هل ينهي “المؤبد” قضية الخلية النازية المتهمة بقتل أتراك في ألمانيا؟

أسدل القضاء الألماني أمس الأربعاء الستار على أطول محاكمة في تاريخ ألمانيا الحديث، محاكمة خلية “إن إس يو” اليمينية المتطرفة، بالحكم بالسجن المؤبد على المتهم الرئيسي بياته تشيبه، مع تأكيد المحكمة تورط أربعة آخرين في القضية التي قتل فيها أتراك، فهل ينهي هذا الحكم القضية، خاصة أنه لم يعجب الأتراك؟
“المؤبّد” للمتهمة الرئيسية
هذا الحكم جاء عقب مداولات استغرقت نحو خمس سنوات وأكثر من 430 جلسة محاكمة، وبحسب الحكم القضائي الصادر أمس، فإن تشيبه متورطة في كل الجرائم التي ارتكبتها خلية “إن إس يو” اليمينية المتطرفة، وهي قتل تسعة أفراد منحدرين من أصول تركية ويونانية.
إلى جانب ذلك، فإن تشبيه متورطة أيضًا في شنّ هجوم مميت على أفراد الشرطة، وتنفيذ هجوم تفجيري على متجر تابع لأسرة إيرانية في كولونيا، وتفجير قنبلة مسامير شديدة الانفجار في نفس المدينة، وارتكاب عدة جرائم سطو مسلح، وذلك خلال الفترة من 2000 و2007.
وبحسب بيانات المدعي العام، فقد شاركت المتورطة الرئيسية في القضية بياته تشيبه صديقيها أوفه موندلوز وأوفه بونهارت، أفكارهما النازية المتطرفة، وعملت على بث الخوف والفزع في قلوب مهاجرين عبر اغتيالات عشوائية.
يعتبر الحكم الصادر ضدّ المتهمة الرئيسية في الخلية تشبيه، الحد الأقصى للعقوبة في ألمانيا
واُعتقلت تشيبه عام 2011 بعد وفاة صديقيها موندلوز وبونهارت، فيما بدا أنها جريمة انتحار، وكان دفاعها قد طالب ببراءة موكلته من كل الاتهامات بالقتل وشنّ الهجمات، معتبرة أنها لم تكن على علم بما كان يدبره موندلوز وبونهارت.
المحاكمة شملت أيضًا أربعة آخرين متهمين بدعمهم للخلية، حيث تمّ الحكم على رالف فولليبن بعشر سنوات سجنًا لمساعدة الخلية في القتل عبر إمدادها بالسلاح، كما حكمت المحكمة بسجن المتهم هوغلر لمدة ثلاث سنوات استنادًا إلى نفس التهمة، وقد اعترف الأخير بتسليم سلاح للخلية، ومساعدة أفرادها على التخفي عبر هويات مزورة. فيما حكمت المحكمة بسجن المتهم أندريه إي، لمدة عامين وستة أشهر بتهمة المساعدة في تخفي أعضاء الخلية، كما قضت المحكمة بسجن المتهم كارستن إس، لمدة ثلاثة أعوام بتهمة المساعدة في القتل في تسع حالات.
جاء حكم المحكمة بالنسبة لكارستن في إطار الأحكام الخاصة بالأحداث، لأنه كان قاصرًا وقت ارتكاب الجريمة، وكان كارستن قد اعترف بتسليم مسدس لأفراد الخلية، وهو السلاح الذي استخدموه بعد ذلك في قتل تسعة أفراد، وكانت اعترافاته مهمة للكشف عن الكثير من الملابسات.
الحدّ الأقصى من العقوبة
يعتبر الحكم الصادر ضدّ المتهمة الرئيسية في الخلية تشبيه، الحد الأقصى للعقوبة في ألمانيا، وهو المؤبد مع استبعاد أن تحصل على إطلاق سراح مبكر بعد 15 عامًا، بسبب “خطورة ما ارتكبته”. وتعتبر “خلية النازيين الجدد” من أهم القضايا الجنائية في تاريخ ألمانيا، وتعني هذه القضية نحو 80 من الضحايا وأقاربهم كمدّعين بالحق المدني، ونشأت هذه الخلية في أوساط اليمين المتطرف في مدينة يينا، وارتكبت أعمالها الإجرامية، حسب الادعاء العام، في مختلف الولايات الألمانية في الفترة الممتدة بين عامي 2000 و2007.
ياته تشيبه المتهم الرئيسية في القضية
اعتبر الادعاء العام أن خطة الخلية السرية قامت على تعمد اغتيال مواطنين من دول جنوب أوروبا وخاصة ذوي الأصول التركية بشكل اعتباطي ويشبه تنفيذ حكم الإعدام رميًا بالرصاص بحقهم، وأورد الادعاء بالتفصيل كيف نفذ كل من بونهارد وموندلوس جرائم الاغتيال بحق تسعة من صغار رجال الأعمال الأتراك واليونانيين باستخدام مسدس.
“تشبيه” الناجية الوحيدة من خلية
تعتبر بياته تشيبه، الناجية الوحيدة من خلية “إن إس يو NSU” السرية للنازيين الجدد، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 انتحر كل من أوفه بونهاردت وأوفه موندلوس لتفادي اعتقالهما، خصوصًا أنهما متهمان بتنفيذ اغتيالات وأعمال عنف خططت لها الخلية ونفذتها.
بعد وفاتهما نشرت تشيبه شريط فيديو مسجل تعترف فيه بعدد من الوقائع، قبل إضرام النار في البيت الذي كان يقطنه الثلاثة، وبين عامي 1998 و2011 عاش الثلاثي في سرية تامة، وقد خصصت السلطات القضائية ما لا يقل عن 160 من عناصر الشرطة لإلقاء الضوء على هذه القضية ورغم ذلك لم تتمكن من إلقاء القبض على المتهمين ولم يتمكن المحققون من ربط خيوط القضية إلا بعد اعترافات تشيبه في الشريط المسجل التي سلمت نفسها للشرطة بعد أربعة أيام انتحار من رفاقها في الجريمة.
استياء تركي
هذه الأحكام لم تعجب السلطات التركية، فقد وصفت الخارجية التركية قرار القضاء الألماني “السجن المؤبد” على المتهمة الرئيسية بقضية خلية “إن إس يو” اليمينية المتطرفة الحاملة للفكر النازي بأنه “غير مرضٍ”.
اعتذرت الدولة الألمانية للضحايا وذويهم
قالت الوزارة في بيان لها إن القرار الصادر اليوم لم يكشف خلفية الجرائم التي ارتكبتها “إن إس يو”، وصلاتها بالدولة العميقة والاستخبارات، من جميع الجوانب، وتابع البيان: “في هذا الصدد، فإننا لا نجد القرار مرضيًا من حيث تحقيق العدالة وطمأنة الرأي العام”.
كما أشار إلى تعرض أسر الضحايا والجالية التركية بألمانيا لأحكام مسبقة وأضرار منذ بدء التحقيقات، مؤكدًا أن الشعب التركي يشاطرها المشاعر والألم الذي لم يهدأ بعد، وأوضح أن الهجمات العنصرية المشابهة التي تعرض لها الأتراك في كل من المدن الألمانية هامبورغ عام 1985 ومولن عام 1992 وزولينغن عام 1993، ما زالت حاضرة في العقول.
دور أجهزة الاستخبارات
المجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا، اعتبر بدوره أن الحكم الصادر ضد الخلية غير كافٍ وطالب بإجراءات قانونية إضافية، واعتبر المجلس أن عدم تسليط الضوء على دور أجهزة الاستخبارات يعتبر “فشلاً وعبئًا كبيرًا على أسر الضحايا وعلى السلم الاجتماعي في ألمانيا”.
كما طالب المجلس بإنشاء منصب مفوض خاص بالعنصرية يقدم تقريرًا سنويًا للبرلمان الألماني، وتثار عديد من الشكوك في خصوص عمل أجهزة الاستخبارات الداخلية وإمكانية تورط عناصر منها في هذه الأحداث خاصة أن القتلة تمكنوا من التحرك بحرية طوال سنوات.
ترحيب ألماني
في مقابل هذا الاستياء التركي، رحب الألمان بقرار المحكمة، فقد أعرب وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر أمس الأربعاء عن احترامه لأسر الضحايا، وقال زيهوفر إثر صدور إدانة تشيبه: “حكم المحكمة لا يمكنه تخفيف ألم أسر الضحايا أو معاناة الضحايا الناجين، الجرائم التي شملتها المحاكمة تعطينا درسًا وتكليفًا بمكافحة اليمين المتطرف في ألمانيا بكل الوسائل الضرورية سواء الوقائية أم القمعية في المستقبل أيضًا”.
صور ضحايا الخلية النازية
واعتذرت الدولة الألمانية للضحايا وذويهم لأنه بعد سقوط الضحايا الأوائل ظنت الأجهزة الأمنية أن عناصر المافيا الأجنبية في ألمانيا قامت بتصفيته، وفي هذا الصدد قال وزير الداخلية زيهوفر أيضًا، إن أسر الضحايا تحملت سنوات من الشك وحالات الاشتباه الخاطئة أحيانًا من سلطات تنفيذ القانون، وأضاف الوزير أن أسر الضحايا واجهت بعد ذلك تفاصيل الجرائم المزدرية للإنسانية التي ارتُكبت في حق ذويهم.