أقامت “بنفسج”، وهي منظمة مجتمع مدني إغاثية وتنموية تنشط بشكل أساسي في الشمال السوري، دوريًا للألعاب البارالمبية لذوي الاحتياجات الخاصة في الملعب البلدي بمدينة إدلب، بمشاركة أكثر من 330 لاعبًا يختبرون إعاقات مختلفة، وذلك يوم 26 أغسطس/ آب الجاري، الذي يسبق دورة باريس للألعاب البارالمبية بيوم واحد.
شارك في الدوري لاعبون من كافة مناطق الشمال السوري، من جرابلس وعفرين ومناطق ريف حلب وغيرها، وقد ساهم ذوو الهمم بإشعال شعلة البداية وانطلاق الألعاب، كما تضمّنت الدورة مشاركة نسائية.
وشهد الدوري عروضًا مسرحية وقصص نجاحٍ ألقاها ذوو الهمم، وقد لاقت تفاعلًا واسعًا من الجماهير الحاشدة.
محاكاة دوري باريس
وقالت فاطمة عمرو العاملة في إدارة الحالة في حماية الطفل ضمن المنظمة لـ”نون بوست”، إنّ “منظمة بنفسج فضّلت إقامة هذا الدوري للألعاب البارالمبية قبل دوري الألعاب البارالمبية في باريس بيوم واحد، وذلك لتحاكي الدورة دورة باريس رغم إمكانياتنا المحدودة، حتى ننقل هذه الأنشطة إلى كافة دول العالم”.
وأوضحت أن “تدريبنا للمشاركين استمر لأكثر من شهر في الملعب ليلًا نهارًا، في ظل درجات حرارة مرتفعة للغاية، هدفنا الأساسي من إقامة هذا الدوري هو زيادة قوتهم وإصرارهم على الحياة، ودمج ذوي الهمم في المجتمع وتحفيزهم على ترك أثر فيه”.
وقدمت المنظمة الراعية للدوري جوائز معنوية للاعبين المشاركين، والتي تتضمن معدّات لوجستية يحتاجها الشخص الذي يعاني من إعاقة جسدية، كما تكفّلت المنظمة بمواصلات المشاركين وحضورهم.
أنشطة للجميع
وعبّر عمار الخلف، الذي يعاني من إعاقة حركية، وهو أحد المشاركين في الأولمبياد بألعاب القوى البدنية والسباحة، في حديث مع “نون بوست” عن رغبته في ترك أثر في المجتمع، وقال إن “المجتمع همّش أصحاب الهمم رغم قدرة معظمهم على المساهمة في بنائه”.
وأضاف: “أصحاب الهمم بحاجة ماسّة إلى مثل هذه النشاطات التي تمنحهم جوًا جيدًا للخروج من الحالة النفسية التي ترافقهم، لا سيما أن المجتمع حرمهم من حقوقهم في إبراز أنفسهم للعالم”.
وقد شارك بطل كمال الأجسام، باسل صواب، في دوري الألعاب البارالمبية، حيث يعاني باسل من الشلل منذ كان في عامه الثاني، واعتبر باسل أن “المعاق ليس من يعاني من إعاقة جسدية بل من يقاسي مشاكل في طريقة تفكيره”.
بدوره، رأى عدي عثمان، أحد ذوي الهمم والمشرف على الألعاب البارالمبية، أن “نشاط كرة الجرس مخصص للأشخاص من ذوي الإعاقة البصرية، وهي عبارة عن كرة قدم تتضمن أجراسًا في داخلها ليستدل اللاعب على اتجاه ومكان الكرة من صوتها”.
وأضاف عدي لـ”نون بوست” أن “هذا الدوري يتيح المشاركة للمكفوفين بعدة ألعاب مثل كرة الجرس ورمي الرمح ورفع الأثقال والسباحة ورمي القرص الحديدي، أما المشاركين من ذوي الإعاقة الحركية والشلل فيمكنهم المشاركة بكافة أنواع الرياضات، مثل كرة السلة والسباق على الكراسي والدراجات الهوائية ورفع الأثقال وألعاب القوى الحديدية، إضافةً إلى كرة الطائرة”.
عروض مسرحية وقصص ملهمة
وجرى افتتاح الدوري بعرض مسرحي يروي ويختصر الحكاية السورية، تتبعه مشاركات ذوي الهمم لقصصهم الملهمة التي تتيح في ختامها الفرصة لافتتاح مباراة وديّة لكرة الجرس لأصحاب الإعاقة البصرية.
وقال إياد أبو الهوس، أحد المشرفين على دوري البارالمبية، لـ”نون بوست” إن “هذا الدوري يتضمن فقرة مميزة تحت مسمّى “فقرة قصة حياتي”، والتي يروي فيها أشخاص من ذوي الهمم قصته بعد أن أُصيب أو فقد شيئًا من أعضائه أو حواسه”.
وقد شارك حمدو سلات (يختبر إعاقة حركية) من مدينة بنش قصته في البارالمبية، وقال: “كنت أسمع كلمة “عاجز” رغم أني بطل العالم برفع الأثقال وبطل دورة آسيا، حملت أثقال لم يحملها أي معوّق آخر”.
وأضاف: “طموحي أن أعيد زمن النجاحات إلى سوريا لو أن الفرص متاحة”، ويشدد حمدو أن الألم الذي عايشه كان دافعًا له لتحقيق مزيد من البطولات والنجاحات.
مشاركة نسائية
شاركت النساء في الدوري بمختلف الألعاب الرياضية، وحكت براءة جفروني في حديث مع “نون بوست” أنها “تعرضت للإصابة عام 2015، ما أدى إلى بتر طرفها السفلي، وقد شاركت براءة في ألعاب القوى ورفع الأثقال وألعاب العقل والذكاء”.
وأضافت براءة: “نحن هنا لإيصال رسالة للعالم بأننا لسنا عالة على المجتمع، ولنا الحق بأن نشارك المجتمع بنشاطاته وأن نشارك أصواتنا وكلماتنا للعالم”.
دَوري دُوري
أسّس منسقو دوري الألعاب البارالمبية شعارًا للألعاب البارالمبية في المنطقة تحت مسمّى “دُوريّ”، تيمّنًا بطائر الدوري الذي لا يكفّ عن التحليق، وذلك لإيصال رسالة لذوي الهمم مفادها أنهم قادرون على التحليق بأجنحتهم إلى حيث أرادوا.
قصص ذوي الهمم
عدي عثمان حكى قصته قائلًا: “حلمتُ بأن قدمي مقطوعة، استيقظت فوجدتُ قدمي مكانها، وفجأة وقع سقف بيتي فوق رأسي، بدأت فيما بعدها برحلات للعلاج من مشفى إلى مشفى وصولًا إلى تركيا، حتى شفيت ورافقني بتر أحد أطرافي إثر الحادثة، لكنني بدأت رحلة مريرة مع المجتمع وتنمّر أفراده ونظراتهم، لكنني لم أستسلم إذ واجهت المجتمع وتابعت دراستي وتخرجت من الجامعة”.
وعن قصتها، تقول فاطمة المصطفى إنها “كانت تتسوق مع والدتها لشراء ملابس العيد، حين أغارت طائرات النظام وقصفت المنطقة، ما أدى إلى بتر في طرفها السفلي”.
اختتم منظمو الألعاب البارالمبية الحفل بإطلاق الألعاب النارية والألعاب المضيئة وغيرها، للاحتفال بإنجازات وقدرات ذوي الهمم المشاركين في هذا الدوري، الذي يمثّل نموذجًا عن إرادة الحياة في الشمال السوري المحرر.