نقل مسؤول إسرائيلي عن رئيس وزراء الدولة العبرية بنيامين نتنياهو أنه طلب من موسكو إخراج القوات الإيرانية من سوريا، متعهدًا بعدم تهديد حكم نظام بشار الأسد وفتح قنوات اتصال معه تهدف إلى تحقيق المصالح المشتركة للطرفين.
نتنياهو خلال لقائه الرئيس الروسي أمس الأربعاء في العاصمة موسكو، وهو اللقاء الثالث بين الرجلين خلال 6 أشهر، أكد أن بلاده المحتلة ستتصدى لكل المحاولات الرامية لانتهاك حدودها بما في ذلك من الجو أو البر، في إشارة منه إلى الهجمات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي داخل العمق السوري الجنوبي.
ونقل المسؤول عن نتنياهو قوله لبوتين خلال اجتماع الأمس “لن نتخذ إجراءات ضد نظام الأسد وعليكم إخراج الإيرانيين”، فيما أشار إلى أن روسيا تعمل بالفعل على إبعاد القوات الإيرانية من مناطق في سوريا قريبة من مرتفعات الجولان التي تحتلها “إسرائيل”، وأنها اقترحت بأن تظل على بعد 80 كيلومترًا لكن هذا لا يفي بمطلب “إسرائيل” بخروجها بشكل تام.
وفي المقابل أكد الرئيس الروسي عمق العلاقات بين البلدين، مشيرًا “أنها بشكل عام تتطور بصورة إيجابية للغاية، ولن أدرج الآن الأرقام، فهي إيجابية، لكن هذا لا يتعلق فقط بتعاوننا في مجال الاقتصاد، هذا ينطبق أيضًا على التفاعل في المجال السياسي، والعلاقات بين الهيئات العسكرية في مستوى جيد، وهذا ينطبق أيضًا على المجال الإنساني”، موجهًا شكره لنتنياهو على مشاركته في عيد النصر 9 من مايو/أيار قائلًا: “أذكر كيف مررت من خلال الساحة الحمراء تحمل صورة لأحد أبطال الحرب العالمية الثانية، شكرًا لك”.
زيارة رئيس وزراء دولة الاحتلال تزامنت مع زيارة علي أكبر ولايتي مستشار الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إلى روسيا، إذ إنه من المقرر أن يجتمع مع بوتين اليوم الخميس، لبحث سبل مواجهة السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ومناقشة مستقبل الأزمة السورية في ظل المستجدات الأخيرة لا سيما المتعلقة باستهداف القوات الإيرانية والتابعة لها من الجيش الصهيوني.
ملامح صفقة روسية إسرائيلية أمريكية تلوح في الأفق بشأن الوجود الإيراني في سوريا، فموسكو لا تسعى للصدام لا مع واشنطن أو تل أبيب، خاصة في ظل العلاقات الإستراتيجية والتعاون البناء في شتى المجالات، غير أنها في الوقت ذاته لا تود خسارة حليفها الإقليمي، معادلة صعبة ربما تدفع الدب الروسي إلى إعادة نظر في خريطة تحالفاته في المنطقة.. فهل يستجيب بوتين لنداءات نتنياهو؟
ليس من المتوقع أن تعمل موسكو على إزاحة طهران من المشهد السوري بشكل كامل، ومن ثم سيكون البديل هو ممارسة روسية لمزيد من الضغوط على إيران بغية تحجيم نفوذها
توتر في العلاقات
رغم أنهما في الظاهر حلفاء في خندق واحد، تجمعهم أهداف مشتركة من وراء دخولهم المعترك السوري ودعمهم لنظام بشار الأسد، فإن المسكوت عنه ربما يحمل خلافات تعكس براجماتية كل طرف في الحصول على أكبر المكاسب من “كعكة” سوريا التي أسالت لعاب الكثير من القوى الإقليمية.
تباين وجهات النظر بين موسكو وطهران حيال كثير من الملفات السورية كانت أسيرة نطاق السرية، حتى جاءت أزمة إجلاء المدنيين والمسلحين المحاصرين شرق حلب شمال سوريا ديسمبر/كانون الأول 2016 لتخرج خلافات كانت تحت الطاولة بين الروس والإيرانيين، ورغم نفي الأخيرين وجود مثل هذه الخلافات، فإن نفيهم لم يبد مقنعًا بعد تهديد موسكو بالرد على أي إطلاق للنار خلال عملية الإجلاء في حلب.
طهران وبعيدًا عن الأهداف العسكرية والسياسية من دعمها لنظام الأسد، إلا أنها تسعى للاستفادة من استثمارها الكبير في سوريا، على شكل عقود اقتصادية في مجال الإعمار وتبادل ثقافي وفتح فروع للجامعات الإيرانية في المدن السورية، في محاولة لتعويض المليارات الـ6 التي أنفقتها من بداية الأزمة.
الاتفاقيات التي وقعتها طهران مع النظام السوري بشأن إعادة الإعمار والحصول على حزمة من المكاسب لم تجنِ ثمارها بعد، خاصة بعد تأجيلها لأسباب عزاها البعض إلى تفضيل المسؤولين في النظام السوري الروس، ورغبتهم في جذب العقود الروسية والصينية مقارنة بالإيرانيين، وهو ما دفع إعلام طهران لشن حملة ضد نظام الأسد في الآونة الأخيرة.
نتنياهو لبوتين: “لن نتخذ إجراءات ضد نظام الأسد وعليكم إخراج الإيرانيين”
هذا بخلاف الخطة الروسية الخاصة بالحل في سوريا التي كان لها نصيب من تعميق هذا الخلاف بين موسكو وطهران، خاصة فيما يتعلق برغبة الجانب الروسي إقامة نظام برلماني وتشكيل حكومة انتقالية تضم النظام والمعارضة، هذا بخلاف التقارب الروسي التركي الذي أثار حفيظة طهران بصورة كبيرة، وكشف أكثر عن حجم الخلاف بين الحليفين.
إرهاصات تشير إلى تحول لافت في الموقف الروسي من وجود قوات إيرانية داخل سوريا خاصة في المناطق القريبة من هضبة الجولان المحتلة، حسبما أشار المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هرئيل في تقرير له بصحيفة “هآرتس” العبرية، يعكس احتمالية تغير بعض ملامح الخريطة السياسية السورية خلال الفترة القادمة.
في 29 من مايو/أيار 2018 كشف المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هرئيل في تقرير له بصحيفة “هآرتس” العبرية وجود إرهاصات تشير إلى تحول لافت في الموقف الروسي من وجود قوات إيرانية داخل سوريا خاصة في المناطق القريبة من هضبة الجولان المحتلة.
هرئيل في تقريره ربط بين موقف موسكو الحاليّ والضربات التي وجهتها القوات الإسرائيلية لبعض المواقع الإيرانية وأخرى تابعة للأسد في سوريا في الـ10 من مايو/أيار الماضي وما قبلها وما بعدها كذلك، وفي الوقت ذاته لا يمكن قراءة التفاهمات التي ألمح إليها المحلل العبري بمعزل عن رفض روسيا تزويد الميليشيات الإيرانية في سوريا بمنظومة الصواريخ “إس – 300” الدفاعية رغم حصول الجانب الروسي على المقابل المادي لها.
تفاهمات روسية مع نظام الأسد بشأن القوات الإيرانية
صفقة بين موسكو وتل أبيب
في اجتماع مفاجئ مع الأسد مايو الماضي، قال بوتين: “من الضروري أن تنسحب جميع القوات الأجنبية من سوريا”، هذا التصريح الذي فسره البعض بأنه ضربة موجعة لإيران، خاصة أنه تزامن حينها مع زيارة لنتنياهو، وأكد عليه أيضًا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروفالاثنين حين قال إنه يجب نشر القوات السورية فقط في جنوب سوريا.
صحيفة “التايمز” البريطانية كشفت في تقرير لها اتفاقًا روسيًا – إسرائيليًا على إبعاد القوات الإيرانية والقوات الموالية لها في سوريا عن المنطقة المتاخمة للجولان السوري المحتل، بينما تسمح “إسرائيل” باستعادة الجيش السوري للمناطق التي يسيطر عليها المسلحون المتمردون في جنوب البلاد في القنيطرة ودرعا.
التقرير أشار إلى أن روسيا وافقت على المطالب الإسرائيلية بإبعاد الميليشيات المدعومة من ايران عن الحدود مع مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وذلك وفقًا للتليفزيون الإسرائيلي، كما نقلت عن صحيفة سعودية قولها إن النظام وافق على بقاء الميليشيات الايرانية على بعد 25 كيلومترًا، كما وافقت موسكو على عدم محاولة وقف الغارات الجوية الإسرائيلية على القواعد والميليشيات الإيرانية في أماكن أخرى من البلاد.
موسكو لا تسعى للصدام لا مع واشنطن أو تل أبيب، خاصة في ظل العلاقات الإستراتيجية والتعاون البناء في شتى المجالات، غير أنها في الوقت ذاته لا تود خسارة حليفها الإقليمي
التفاهم الضمني المبرم بين موسكو وتل أبيب الذي تم التوصل إليه من خلال مكالمة هاتفية بين وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان ونظيره الروسي سيرغي شويغو، ينص على أن الأخيرة لن تحاول، في المقابل، منع قوات الأسد من استعادة السيطرة على المناطق التي تسيطر عليها القوى المعارضة والتي تقع حول مرتفعات الجولان والحدود الأردنية المجاورة.
وبفضل هذا الاتفاق ستتمكن روسيا من دعم تقدم القوات الحكومية السورية في جنوب غرب سوريا، فيما يهدد نظام الأسد بالتحرك ضد مناطق تمركز للمعارضة جنوب غرب البلاد، مما يزيد من الضغوط على روسيا لإبقاء إيران ووكلائها خارج المعركة التي قد تلهب التوترات مع “إسرائيل”.
وفي جهة مقابلة ترى صحيفة “وول ستريت جورنال” أن روسيا التي انضمت إلى إيران لدعم الرئيس السوري بشار الأسد في استعادة أجزاء كبيرة من البلاد، تريد تجنّب الدخول في معركة مع “إسرائيل” والولايات المتحدة، إذ ينص وقف إطلاق النار الحاليّ في المنطقة على عدم وجود قوات أجنبية هناك.
الصحيفة أشارت أن إيران تواجه ضغوطًا متزايدة على وجودها في سوريا، ففي الأشهر القليلة الماضية فقط نفذت “إسرائيل” أكبر عملية عسكرية لها ضد المواقع الإيرانية في سوريا، حيث ضربت العشرات من المواقع العسكرية الإيرانية عبر الأجزاء الجنوبية والوسطى من البلاد، بما في ذلك الأهداف المتعلقة بالخدمات اللوجستية والاستخبارات وتخزين الذخيرة.
التطمينات الروسية وراء مواصلة استهداف تل أبيب لأهداف إيرانية في سوريا
بعض المصادر نقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن هناك مؤشرات على أن روسيا مستعدة لإجبار القوات الإيرانية، بما في ذلك قوات حزب الله المدعوم من إيران، على الابتعاد عن الحدود الإسرائيلية مع جنوب غرب سوريا، بحسب الصحيفة، لكن تل أبيب لا تعتمد على هذه الإمكانية وحدها، وهو ما عبر عنه نتنياهو في تصريحات سابقة له حين قال: “سنتصرف ضد أي وجود عسكري إيراني في أي مكان على الأراضي السورية، إن الانسحاب الإيراني من جنوب سوريا وحده لن يكفي”.
وترى الصحيفة أنه لا يزال من غير الواضح حجم النفوذ الذي تتمتع به روسيا فعليًا على إيران، سواء في الجنوب أم أي جزء آخر من سوريا، ومن ثم فإن الحديث عن إبرام صفقة تدعم فيها موسكو مخطط إخراج طهران من الأراضي السورية مسألة تحتاج إلى مزيد من الوقت.
وفي المقابل يذهب كثير من المحللين إلى أن نشوب أي خلاف بين إيران وروسيا لن يصب في مصلحة الأخيرة التي ليس لديها الكثير من الحلفاء في المنطقة، وبالتالي ليس من المتوقع أن تعمل موسكو على إزاحة طهران من المشهد السوري بشكل كامل، ومن ثم سيكون البديل ممارسة روسية لمزيد من الضغوط على إيران بغية تحجيم نفوذها في سوريا، والابتعاد عن مناطق التماس مع دولة الاحتلال.