّر المعهد من اتخاذ المهاجرين الأفارقة طرقًا بديلة من المحتمل أن تصبح أكثر انشغالاً، ما يزيد الضغط على جيران ليبيا.
إسبانيا الحلقة الأضعف
المخاوف من تحول المهاجرين إلى طريق المغرب، تدعمت أكثر مع ارتفاع عدد طالبي اللجوء لإسبانيا، فقد وصل نحو 19 ألف طالب لجوء لإسبانيا في الأشهر الخمس الأولى من هذا العام وهو ما يعادل تقريبًا عدد من وصلوا إليها في 2017 بأكملها، ويفوق ذلك للمرة الأولى عدد الوافدين من شمال إفريقيا إلى إيطاليا.
استقبلت إسبانيا مؤخرًا عديد من السفن التي تقل مهاجرين غير نظاميين
يخشى قادة الاتحاد الأوروبي من أن تصبح إسبانيا موقعًا لأزمة جديدة على الرغم من التناقص الحاد في عدد الوافدين إلى أوروبا من إفريقيا بشكل عام، فقد أصبحت إسبانيا نقطة الدخول الرئيسية الجديدة لطالبي اللجوء الفارين من إفريقيا.
وقبل أيام أبدى بيدرو سانتشيث رئيس وزراء إسبانيا الاشتراكي الجديد ترحيبًا باللاجئين واستقبل سفينتين تقلان مهاجرين رفضت إيطاليا استقبالهما على الرغم من أن أعداد القوارب التي تصل من المغرب زادت أيضًا.