أثارت وفاة ريم حامد (29 عامًا)، طالبة دكتوراه مصرية في جامعة باريس ساكلي الفرنسية (Université Paris-Saclay)، قلقًا بين المصريين والعرب في فرنسا، وجدلًا على شبكات التواصل الاجتماعي، بعد أن تضاربت الأخبار حول سبب وفاتها في شقتها بالسكن الجامعي في فرنسا، لا سيما أنها كانت قد نشرت في أوقات سابقة تدوينات عبر حسابها على منصة فيسبوك، تقول فيها إنها مراقبة ومستهدفة من قبل جهة مجهولة، وتحتاج إلى حماية السلطات المصرية من خطر قد يهدد حياتها.
نستعرض في هذا التقرير تفاصيل وفاة ريم المبهمة والمريبة، وحقيقة التهديدات التي كانت تصلها، ونحاول فهم منشوراتها على مواقع التواصل الاجتماعي، كما نحاول فهم مجال أبحاثها التي كانت عاكفة عليه منذ سنوات.
وفي السياق، نعرّج على قصة العالمة المصرية الراحلة سميرة موسى، التي توفيت أثناء عملها على بحث في مجال الذرة خارج مصر، في ظروف استثنائية وغامضة مشابهة لما حصل لريم قبل عدة أيام.
كل ما نعرفه عن ريم ودراستها
توفيت ريم حامد في سكنها بفرنسا مساء يوم الخميس 22 أغسطس/ آب الجاري، حسب وزارة الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، وسط تكتُّم حكومي عن ظروف وفاتها.
إذ تناقلت حسابات غير موثوقة سقوطها من نافذة غرفتها في السكن الجامعي حيث تقيم، بينما تحدثت أخرى عن العثور عليها ميتة عند باب شقتها في السكن الجامعي، أثناء تحضيرها لرسالة الدكتوراه في مجال تنظيم التعبير الجيني، في معهد (I2BC) المتخصص في بحوث البيولوجيا التكاملية للخلية، والذي يتبع لجامعة باريس ساكلي العريقة، ومقرّه في مدينة جيف-سور-إيفيت جنوب غرب فرنسا، على بُعد حوالي 22 كيلومترًا عن وسط باريس.
ريم حاصلة على بكالوريوس في تخصص البايوتكنولوجي، من كلية الزراعة في جامعة القاهرة عام 2018، وانتقلت إلى فرنسا عام 2016 بعد حصولها على منحة برنامج إيراسموس، للدراسة في جامعة بادوفا في مجال التكنولوجيا الحيوية، جهّزت خلالها لشهادة الماجستير بدراسة عدة مواد مثل علم الأحياء الجزيئي المتقدم، وعلم الجينوم (علم الوراثة)، والتكنولوجيا الحيوية الصيدلية.
عادت إلى مصر عام 2019 لدراسة المعلوماتية الحيوية (Bioinformatics) في جامعة عين شمس، وبعد إتمامها لمرحلة الدراسات العليا (Postgraduate) لمدة عام، أصبحت مستعدة للتقدم لدراسة شهادة الماجستير في علم المورثات (Genome Sciences) من جامعة باريس سكلي ما بين عامَي 2020 و2022.
حقيقة تلقيها تهديدات
تحدّثت ريم في الشهرين الماضيين عدة مرات عبر حسابها على فيسبوك، عن تعرضها لمضايقات وتهديدات تتعلق بالأبحاث التي تجريها من أشخاص لم تسمّهم، وألمحت إلى أنهم ينتمون إلى جهة عملها.
تحدثت أيضًا في منشوراتها التي حُذفت بعد وفاتها، عن شعورها بأنها مراقبة طوال الوقت داخل الحرم الجامعي، وأنها بأشد الحاجة لتبليغ الجهات المعنية في مصر، فكتبت في واحد من المنشورات: “أنا تحت المراقبة وأجهزتي مخترقة، وفوق هذا يتم حاليًا إجباري للسكوت والصمت وعدم التبليغ”. وأشارت إلى أنها في حال استمرارها العمل تحت هذه الظروف، فإنها ستكون متورطة في جريمتهم من تجسس والعمل بناءً على توجيهات سياسية.
في حادثة أخرى قالت عنها حامد: “البجاحة وصلت إلى إن جارتي بتجيب مواد مخدرة بتعلّي نبضات القلب، وتبخرها من تحت باب الشقة لحد ما تسدّ نفسي واضطر استخدم المياه لتوقيف البخار”. وأتت بالذكر على طلبها المساعدة من الشرطة الفرنسية عدة مرات، لكن لم يتم التعامل مع الشكاوى بجدّية، كما ألمحت إلى أن جارتها هذه تشغل منصب أستاذة في نفس جامعتها، قامت حامد بنشر صورة لحسابها في فيسبوك في وقت سابق كدليل على هويتها.
أكدت أيضًا على أنها مراقبة من قبل مجموعات تتناوب على ملاحقتها أثناء تنقلها في الحرم الجامعي لأي سبب كان، واشتباهها بوضع مواد تؤدي إلى فقدانها التركيز في وجبات الطعام. كما أشارت إلى أن ما يحدث “جزء من محاولات للتجسس على الطلبة العرب والمصريين المسلمين”.
وفي واحد من هذه المنشورات، اتهمت بشكل مباشر رئيس وحدة البحث الذي تعمل عليه بأنه المتسبّب الرئيسي في مضايقتها، وقيل إنها تقدمت بشكوى للسفارة المصرية في باريس لمساعدتها في ضمان أمنها الشخصي.
ما هو تنظيم التعبير الجيني الذي تعمل عليه؟
تنظيم التعبير الجيني (Gene Expression) هو مجال يستهدف دراسة العملية التي تتحكم عبرها الخلايا في التعبير عن جيناتها، أي متى وأين وكم يتم تصنيع المنتج الجيني (مثل البروتين أو الحمض النووي) للكائنات. وهذه العملية ضرورية لبقاء جميع الكائنات الحية واستمرارية وظائفها، بداية من البكتيريا مرورًا بالحيوان والنبات ووصولًا إلى البشر.
وقد يعني فهم كيفية تنظيم الجينات القدرة على التأثير والتعديل عليها، بأساليب وتقنيات تمكن مختلف الكائنات من التأثر بدرجات متفاوتة بالغذاء والدواء وتفاعل الأجسام مع الأمراض والأوبئة، والمساعدة في تطوير العلاجات الجينية، وتصنيع منتجات جديدة في عالم التكنولوجيا الحيوية، مثل اللقاحات والأجسام المضادة والإنزيمات وأجهزة الاستشعار الحيوية.
كما قد تمكّن الشركات مستقبلًا من تعديل التعبير الجيني على مستويات مختلفة، مثل تعديل جينات الماشية، أو إدخال جينات جديدة تعزز سماتها في الإنتاجية أو المقاومة أو التغذية.
وعلى مستوى الطاقة، فيمكن أن تساعد هذه الأبحاث على تقليل الشركات من التأثير البيئي لأنشطتها، عن طريق استخدام المعالجة الحيوية، أو الترشيح الحيوي، أو الوقود الحيوي لتحلُّل أو تحول الملوثات أو النفايات إلى مواد مفيدة.
بيان عائلة ريم بخصوص وفاتها
أكدت أسرة الراحلة عبر منشور لشقيقها نادر حامد في فيسبوك، أن القضية قيد التحقيق أمام النيابة الفرنسية، ولم يصدر بعد أيّ تقرير رسمي بتفاصيل الوفاة يؤكد أو ينفي وجود شبهة جنائية. كما دعا إلى عدم نشر أخبار غير مؤكدة قد تضرّ بالتحقيق، والامتناع عن مشاركة منشورات ريم القديمة لما فيها من انتهاك لخصوصيتها.
نهاية مشابهة لعالمة مصرية رائدة
وسط محاولات لفهم حقيقة ما جرى مع ريم قبل وفاتها، وتناقل بعض الصفحات لأخبار تشير إلى تقاعس القنصلية المصرية في فرنسا عن مساعدة ريم وحمايتها، استذكر كثيرون حادث وفاة عالمة الذرة المصرية سميرة موسى، أو “ميس كوري الشرق” كما عُرفت لاحقًا، والتي فشلت السلطات أيضًا في تقديم معلومات أكيدة حول ظروف وفاتها.
وسميرة موسى هي أول عالمة ذرة مصرية، وأول امرأة تحصل على دكتوراه في الإشعاع الذري، ناهيك عن أنها أول عربية تنال شهادة الدكتوراه. وُلدت يوم 3 مارس/ آذار 1917 في قرية سنبو الكبرى التابعة لمحافظة الغربية في مصر، وكانت تتمتع بذاكرة صورية وحب واسع للقراءة، ما أهّلها للتفوق على أقرانها في مختلفة مراحل دراستها. حصلت على شهادة البكالوريوس من كلية العلوم في جامعة الملك فؤاد (جامعة القاهرة حاليًا)، ثم نالت درجة الماجستير عن بحث التواصل الحراري للغازات بتقدير امتياز.
انتقلت إلى بريطانيا حيث لمع نجمها في بعثة دراسية مدتها 3 سنوات. وخلال 17 شهرًا فقط نالت درجة الدكتوراه في الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة، لكنها استثمرت الفترة المتبقية للتعمق في الفيزياء النووية والاستخدامات الطبية لها، وتوصّلت من خلالها إلى معادلة هامة -لم تلقِ ترحيبًا في العالم الغربي- تمكنت من تفتيت المعادن الرخيصة مثل النحاس، وصناعة القنبلة الذرية من مواد رخيصة.
تقديرًا لأبحاثها النووية المتفردة، دُعيت لزيارة المنشأة الذرية السرية الأمريكية، وكان هذا حدثًا مثيرًا للجدل في الأوساط العلمية والأمنية الأمريكية، نظرًا إلى أنها أول عالمة أجنبية يُسمح لها بالاطّلاع على هذا النوع من المشاريع.
توفيت في 5 أغسطس/ آب 1952 عن عمر 35 عامًا، أثناء ذهابها من ميسوري إلى كاليفورنيا لتلبية دعوة من جامعة سانت لويس، لإجراء بحث في معاملها، حيث استقبلها طالب دكتوراه يُقال إنه هندي الجنسية، قاد بها السيارة في طرق وعرة، حتى اصطدمت بها شاحنة نقل كبيرة أدت إلى مقتلها وهروب السائق، إذ لم يعثر عليه بعدها.
تداولت صحف مصرية حينها أن التحريات لم تتمكن من التوصل إلى معلومات أكيدة حول تفاصيل الحادث، لكن يرجّح أن السائق كان يحمل اسمًا مستعارًا، وأن إدارة الجامعة لم ترسله لاصطحابها.
على أية حال، سواء تشابهت تفاصيل قصة الراحلتَين وظروف وفاتهما أم لا، أو ما إن كانت ريم قد تعرضت لضغوط وتهديدات تتعلق بعملها على بحث ذي قيمة علمية بالغ الأهمية، أو أنها على أقل تقدير فقدت حياتها بعد حملة عنصرية ممنهجة أدت إلى شعورها بالإقصاء ومعاناتها من ضغط نفسي، فإن السلطات المصرية في فرنسا ومصر تبقى المسؤول الوحيد عما حدث لريم قبل وفاتها وبعدها، لتقاعسها في حماية الطلاب المصريين المبتعثين خارج القطر، وردّ الاعتبار لذكراهم بتفسير شفّاف ومنطقي حتى بعد مرور 5 أيام على بدء التحقيقات.