ترجمة وتحرير: نون بوست
تركز قدر كبير من الاهتمام المتعلق بشأن إلغاء تسجيل جمعيتين خيريتين في كندا مؤخرًا على السقوط الواضح للصندوق القومي اليهودي في كندا. ومما لا شك فيه أنه مع قربه من السلطة السياسية الكندية ودوره التاريخي كوسيط لكندا في الاستيلاء على الأراضي ومساعي التضليل البيئي في “إسرائيل”، فقد أصبح إلغاء الصندوق القومي اليهودي نقطة محورية للاحتفال، وكذلك، أصبح نقطة محورية للحزن الشديد داخل الأوساط الصهيونية.
في الواقع، مع وعد الصندوق القومي اليهودي، الذي أعلن عنه عبر العديد من منصات وسائل التواصل الاجتماعي، بـ”اتخاذ إجراءات” ضد التحيز المتصور الكامن وراء قرار وكالة الإيرادات الكندية بإلغاء تسجيله، فالقصة ربما قد انتهت رسميًا بعد.
إلا أن قصة المؤسسة الخيرية الثانية التي تم إلغاء تسجيلها ضاعت تقريبًا وسط هذه الضجة، وهي مؤسسة “نئمان كندا”، التي تتورط بعمق في العنف الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويقع مقرها في مستوطنة شيلو غير القانونية، ويمثل متبرع واحد ما يقرب من نصف إيرادات المؤسسة الخيرية منذ تسجيلها الرسمي في سنة 2011، والتي تبلغ 44 مليون دولار كندي؛ حيث تمثل مؤسسة “نئمان كندا” الجانب اليهودي الفاشي في خط الأعمال الخيرية الكندية لـ”إسرائيل”، والتي تقدر قيمتها في المتوسط بما يزيد عن 270 مليون دولار كندي بين عامي 2018-2022.
مؤسسة “نئمان كندا”
تأسست مؤسسة “نئمان كندا” سنة 2011 على يد المستوطن الصهيوني – والكندي – حاييم كاتز، وحتى إلغائها، كانت تعمل بالتوافق مع مؤسسة “نئمان الولايات المتحدة الأمريكية” المسجلة في سنة 2015 والتي أسسها حاييم كاتز في بوسطن.
وعملت المنظمتان لأجل هدف واحد، هو تحويل التبرعات من الشتات في أمريكا الشمالية إلى القطاع الخيري الإسرائيلي. وكانت مؤسسة “نئمان كندا”، حتى إلغائها، هي المحرك المالي للمؤسستين الخيريتين؛ حيث كانت تجلب في المتوسط أكثر من 6 ملايين دولار أمريكي سنويًا من الإيرادات في الفترة ما بين 2016-2022. وبالمقارنة، حققت مؤسسة “نئمان الولايات المتحدة” أقل من مليوني دولار أمريكي سنويًا في الفترة ما بين 2016-2022، رغم تزايد الإيرادات خلال العامين الأخيرين من الإيداع تحديدًا.
وبينما تم مسح جميع بقايا “نئمان كندا” من الموقع الإلكتروني الذي لا يزال نشطًا والذي يركز حاليًا بشكل حصري على علاقات “نئمان الولايات المتحدة” بالقطاع الخيري الإسرائيلي، إلا أن هناك مقطعًا مؤرشفًا من سنة 2022 يصف دور “نئمان كندا” وكيف أتاحت الفرصة للمتبرعين الكنديين للحصول على إعفاءات ضريبية خيرية مقابل التبرع لأي عدد من الجمعيات الخيرية الإسرائيلية المسجلة المعروضة على الموقع الإلكتروني، والتي يقدم العديد منها الدعم المالي والمادي للجيش الإسرائيلي و/أو تقع فعليًا داخل المستوطنات غير القانونية. وهذا النشاط كقناة تمويل غير قانوني في كندا.
إن العمل كقناة تمويل؛ حيث تقدم مؤسسة خيرية كندية نفسها كهيئة لجمع التبرعات لمنظمات ليس لها أي توجيه أو سيطرة أو مساهمة تشغيلية عليها، هو عمل غير قانوني بموجب المادة 168 (1) من قانون ضريبة الدخل.و يُسمح بالتأكيد للجمعيات الخيرية الكندية باستخدام وسطاء دوليين لتعزيز أغراضها الخيرية، ولكن يجب أن تكون قادرة على إثبات التوجيه والسيطرة على الأموال التي ترسلها إلى الخارج، ويجب تخصيص الأموال لأنشطة لم تكن لتتم لولا تحويل تلك الأموال، ولا يمكن تحويل التبرعات إلى عمليات أو أنشطة موجودة مسبقاً.
بشكل أكثر تحديدًا، لا يعتبر تمويل جيش أجنبي نشاطًا خيريًا في كندا، كما أن تقديم الدعم المادي والمالي للمستوطنات غير الشرعية يعد انتهاكًا مباشرًا للسياسة العامة الكندية والقانون الدولي العرفي، كما هو منصوص عليه في قانون الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
ومع ذلك، يُظهر قسم “الأنشطة الخارجية” في الإقرارات الضريبية لمؤسسة نئمان كندا بين 2016-2022، أن ملايين الدولارات الكندية تم توجيهها إلى العديد من المنظمات الإسرائيلية الداعمة لجيش الدفاع الإسرائيلي.
وتشمل هذه المنظمات، على سبيل المثال لا الحصر، قاعدة مايكل ليفين لـ”الجنود المنفردين”، وكتيبة “نيتساح يهودا” اليهودية المتشددة، التي كانت حتى أوائل آب/أغسطس 2024 قيد النظر لفرض عقوبات أمريكية تتعلق بحقوق الإنسان بسبب أنشطتها في الأراضي المحتلة، بعد أن قتل أعضاء الوحدة الفلسطيني عمر أسعد البالغ من العمر 80 سنة بربطه إلى شجرة خلال الليل، ومؤسسة دوفدفان التي تقدم الدعم المادي لوحدة الكوماندوز دوفدفان ذات السمعة السيئة في تنفيذ عمليات اغتيال سرية بحق الفلسطينيين.
وفي نفس الفترة الزمنية؛ قامت نئمان كندا أيضًا بتحويل ملايين الدولارات الكندية إلى العديد من المنظمات الموجودة في المستوطنات غير الشرعية، وبينما تشكل كل حالة من هذه الحالات انتهاكاً لقانون جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية الكندي والسياسة العامة الكندية، إلى جانب القانون الدولي العرفي الذي تلتزم كندا به، إلا أن أكثر هذه الحالات غير القانونية إثارة للمشاكل هي تدفق مئات الآلاف من الدولارات لصندوقي أموال لا يمكن العثور على منظمة مسؤولة عنهما: مؤسسة نئمان للتقدم الاجتماعي ومؤسسة تدعى مؤسسة نئمان كندا العامة.
من المرجح أن تكون هذه المنظمات التي أسسها حاييم كاتز، مطابقة لمؤسسة نئمان للتقدم الاجتماعي ومؤسسة نئمان للتعليم، وهي مؤسسات موجودة على الورق فقط وتعمل دون أي مساءلة. وتسجل كلتا المنظمتين عنوانيهما في مستوطنة شيلو غير القانونية، وهي بؤرة للنشاط الاستيطاني العنيف الذي يشكل مركزًا للبؤر الاستيطانية التوسعية، والتي تصاعدت منها عمليات تهجير الفلسطينيين وضم الأراضي بشكل كبير تحت غطاء الإبادة الجماعية التي تجري في غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وتجدر الإشارة إلى أنه حتى في الإطار التنظيمي المتساهل نسبيًا للقطاع الخيري الإسرائيلي، لم تقدم أي من منظمات كاتس في شيلو تقريرًا سنويًا عن أنشطتها، ولم تحصل أي منها على ترخيص لقبول التبرعات الخيرية.
تتبع الأموال
بالإشارة إلى التنوع العام للحركة الصهيونية الكندية، تظهر بيانات الإقرارات الضريبية أن منظمة “نئمان كندا” وأنشطتها غير القانونية كانت ذات جاذبية واسعة النطاق، فقد حصلت على أكثر من 10 ملايين دولار كندي من إجمالي إيرادات تزيد على 44 مليون دولار كندي، في الفترة ما بين 2011-2022، من متبرعين منفردين. ولكن مثلما كانت الصهيونية دولة استعمارية ذات نمط هرمي (تنازلي)، حسنة التمويل تتنكر في هيئة دعوة روحية، فإن معظم إيرادات منظمة نئمان كندا كانت دائمًا مرتبطة بمصدر واحد: بين عامي 2016-2022، تبرعت مؤسسة فريدبرغ الخيرية بما يقرب من 18 مليون دولار كندي، أي 41 بالمائة من إجمالي الإيرادات التي تلقتها مؤسسة نئمان كندا.
لا شك أن ألبرت فريدبيرغ هو فاعل خير أسطوري في كندا، وتحديدًا في منطقة تورنتو الكبرى. ويبدو أن عمله الإداري لا يعرف الكلل، فهو مدير نشط في مركز روفي الصحي، وخدمات كيشير التوظيف، وجمعية فريدبيرغ للمخطوطات اليهودية، ومؤسسة ميمونيدس التعليمية، ومؤسسة يديعوت توراة، ومؤسسة ستيبنج ستونز.
كما أن سخاؤه داخل المجتمع اليهودي في منطقة تورنتو الكبرى جدير بالملاحظة؛ فمنذ تسجيل مؤسسة فريدبيرغ الخيرية في سنة 2007، قامت المؤسسة بتحويل مئات الملايين من الدولارات الكندية إلى المستفيدين المؤهلين، ويبدو أيضاً أنه لديه نقطة ضعف تجاه المخطوطات اليهودية النادرة والقديمة، والتي يتبرع بها من وقت لآخر للمكتبات المتخصصة؛ وتحديداً في جامعة تورنتو.
لكن كان هناك جانب خفي لعمل فريدبرغ الخيري. فبين عامي 2013 و2022، تبرع ألبرت فريدبرغ عبر مؤسسة باكنغهام الخيرية التابعة له بأكثر من 54 مليون دولار كندي لمؤسسات خيرية كندية تقوم بتحويل الأموال إلى إسرائيل، والتي تم إلغاء وضعها لاحقًا بسبب مخالفتها لقانون ضريبة الدخل.
وتشمل تبرعات فريدبرغ البارزة لجمعيات خيرية غير مشروعة أكثر من 35 مليون دولار كندي لمؤسسات خيرية بارزة تم إبطالها مثل منظمة أبواب الرحمة ومنظمة بيت أولوث الخيرية، اللتان لم تتشاركا حسابًا مصرفيًا فحسب، بل قامتا بتحويل مئات الملايين من الدولارات إلى آلاف المستفيدين الإسرائيليين غير الخاضعين للرقابة وغير الموجهين. والواقع أنه خلال العقد الماضي؛ كانت أموال فريدبرغ هي المصدر الوحيد الأكبر للتبرعات الخاصة التي تكفل أنشطة الجمعيات الخيرية الكندية المتجاوزة التي تقوم بأنشطة خارجية مع إسرائيل.
كما أن مجموعة فريدبرج ميركانتيل إنك، وهي مصدر ثروة ألبرت فريدبرج، تستحق بعض التحقيق أيضًا؛ حيث تأسست شركة فريدبرغ ميركانتايل في البداية في سنة 1987 في ولاية ديلاوير، بالولايات المتحدة، المعروفة بمزاياها القانونية للشركات، ولكن مكتبها الرئيسي يقع الآن في تورنتو، أونتاريو. بالإضافة إلى تقديم خدمات الوساطة والتداول التقليدية.
توفر الشركة صندوقين رئيسيين من صناديق التحوط: صندوق التحوط العالمي-ماكرو وصندوق تخصيص الأصول. وتشير التحليلات طويلة الأمد لاستثمارات فريدبرغ، خاصة فيما يتعلق بصندوق التحوط العالمي-ماكرو، إلى تجربة استثمارية مليئة بالمخاطر والتقلبات الشديدة. ووفقًا لمقال من أو بي إم وير في سنة 2020، كانت آخر “سنة جيدة” لشركة فريدبرغ هي سنة 2011، حيث أشارت مجلة فوربس إلى أن فريدبرغ حقق أرباحًا قدرها 60 مليون دولار كندي شخصيًا، وأدار استثمارات تتجاوز قيمتها 2 مليار دولار كندي.
ومع ذلك، فقد ظلت تحويلات الأموال من مؤسسة باكنغهام الخيرية التابعة لفريدبيرغ إلى مؤسسة فريدبيرغ الخيرية ثابتة بشكل مدهش، بل شهدت ضخامة في المجال الخيري الكندي. فبين عامي 2009 و2022، نقل فريدبيرغ أكثر من 367 مليون دولار كندي من مؤسسة باكنغهام إلى مؤسسة فريدبيرغ.
وتشير بيانات الإقرارات الضريبية إلى أن الغرض التشغيلي الحالي والوحيد لمؤسسة باكنغهام هو أن تتلقى بين الحين والآخر تبرعًا بحوالي 100 مليون دولار كندي (آخر تبرع بقيمة تزيد عن 111 مليون دولار كندي في سنة 2021)، والحفاظ على عشرات الملايين من الدولارات الكندية في استثمارات طويلة الأجل، وإجراء تحويلات بملايين الدولارات، كل سنة، إلى مؤسسة فريدبيرغ. لذا، على الرغم من عدم وجود حساب دقيق لحجم ثروة فريدبيرغ، إلا أنها كافية لتحويل عشرات الملايين من الدولارات الكندية بشكل مريح، من مؤسسة خاصة إلى أخرى.
على الرغم من كل ذلك، لا يوجد سجل يشير إلى أن فريدبيرغ أعلن في أي وقت عن موقفه من الصهيونية أو الاحتلال أو أي مسألة ذات صلة. وتُعتبر حركة التبرعات الخيرية هذه، والتي تنطوي على مجموعة هائلة من الثروات التي تم جمعها على ما يبدو من عالم صناديق التحوط، عبر المنظمات الخيرية الكندية ثم تحويلها إلى منظمات المستوطنين في الخطوط الأمامية بالأراضي المحتلة والمنظمات الداعمة للجيش الإسرائيلي في إسرائيل، السجل الوحيد القابل للتحقق من ميول فريدبيرغ السياسية.
ضرب الخلد
تعتبر منظمة “نئمان كندا” ليست الجمعية الخيرية الكندية الوحيدة التي تعمل كقناة لتحويل الأموال إلى المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية والمنظمات الإسرائيلية الداعمة للجيش الإسرائيلي. فمنظمة مزراحي في كندا، ومنظمة شركاء كندا الخيرية، ومؤسسة التراث اليهودي في كندا، من بين منظمات أخرى، تقوم أيضًا بإصدار إيصالات ضريبية خيرية للمتبرعين الكنديين، مما يتيح لهم التبرع للمستوطنات غير القانونية والمنظمات الداعمة للجيش الإسرائيلي.
لذلك، بينما يُعتبر إلغاء منظمة “نئمان كندا” انتصارًا لأولئك الذين يسعون إلى توجيه القطاع الخيري الكندي ليكون متماشيًا مع القانون الدولي العرفي، إلا أن الخط العام للأعمال الخيرية الكندية التي تستهدف إسرائيل أثبت قدرته على التكيف والاستجابة لحالات الإنفاذ التنظيمي التي تُعتبر “لمرة واحدة”.
وردًا على إلغاء نئمان كندا، بدأ موقع Israelgives.org، وهو موقع إلكتروني صغير الحجم يعمل كمركز لتبادل المعلومات للقطاع الخيري الإسرائيلي، حملته التضليلية الخاصة به، والتي يدعي فيها أن الجمعيات الخيرية الكندية التي تحول الأموال بشكل غير قانوني إلى المستوطنات والجيش الإسرائيلي “مستهدفة” بشكل خاطئ لمجرد ارتباطها بإسرائيل.
ومن خلال الإيحاء بأن مكانة جمعية نئمان كندا الخيرية قد أُلغيت لمجرد أنها “فشلت في الاحتفاظ بالدفاتر والسجلات المناسبة”: تشجع منظمة Israelgives.org الصهاينة الكنديين المعنيين على تحويل أنشطتهم الخيرية إلى قناتها الكندية، شركاء كندا الخيريين.
ولكي يكون الإنفاذ فعالًا، يجب على وكالة الإيرادات الكندية أن تجعل القطاع الخيري الكندي الموجه إلى إسرائيل بأكمله متوافقًا مع السياسة العامة الكندية القائمة مسبقًا والقانون الدولي العرفي، مع الأخذ بعين الاعتبار على وجه التحديد الحكم الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية، الذي قرر أن احتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية غير قانوني بشكل واضح.
وأشارت محكمة العدل الدولية إلى أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة “ملزمة بعدم تقديم العون أو المساعدة في الإبقاء على الوضع الناشئ عن الوجود الإسرائيلي غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة”. وعلى الرغم من أننا قد نكون أكثر استعدادًا لاستهداف شحنات المعدات العسكرية بحملاتنا النضالية، إلا أنه لا يوجد سبب يجعل الإعانات الحكومية، في شكل إعفاءات ضريبية خيرية، محصنة من تقييم المحكمة الدولية بشأن “المعونة أو المساعدة.”
يجب أن يركز الإصلاح التشريعي لقانون ضريبة الدخل الكندي على الأفراد الذين يستغلون المنظمات الخيرية المتجاوزة، مثل ألبرت فريدبرغ، لتمويل الأنشطة الصهيونية بشكل غير قانوني. ففي غياب إصلاح جاد بهذا الصدد؛ فإن إلغاء وضع مؤسسات مثل “جيه إن إف سي” و”نئمان كندا”، رغم كونه خطوة هامة، يعادل معاقبة الأداة نفسها بدلاً من معاقبة من يستخدمها. فإذا كان هناك إصرار كافٍ على تحقيق الهدف؛ فإن الحل بسيط للغاية: تسجيل جمعية خيرية جديدة، والبحث عن أداة أخرى.
المصدر: موندويس