انتظر التونسيون أكثر من سبع سنوات، حتى يشاهدوا القضاء المتخصص في العدالة الانتقالية ببلادهم ينظر في قضايا ضحايا ثورة الكرامة والياسمين التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي في الـ14 من شهر يناير/كانون الثاني 2011.
ملاحقة المخلوع ووزرائه
البداية كانت في مدينة سيدي بوزيد مهد الثورة، حيث بدأ القضاء المتخصص في المدينة التي تقع وسط البلاد، أمس الجمعة النظر لأول مرة في ملفات ضحايا الثورة التونسية التي كانت مهد ثورات جابت عديد من الدول العربية وكانت نتائجها سقوط بعض القادة الديكتاتوريين العرب في ليبيا ومصر واليمن.
وتتعلق قضية سيدي بوزيد، بمقتل متظاهرين اثنين وجرح 4 آخرين، خلال المواجهات الدامية مع قوات الأمن، 7 أيام بعد انطلاق الثورة، أي يوم 24 من ديسمبر/كانون الأول سنة 2010، في مدينة منزل بوزيان التي تبعد 60 كيلومترًا عن مدينة سيدي بوزيد.
وقُتل مهندس المعلوماتية شوقي الحيدري البالغ من العمر 43 سنة خلال المواجهات، بعد 8 أيام من إصابته برصاصة في الكتف بجانب العمود الفقري، أما الضحية الثانية فهو الطالب محمد العمري البالغ 25 عامًا عقب إصابته برصاصتين في الصدر.
تعقد هذه المحاكم المتخصصة بعد تحقيقات قامت بها هيئة الحقيقة والكرامة التي أوكلت لها مهام “كشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان”
يوجد في هذه القضية 11 متهمًا، بينهم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ووزير داخليته آنذاك رفيق الحاج قاسم ومسؤولون بالأمن التونسي، وقد وجهت للمتهمين تهم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ومحاولة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وفقًا لمحامي الضحايا.
وكان القضاء العسكري والمدني ينظر سابقًا في قضايا شهداء وجرحى الثورة، لكنها المرة الأولى التي يتكفل فيها القضاء المتخصص في سيدي بوزيد بفتح ملفات القضية، كما يباشر القضاء المتخصص في محافظة القصرين (غرب)، المجاورة لسيدي بوزيد، النظر بالتوازي في ملف مقتل 20 شخصًا في المنطقة خلال فترة الاضطرابات.
وأُحدثت “هيئة الحقيقة والكرامة” في 2014 لإنصاف ضحايا سنوات الاستبداد الطويلة التي عرفتها تونس، وهي تملك سلطة إحالة المسؤولين المفترضين عن حالات قتل واغتصاب وتعذيب وفساد إلى المحاكم.
القضية السادسة أمام القضاء المتخصص
تعدّ قضية مقتل المتظاهرين بسيدي بوزيد، القضية السادسة التي ينظر فيها القضاء المتخصص في الملفات المقدمة، من هيئة الحقيقة والكرامة، المكلفة بالعدالة الانتقالية، وقد خصصت الملفات الخمس الأولى لقضايا الموت تحت التعذيب التي كان ضحيتها إسلاميون ويساريون معارضون لنظام بن علي الديكتاتوري.
تعقد هذه المحاكم المتخصصة بعد تحقيقات قامت بها هيئة الحقيقة والكرامة التي أوكلت لها مهام “كشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان” الحاصلة منذ الأول من يوليو/تموز 1955، أي بعد نحو شهر من حصول تونس على الحكم الذاتي من الاستعمار الفرنسي، وحتى 31 من ديسمبر/كانون الأول 2013، وتشمل هذه المرحلة فترات حكم الرئيس التونسي الأول الحبيب بورقيبة والرئيس زين العابدين بن علي، وكذلك بعض الحكومات بعد ثورة 2011 التي أطاحت ببن علي.
أم أحد الضحايا ترفع صورة ابنها في أثناء المحاكمة
وأنشأت تونس 13 محكمة مختصة للنظر في الملفات التي ستقدمها هيئة الحقيقة والكرامة وفي كل البراهين والأدلة والشهادات على تجاوزات حقوق الإنسان والفساد التي تكشف تورط مسؤولين في النظام السابق وكانت انطلقت في جمعها منذ 2014.
وبدأت أولى المحاكمات المتخصصة في محافظة قابس بجنوب تونس نهاية شهر مايو/أيار الماضي، وتتعلق القضية بقتل الإسلامي والعضو في حركة النهضة كمال المطماطي الذي تم توقيفه في 7 من أكتوبر/تشرين الأول 1991 بمحافظة قابس وعُذب حتى الموت في السجن، ولم تتمكن عائلته من استرجاع جثته، بعد أن تمّ دفنه في إحدى الخرسانات.
قبلت هيئة الحقيقة والكرامة في تونس أكثر من 62 ألف ملف وحولت 32 ملفًا منهم للقضاء المتخصص في العدالة الانتقالية وكان أولها ملف كمال المطماطي الذي قدمته في مارس/آذار الماضي لمحكمة محافظة قابس للنظر فيه.
قائمة شهداء وجرحى الثورة لم تصدر بعد
رغم بداية النظر في قضايا ضحايا الثورة، فإن السلطات التونسية لم تحصر بعد قائمة شهداء وجرحى الثورة، وكان رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، قد وعد التونسيين في الذكرى السابعة للثورة 14 من يناير/كانون الثاني 2018 بإصدار القائمة الرسمية لشهداء الثورة في نهاية شهر مارس/ آذار، إلا أنه لم يفعل ذلك إلى الآن.
تشعر عائلات شهداء الثورة وجرحاها بالذل والمهانة نتيجة التهميش وعدم الاعتراف بأبنائهم
كثيرًا ما تنظم عائلات الشهداء والجرحى تحركات احتجاجية، للمطالبة بإعلان قائمة الذين استشهدوا في الثورة التونسية وتكريمهم وإعادة الاعتبار لتضحياتهم في سبيل الحرية، رغم تأكيد رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية توفيق بودربالة، أن القائمة جاهزة منذ 2015، وسلمها إلى رئيس البلاد ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان حتى تُنشر في الجريدة الرسمية للبلاد.
وترجع عائلات جرحى وشهداء الثورة ومحاموهم هذا التأخير في إصدار القائمة النهائية، إلى غياب الإرادة السياسية، فبوجودها فإن القائمة سوف تصدر، وفق تأكيدهم، ويرى التونسيون أن إصدار هذه القائمة يمثل رد اعتبار للثورة واعتراف رسمي من الدولة بها.
ويقول نشطاء حقوقيون إن الأرقام التي بحوزتهم تشير إلى وجود 368 شهيدًا بين مواطنين مدنيين وأمنيين، من بينهم 319 شهيدًا مدنيًا، كذلك، إلى جانب وجود أربعة آلاف جريح في الثورة، ويؤكد هؤلاء ضرورة تخليد ضحايا الثورة لأهمية الأمر في إنجاح مسار الديمقراطية في البلاد، خاصة أن البعض لا يعترف بشهداء الثورة التونسية.
احتجاجات لأهالي الضحايا للمطالبة بإنصافهم
تشعر عائلات شهداء الثورة وجرحاها بالذل والمهانة نتيجة التهميش وعدم الاعتراف بأبنائهم الذين ضحوا بحياتهم من أجل الثورة التونسية، وتبرر السلطات التونسية التأخير في نشر القائمة النهائية بتواصل دراسة الملفات والتقصي في إعداد قائمة الشهداء والجرحى، حتى تكون القائمة صحيحة.
وسبق أن صدرت قوائم شابتها شبهات فساد، بسبب شهادات طبية مزوّرة لبعض الجرحى الذين أرادوا أن يكونوا جزءًا من جرحى الثورة للحصول على تعويضات، إضافة إلى مشاكل أخرى حالت دون صدور القائمة النهائية للجرحى.