عاد ملف المصالحة الفلسطينية الداخلية يتصدر المشهد السياسي، بعد محاولة جديدة من الوسيط المصري والحصري لهذا الملف، بعد توقف استمر لشهور طويلة، استغلته حركتا فتح وحماس في تبادل الاتهامات والردح الإعلامي.
الدعوة المفاجئة التي وجهت لوفد حركة حماس لزيارة القاهرة الأربعاء الماضي، علق عليها الفلسطينيون بعض الأمل بوجود تحرك أو رؤية مصرية جديدة تنهي هذا الملف العالق والشائك منذ العام 2007، لكن الواقع حطم تلك الآمال وأبقاها معلقة في السماء.
وفد حركة حماس عاد الجمعة من القاهرة وأصدر بيانًا غامضًا عن الزيارة ونتائجها، في حين رأى محللون ومراقبون أن بيان حماس المتواضع يؤكد أن الأمور لا تزال تراوح مكانها وأن مدير جهاز المخابرات المصرية اللواء عباس كامل لم يحقق أي تقدم في هذه الجولة، لتضاف للسجل المصري المليء بالفشل بهذا الملف.
فشل جديد
جاءت جولة المصالحة الجديدة التي تعد أكثر أهمية من سابقاتها خاصة في ظل تشديد الاحتلال الإسرائيلي لحصاره على قطاع غزة من ناحية، ومحاولات نزع غزة من الجسد الفلسطيني بإغراءات تحمل طابعًا إنسانيًا وإغاثيًا، وفي حقيقتها جزءًا من مخططات لتصفية القضية الفلسطينية وقرب طرح “صفقة القرن”.
أكد المسؤول المصري أن اللقاء كان جادًا وناقش العديد من ملفات المصالحة العالقة وعلى رأسها قطاع غزة وحصاره وتمكين حكومة التوافق من ممارسه مهامها
وأصدر وفد حركة حماس في القاهرة بيانًا صحفيًا الجمعة، عقب لقاءات أجراها مع قيادة جهاز المخابرات العامة المصري، وذكر البيان أن وفدًا من قيادة حماس برئاسة العاروري غادر القاهرة، بعد أن استكمل لقاءاته مع اللواء عباس كامل وزير المخابرات المصرية وقيادة الجهاز.
كما أشار البيان إلى أنه “جرى نقاش معمق وبناء في أجواء إيجابية حول العديد من القضايا المهمة وخاصة التطورات السياسية والأخطار المحدقة بالقضية الفلسطينية وسبل إنهاء معاناة شعبنا وخاصة في قطاع غزة جراء الحصار الظالم، وسبل مواجهة المخاطر المحدقة بالقضية وآليات إنهاء معاناة شعبنا الفلسطيني في غزة”.
مسؤول في وزارة الخارجية المصرية كشف بعض التفاصيل التي جرت خلال لقاء رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، مع وفد حركة حماس الذي ترأسه نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري.
وأكد المسؤول المصري، أن اللقاء كان جادًا وناقش العديد من ملفات المصالحة العالقة وعلى رأسها قطاع غزة وحصاره وتمكين حكومة التوافق من ممارسه مهامها، والعقوبات التي يواصل الرئيس محمود عباس فرضها على غزة منذ أبريل من العام 2017، وملف تبادل الأسرى.
وأوضح أن رئيس جهاز المخابرات المصرية استمع لرؤية ومطالب حماس لتحقيق المصالحة، وكذلك أجرى لقاءات مع قيادات فتحاوية لمناقشة ذات الملفات إلا أن الفجوات كانت متباعدة بين الحركتين، وإمكانية تحقيق مصالحة حقيقة في وقت قريب لا تزال بعيدة.
ولفت المسؤول إلى أن وفد حركة فتح أبلغ اللواء كامل بأن الرئيس عباس يضع شرطًا أساسيًا مقابل رفع عقوباته عن غزة بتمكين الحكومة من عملها دون أي شروط أو عقبات من حماس، وهو الأمر الذي تعتبره الأخيرة “مضيعة للوقت” وخارج مضمون المصالحة كونها تركت غزة وملفاتها العالقة بأكملها وديعة لمصر في الاتفاق الأخير والرئيس الفلسطيني تهرب منه.
شهدت العلاقات بين الحكومة المصرية وحركة حماس تحسنًا ملحوظًا بعد عدة زيارات لقادة الحركة للقاهرة، نتج عنها فتح معبر رفح البري، وإقامة منطقة عازلة بين غزة ومصر
المسؤول المصري ذكر أيضًا أن مدير جهاز المخابرات تعامل بنوع من “الحزم” هذه المرة مع ملف المصالحة، وأبلغ الحركتان بأن أمامهما فرصة جديدة وقد تكون الأخيرة في إحراز تقدم بملف المصالحة، خاصة بعد عدم إحراز اللقاء الذي جرى قبل أيام في القاهرة أي تقدم وفشل في تحقيق أهدافه بإزالة عقبات المصالحة الفلسطينية القائمة.
وتأتي زيارة وفد حماس للقاهرة بعد أن أصدر رئيس جهاز المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، في 3 من يوليو الجاري قرارًا بتعيين اللواء أحمد عبد الخالق مسؤولًا عن الملف الفلسطيني في الجهاز، بديلًا عن اللواء سامح نبيل.
حيث شهدت العلاقات بين الحكومة المصرية وحركة حماس تحسنًا ملحوظًا بعد عدة زيارات لقادة الحركة للقاهرة، نتج عنها فتح معبر رفح البري وإقامة منطقة عازلة بين غزة ومصر، إضافة إلى أحاديث عن تدخل مصري للوساطة بين حماس و”إسرائيل” لإتمام صفقة تبادل أسرى.
وفي ذات السياق، قال رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية المختص في الشؤون الفلسطينية أشرف أبو الهول، إن وفد حركة حماس في القاهرة تداول مع المخابرات المصرية، أفكارًا خاصة بالمصالحة، وإنهاء حصار غزة، وحل أزماتها الاقتصادية، إضافة إلى أفكار تتعلق بتبادل الأسرى مع الاحتلال الإسرائيلي. وأوضح أبو الهول، أن الحوار الرئيس بين الجانبين تركّز حول المصالحة وإنهاء معاناة غزة، مشيرًا إلى وجود مقترحات قدمتها حركة فتح إلى حماس عبر الوسيط المصري.
المشهد الأخطر
أبو الهول وصف أجواء المناقشات في القاهرة بالإيجابية، وقال: “المطلوب أن يكون هناك تنفيذ على الأرض، وتخلي كل طرف (حماس وفتح) عن مخاوفه بشأن المصالحة والعمل من أجل مصلحة فلسطين”، مضيفًا “مطلوب من مصر أن تعمل على توحيد الصف الفلسطيني، ومن جانب آخر أن تضغط على كل القوى الفلسطينية وأبناء الشعب الفلسطيني لتحقيق هذا الهدف”.
رأى المحلل السياسي مصطفى الصواف أن مساعي مصر الجديدة لتحقيق المصالحة من خلال حل المشاكل العالقة في هذا الملف ينبع من مصالح مصرية أيضًا إلى جانب دور مصر لتحقيق الوفاق الفلسطيني
وأوضح أبو الهول أن القيادة المصرية تواصل جهودها في تحقيق المصالحة الفلسطينية ونصرة القضية الفلسطينية، لأن فلسطين وغزة تحديدًا خاصرة لمصر، عدا عن الأهمية الكبرى لها ولرمزيتها بالقدس، لافتًا إلى أن مصر تعمل على مدار قرن من أجل صالح الشعب الفلسطيني وقضيته.
من جانبه حذر المحلل السياسي صلاح عبد الجواد من فشل حركتي فتح وحماس في التوصل لاتفاق سياسي يضع حدًا لسنوات الانقسام الفلسطيني لما ذلك من انعكاسات أكثر سوءًا على المشهد الفلسطيني بمختلف مكوناته، مبينًا أن فشل الجولة الحاليّة من الحوارات لإتمام الوحدة يمثل فعليًا ضربة قاضية للمشروع الوطني الفلسطيني.
إلا أن عبد الجواد ورغم “قتامة” مشهد المصالحة بسبب التصريحات “التوتيرية” التي صدرت عن قادة الحركتين مؤخرًا، يرى أن فرص التصالح وإتمام الوحدة موجودة وبقوة وذلك نتيجة لعوامل عدة أهمها مجابهة “صفقة القرن” ومحاولة الاحتلال الاستفراد بكل من الضفة المحتلة وقطاع غزة كلًا على حدة، وما يتنبه له القادة السياسيون في الفصائل الفلسطينية.
بدوره رأى المحلل السياسي مصطفى الصواف، أن مساعي مصر الجديدة لتحقيق المصالحة من خلال حل المشاكل العالقة في هذا الملف ينبع من مصالح مصرية أيضًا إلى جانب دور مصر لتحقيق الوفاق الفلسطيني.
وقال الصواف إن “الدعوة ضمن محاولة مصرية لتحقيق المصالحة، وهذا يستند إلى مصالح مصرية ففي النهاية تريد مصر تحقيق الاستقرار في المنطقة والبقاء كلاعب أساسي في القضية الفلسطينية التي تحظى باهتمام جميع العالم”.
وأكد الصواف نوايا مصر الصادقة لتحقيق المصالحة، ولكنه أشار إلى أن على مصر لجم تصريحات قادة حركة فتح التي تؤكد أنها لا تريد المصالحة، مضيفًا: “على ما يبدو فإن التصريحات التي سبقت الزيارة وخاصة تصريحات مسؤول ملف المصالحة في حركة فتح عزام الأحمد، تؤكد أنها ليست ماضية نحو المصالحة بل نحو إقصاء الآخر”.
لم يستبعد الصواف أن الاجتماع بين مصر والأحزاب الفلسطينية سيناقش أيضًا صفقة القرن الأمريكية، وقال: “باعتقادي أن من يحدد نجاح أو فشل هذه الصفقة هو الشعب الفلسطيني وهو صاحب الكلمة الأخيرة”
ولفت النظر إلى أن الأيام القادمة ستكشف طبيعة الحلول في جعبة مصر لإنهاء ملف الانقسام الفلسطيني، ولكنه شدد على أن حماس لا يمكن أن تتخلى عن حقوق موظفيها التي أُثبتت في محاضر اجتماعات واتفاقات المصالحة الفلسطينية السابقة وخاصة اتفاق القاهرة 2011، واتفاق الشاطئ 2014.
ولم يستبعد الصواف أن الاجتماع بين مصر والأحزاب الفلسطينية سيناقش أيضًا صفقة القرن الأمريكية، وقال: “باعتقادي أن من يحدد نجاح أو فشل هذه الصفقة هو الشعب الفلسطيني وهو صاحب الكلمة الأخيرة”.
ويسود الانقسام السياسي، منذ منتصف يونيو 2007 في أعقاب سيطرة حماس على غزة بعد فوزها بالانتخابات البرلمانية، في حين تدير حركة فتح التي يتزعمها رئيس السلطة محمود عباس، الضفة الغربية.
وتعذّر تطبيق العديد من بنود اتفاق المصالحة الموقعة بين الحركتين، التي كان آخرها بالقاهرة في 12 من أكتوبر 2017 بسبب نشوب خلافات بشأن قضايا، منها تمكين الحكومة وملف موظفي غزة الذين عينتهم حماس في أثناء فترة حكمها للقطاع.