تزامنت مع الإعلان عن برنامج الدورة الرابعة والخمسين للمهرجان الدولي بقرطاج دعوات إلى مقاطعة مهرجانات هذه الصائفة اعتبارًا للوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه تونس، حتى تعود الأموال الطائلة التي تصرف على السهرات الفنية إلى الشعب الذي هو في أمسّ الحاجة إليها، وذهب البعض إلى رفع شعار “مقاطعة المهرجانات واجب وطني”، معتبرين ذلك “تبذيرًا وإسرافًا” في الوقت الذي تستعدّ فيه الحكومة لرفع أسعار بعض المواد الغذائية.
أكبر وأهم وأعرق مهرجان في حوض المتوسط
في مؤتمره الصحفي الذي عقده بحضور وسائل الإعلام التونسية والأجنبية، أكد مختار الرصاع، مدير الدورة 54 لمهرجان قرطاج الدولي على أنّ هذا المهرجان هو: “أكبر وأعرق مهرجان في حوض البحر الأبيض المتوسط”، مضيفًا أنّ افتتاح هذه الدورة سيكون تونسيًا من خلال عرض “من قرطاج إلى إشبيلية” بقيادة الموسيقار محمد الأسود ومشاركة الفنان لطفي بوشناق.
البرنامج الذي جاء متنوعًا فجمع بين الموسيقى الشرقية والإيقاعات الغربية، والمالوف والموسيقى التونسية بتأثيث من مجموعة من الفنانين التونسيين والعرب والأوروبيين. وأضاف الرصاع أنّه تم انتقاء مجموعة من العروض الفنية التي تعمل على “إنجاح رهان المهرجان الذي يعكس جزءًا من تاريخ تونس وثقافتها، وبالتالي فهو يمثل نافذة ثقافية بامتياز للترويج لصورة مشرفة لتونس”.
منذ الإعلان عن برنامج الدورة الحالية لمهرجان قرطاج الدولي، والتأكيد على أن إدارة المهرجان ستدفع 400 ألف دينار تونسي (160 ألف دولار) إلى كل من ماجدة الرومي وكاظم الساهر، تعالت أصوات منادية بتنظيم حملة وطنية لمقاطعة المهرجانات
كشف مختار الرصاع أنّ الدورة الحالية التي ستنطلق في السابع عشر من يوليو الجاري لتتواصل إلى غاية الحادي عشر من أغسطس القادم، ستشهد عديد العروض الفنية والموسيقية التي سيؤثثها عدد من الفنانين على ركح المسرح الأثري بقرطاج من بينهم كاظم الساهر وماجدة الرومي وملحم زين و ياسمين علي ومارسيل خليفة وأمينة فاخت ويسرا المحنوش، والفرنسي ذو الأصول الجزائرية جمال دبوز، وغيرهم، إلى جانب برمجة عروض مسرحية، وتخصيص سهرة لنجوم فلسطين
حملة لمقاطعة المهرجانات
منذ الإعلان عن برنامج الدورة الحالية لمهرجان قرطاج الدولي، والتأكيد على أن إدارة المهرجان ستدفع 800 ألف دينار تونسي (320 ألف دولار) إلى كل من الفنانين ماجدة الرومي وكاظم الساهر، وصرف أموال كبيرة على بقية العروض، تعالت أصوات منادية بتنظيم حملة وطنية لمقاطعة المهرجانات، واعتبارها “واجبًا وطنيًا”، حيث أشارت وسيلة بولعراس إلى مفارقة غريبة، ففين حين تعيش تونس “انهيارًا في احتياطي العملة الصعبة كانت سببًا وراء نقص في الأدوية، ها هي وزارة السخافة (تقصد الثقافة) تدفع 800 مليون 320 ألف دولار لماجدة وكاظم”.
بينما يؤكد الإعلامي كمال الشارني على أنّ مهرجان قرطاج “تاريخيًا، لم يقم على استدعاء كبار النجوم أو العروض التجارية الربحية، بل كان منصة اكتشاف الفن لقدرته على رفع مستوى الفنانين الحقيقيين إلى النجومية”.
وأضاف الشارني: “لست ناقدًا فنيًا، ولن أناقش الناس في أذواقهم، لكن إذا صحّت الأرقام عن أنّ 400 ألف دينار ستسلّم للسيدة ماجدة الرومي ومبلغ يشابهها للسيد كاظم الساهر، فهو عمل تجاري غوغائي، يتمّ تمويله بالعملة الصعبة جدًا هذه الأيام، ويعطي صورة عن دولة غنية وكريمة إلى درجة التبذير على الفنانين، وفقيرة تتسول القروض حتى أنها لا تقدر على الوفاء بالتزاماتها للمتقاعدين”.
ماذا بقي من مهرجان قرطاج؟
دوّن الإعلامي محسن عبدالرحمن في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، في استنكار: “ماذا بقي من مهرجان قرطاج، هذا المهرجان الذي بعث أساسًا في أوائل القرن الماضي من أجل حماية المسرح والمعالم الأثرية في قرطاج من الاندثار والإتلاف و الاحتفاء بتاريخ المدينة العتيق ؟”.
إعلامي تونسي: “إذا صحّت الأرقام فهذا عمل تجاري غوغائي، يتمّ تمويله بالعملة الصعبة جدًا هذه الأيام، ويعطي صورة عن دولة غنية وكريمة إلى درجة التبذير على الفنانين، وفقيرة تتسول القروض حتى أنها لا تقدر على الوفاء بالتزاماتها للمتقاعدين”
ويتساءل: “ماذا بقي من هذه الأهداف النبيلة لمهرجان قرطاج الذي ظلّ إلى وقت قريب محترمًا، لا يعتلي مسرحه إلّا القديرين من المبدعين ؟”، ثم يردف قائلًا: “هنيئًا لنا بمهرجان قرطاج الذي ولد كبيرًا ، يحمل مشروعًا ثقافيًا عظيمًا، ثم يتحوّل بفضل أهل البلد إلى “عربون” تحكمه عقلية انتهازية منحطة، همّها الوحيد خدمة أغراضها الشخصية بلا أدنى احترام لتاريخ البلاد، و معالمها الحضارية”. ويختم تدوينته مستشهدًا بقولة لأحمد رجب: “هذا الشعب تجاوز عمره 3 آلاف سنة، فلا تعجبوا فساده لأنّ مدة صلاحيته انتهت من زمان!”.
حفاظًا على مال الشعب
ينادي الدكتور صحبي العمري “بحملة وطنية شاملة لمقاطعة حضور حفل الفنانة ماجدة الرومي وحفل الفنان كاظم الساهر .. حفاظًا على مال الشعب”، بينما يقول المحامي أسامة بوثلجة: “في ظل تراجع احتياطي العملة الصعبة، ووجود صعوبات في توريد مواد أساسية كالدواء، أصبح من الحتميّ على وزارة الثقافة إلغاء كل العروض الأجنبية في المهرجانات الصيفية واستبدالها بعروض تونسية حتى نشجع الفنانين التونسيين ونحافظ على العملة الصعبة”.
وبلغ الحدّ بالممثل الأمين النهدي الذي لم تختر مسرحيته لتعرض على ركح مسرح قرطاج، إلى التصريح لإذاعة “موزاييك أف أم” بأنّ وزير الثقافة “كذّاب”، معبّرًا عن غضبه الشديد، قائلًا: “وزير الثقافة لم يف بوعده للفنانين التونسيين، فقد سبق أن التقيت به ووعدني بأن تتم برمجة مسرحيته “المكّي وزكية” ضمن عروض مهرجان قرطاج الدولي”. مضيفًا: “مع كل احتراماتي، وزير الثقافة طلع كذّاب”.
ويعتبر المهرجان الدولي بقرطاج، الذي انطلق في أول دورة له سنة 1964، على مسرح مدينة قرطاج الأثرية، الذي أعيد ترميمه في بداية القرن العشرين، وتتجاوز طاقة استيعابه أكثر ٧٥٠٠ شخص.
وقد استقبل أبرز الفنانين منذ تأسيسه ومن بينهم أم كلثوم وفيروز وعبد الحليم حافظ ووردة الجزائرية ونجاة الصغيرة ومارسيل خليفة ونجوى كرم والشاب خالد.. إلى جانب شارل أزنافور ويوسو ندور وداليدا وجيمس براون وألفا بلوندي وغيرهم.
وكان عالم الآثار الفرنسي لويس كارتون وراء فكرة بعث المهرجان بهدف حماية المسرح الأثري من الاندثار، وشهد أول عرض مستوحى من تاريخ قرطاج القديم في 1906، ثم أعيدت التجربة في 1907.