وسط تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن، يكثر الحديث عن نفوذ إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ولكن الأمر الذي قلما يُذكر هو دور طهران المتنامي في أفغانستان (البلد الذي يتمتع بعلاقات ثقافية ودينية ولغوية قوية مع أبناء شعبه).
وفي الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة وبعض الدول الإقليمية الضغط على إيران اقتصاديًا وسياسيًا، بدأت طهران باستعراض مصادر قوتها التي تساعدها على المناورة في المواجهة ضد هذه القوى، مستخدمةً أذرعها العسكرية في مواجهة خصومها، دون أن تدخل في صدام مباشر معهم.
“أفضل مقاتلي طالبان يُدربون في إيران”
تحت هذا العنوان نشرت صحيفة “التايمز” البريطانية، الأسبوع الماضي، مقالًا كشفت فيه أن مئات من مقاتلي طالبان يتلقون تدريبًا متقدمًا على أيدي مدربي القوات الخاصة في الأكاديميات العسكرية بإيران كجزء من تصعيد طهران لدعمها تمرد حركة طالبان في أفغانستان التي تقاتل الجيش الأمريكي، في أطول حرب دخلتها الولايات المتحدة في تاريخها.
وحسبما أفاد أعضاء طالبان والمسؤولون الأفغان للصحيفة، يبدو معدل ونوع التدريبات وطول فترتها الزمنية أمورًا غير مسبوقة، ويؤثر ليس فقط على تغيير مسار الحرب الدائرة بالوكالة بين طهران وواشنطن في أفغانستان، بل على تحول محتمل أيضًا في قدرة إيران ورغبتها بالتأثير في نتيجة الحرب الأفغانية.
الجيل الجديد من المجندين من طالبان مدرب بشكل أفضل ومسلح بشكل كبير – المصدر: التايمز
الصحيفة نقلت عن مستشار سياسي في مجلس شورى حركة طالبان في كويتا بباكستان قوله إن عرض التدريب المقدم من الإيرانين جاء مرفقًا بشرطين، وهما التركيز أكثر على مهاجمة المصالح الأمريكية وحلف شمال الأطلسي “الناتو” في أفغانستان، وتكريس المزيد من القوات لمهاجمة داعش، مشيرًا إلى أن “المحادثات بين طالبان وإيران بشأن إرسال مقاتلين لدورات تدريبة لستة أشهر تديرها قوات خاصة إيرانية قد بدأت في ربيع هذا العام، عندما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يستعد لسحب موافقة الولايات المتحدة على الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني الموقع في عام 2015”.
من جهتها، نفت إيران على لسان هیئة الأرکان العامة للقوات المسلحة، تورّطها في تدریب میلیشیات طالبان في إيران، کما کذّبت السفارة الإيرانية في کابول هذه المزاعم، ووصفتها بأنها “فارغة ولا أساس لها”، لكن رغم النفي الإيراني، تقرير التايمز يتطابق مع روايات كبار المسؤولين العسكريين الأفغان وضباط الاستخبارات الذين حذروا من أن إيران تستعد لاستهداف المصالح الأمريكية في أفغانستان بالتزامن مع ظهور عقوبات أمريكية جديدة تلوح في الأفق.
كانت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية كشفت في تحقيق خاص لها، في أغسطس 2017، أن الجنود الإيرانيين يشاركون في القتال إلى جانب طالبان
وتؤكد إيران باستمرار أن علاقاتها بحركة طالبان لا تتجاوز التأييد السياسي، وتهدف إلى تشجيع حركة طالبان على الجلوس إلى طاولة المحادثات، حتى عندما نشرت تصريحات الناطق الرسمي باسم حركة طالبان في بعض وسائل الإعلام بخصوص المساعدات الإيرانية العسكرية لحركة طالبان، بادر الناطق الرسمي باسم الخارجية الإيرانية إلى تكذيبه بلهجة شديدة، وقال: “ذلك كذب وافتراء، والأمر مبيت وطُرح من قِبَل حُماة هذه المجموعة الإرهابية لتشويه سمعة إيران”.
وكانت صحيفةنيويورك تايمز الأمريكية كشفت في تحقيق خاص لها، في أغسطس 2017، أن الجنود الإيرانيين يشاركون في القتال إلى جانب طالبان، عدوهم السابق، كما كشفت لقاءات أتمها زعيم الحركة السابق الملا محمد منصور قبل مقتله مع مسؤولين إيرانيين وروس بدعم من طهران، لتثبت مصالحها في أفغانستان وبسط نفوذها في البلد المجاور الذي يقاتل القوات الأمريكية.
وعن التعاون الإيراني مع حركة طالبان، ذكرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية في عددها الصادر في مايو 2016 أن إيران تتعاون بشكل وثيق مع حركة طالبان لإقامة منطقة عازلة على طول حدودها مع أفغانستان، تحسبًا لأي تهديدات محتملة من تنظيم الدولة “داعش“، مضيفةً أن تنامي خطر التنظيم في أفغانستان دفع أعداء الأمس لإقامة تحالف نادر، وهو ما يمثل تحولًا كبيرًا في إيران الشيعية التي طالما كانت تنظر إلى طالبان السنية بوصفها تهديدًا مباشرًا لأمنها ومصالحها.
عناصر في القوات الخاصة الإيرانية
الحلفاء الجدد.. دور إيراني متنامٍ في أفغانستان
عمق العلاقات بين البلدين لم يقتصر على ما سبق ذكره، فقد كشفت صحيفة “وال ستريت جورنال”، في يونيو 2015، أن طهران زادت من إمداداتها من التمويلات والأسلحة لصالح حركة طالبان ووصل بها الدعم إلى انتداب وتدريب مقاتليها، بالإضافة إلى ذلك، أدى وفد من حركة طالبان، في مايو 2015، بقيادة محمد طيب أغا الذي يعتبر مقربًا جدًا من الملا عمر ورفض الإعراب عن ولائه للملا منصور، زيارة إلى إيران وأجرى محادثات مع القادة الإيرانيين.
وفي السنوات الأخيرة، دأبت إيران على انتهاج سياسة ثنائية المسار مع أفغانستان، حيث قدم فيلق القدس، جناح القوات الخاصة للحرس الثوري الإيراني وحليف حكومة كابول وعدو طالبان، دعمًا متزايدًا لطالبان، حتى وإن كانت علاقة الجماعة مع باكستان الحليف الرئيسي والداعم قد بدأت في التآكل.
ونتيجة للإستراتيجية الإيرانية الجديدة في أفغانستان، يسود قلق غربي عميق – تتزعمه أمريكا – من تقارب يسير بوتيرة متسارعة بين موسكو وطهران وحركة طالبان الأفغانية، ويزيد هذا التقارب الظاهر – بحسب محللين – من نشوء حرب جديدة بالوكالة في أفغانستان التي تعاني من الفوضى.
ورغم أن طهران وموسكو تؤكدان أن اتصالاتهما مع المتمردين تهدف فقط إلى تعزيز الأمن في المنطقة، لكن الولايات المتحدة لا تخفي شكوكها إزاء الموضوع، فقد أعرب الرئيس ترامب مؤخرًا عن أسفه لأن الولايات المتحدة كانت تخسر حربها التي استمرت 16 عامًا في أفغانستان، وهي الحرب التي كلفت نصف تريليون دولار، وأكثر من 150 ألف شخص من جميع الجوانب، فالأعداء الإقليميون يتورطون فيها.
الاختراق الإيراني لحركة طالبان يعتبر ضربة قاسية للمملكة، إذ يعني أن طهران أكثر فاعلية منها في تجنيد الحركات السنية
وقد وجّه الرئيس الأمريكي الذي تعهد بإنهاء أطول الحروب الأمريكية في أفغانستان، المسؤولين في البنتاغون بتكثيف الضربات الجوية التي تستهدف مناطق نفوذ تنظيم الدولة هناك، حيث شنت المقاتلات الأمريكية أكثر من مئة ضربة جوية منذ بداية العام.
أما السعودية (العدو السني الأول لإيران في المنطقة العربية)، فقد عملت على قطع الطريق على إيران، عبر دمج طالبان في العملية السياسية، كما تهدف إلى تقليل الهجمات ضد القوات الأمريكية الموجودة في أفغانستان بعد أن تعهدت الحركة بأن يكون ربيع العام الحاليّ الأسوأ على الجيش الأمريكي.
وعلى الرغم من معارضة إيران الشديدة لوجود الولايات المتحدة في أفغانستان علنًا، فإن البعض يرى أن هذا الوجود بات ضروريًا للمحافظة على النظام فيها؛ لذلك فإن دعم إيران البسيط لحركة طالبان سيزيد من اطمئنانها لوجود القوات الأمريكية في أفغانستان، وفي المقابل، فإن الاضطرابات التي تزرعها هذه العناصر الخارجية يمكن أن تزداد سوءًا بالنظر إلى صعوبة التنبؤ بما سيقدم عليه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، خصوصًا أن خططه بالنسبة إلى أفغانستان لا تزال غير واضحة.
أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي لا تزال لاعبًا مهيمنًا في الوساطة بين الحكومة وطالبان، فإن الاختراق الإيراني لحركة طالبان يعتبر ضربة قاسية للمملكة، إذ يعني أن طهران أكثر فاعلية منها في تجنيد الحركات السنية، وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الأفغانية كانت قد أيدت الحرب السعودية في اليمن، وهو ما أغضب طهران، لذلك ربما يكون الهدف من تدريب طالبان في إيران أيضًا الانتقام من النظام الحاكم في كابول بسبب مواقفه المؤيدة للرياض.
حروب الظل عبر الوكلاء بين إيران والسعودية تمتد لأكثر من دولة في منطقة الشرق الأوسط
الأذرع الإيرانية العسكرية في مواجهة أذرع الأعداء
على مدى العقدين الماضيين، تقوم إيران بمناورة جريئة لتشكيل أفغانستان لصالحها، بعد أن استولت الولايات المتحدة على اثنين من أعداء طهران الرئيسيين على حدودها، وهم حكومة طالبان في أفغانستان، وصدام حسين في العراق، حيث عملت بهدوء ودون هوادة من أجل نشر نفوذها.
وبعيدًا عن أفغانستان، فإن حروب الظل عبر الوكلاء بين إيران والسعودية أو ما يُعرف أيضًا باسم الحرب الباردة في الشرق الأوسط، يمتد لأكثر من دولة في منطقة الشرق الأوسط، فقد دعمت قوات جيش بشار الأسد في سوريا، وتحالفت مع الجيش العراقي والقوات شبه العسكرية التي تقاتل معها.
وقد فعلت طهران ذلك أساسًا من خلال استخدام الوكلاء الذين لعبوا أدوارًا أساسية في معظم المعارك – بما في ذلك إعادة الاستيلاء العراقي على كركوك -، وساعدوا على مسح الأراضي عبر وسط العراق وكثير من سوريا التي أصبحت حيوية من الناحية الإستراتيجية.
ومنذ عام 2013، دعمت إيران ودربت آلاف الأفغان، بعضهم مهاجرين غير شرعيين، للانضمام إلى لواء فاطميون، وهي مجموعة وصفتها وسائل إعلام مقربة من الحكومة، على أنها قوات أفغان متطوعين للقتال في سوريا، وقالت “هيومن رايتس ووتش” إن الحرس الثوري الإيراني، قد جند أطفال مهاجرين أفغان يعيشون في إيران للقتال إلى جوار قوات الأسد التي شنت القوات الأمريكية ضربات جوية ضدها تحت مسمى التحالف الدولي.
التصعيد الإيراني في استخدام الأسلحة كافة التي تضمن لطهران مواجهة الضغوط الخارجية، سيكون أكثر حدة
وفي اليمن، بينما توجه السعودية اتهامات لإيران بتزويد جماعة الحوثي اليمنية بقدرات باليستية، تشن القوات السعودية تحت قيادة التحالف العربي منذ أكثر من ثلاث سنوات غاراتها الجوية التي أودت بحياة آلاف المينيين، وقد اعتبر تقرير أعده فريق من الخبراء الدوليين التابعين للجنة العقوبات المفروضة على اليمن، الجمعة، أن ما يجري “حرب سعودية إيرانية بالوكالة”.
أما صراع “إسرائيل” وإيران فلا يبتعد عن مفهوم حروب الوكالة، فهو صراع مستمر غير مباشر يتمحور حول النضال السياسي والعسكري الإيراني ضد “إسرائيل” التي تهدف إلى منع إيران من إنتاج أسلحة نووية وإضعاف حلفائها وأتباعها مثل حزب الله في لبنان، وبينما تحارب قوات إيرانية في سوريا لدعم حكومة بشار الأسد، فإن “إسرائيل” تقدم الدعم لأطراف أخرى.
في كل الأحوال، فإن التصعيد الإيراني في استخدام الأسلحة التي تضمن لطهران مواجهة الضغوط الخارجية، سيكون أكثر حدة، لأنه في مواجهة مسألة حياة أو موت، وفي هذا السياق أتى تهديد الرئيس الإيراني حسن روحاني، وهو شخصية معتدلة ولا يميل إلى الخيارات العسكرية، بإغلاق مضيق هرمز ومنع تصدير النفط الخليجي إلى العالم.