صيف سنة 2012، خرج الباجي قائد السبسي الرئيس الحالي لتونس على التونسيين معلنا ميلاد حزب حداثي جديد، منحه اسم “نداء تونس”. حزب ستوكل إليه مهمة تعديل المشهد السياسي في البلاد وإعادة التوازن إليه بعد اختلاله لفائدة القوى الرجعية وفق قول المؤسسين، غير أن الوقت كان كفيلا لتأكيد عكس ذلك، فلئن فاز هذا الحزب الوليد بالانتخابات السابقة رئاسة وبرلمانا فقد ساهم في تراجع البلاد نتيجة الانقسامات التي شهدها وتشظيه إلى أحزاب “مجهرية” وفق وصف البعض.
عزل نجل السبسي
أخر الأزمات والصراعات في هذا الحزب، عزل المدير التنفيذي حافظ قايد السبسي من الحزب، حيث أعلنت الهيئة السياسية مسكها زمام الأمور مؤكدة، في بيان رسمي مساء أول أمس الأربعاء، أنها هي “الهيئة التنفيذية للحزب والمسؤولة عن تسييره بصفة جماعية”، وذلك حتى انعقاد المؤتمر الانتخابي الذي تم إقرار إجرائه نهاية شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، لتسحب بذلك بساط التسيير الفعلي من السبسي الابن.
كما قرّرت الهيئة السياسية للحزب التي تقودها مجموعة من المساندين لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، والمتمسكين بالحفاظ على خط التحالف والتوافق مع حزب “النهضة” حتى نهاية الولاية، عزل المتحدث الرسمي باسم الحزب، المنجي الحرباوي، المقرب من نجل الرئيس، حافظ قايد السبسي، وأبرز المدافعين عنه.
وصف حافظ قايد السبسي الهيئة السياسية بـ”المخربين والانقلابيين”
أكّد المجتمعون، وجود إجماع داخل الهيئة على الإبقاء على رئيس الحكومة يوسف الشاهد، والحفاظ على الاستقرار السياسي في البلاد، خاصة بعد تتالي الدعوات الصادرة من قبل نجل الرئيس حافظ قائد السبسي الداعية إلى ضرورة إقالة حكومة يوسف الشاهد.
وعقب اجتماعها، قرّرت الهيئة السياسية لـ”نداء تونس”، أيضا عقد المؤتمر الثاني للحزب يومي 29 و30 أيلول/ سبتمبر المقبل، بعد تكوين لجنة تتولى الإعداد للمؤتمر، سيتم الإعلان عن تركيبتها بعد التشاور، وستضم كل الروافد، داعية مناضلي ومناضلات الحزب في الداخل والخارج ممن ساهموا في تأسيسها وإنجاحها في المحطات الانتخابية لسنة 2014، إلى “الالتفاف حول الحركة في هذا الظرف الصعب، والمساهمة الفعالة في الإعداد للمؤتمر القادم وإنجاحه“.
ودعت الهيئة السياسية كل القوى السياسية التقدمية إلى “الحوار والتقارب، ضمانا لمصلحة البلاد وللتوازن السياسي”، منوهة بالدور الذي يلعبه رئيس الجمهورية والرئيس المؤسس للحركة لـ”الحفاظ على علوية الدستور بوصفه الضامن للاستقرار السياسي”، مؤكدة أن اجتماعها انعقد طبقا لمقتضيات القانون الداخلي والنظام الأساسي للحزب.
السبسي الابن يصف ما حصل بالانقلاب
مباشرة عقب صدور هذا البيان، ردّ المدير التنفيذي للحزب على صفحته الرسمية الخاصة في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، معلنا أن المجموعة التي عقدت اجتماع الهيئة “أقلية ولا تمثل “نداء تونس”، وليس لها حق إعلان مواقف وقرارات مخالفة لخط الحزب“.
ووصف حافظ قايد السبسي الهيئة السياسية بـ”المخربين والانقلابيين”، وبـ”الأقلية التي اختارت الانقلاب على المواقف الرسمية للحزب خدمة لمصالح وحسابات ضيقة، بهدف تشتيت الحركة وإضعاف موقعها في المشهد السياسي“.
توعد السبسي الابن من وصفهم بـ”المخربين” بعقوبات، قائلا إن “حركة نداء تونس تعتبر أن هذه الأقلية بصدد ممارسة دور تخريبي مكشوف، فإنها ستمضي في اتجاه اتخاذ الإجراءات التأديبية اللازمة تجاهها، وتعتبر أن كل ما صدر عن هؤلاء لاغ وغير ملزم بأي شكل من الأشكال“.
من جهته قال قال القيادي في الحزب خالد شوكات إنه “لا وجود لهيئة سياسية حتى تجتمع، وكل ما حدث أن مجموعة صغيرة من النواب، اجتمعوا في أحد الفنادق، مدّعين صفة الهيئة السياسية لإصدار تصريح مساندة مردّدين العبارة الممجوجة إياها، أي الدعوة للاستقرار»، مضيفا “لست ادري أي استقرار يقصدون، استقرار الرداءة وشبح الافلاس وعودة الارهاب”.
وتابع شوكات، “هذه المجموعة من النواب تعتبر هشة من الناحية السياسية، وذلك عائد لاتهامها بعلاقة مع شفيق الجراية، وشبهات ذات صلة بقضيته ما تزال تلاحقها، بل لعل هذه الملاحقة كانت أول شيء فعله الشاهد عندما أعلن حربه على الفساد، وسبحان من حوّل هذه المجموعة من النواب لدى رئيس الحكومة من مجموعة تستحق المقاضاة الى مجموعة ذات مشروع سياسي تدعم الاستقرار.”
النهضة ومصير الشاهد سبب الخلاف الحالي
يعود الخلاف هذه المرّة إلى تضارب وجهات النظر بين الطرفين في خصوص مسألة التوافق مع حركة النهضة الإسلامية والموقف من حكومة يوسف الشاهد، إذ يرى الشق الأول ضرورة مواصلة العمل مع النهضة وتجنيب البلاد خطر الانقسام مجددا وتجديد الثقة في يوسف الشاهد للمحافظة على استقرار البلاد، فيما يرى شق نجل الرئيس ضرورة وقف العمل مع النهضة وابعاد الشاهد عن قصر قرطاج.
وقبل نحو شهر، اتهم يوسف الشاهد نجل الرئيس الباجي قايد السبسي بالوقوف وراء حملة المطالبة بإقالته، وبتدمير الحزب الحاكم “نداء تونس” وتصدير أزمة الحزب إلى مؤسسات الدولة ما أثّر عليها سلبا. وقال الشاهد في خطاب بثه التلفزيون الرسمي، بداية شهر يونيو/حزيران، “إن حزب حركة نداء تونس لم يعد ذلك الحزب الذي انتمى إليه سنة 2013، إن الذين يديرون الحزب اليوم وعلى رأسهم المدير التنفيذي حافظ قايد السبسي هم من دمروا الحزب“.
ما فتئت الانقسامات والمشاكل تتسع داخل هذا الحزب رغم محاولات رأب الصدع المتكررة
اعتبر رئيس الحكومة التونسية حينها، أن وجود القيادة الحاليّة على رأس حزب نداء تونس خطر على المشروع المجتمعي للبلاد، حيث قال” “حافظ قائد السبسي والمحيطون به دمروا نداء تونس الذي خسر نحو مليون صوت في الانتخابات الأخيرة، وأزمة الحزب ليست داخلية بل أثرت على مؤسسات الدولة”.
في مقابل ذلك، يرى نجل السبسي الذي يدير الحزب دون أن يتم انتخابه من قواعد “النداء”، أن الشاهد منافسا وليس زميلا له في الحزب وفقا لعدد من المقربين منه، لذلك وجب الوقوف أمامه ووضع حدّ لنشاطه الحزبي والسياسي وارجاعه لبيت الطاعة خاصة بعد أن ارتفعت أسهم يوسف في الفترة الأخيرة وتصدّره قائمة الشخصيات السياسية التي يثق فيها التونسيين.
نحو الانهيار..؟
هذه الأزمات المتكررة أدت إلى تشظي الحزب وانقسامه إلى أجزاء بعضها مجهري وبعضها الآخر يكابد حتى يطل برأسه ويرسم لنفسه مستقبلاً في ساحة سياسية مليئة بالأحزاب الورقية التي لا يتعدى أنصارها عدد أفراد العائلة أو أقل.
نداء تونس، فمشروع تونس لمحسن مرزوق، فحزب أو “تيار المستقبل” للطاهر بن حسين ثمّ “تيار الأمل” لفوزى اللومي، و”حركة بني وطني” لسعيد العايدي وصولا إلى “حركة تونس أولا” الذي أعلن عنه القيادي السابق في “نداء تونس” رضا بالحاج مؤخرا.
يصرّ نجل السبسي على الاستحواذ على الحزب وفق معارضيه
وما فتئت الانقسامات والمشاكل تتسع داخل هذا الحزب رغم محاولات رأب الصدع المتكررة، خاصة أنه لا يوجد قاسم مشترك بين مكونات هذا الحزب؛ فهو بدأ هجينًا لا هوية سياسية له سوى عداء حركة النهضة الإسلامية والرغبة في الوصول إلى السلطة، فالنداء ضم في بداية تكوينه منتصف 2012 يساريين ودستوريين وتجمعيين ورجال أعمال ونقابيين ومستقلين، وما إن تحقق هدف الوصول إلى السلطة حتى انفك العقد لدقة خيطه.