ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: لوفداي موريس وسفيان طه
بعد قضاء طفولته في رعي الأغنام والماعز في التلال التي تقع شرقي القدس، لم يتوقع عيد الجهالين أن يجد نفسه مدافعاً عن قضية بلاده بين أروقة مبنى الكونغرس الأمريكي يوما ما. وأمضى المواطن الفلسطيني البالغ من العمر 51 سنة الأسبوع الماضي في بيان معاناة سكان قريته الأصلية، حيث باتت العديد من الأكواخ في مرمى التهديدات بالهدم من قبل الجرافات الإسرائيلية.
يعيش حوالي 173 شخص في قرية خان الأحمر البدوية، التي تبدو متواضعة للغاية، حيث بنيت المنازل بواسطة الخشب والقماش المشمّع، وتحيط بها حظائر الحيوانات. وعلى الرغم من ملامح الفقر الواضحة، ساهم الموقع الاستراتيجي للقرية في وضعها في قلب الصراع المستمر بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي حال تمكنت السلطات الإسرائيلية من تنفيذ مخططها الذي يرمي إلى هدم القرية وتشريد المجتمعات البدوية المحيطة، ستنقسم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة إلى قسمين، مع فصل جزء كبير منها عن أي عاصمة مستقبلية في القدس الشرقية.
أفاد المسؤولون الفلسطينيون أن صمت الإدارة الأمريكية إزاء هذه الممارسات يعد بمثابة الضوء الأخضر لـ”إسرائيل”
تصدت قرية خان الأحمر لقرارات الهدم لعقود من الزمن، لكن المحكمة العليا في “إسرائيل” أصدرت قرارا يجعل هدم المنازل في القرية الفلسطينية أمراً قانونيا خلال شهر مايو/ أيار الفارط. وفي الأسابيع الأخيرة، شرعت “إسرائيل” تجهز أسطول الجرافات لهدم القرية. وفي حين عارضت العديد من الدول الأوروبية، على غرار أيرلندا وفرنسا وبريطانيا لهذه الخطط، ووصف منظمة حقوق الإنسان عمليات نقل سكان خان الأحمر بصفة قسرية على أنها جرائم حرب، التزمت الولايات المتحدة الأمريكية الصمت.
في هذا الشأن، أفاد المسؤولون الفلسطينيون أن صمت الإدارة الأمريكية إزاء هذه الممارسات يعد بمثابة الضوء الأخضر لـ”إسرائيل”، حيث تسمح إدارة ترامب بانتهاك حقوقهم دون إلقاء اللوم أو محاسبة الإسرائيليين. وقد دفعت هذه الممارسات عيد الجهالين للقول: “إنهم يريدون قتل أملنا الأخير لإنشاء دولتنا الخاصة”. والتقى سائق الجرار السابق بحوالي 30 عضوا في الهيئات التشريعية لكلا الحزبين خلال زيارته لواشنطن، التي مولتها منظمة “ ريبيلدينغ أليانس ” غير الربحية التي تتخذ من ولاية كاليفورنيا مقراً لها.
أفاد المسؤولون الإسرائيليون أن البدو، وهم العرب الذين اعتادوا الترحال على مر التاريخ، والذين دأب أسلافهم على التنقل داخل المناطق الصحراوية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يقع التلاعب بهم من طرف السلطات الفلسطينية التي تسعى لخدمة أهدافها الخاصة
صرحت متحدثة رسمية باسم مجلس الأمن القومي داخل البيت الأبيض أن التعليق على مسألة قانونية غير مكتملة الحيثيات يعد أمراً سابقا لأوانه، قبل أن تحيل الأسئلة المتعلقة بهذا الشأن إلى ممثلي الحكومة الإسرائيلية. وأوردت المتحدثة، أنه “بشكل عام، نحن نحاول مساعدة الطرفين على خلق بيئة ملائمة لإجراء مفاوضات تتعلق بإرساء سلام دائم وشامل بينهما”.
أفاد المسؤولون الإسرائيليون أن البدو، وهم العرب الذين اعتادوا الترحال على مر التاريخ، والذين دأب أسلافهم على التنقل داخل المناطق الصحراوية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يقع التلاعب بهم من طرف السلطات الفلسطينية التي تسعى لخدمة أهدافها الخاصة. وأشار هؤلاء المسؤولين إلى أنهم عرضوا على أهالي قرية خان الأحمر الانتقال إلى موقع بديل بالقرب من بلدة أبو ديس في القدس، إلا أنهم أصروا على ملازمة أرضهم وعدم مغادرتها.
القرية البدوية الفلسطينية خان الأحمر في 5 من تموز/ يوليو 2018
أثناء جلوسه في باحة مدرسة خان الأحمر التي تم تشييدها بتمويل من الاتحاد الأوروبي، صرح فيصل أبو دهوك، راعي الأغنام البالغ من العمر 43 سنة، قائلا: “لقد وُلدتُ هنا”. وينتمي معظم السكان في القرية إلى قبيلة الجهالين، التي عمد الجيش الإسرائيلي إلى طردها من صحراء النقب في بداية الخمسينات، مما أدى إلى انتقالهم إلى منطقة كفار أدوميم في الضفة الغربية سنة 1952، ليتم نقلهم إلى قريتهم الحالية مرة أخرى بعد بناء مستوطنات إسرائيلية هناك.
في سنة 1954، حصل العديد من البدو، الذين اختاروا البقاء داخل الأراضي التي استحوذت عليها “إسرائيل”، على الجنسية الإسرائيلية، لكن ذلك لم يشمل الجهالين الذين انتقلوا إلى أماكن أخرى. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث خدم الآلاف من البدو الإسرائيليين في صفوف قوات الدفاع الإسرائيلية، خاصة في وظيفة مقتفي الأثر. لكن حتى داخل “إسرائيل”، تعيش المجتمعات البدوية غير المصرح لها في ظل خطر هدم منازلها بشكل دائم.
رجل فلسطيني يرعى حيواناته في قرية خان الأحمر البدوية في الضفة الغربية المحتلة في 6 من يوليو/ تموز 2018.
صرح أبو دهوك أن القيود الإسرائيلية دفعت المجتمعات البدوية للتخلي عن أسلوب حياتهم القائم على الترحال. وفي هذا الشأن، أوضح أبو دهوك، أن “إسرائيل منعتنا من التحرك، بطريقة أو بأخرى، حيث تكون جميع الأراضي الإسرائيلية إما مستوطنة أو منطقة عسكرية”. وانطلاقا من المكان الذي يجلس فيه راعي الأغنام، يمكن للناظر رؤية الأسطح الحمراء لمستوطنة كفار أدوميم الإسرائيلية التي تم إنشاؤها سنة 1979، والتي تمتد على طول سفح التل المجاور.
تحدث الراعي الفلسطيني عن معاناتهم مع السلطات الإسرائيلية قائلا: “لا يُسمح لنا ببناء غرفة إسمنتية واحدة. لقد شُيدت هذه المدرسة بواسطة الإطارات والطين للتحايل على القيود المفروضة علينا”. ويرجع سبب هذه الممارسات إلى أن “إسرائيل” تعتبر وجود قرية خان الأحمر غير شرعي لمجرد كونها بُنيت دون تصاريح، في الوقت الذي يصر فيه المجتمع الدولي على أن مستوطنة كفار أدوميم تم تشييدها بشكل غير قانوني. ويقول سكان القرية إنهم لم يحصلوا قط على أي فرصة للحصول على تصاريح للبناء.
تضع الحكومة الإسرائيلية موقعاً بديلا على ذمة سكان القرية، إلا أنهم يعتبرونه غير صالح للسكن، حيث يوجد بالقرب من مكب للنفايات وبعيداً عن المناطق المخصصة للرعي. وخلال نضالهم المستمر لنيل حقوقهم، تلقى سكان خان الأحمر دعماً غير متوقع من طرف سكان مستوطنة كفار أدوميم، وهو ما كان مفاجئا للغاية.
أفاد عرزا كورمان، مرشد رحلات إسرائيلي يبلغ من العمر 56 سنة، أن مقالاً نُشر في إحدى المجلات الإسرائيلية هو ما دفعهم للتحرك. واضطلعت مجموعة من المستوطنين قوامها 41 مواطنا بكتابة رسالة لدعم البدو لدى المحكمة، مطالبين إياها بإيجاد حل مقبول للعائلات التي تعيش في خان الأحمر. وأضاف كورمان قائلا: “قررنا مساعدة الفلسطينيين إيماناً منا بحقوق الإنسان. نحن ندرك أنهم كانوا هنا قبل مجيئنا، إنهم جيراننا”. وتكمن المشكلة في كون عدد الأشخاص الذين قاموا بتقديم العريضة يمثلون أقلية، حيث أن مجموعة من الأشخاص المنتمين لليمين المتطرف اجتمعوا على قمة تل يطل على قرية خان الأحمر ومنادين بشعارات مناصرة لعمليات الهدم، في حين كانوا يحملون أعلام إسرائيلية.
أوردت جماعات حقوق الإنسان اليسارية أن هدم منازل القرية يعد بمثابة جريمة حرب، وهو ما رفض المتحدث الرسمي باسم مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التعليق عليه
يستعد سكان القرية للأسوأ عقب إعلان قوات الأمن أن خان الأحمر باتت منطقة عسكرية مغلقة. وقد أدى ذلك إلى منع الصحفيين والنشطاء الحقوقيين من دخول القرية. ولتلافي هذا الحظر، عمل الكثيرون على العبور من خلال التلال للوصول إلى المتساكنين. وفي الوقت الذي يلعب فيه الأطفال تحت الأشجار المنتشرة في فناء المدرسة، تتوغل الجرافات الصفراء بين التلال في طريقها نحو القرية.
خلال الأسبوع الماضي، حصلت القرية على مهلة محددة بعد أن وافقت المحكمة العليا الإسرائيلية على عريضة مفصلة تفيد بأن السلطات الإسرائيلية لم تنظر في الخطط البديلة لسكان خان الأحمر بشكل كافٍ. ومنحت المحكمة السلطات الإسرائيلية حتى يوم الأربعاء للقيام بذلك، في حين أدى صدور أمر إضافي يوم الاثنين الماضي إلى تأخير عملية النقل القسري لسكان القرية حتى حلول الأسبوع القادم على الأقل.
أوردت جماعات حقوق الإنسان اليسارية أن هدم منازل القرية يعد بمثابة جريمة حرب، وهو ما رفض المتحدث الرسمي باسم مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التعليق عليه. في الأثناء، تزعم “إسرائيل” أن الحكومات في جميع بلدان العالم تعمد في حالات معينة إلى بإعادة تقسيم المناطق ونقل السكان من مكان إلى آخر. وتستمر حالة عدم اليقين في صفوف سكان القرية، خاصة على المدى الطويل. وفي ظل هذه الأوضاع، أوردت تحرير أبو دهوك، صاحبة 44 سنة والأم لأربعة أطفال، قائلة: “نحن نعيش في ذعر وغالبا ما نستيقظ مذعورين. اتركونا وشأننا، هذا هو المكان المناسب لنا”.
المصدر: واشنطن بوست