ألقى الأمن العام السعودي قبل بضعة أيام القبض على شخص يدعى نفسه “طمبق” كان قد أثار جدلًا على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل المستخدمين السعوديين مستخدمين هاشتاغ “طمبق يتحرش بالأطفال” متهمين إياه باستغلال الأطفال جنسيًا من خلال ألعاب الفيديو عن طريق استدراجهم من خلال شهرته على يوتيوب كلاعب محترف لتلك الألعاب ومن ثم الوصول إلى الأطفال بشكل خاص والتحرش بهم جنسيًا مستغلًا عدم رقابة الأهل وخوف الأطفال من الكشف عن ممارساته المنحرفة.
اعتبرت منظمة الصحة العالمية إدمان ألعاب الفيديو نوعًا من السلوكات الإدمانية لا يختلف عن إدمان الكحوليات أو المواد المُخدرة، وكما هو الحال مع أي سلوك إدماني فهو يدفع المدمن للتصرف بشكل غير معتاد وغير متوقع قد يصل به في أغلب الأحيان إلى سلوكيات مدمرة تنهي حياته، لهذا ضمت منظمة الصحة العالمية في تحديثها لمسودة الاضطرابات العقلية “اضطراب ألعاب الفيديو” والذي اعتبرت إدمانه مرض عقلي مُعترف به على قائمة الأمراض العقلية.
استطاع إدمان ألعاب الفيديو أن يُسبب وجود حالات مرضية لا تختلف عن إدمان الكوكايين، فكما هو الحال مع الأخيرين وجد الأطباء أن مدمني ألعاب الفيديو يعانون من مشاكل صحية، ونفسية، ولا يكون لهم تحكم في تصرفاتهم في علاقاتهم الاجتماعية، كما أن حالتهم العقلية المضطربة تدفعهم بسبب ألعاب الفيديو لاتخاذ قرارات مصيرية مدمرة لهم، كان هناك بعض المختلين نفسيين على دراية بذلك جيدًا، وقاموا باستغلال كل من أدمن على ألعاب الفيديو سواء كانوا أطفالًا أو فتيات أو شباب للتخلص منهم.
يعد الانتحار من أكثر مسببات الوفيات في الأعمار ما بين 10- 24 على مستوى العالم بالنسبة لمنظمة الصحة العالمية
لماذا لم نتعلم الدرس من الحوت الأزرق؟
تحذير من لعب “الحوت الأزرق” على إحدى الشواطئ، العبارة تقول: “ابتعد عن لعبة الحوت الأزرق القاتلة”
اعتبرت منظمة الصحة العالمية قبل بضعة سنوات من الآن أن للعبة “الحوت الأزرق” علاقة بالميول الانتحارية وقد تدفع من يلعبها على الانتحار، وعلى الرغم من ذلك استمرت اللعبة أن تكون متاحة على الإنترنت، وسهل على أي طفل حول العالم تحميلها على جهازه الذي لا يخضع للرقابة الأبوية في أغلب الأحيان.
تتكون اللعبة من مجموعة من التحديات يبلغ عددها الخمسين، كل تحد منها يدفع اللاعب -الذي يكون طفلًا في أغلب الأوقات- على اتباع الأوامر التي تمليه عليها اللعبة، فبعض من تلك الأوامر يكون على هيئة تحديات للطفل كالاستماع لموسيقى كئيبة لمدة ساعة كاملة، أو لمشاهدة أفلام رعب لعدد معين من الساعات، أو لرسم حوت أزرق على الذراع بواسطة آلة حادة ورفع الصورة على اللعبة لكي تسمح اللعبة للاعب بالانتقال إلى التحدي التالي، وتستمر على هذا المنوال حتى يصل اللاعب إلى التحدي الخمسين والذي يتحداه أن ينتحر بالقفز من على سطح عال أو بالطعن بالسكين لكي تسمح له اللعبة بالمرور إلى التحدي التالي.
استغل مصمم اللعبة الروسي “فيليب بوديكين” إدمان الأطفال لألعاب الفيديو، ووجد في اضطرابهم النفسي والعقلي وسيلة للسيطرة الكاملة عليهم من خلال إملاء تحديات مختلة نفسيًا من خلال لعبة “الحوت الأزرق” التي صممها لغرض التخلص من من وصفهم بـ”النفايات البيولوجية”، لاعتباره أن كل من يعاني من تلك الاضطرابات فهو حثالة المجتمع ويجب أن يتم التخلص منه من أجل “تطهير المجتمع” على حد تعبيره.
سجلت حالات انتحار في البرازيل والهند وروسيا وصربيا ودول عربية كثيرة من بينها السعودية ومصر والجزائر لها علاقة باللعبة الانتحارية “الحوت الأزرق”.
اعترف الروسي “بوديكين” بعد القبض عليه العام الماضي باستهدافه للأطفال والفتيات للتخلص منهم وتطهير المجتمع من أمراضهم العقلية واضطراباتهم المزاجية، وأنه يعلم بأن كل ضحايا لعبة “الحوت الأزرق” كانوا على استعداد للموت، بل كانوا سعداء للقيام بذلك التحدي على الرغم من وعيهم الكامل أنهم يقتلون أنفسهم وأنه لا يوجد أي تحد آخر يتلو تحدي الانتحار كما تزعم اللعبة.
كان للعبة الحوت الأزرق علاقة وطيدة بحالات انتحار في بلاد عربية كثيرة على رأسها مصر والجزائر والأردن، وتم اكتشاف رسائل تواصل بين الضحايا وبين اللعبة التي تملي عليهم أوامر معينة وتتحداهم لفعل كل شيء يستطيع تدمير نفسيتهم وإصابتهم بالهلاوس التي تدفعهم في النهاية إلى الانتحار بعد أن تقوم بتهديد الضحايا بإيذاء الأهل إن لم يلتزم اللاعب بالشروط التي تمليه عليه اللعبة أو الشخص الذي يحاوره من خلالها.
التلاعب بالأطفال يستمر مع “فورتنايت”
لم تكن لعبة الحوت الأزرق الأولى ولا الأخيرة، إذ جاءت لعبة “فورتنايت” التي وُصفت بأنها أكثر الألعاب أسرًا لقلوب الأطفال وعقولهم في الفترة الأخيرة، حيث يلعبها الآن أكثر من 125 مليون لاعب حول العالم من مختلف الجنسيات، تحتوي اللعبة على مشاهد عنف وقتل وحروب، وأصدرت بشأنها تحذيرات على صحف مختلفة تحذر من امتلاك لعبة كهذه من قبل أطفال في سن العاشرة والثانية عشر وأنها غير ملائمة إطلاقًا لهذا السن.
تجري اللعبة من خلال وجود 100 لاعب عليهم قتل بعضهم البعض لكي يتبقى لاعب واحد فقط في النهاية، وعلى كل لاعب البحث عن الأسلحة والقنابل وبناء الجسور للدفاع عن نفسه طوال اللعبة، حتى تصغر ساحة المعركة تدريجيًا مع انسحاب أي لاعب تصيبه نيران لاعب آخر، مما يدفع كل لاعب للحفاظ على حياته بشكل يدفعه على الإدمان أكثر لمواصلة اللعب لساعات متواصلة.
تسمح اللعبة للاعبين المختلفين بالتواصل مع بعضهم البعض من خلال سماعات الرأس والميكروفون، وهو الأمر الذي قد يبدو عاديًا في كثير من ألعاب الفيديو الأخرى، إلا أن “فورتنايت” كانت أرضًا خصبة لاستغلال الأطفال والتلاعب بهم والتشهير بهم على الإنترنت بشكل مخز، وذلك من خلال التواصل معهم واستغلال رغبتهم الشديدة في الفوز في اللعبة فيتم عرض مساعدات من أشخاص مجهولين تساعدهم على الفوز مقابل انتهاك خصوصيتهم والتدخل في حياتهم وإملاء أوامر عليهم مقابل تهديدهم بقتل وأذية أهلهم إن لم يقوموا بتنفيذها.
⚠️ آثار لعبة "فورتنايت" على الأطفال
تحية وشكر للأب .. وألف لا باس على أولادك. pic.twitter.com/SZWmCcmBdh— علي الغفيلي (@alialgofaily) July 11, 2018
فيديو لأب ينشر تأثير لعبة “فورتنايت” على أبنائه
قد يملي مجهول على الطفل ضحية الاستغلال من خلال ألعاب الفيديو أوامر مثل إرسال صور شخصية له أو لغرف منزله، أو استغلاله جنسيًا من خلال المحادثات على تطبيقات خاصة مثل واتسآب أو فيسبوك، أو تهديده بإيذاء إخوته إن لم يمنحه معلومات شخصية عنه وعن أسرته وأن يرسل صور لإخوته ووالدته.
كما أثارت بعض الصحف الغربية تحفظات على وجود أنواع حقيقة من السلاح في لعبة “فورتنايت”، فهي بمثابة دورة تدريبية للأشخاص لكيفية شراء واستعمال أنواع حقيقة من السلاح يستخدمونها بشكل افتراضي داخل اللعبة إلا أنه ينتهي بهم الأمر بأن يكونوا على دراية بأنواع السلاح وكيفية استخدامها، كما يسهل عليهم أيضًا فرصة التواصل مع بائعي السلاح على شبكة الإنترنت من خلال التواصل معهم عبر اللعبة.
أصبح لما هو معروف بـ “الجيمرز” أو “Video Gamers” سيط واسع وشائع في أغلب البلاد العربية وتحديدًا بلاد الخليج العربي التي تترأسها السعودية في شهرة وتأثيراً للاعبي الفيديو المعروفين الذين يخصصون لأنفسهم قنوات على يوتيوب تشرح طريقة ألعاب الفيديو وكيفية الفوز وبيع إكسسوارت وأجهزة اللعب من خلال مسابقات يصممها صاحب القناة، والتي لا تميل دومًا لاستغلال الأطفال، إلا أنها إن لم تكن تستغلهم نفسيًا وتدفعهم للانتحار، فسوف تستغلهم لكسب الأموال من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وتزيد من حالات اضطراب ألعاب الفيديو العقلي.
تحصر كثير من الحكومات دورها في رقابة الإنترنت على حجب بعض المواقع الصحفية والمحتويات المعرفية أو السياسية، إلا أنها لا تبالي بمحتويات قد تضر الأطفال والشريحة المعرضة للاستغلال من قبل وسائل التواصل الاجتماعي أو ألعاب للفيديو كما حدث مع لعبة “الحوت الأزرق” أو “فورتنايت”، وعلى الرغم من تصريح منظمة الصحة العالمية بأن للعبة ميول انتحارية واضحة ومنعها من التواجد على “آبل ستوزر” و “جوجل” إلا أنها مازالت متواجدة على الإنترنت بشكل حر دون رقابة أو حجب من السلطات المختلفة التي تكرس خاصية الحجب، لحجم محتويات أخرى لا يمكنها في يوم من الأيام أن تدفع طفلًا للانتحار.