لم يتجاوز إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون توصل الفرقاء الليبيين إلى اتفاق بينهم يمهد لحل أزمة بلادهم المتواصلة منذ سنوات، خمس وأربعين يومًا، حتى بدأ الحديث عن فشل الاتفاق وذهابه مهب الريح نتيجة تعنت بعض الأطراف الداخلية بإيعاز من أطراف خارجية لها مصالح في عدم استقرار ليبيا.
خشية فرنسية
رغم التفاؤل الذي أبداه كثيرون، بشأن قرب التوصل لنهاية الأزمة القائمة في ليبيا والحديث عن بدء حشد المجتمع الدولي من أجل ذلك، خاصة بعد إعلان اتفاق باريس واجتماع الفرقاء الليبيين وجهًا لوجه، فإن البعض يرى أن هؤلاء أسرفوا في تفاؤلهم والأمر ربما لم يتعد الشكل البروتوكولي للقاء.
وكان الرئيس الفرنسي حصل من الأطراف الأربع الرئيسية في الأزمة الليبية على اتفاق شفهي من دون توقيع في الـ29 من مايو/أيار في باريس، لإجراء انتخابات في الـ10 من ديسمبر/كانون الأول بهدف إخراج البلاد من الأزمة السياسية والأمنية التي تتخبط فيها منذ 2011.
انتقد تقرير فرنسي سياسة الرئيس إيمانويل ماكرون في ليبيا
تخشى فرنسا من احتمال انهيار اتفاق باريس الذي لا يزال يرافقه جدل واسع من القيادات الليبية التي لا يخفي بعضها تحفظه على بنوده، لا سيما فيما يتعلق بموعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، المقررة نهاية السنة الحاليّة.
سبق أن فشلت عديد من الاتفاقيات واللقاءات بين الفرقاء الليبيين، فقد سبق أن اجتمع رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج الذي يقود الحكومة المعترف بها دوليًا واللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يقود ميليشيات الكرامة، وتوصلوا إلى حلول، لكنهما سرعان ما تراجعا عنها، وتبادلا الاتهامات ثم عادا للمواجهات مرة أخرى.
اتهامات للمؤسسات الموازية
المؤسسات الشرعية في الدولة الليبية تتهم بعض المؤسسات الموازية بعرقلة اتفاق باريس والتسبب في فشله، حيث أبلغ رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ”عدم التزام” مجلس النواب المنعقد في طبرق واللواء المتقاعد خليفة حفتر بمخرجات اتفاق باريس لإنهاء الانقسام السياسي الذي ينص على توحيد مؤسسات الدولة وإنهاء المؤسسات الموازية.
قال المشري – في خطاب رسمي إلى الرئيس الفرنسي – إن المجلس الأعلى للدولة لم يجد تجاوبًا من مجلس النواب سواء فيما يتعلق بإصدار قانون الاستفتاء على الدستور أم قانون الانتخابات المزمع إجراؤها نهاية العام الحاليّ وفقًا لاتفاق باريس، وطالب المشري الرئيس ماكرون بالتواصل مع الأطراف الليبية كافة للوقف الفوري لهذه الخروقات، ودعوتها للمضي قدمًا في تطبيق الاتفاق.
سياسة ماكرون محل مساءلة
لم تسلم سياسة ماكرون من الانتقاد، وقد انتقد تقرير أعده أعضاء في مجلس الشيوخ الفرنسي، وحمل التقرير عنوان “ليبيا بين الخروج من الأزمة والبقاء في الوضع القائم“، سياسة الرئيس إيمانويل ماكرون في ليبيا وطلبوا منه عدم الاستعجال في الدفع نحو إجراء انتخابات في هذا البلد في ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وقال نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ سيدريك بيران من حزب “الجمهوريين” المعارض: “الدفع للحصول على كل شيء وعلى الفور، يؤدي بالتأكيد إلى الفشل، لا بد من تجنب المزج بين السرعة والاستعجال، بين العمل والعلاقات العامة”.
انتقادات كبيرة لسياسة ماكرون في ليبيا
من جهته قال السيناتور بيران ملخصًا ما جاء في التقرير “لقد تحسن الوضع قليلا إلا أن ما تحقق نحو انتقال سياسي يبقى هشًا للغاية”، مشيرًا إلى التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجهها ليبيا بعد سبع سنوات على التدخل الغربي الذي ساهم بالإطاحة بنظام معمر القذافي ومقتله عام 2011.
وقال السيناتور بيران: “الدعوة إلى الانتخابات اليوم هي لإرضاء رئيس البلاد أكثر منها لتسوية المشكلة الليبية”، وأضاف السيناتور سيدريك مع الأعضاء الثلاث الآخرين في مجلس الشيوخ الذين عملوا على إعداد التقرير وهم راشل مازوير وجان بيار فيال وكريستين برونو “إجراء انتخابات بنهاية السنة الحاليّة يبدو لنا صعبًا جدًا، مع أن هذا ما نسعى للقيام به”.
تأجيل الانتخابات؟
أمام صعوبة إجراء الانتخابات في موعدها المحدد تتجه البعثة الأممية في ليبيا التي يرأسها غسان سلامة، إلى إمكانية تأجيل الانتخابات الليبية إلى منتصف العام المقبل، بسبب تأزم الأوضاع في البلاد لا سيما بعد بروز أزمة النفط التي من المتوقع أن تستمر آثارها لأشهر.
يعود فشل السياسة الفرنسية في ليبيا إلى محاولتها تغليب طرف على طرف رغم يقينها بخطورة تلك الخطوات
تقتضي خطة الأمم المتحدة التي أعلنها سلامة في 20 من سبتمبر/أيلول الماضي، الذهاب إلى مرحلة انتخابات برلمانية ورئاسية، لإنقاذ البلاد من حالة الانقسام السياسي والأمني قبل نهاية عام من إعلان الخطة، بعد فشل الحوارات الرامية إلى تعديل الاتفاق السياسي المتعثر.
ويطالب بعض المسؤولين الليبيين بإقرار دستور قبل الانتخابات يحدد صلاحيات الرئيس الذي يفترض أن ينتخب أواخر السنة، كما أن العديد من القوى الأخرى تعرقل الحل السياسي خوفًا من أن تفقد نفوذها خصوصًا في إطار تقاسم الثروة النفطية.
فشل فرنسي
إذا تأكد خبر تأجيل الانتخابات فإن ذلك سيمثل فشلاً كبيرًا للسياسة الفرنسية في ليبيا التي تصر على إنجاز الانتخابات في أقرب وقت ممكن، حتى قبل المصادقة على الدستور، ويرجع خبراء إصرار باريس على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية قبل الاستفتاء على الدستور والمصادقة عليه، إلى حرصها على تجاوز إرادة الليبيين الذين ينادون بضرورة المصادقة على الدستور قبل إجراء أي انتخابات في البلاد.
وتخشى فرنسا من أن إقرار هذا الدستور سيعجل بنهاية حليفها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، فالدستور الجديد يمنعه رفقة العديد من القيادات في الشرق من الترشح للمناصب السياسية المقبلة، فهو يحدد صراحة الشروط اللازم توافرها في متقلدي المناصب، وأقلها ألا يكون المترشح عسكريًا وألا تكون له جنسية أخرى.
يتهم ليبيون فرنسا بتغليب طرف على طرف في أزمة بلادهم
يعود فشل السياسة الفرنسية في ليبيا إلى محاولتها تغليب طرف على طرف رغم يقينها بخطورة تلك الخطوات، وما فتئت فرنسا تدعي الحياد ووقوفها على مسافة واحدة بين جميع الفرقاء الليبيين، وتقود الوساطات بينهم، غير أن موقفها على الأرض كان عكس ذلك، فباريس لا تخفي دعمها اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي تتهم قواته بارتكاب جرائم حرب، على حساب رئيس الوزراء المعترف به أمميًا فايز السراج الذي تسيطر قواته على العاصمة الليبية طرابلس وعلى غرب البلاد.