يحاول البعض مؤخرًا، متعمدًا أو بحسن نية، اختزال حادثة زواج الداعية الإسلامي معز مسعود من إحدى ممثلات الدراما غير المحجبات باعتباره أمرًا شخصيًا أو حدثًا استثنائيًا لا يستوجب النظر، والحق أن هذه الرؤية شديدة السطحية وتغفل كثيرًا من تفاصيل المشهد التي سنحاول تجميعها.
عقب نجاح حركة 3 من يوليو/تموز في إسقاط أول رئيس مدني منتخب محمد مرسي، أخذ المشهد في المحيط العربي يتغير تمامًا، وبدأت خيوط اللعبة تبدو أكثر التحامًا، فقد تبلور تيار سياسي يعلن الحرب الصريحة الشاملة لأول مرة على ما يعرف بـ”الإسلام السياسي” بعد أن كانت البنادق موجهة دائمًا وحصرًا إلى “الإسلام الجهادي”.
تقود الإمارات هذا التيار الذي يتبنى قيمًا غير معتادة على الأفق السياسي الثقافي العربي مثل الحل الشامل للقضية الفلسطينية والتطبيع الكامل مع “إسرائيل” والقضاء النهائي على الإسلام السياسي والعمل على ضربه في مواطن نفوذه، وبالتعاون مع الإمارات تأتي مصر والسعودية.
وقد تجلى هذا التوجه الجديد في لغة الخطاب الرسمية لهذا التيار، فلا يكل ممثلوه وأذرعته من تقرير أن كل جماعات الإسلام السياسي والإسلام المتطرف ولدت من رحم واحد، وأن الحل العسكري لا بد أن يتوازى مع الحل الفكري.
وإيمانًا بمقولة: “لا يفل الحديد إلا الحديد”، فقد جمع هذا التيار الجديد كل الاتجاهات الدينية التي يربط بينها إضمار العداء لأي فكر ديني آخر يسعى لمزاحمة الأنظمة الحاليّة على الحكم أو يرى إمكانية الربط بين ثنائية “الإسلام” و”السياسة”، ليس من الضروري أن يكون ذلك قد حدث بترتيب كامل، ولكن المهم أنه قد حدث، على الأقل نتيجة لارتباط المصالح والتوجهات، ويمكن تقسيم الاتجاهات الدينية التي توظف من جانب محور “الإمارات – السعودية – مصر” تقسيمًا خماسيًا كالتالي:
لا يميل الدعاة الجدد لإطلاق اللحية أو الظهور بمظهر الدعاة التقليديين، أو بمعزل عن كراهيته أن يوصف بالشيخ الداعية، وتفضيله أن يوصف بالباح
1- فئة “المهرجين”: وهي فئة تقدم خطابًا شعبويًا يستهدف الطبقات الاجتماعية والثقافية المعدمة، مقدمو هذا الخطاب أشخاص محدودو الثقافة شديدو السذاجة ولا تقيم لهم السلطة وزنًا، وقد يقدمون خدماتهم تطوعًا دون أي تكليف، يتزعم هذه الفئة أعلام مثل: سعد الدين الهلالي وآمنة نصير وسعاد صالح وميزو وشحرور والكيالي، إلخ.
2- فئة “الأشاعرة – الصوفية”: وهي فئة متأثرة برواسب صراعات عقدية وفكرية تاريخية مع منظري التيار السلفي قديمًا، ابن تيمية على وجه الخصوص، ويتزعم هذه الفئة أعيان مثل: علي جمعة والحبيب علي الچفري وابن بيه وأسامة الأزهري، إلخ، وصلة هذه الفئة بالإمارات والشيشان كبيرة، فالإمارات تأوي محاضن تمويلية وتنظيمية ضخمة مثل “مجلس حكماء المسلمين” الذي يتزعمه أحمد الطيب شيخ الأزهر “ومنتدى تعزيز السلم” الذي يرأسه ابن بيه، ومؤتمر “جروزوني” الذي رعاه قاديروف ليس عنا ببعيد.
3- فئة “دعاة إسلام السوق”: كما يسميها الباحث السويسري باتريك هايني، توجه هذه الفئة جملة إنتاجها وموادها إلى شريحة عمرية معينة؛ شريحة المراهقين من الجنسين، وتتبنى قيمًا ومبادئ تصب في اتجاه الخلاص الفردي والفردوس الأرضي وعدم تعارض الدين مع الحياة وهامشية أسئلة الدولة والهوية والحضارة، أكثر الأسماء بروزًا في هذا الصدد: عمرو خالد ومصطفى حسني الذي حملت برامجه الأخيرة عناوين مغرقة في الذاتية والدنيوية “إنسان جديد” و”فن الحياة” و”حائر”، إلخ، ويربط محللون بين نزعة تقديس الدنيا التي صبغت صبغة إسلامية والبروتستانتية المسيحية.
4- “التيار المدخلي”: والحق أن هذه النزعة للإرجاء والقعود وتأليه السلطات وتوثين الحكام التي يدين بها أبناء هذا التيار هي جنوح إنساني متطرف للخضوع والقهر ألبس لبوسًا دينيًا، صلة هذا التيار التاريخية وثيقة بالسعودية، وأكثرهم شهرة وضجيجًا في مصر: رسلان والرضواني.
5- “العلمانية الإسلامية”: وهو تيار يرفض سؤال السياسة رفضًا قاطعًا، ويشنع على كل من ينازع الحكام سلطانهم، ويدعو إلى استخدام أدوات تفسيرية جديدة غربية المنشأ لإعادة قراءة الوحيين والتراث قراءة لا تخالف مبادئ الهوى الليبرالي السائد، ومنهم: عدنان إبراهيم وهو أبرزهم ومعز مسعود وبعض الأكاديميين المنضوين تحت لواء مؤسسات بحثية ممولة إماراتيًا لاستبطان تأويلات وقراءات معدة سلفًا.
من حسن النية والبلاهة المفرطة أن نقرأ زواج الداعية العصري من الفنانة غير المحجبة بمعزل عن هيئته العصرية
تتداخل هذه الفئات الـ5 وتتماهى مع بعضها البعض، فليس الإطار الفاصل بينهم حديًا بطبيعة الحال، ولكنهم جميعًا يتفقون على انتماء ما للدين يتيح لهم مقارعة التيارات الدينية الأصولية، تفلتًا من الوصم بمحاربة المقدس، وصبغًا لأهوائهم بالتأويلات الشرعية، كما يتفقون على نقض سؤال السياسة وتبني موقف داعم لسياسات الثلاثي “الإمارات – مصر – السعودية” أو متغافل عنها.
من حسن النية والبلاهة المفرطة أن نقرأ زواج الداعية العصري من الفنانة غير المحجبة بمعزل عن هيئته العصرية، إذ لا يميل الدعاة الجدد لإطلاق اللحية أو الظهور بمظهر الدعاة التقليديين، أو بمعزل عن كراهيته أن يوصف بالشيخ الداعية، وتفضيله أن يوصف بالباحث، ولا ينبغي أن ننسى تكريس جهوده الإعلامية لمحاربة الإسلام الأصولي التي كان آخرها دراما رمضانية بعنوان “السهام المارقة”، ولا ينبغى أن ننسى إصراره على ملء فراغ جعبته من المحتوى عبر التصدي لملفات الإلحاد والإنتاج السينمائي والتلحين الموسيقي، وفي شهادة الممثلة الشهيرة ياسمين صبري عن دور معز في ظهورها على الشاشة، أو تلحينه أغاني لصديقه المطرب هاني عادل ما يغني عن مزيد من التفصيل.