في عام 1906 اكتشف الفيلسوف الاقتصادي والعالم الاجتماعي “فيلفريدو باريتو” أن 20% من أرض إيطاليا تعود إلى 80% من الكثافة السكانية، وبعد البحث اكتشف باريتو أن ذلك لا ينطبق على الأرض فحسب، بل ينطبق على الثروات أيضًا، إذ تُوزع 80% من الثروات أو المعاشات السنوية من 20% فقط من أصحاب الأموال والأغنياء، وعلى الرغم من أننا يمكننا تطبيقها على أشياء كثيرة في المجتمع والاقتصاد فإن لنظرية “20/80” الذي عُرفت فيما بعد بمبدأ “باريتو” أهمية كبيرة جدًا لدى أصحاب الأموال، وهي أنها تُمكنهم من أن يصبحوا أغنياءً أكثر.
إذا نظرت لمختلف مجالات العمل، من الفلاحين الذين يوفرون محاصيل دول كاملة تنتظر استيرادها منهم، أو لفريق منتخب وطني في لعبة كرة القدم أو للعاملين في المصانع أو حتى فريق العمل الذي تعمل ضمنه الآن ستجد أن من ينتج العمل الفعلي نسبة ضئيلة جدًا من المجموع وليس الكل، ستجد أن هناك بضعة لاعبين فقط في فريق كامل هم من يحرزون الأهداف، وستجد أن هناك بضعة أشخاص في فريق عملك ينتجون النسبة الأكبر من الإنتاج اليومي، وستجد أن هناك بضعة شركات عالمية فقط مسؤولة عن إنتاج شيء معين وهذا ما يُعرف بـ”توزيع باريتو”.
إن فسرنا ذلك بلغة الأرقام سيكون ذلك كالآتي؛ إن كان لديك 10 موظفين فهذا يعني أن 3 منهم فقط يقومون بالعمل الفعلي وينتجون نصف الإنتاج اليومي على الأغلب، لا مشكلة، فلا يبدو ذلك سيئًا للغاية، ولكن إن نظرنا إلى المصانع أو الشركات الضخمة التي لديها 10 آلاف موظف، فهذا يعني أن هناك 100 موظف يقومون بأكثر من نصف العمل الفعلي كل يوم، ويعني بنظرة شمولية أكثر أن هناك 1% من النخبة المالية في العالم تتحكم بثروات 99% من ثروات العالم.
أغنى 100 فرد حول العالم يملكون ثروة تعادل ثروة أكثر من 2.5 مليار فرد بحسب “توزيع باريتو”
ربما يبدو كلام باريتو الذي صرح به منذ أكثر من قرن صادمًا للبعض، إلا أنهم يمكنهم تطبيقه بلعبة بسيطة للغاية، إن جمعت مئة شخص وأعطيت لكل واحد منهم دينارًا، وطلبت منهم تشكيل فرق مكونة من اثنين وتحديد مصير الدينار عن طريق قلب قطعة معدنية، ستجد أن في نهاية الأمر سوف ينتهي شخص واحد فقط من بين المئة شخص بأغلب الدنانير في الجولة النهائية.
كيف تحقق الكثير من خلال القليل؟
هل سمعت من قبل بوسائل النجاح من خلال قليل من المصادر؟ ربما قد سمعتها كثيرًا إلا أنها لم تشر أبدًا إلى طريقة توزيع باريتو حينها، أشار الفيلسوف الاقتصادي في نظريته عن توزيع المجهود في مختلف مجالات العمل وتوزيع الثروات أن هناك 80% من مجهود الموظفين ينتج 20% فقط من نتائج العمل المرجوة، بينما يكون هناك عبء تحقيق الـ80% المتبقية من النتائج المُنتظرة على عاتق 20% فقط من جهود الموظفين الآخرين، وهذا يُفسر مبدأ كثير من الشركات الآن بتحقيق الكثير من الإنتاج من خلال القليل من المصادر، وأهمها المصادر البشرية بالطبع.
عُرف التوزيع غير العادل للثروات في التاريخ بـ”توزيع باريتو” الذي عرف فيما بعد بحقيقة كونية يطبقها البشر حتى في حياتهم الشخصية، من منا يمتلك 6 أنواع مختلفة من الأحذية إلا أنه يفضل على الأكثر اثنين منهم يرتديهم بشكل يومي، ومن من النساء تمتلك أنواع وألوان مختلفة من الحقائب إلا أنها ستتمسك باستخدام واحدة منهم بشكل يومي تاركة الآخرين لمناسبات أخرى نادرًا ما تأتي، كم منا يعيش في مدينة تمتلك عشرات الآلاف من الطرق إلا أنه يسلك في المجمل ما قد يقل عن 20% فقط من هذا العدد.
هناك 80% من مجهود الموظفين ينتج 20% فقط من نتائج العمل المرجوة، بينما يكون هناك عبء تحقيق الـ80% المتبقية من النتائج المُنتظرة على عاتق 20% فقط
لقد أعطى باريتو نصيحته الاقتصادية لأصحاب الأعمال منذ زمن طويل، حيث تعتبر أشهر مقولاته “توقع غير المتوقع، توقع أن 20% من مصادرك البشرية قد تحقق 80% من الأهداف المرغوبة، وتوقع أيضًا أن 80% من المصادر قد تمنحك 20% فقط من الأهداف المستقبلية”.
إذا ألقيت نظرة على هرم توزيع السلطة، فستجد أن السكان والثروات وكل الكائنات الحية في قاعدة الهرم، يعلوها الدول والأنظمة الحاكمة، ومن ثم يأتي الدور المؤسساتي المهيمن على الاقتصاد والسياسة من خلال المؤسسات والشركات الضخمة، يأتي بعده في اتجاه القمة البنوك الضخمة، ومن ثم البنوك المركزية المحلية ثم البنوك المركزية الدولية، ليأتي قرب القمة البنك المركزي الذي يمول البنوك المركزية العالمية، لينتهي الهرم في قمته بالنخبة المالية التي تتحكم في العالم وثرواته.
هل يمكن أن تمنحك نظرية “باريتو” مزيدًا من الوقت؟
بالنسبة لنظرية “باريتو” فإن 20% من الزبائن يحققون 80% من الأرباح، وهو ما يدفع الشركات لاستهداف شريحة معينة من الزبائن من خلال وسائل التسويق المختلفة التي تحقق لهم تلك النسبة من الأرباح المرجوة
الوقت هو العامل الأخطر بالنسبة لرواد الأعمال، ولهذا فإن كان لديهم قابلية لاستغلال 20% مما لديهم من مصادر لإنتاج 80% من أهدافهم فبالطبع لن يكون جوابهم لا، المصادر المحدودة أحد أكبر المعوقات التي تحد رواد الأعمال من تحقيق أكبر ربح ممكن في قليل من الوقت، إلا أن توزيع باريتو مكنهم من ذلك، لنرى الآن أن 80% من أكثر الشركات الضخمة عالميًا تقع تحت مسؤولية 20% فقط من الأشخاص، وربما يكون المنتفعين من ذلك أشخاصًا معدودين يعدون النخبة قد نعدهم على الأصابع.
ولكن ما المشكلة الحقيقة في “مبدأ باريتو” الذي قد يبدو مفيدًا لإدارة الوقت من رواد الأعمال؟ تكمن المشكلة هنا في التوزيع غير العادل الذي قد يحقق لرواد الأعمال مزيدًا من الأموال إلا أنه في واقع الأمر يزيد من الظلم الموجود بين الطبقات العاملة، فإن طبقنا النظرية نفسها، فهذا يعني أن 80% من الإنتاج الذي ينتجه الموظف يحقق له 20% فقط من راتبه الشهري.
هذا يعني أن ساعات العمل الطويلة والجهد المبذول بشكل يومي لا يأتي بالنفع على الموظف سوى بـ20% فقط من راتبه، ولا يعود بالنفع عليه بمزيد من الأموال كما هو الحال لدى صاحب الشركة أو أفراد النخبة في المجتمع، وبالتبعية فإن 20% من إنتاج الموظف نفسه يعود عليه بنسبة 80% من راتبه الشهري، وهذا يعني أن مزيدًا من الإنتاج لن يعود عليه سوى بـ20% فقط من الراتب.
“توقع غير المتوقع، توقع أن 20% من مصادرك البشرية قد تحقق 80% من الأهداف المرغوبة، وتوقع أيضًا أن 80% من المصادر قد تمنحك 20% فقط من الأهداف المستقبلية”.
– فيلفيردو باريتو
قد تنجح نظرية باريتو في كثير من المجالات التي بإمكان المرء فيها تقليل الجهد المبذول لإنتاج المزيد من العمل سواء كانت بتقليل عدد الموظفين أم بتقليل ساعات العمل لإنتاج أغلبية الإنتاج، إلا أنها لا تنجح أبدًا في مجالات العمل التي قد تحتاج للإبداع، إن ألقينا نظرة على مهن مثل التصميم أو البرمجة أو الكتابة فهذا يعني بحسب كلام باريتو أن على المرء تقليل الجهد المبذول لـ20% لكي ينتج 80% من عمله، إلا أن هذا يعني تقليل المرء لكل شيء قد يسهم في إبداعه، مثل تعلم مهارات جديدة وقضاء وقت أكثر في البحث والحصول على الإلهام، إلخ.
لا يمكن لأي شخص أن يكون له القدرة على الإنتاج بكفاءة عالية إن كان على عاتقه كثير من العمل المتطلب لكثير من المجهود في وقت قليل، ربما زعم باريتو أن هناك كثير من الأعمال لا تتطلب تلك الساعات الطويلة من العمل، وعليه فعلى صاحب العمل تقليل عدد الموظفين وتوكيلهم بمزيد من المهام، إلا أن باريتو أهمل بشكل واضح العامل الإنساني هنا، واعتبر الموظفين مجرد آلات وجهودها وإنتاجيتها مجرد أرقام تُرجمت لقاعدته 20/80.