قاضي الحكم على عناصر “داعش” في العراق: “ليسوا بشرا بل آلات قتل!”

imagen-sin-titulo_1

ترجمة وتحرير: نون بوست

سيقرر القاضي رائد حامد المصلح مصير عشرات آلاف المتطرفين من بين عناصر تنظيم الدولة، الذين قاموا بتدمير الموصل شمال العراق، بعد أن أحكموا قبضتهم على المدارس والمستشفيات والجامعات. وخلال تلك الفترة، قام عناصر تنظيم الدولة باغتصاب آلاف النساء والقاصرات، وحولوا الأطفال الصغار إلى مجرمين، خاصة بعد أن سلموهم أسلحة “كلاشينكوف” وقاموا بتحريضهم على القتل دون شفقة.

بعد أن بقيت جميع مشاهد الرعب والمجازر راسخة في ذهن قاضي عناصر تنظيم الدولة في نينوى، إلى جانب بشاعة الصور التي احتفظ بها في حاسوبه الخاص؛ يبدو مصير عناصر تنظيم الدولة واضحا للغاية بالنسبة لرئيس قسم مكافحة الإرهاب في محكمة العقوبات في نينوى.   

في حديثه عن عناصر تنظيم الدولة الذين ألحقوا الكثير من الضرر بالشعب العراقي وباقي العالم، تساءل رائد حامد المصلح بشكل حازم ودون خوف “هل يوجد في العالم مجتمع على استعداد لقبول أشخاص دون مشاعر؟”. وأضاف القاضي “إنهم ليسوا بشرا، بل آلات قتل، لا يجب منحهم فرصة أخرى للعيش لأنهم يمثلون خطرا على العالم. وخير دليل على ذلك تجرؤهم على قتل غيرهم من البشر دون التردد ولو لدقيقة واحدة، بمجرد أن تقول لهم إن هذا الشخص “خائن”. لذلك، لم يتبق لهؤلاء الأشخاص أي حقوق غير المشنقة، فهم يستحقون الموت”.

أوضح القاضي “يتمثل الجانب الأكثر تعقيدا بالنسبة لي، باعتباري كائنا بشريا، في الاستماع إلى ضحاياهم، على غرار بعض الأطفال الذين لم يتجاوز عمرهم السبع سنوات لكنهم قاموا بالفعل بقتل أشخاص آخرين”. 

عند سؤال القاضي عن مدى “أخلاقية” هذا النوع من الأحكام التي أصدرت في حق عناصر تنظيم الدولة، أجاب رائد منتقدا “نتعرض للانتقاد من قبل الأوروبيين بسبب أحكام الإعدام الصادرة عن محاكمنا، لأنهم لم يشهدوا المجازر التي ارتكبها تنظيم الدولة، ناهيك عن أنهم ليسوا بالجهات المعنية بالحكم على هؤلاء القتلة”.

في حوار للقاضي مع صحيفة “الكونفدنسيال” الإسبانية، أشار المصلح إلى الصعوبات التي يمكن أن تواجه أحد القضاة عند الحكم على أحد عناصر تنظيم الدولة. وهي المهمة التي شرعت فيها المحاكم العراقية بعد تحرير الموصل، معقل تنظيم الدولة الرئيسي في العراق، منذ سنة تقريبا. وأوضح القاضي “يتمثل الجانب الأكثر تعقيدا بالنسبة لي، باعتباري كائنا بشريا، في الاستماع إلى ضحاياهم، على غرار بعض الأطفال الذين لم يتجاوز عمرهم السبع سنوات لكنهم قاموا بالفعل بقتل أشخاص آخرين”.

في سياق متصل، أضاف القاضي “من بين الضحايا الآخرين الذين يؤلمني الاستماع لهم، الفتيات البالغات من العمر تسع سنوات اللاتي كن عبيدا لدى قادة تنظيم الدولة، واللاتي تعرضن إلى الاغتصاب ووجدن أنفسهن حوامل. ولا يمكن السهو عن حالات النساء اللاتي تعتبر عائلاتهن الآن أنهن ارتكبن جرائم مخلة بالشرف، لأنهن كن خاضعات للرغبات الجنسية للمتطرفين”. في الأثناء، كان القاضي يبحث عن مقطع فيديو لفتاة إيزيدية تعرضت للتعذيب على يد عناصر تنظيم الدولة، مما دفعه إلى البحث عنها بنفسه.


رائد حامد المصلح خلال حوار أجري معه في مقر لاهاي.

في حديثه عن حالة هذه الفتاة المأساوية، أورد القاضي “لقد تعرضت هذه الطفلة للبيع في سوق العبيد، وقد اشتراها أحد أمراء تنظيم الدولة، الذي يبلغ من العمر 60 سنة. إن ابنتي في سنها، وأدرك أنها لا زالت في سن الطفولة ولا تفهم ما الذي يحدث من حولها”. كما أظهر القاضي صور الفتاة التي تحدثت في مقطع فيديو باللغة العربية عن كيفية تظاهرها بأنها مواطنة تركية للتمكن من الفرار إلى هذا البلد المجاور.

في حقيقة الأمر، عبرت هذه الفتاة الحدود رفقة “مالكاتها” وهن مجموعة من النساء الأجنبيات تزوجن في السابق من قادة تنظيم الدولة، مما جعل منها عبدة لهن. ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أصبحت هذه الفتاة تعيش مع عمها، بعد خضوعها لتحليل الحمض النووي. وقد توفي أب الفتاة الإيزيدية على يد عناصر تنظيم الدولة، كما فقدت والدتها وتجهل مصيرها إلى حد الآن. وأكد القاضي أن “بعض المعلومات التي وردته تؤكد أن والدة الفتاة قد توفيت أيضا”.

أكد القاضي،  أن “القانون يشترط أن يتم إرسال جميع الأجانب إلى بغداد كي يكونوا على مقربة من سفارات بلدانهم، مع الاستمرار في التحقيق في تورطهم في الهجمات الإرهابية”

قوانين مختلفة لكل حالة

وفقا للأرقام التي تم الكشف عنها في محافظة نينوى، التي يشرف فيها القاضي رائد على محاكمة عناصر تنظيم الدولة، تبين أنه منذ تحرير الموصل تم القبض على حوالي 13.133 مشتبها فيهم بتهمة القتال بين صفوف تنظيم الدولة. ومن بين هذه المجموعة، سجل وجود 686 قاصرا، و127 امرأة عراقية، و636 أجنبية من جنسيات مختلفة أوروبية وآسيوية. وبعد التحقيق مع هذه المجموعة، تم اعتقال حوالي 2.226 شخصا لتتم محاكمتهم في قضايا جنائية في نينوى، بينما تم الإفراج عن 2.226 شخصا بسبب عدم وجود أدلة ضدهم.

من جهة أخرى، أكد القاضي، الذي لم يطلعنا على العدد الإجمالي للمعتقلين من غير العراقيين، أن “القانون يشترط أن يتم إرسال جميع الأجانب إلى بغداد كي يكونوا على مقربة من سفارات بلدانهم، مع الاستمرار في التحقيق في تورطهم في الهجمات الإرهابية”. وفي الوقت الراهن، تم إصدار أحكام في حق 1.373 شخصا في نينوى. وقد تنوعت هذه الأحكام من الإعدام إلى السجن المؤبد، أو سنوات متفاوتة من السجن. ومن بين هذه المجموعة، كان هناك 12 امرأة، أرسلت اثنان منهن إلى حبل المشنقة”.


 محكومون بالإعدام بتهم الإرهاب في مقر وزارة العدل في بغداد، في 29 حزيران/ يونيو سنة 2018.

أما مصير الأصغر سنا من بين المعتقلين فهو مراكز إعادة التأهيل، حيث يخضعون للعديد من الإجراءات والعلاج على يد أطباء أطفال ومعالجين نفسيين، ولا يتم الحكم عليهم بالسجن طبقا للقانون 76/1983، بحسب ما يؤكده هذا القاضي. في المقابل، يتطلب التعامل مع ملف أبناء المتشددين في خطوة أولى الاتصال بالجهات الحاضنة، وفي العديد من الحالات يؤكدون أن والدي الطفل القاصر قد فارقا الحياة.

شرح لنا رائد المصلح هذا الأمر قائلا إن “محاكمات الأطفال تتطلب تحضيرات خاصة، منها وجود طبيب نفسي وموظف الخدمة الاجتماعية، وهناك أيضا قاض خاص بالقصر يتعامل مع مثل هذه الحالات. كما يتم عزل القصر بشكل كامل عن البالغين وعن وسائل الإعلام، فنحن نسعى لإعادة إدماجهم في المجتمع، ومساعدتهم على طي هذه الصفحة من ماضيهم والتمتع بحياة جديدة، لذلك إن اختلاطهم مع المتهمين الأكبر سنا أو وسائل الإعلام لن يساعدهم على تجاوز هذه المحنة”.

قال القاضي “نحن لا نقوم بمحاكمات سريعة وصورية، فالنظر في ملف كل شخص من هؤلاء وحتى النساء والأطفال، يستمر لعدة أشهر”

في الواقع، تنطبق الأوضاع ذاتها على النساء، حيث أكد لنا هذا القاضي أن “كل ما تفعله الجهات القضائية العراقية هو تطبيق القانون، الآن وخلال السنوات الماضية، يتم التعامل مع هذه القضايا بشكل عقلاني، إذ أن النساء اللواتي تورطن في مناطق القتال بسبب اصطحابهن من قبل الأب أو الأخ أو الزوج يمكنهن بكل سهولة إثبات أن ولي الأمر أجبرهن على الانضمام للتنظيم الإرهابي. وعندها يتم الصفح عنهن طبقا للقانون، لأنهن غير مسؤولات بشكل قانوني عن أعمالهن. نحن نحترم ما ينص عليه القانون العراقي، ولكن يجب عليهن أولا أن يثبتن أنهن لا يحملن نفس إيديولوجيا الرجال المرافقين لهن”.

بالنسبة للتطهير العرقي: “لا مجال للصفح”

قال القاضي “نحن لا نقوم بمحاكمات سريعة وصورية، فالنظر في ملف كل شخص من هؤلاء وحتى النساء والأطفال، يستمر لعدة أشهر، حيث نقوم بالاستماع للشهود ونبحث عن الأدلة ونأخذ بعين الاعتبار الضرر الحاصل. أما فرض أقصى العقوبات، فهو أمر لا نلجأ إليه بكثرة في هذه المحاكمات، لأنه مخصص فقط لأصحاب المناصب العليا في التنظيم الإرهابي. ولا يتجاوز عدد المحكومين بأقصى العقوبات 13 بالمائة من جملة الأحكام الصادرة”. هكذا رد القاضي على الانتقادات الموجهة للعدالة العراقية، حول استخدام عقوبة الإعدام بشكل مكثف. كما أشار محدثنا إلى عضو في التنظيم عمل كطاه، لذلك حكم عليه بعشر سنوات سجن فقط.


لقطة من مقطع فيديو دعائي لتنظيم الدولة، يظهر فيها عملية إعدام جماعي في محافظة نينوى.

في المقابل، أضاف هذا القاضي أنه “لا مجال للصفح عن المذنبين بارتكاب جرائم تطهير عرقي ضد الطائفة اليزيدية، وهي أقلية دينية كردية في العراق. لقد مست الجرائم التي ارتكبوها من كرامة وشرف العديد من النساء اليزيديات، حيث اعتبروهن كافرات وفي درجة إنسانية أقل من البشر، وسمحوا لأنفسهم باغتصابهن وبيعهن في أسواق للجواري، بينما لا تزال العديد من هؤلاء النساء في عداد المفقودين”.

كما أضاف المصدر ذاته أن “هذه الممارسات هي في الحقيقة جرائم ضد الإنسانية، فقد استهدف التنظيم العديد من الفتيات اليزيديات، وقد خسر البعض الآخر عائلاتهن. وإلى حد الآن، لا تزال صور العديد من الفتيات معلقة في المبنى في المحكمة الجنائية في الموصل، في انتظار أن يأتي فرد من العائلة ويتعرف على أحد الوجوه”.

في هذا الإطار، أوضح محدثنا أن “المشكلة تظهر عندما يرفض أقارب الفتاة قبولها لأنهم يعتقدون أنها تمثل عارا على شرف العائلة، بعد أن تعرضت للاغتصاب. وفي العديد من الحالات، كنت مسؤولا عن مصير فتيات، وشعرت بالقلق من تسليمهن لباقي أفراد عائلتهن، لأنهم يمكن أن يقدموا على قتل الفتاة على خلفية تعرضها للاغتصاب والحمل. أما من الناحية النفسية، فهذه المحاكمات صعبة جدا، لذلك نطلب من الحكومة والمنظمات الإنسانية المشاركة في هذه الجلسات، وتقديم المساعدة والدعم الإنساني من أجل إعادة بناء كل ما دمره تنظيم الدولة”.

أورد القاضي أن “الجانب الإيجابي في العمل الذي نقوم به هو أن تحقيق العدالة بات أسهل، بسبب الخدمة التي قدمها لنا تنظيم الدولة دون أن يدري حين ترك لنا عددا كبيرا من مقاطع الفيديو والصور التي توثق جرائمه

لقد أكد لنا رائد المصلح أنه أمر بتشكيل لجنة خاصة لمعالجة ملف اليزيديين، لأن هذه الحالات حساسة ويصعب التعامل معها، ناهيك عن أن الجهود التي تبذلها مراكز رعاية الأيتام ووكالات الإغاثة لتأطير ضحايا التنظيم المتطرف غير كافية، حيث باتت بعض الفتيات خائفات من مخالطة المسلمين، وهو خوف مفهوم بعد التجربة التي تعرضن لها.

حيال هذا الشأن، أورد القاضي أن “الجانب الإيجابي في العمل الذي نقوم به هو أن تحقيق العدالة بات أسهل، بسبب الخدمة التي قدمها لنا تنظيم الدولة دون أن يدري حين ترك لنا عددا كبيرا من مقاطع الفيديو والصور التي توثق جرائمه، حيث كان مسؤولو الدعاية في التنظيم ينشرون هذه المواد ويعتبرونها دليلا على انتصارهم. والآن، يمتلك القضاء صورا للعديد من عمليات الإعدام، ويظهر فيها وجه الشخص الذي نفذ العملية”.

حسب ما أفاد به القاضي،  فإنه “حان الوقت ليدفع هؤلاء المجرمون ثمن جرائمهم، وسوف نتكفل بهذا الأمر على الرغم من حملة الانتقادات الأوروبية التي تم شنها ضد العدالة العراقية، بدعوى أنه يتم إصدار أحكام الإعدام دون توفير أركان المحاكمة العادلة”. هكذا رد هذا القاضي العراقي على حملة التشكيك الأوروبية، قبل إغلاق حاسوبه والتوجه للعودة للموصل لمواصلة سياسة القبضة الحديدية في التعامل القضائي مع كل من كانوا يدينون بالولاء لأبي بكر البغدادي.

المصدر: الكونفدنسيال الإسبانية