بعد فشله في نيل شرف استضافة كأس العالم لخمس مرات يرغب المغرب في الترشح مجددًا لاحتضان مونديال 2030، لكن هذه المرة من ملف مغاير يضم جيران فرقتهم الخلافات السياسية، ورغم ذلك لم تثن المحاولات الأخيرة عزم المملكة عن احتضان هذا العرس الكروي الدولي، فهل ستنجح هذه المرة في إقناع الفيفا بعرض ملف مشترك يضم تونس والجزائر؟
المغرب في طريقه لاحتضان كأس العالم للمرة السادسة
لم يكن الملف المغربي الأوفر حظًا للظفر بشرف تنظيم مونديال 2026، فالكل كان يرجح كفة الملف الأمريكي الشمالي الذي يضم الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، بمن فيهم أغلبية كبيرة من المغاربة، وآخرين كانوا يعولون على تمثيل القارة الإفريقية وقربهم من أوروبا، وعلى عشقهم للساحرة المستديرة الذي يفوق شعبية كرة القدم في أمريكا.
ورغم أن الملف الأمريكي المشترك يمثل ثلاثة بلدان يمثل دخلها مجتمعة 180 مرة دخل المغرب، أصر المغاربة على تقديم ترشحهم للمرة الخامسة، لكن خاب أملهم خاصة بعد تصويت أظهر فارقًا كبيرًا 134 صوتًا للملف المشترك 65 صوتًا لملف المملكة.
هذه النتائج نجحت في توطيد طريق آخر داخل القارة السمراء، فبدلاً من ترك المغاربة يذهبون بمفردهم مرة أخرى إلى الأمام، أثيرت أصوات عدة لجعل إفريقيا نموذجًا للنجاح الأمريكي، فالمغرب يرغب في العودة إلى الكفاح من أجل مونديال 2030 بدعم من جارتيه الجزائر وتونس.
اعتبر المغاربة التصويت العربي المضاد طعنة في الظهر وخروج عن مبادئ التضامن العربي
وفي مقابل خيبة أمل ممزوجة بشعور الغضب من بلدان مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن، فقد حيا المغاربة عاليًا موقف الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا لتصويتهم بالإيجاب على الملف، بينما سارع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى الاتصال بالسفير الجزائري في الرباط وشكره على موقف بلاده ومساندته لترشح المملكة الجارة.
وكان التصويت العربي المضاد – خاصة السعودي – صفعة على جبين العرب، واعتبره المغاربة طعنة في الظهر وخروج عن مبادئ التضامن العربي، بل وعن توصية تداولها الزعماء العرب في قمتهم الأخيرة في الظهران برئاسة السعودية تطالب الدول العربية بتقديم الدعم والمساندة الكاملة لهذا الترشيح العربي.
بعد تصويت السعودية وجيرانها للملف الأمريكي المشترك، كشف المغرب على الفور أنه سيكون مرشحًا للمرة السادسة لاحتضان الحدث الرياضي الأول في العالم
ورغم أن الصفعة ما زالت تترك أثرًا على وجنتي البلد العربي الحالم للمرة السادسة، لا يوجد أي نية للتراجع حتى بعد الفشل في الحصول على استضافة المونديال للمرة الخامسة في سباق تنظيم كأس العالم، كما لم يثبط حجم النكسة بلد الملك محمد السادس من الاستمرار في الحلم باستضافة أكبر بطولة لكرة القدم على في العالم.
وبعد تصويت السعودية وجيرانها للملف الأمريكي المشترك، كشف المغرب على الفور أنه سيكون مرشحًا للمرة السادسة لاحتضان الحدث الرياضي الأول في العالم إثر 5 محاولات لم يُكتب لها النجاح في أعوام 1994، 1998، 2006، 2010، 2026، خسرها كلها لصالح الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وجنوب إفريقيا والولايات المتحدة/كندا/المكسيك.
وإذا نجح الملف، ستكون المرة الثانية التي تنظم فيها البطولة في دولة إفريقية بعد دورة 2010 في جنوب إفريقيا، والمرة الثانية التي تقام في دولة عربية وإسلامية بعد دورة 2022 التي ستقام في قطر، وأول مرة في شمال إفريقيا، كنا ستتساوي مع ألمانيا في عدد مرات الترشح لاستضافة المونديال.
الجديد هذه المرة عزم المغرب الاشتراك مع جارتيه الجزائر وتونس في تنظيم هذا الحدث
الترشيح المغربي لكأس العالم 2030 من بوابة الجيران
المحاولة السادسة لاحتضان المغرب كأس العالم لكرة القدم 2030 قد تكون مغايرة لما جرى في المرات السابقة، فالجديد هذه المرة عزمه الاشتراك مع جارتيه الجزائر وتونس في تنظيم هذا الحدث، خاصة بعد التعديلات الأخيرة التي أجراها الفيفا، وتتضمن زيادة عدد المنتخبات من 36 إلى 48، وتشجيعها على تقديم الملفات المشتركة، ما دفع المغرب إلى مراجعة مشروعه “الأحادي”.
ولعل أبرز ما أجمعت عليه الأوساط المغربية من الفشل المغربي الجديد، درس التنظيم المشترك؛ ففور إعلان النتائج عن الفوز الأمريكي، سارع مسؤولون من المغرب والجزائر وتونس إلى التصريح بنوايا دول المغرب العربي الثلاثة العزم على إعداد ملف مشترك لتنظيم مونديال 2030.
ويعزز من ذلك ما جرى في المنافسة الأخيرة، حيث منحت دول شمال إفريقيا والمغرب العربي جميعها، صوتها للملف المغربي على حساب منافسه الأمريكي، على خلاف عدد من الدول العربية التي فضلت الملف الثلاثي، هذا الموقف أذكى شعور الانتماء المغاربي في ظل الانشقاق الذي عرفه الصف العربي.
وعندما تعلق الأمر بتظاهرة رياضية عالمية بحجم المونديال 2026 وضعت الجزائر كل خلافاتها السياسية مع جاراتها المغرب جانبًا، وأعلن على لسان وزير الشباب والرياضة دعم ملف ترشح الرباط لاستضافة أعظم محفل للساخرة المستديرة، في موقف لقي ترحابًا داخل البلدين وخارجهما بأنه يعزز أواصر الأخوة بين البلدين ويرفع شأن القيم الرياضية الداعية للسلام والتآخي بين شعوب الأرض.
أملت السياسة ودسائسها كلمتها في موقف دول الحصار من مونديال 2022 الذي آل لقطر، إذ استكثرت هذه الدول على الدوحة تنظيم تظاهرة كروية
في مقابل أن الترشيح المغربي لم يرق في السابق لدول عربية ولمسؤولين رياضيين عرب، منهم من قال صراحة في أكثر من مناسبة إن المغرب أضاع بوصلة علاقاته مع دول الخليج تحديدًا، أما المغاربة فيرون أن بوصلتهم لم تخرج عن الإجماع العربي، ولا عن دعم قضايا العرب الحيوية من المحيط إلى الخليج، لكن دائمًا ضمن احترام تام لسيادة الدول وخصوصية شعوبها.
المفارقة نفسها فرضت نفسها في مقارنة هي الأقرب، فقد أملت السياسة ودسائسها كلمتها في موقف دول الحصار من مونديال 2022 الذي آل لقطر، إذ استكثرت هذه الدول على الدوحة تنظيم تظاهرة كروية، ولم تترك طريقًا لعرقلة استضافتها إلا سلكته، ضاربة عرض الحائط بكل اعتبارات الجيرة والأخوة، فضلاً عن المنافع التي تنتظر دول المنطقة دون استثناء.
لكن الوضع قد يختلف المرة القادمة، فملف ترشح المغرب سيكون مدعومًا بمشاركة كلٍ من الجزائر وتونس، ويتضمن الملف – الذي من المحتمل أن يكون نفسه الذي تقدمت به المرة الماضية – في تفاصيله نحو 371 صفحة من ثلاثة أجزاء وخمسة محاور و24 بندًا تتحدث عن كيفية الاستضافة للحدث الرياضي الكبير من مرحلة التسويق وصولاً إلى يوم الانطلاق.
جديرٌ بالذكر أن المغرب يمتلك ستة ملاعب جاهزة لاحتضان المونديال، بينما لا تزال ثلاثة أخرى قيد الإنجاز، كما أنّ للموقع الجغرافي الإستراتيجي الذي يربط بين القارتين الإفريقية والأوروبية دورًا، ناهيك عن توقيته الزمني الملائم للقارة العجوز التي سيشارك أكبر عدد منها في النهائيات، وستنحدر بالتالي منها فئة عريضة من المشاهدين.
على المستوى الشعبي رحبت الجزائر وتونس بفكرة التنظيم المشترك للبطولة مع المغرب
السبيل لاحتضان كأس العالم يمر عبر الجزائر وتونس
بعد تناسل العديد من الدعوات المطالبة بترشيح مشترك بين المغرب والجزائر وتونس لاستضافة كأس العالم 2030، عاد الملف من جديد إلى الواجهة بعد تصريحات أدلى بها السكريتير العام لاتحاد المغرب العربي الطيب البكوش، لمجلة “جون أفريك” الفرنسية، أكد فيها أنه التقى وزير الخارجية ناصر بوريطة، “وعبر له عن استعداد المغرب التام للتنسيق مع الدول المغاربية للترشح بملف مشترك”.
وموازاة مع تصريحات السكرتير العام، أطلق نشطاء من البلدان المغاربية نداءً مشتركًا لإحياء المشروع المغاربي المتوقف بسبب الخلافات السياسية الحادة بين الرباط والجزائر، فهذه المبادرة قد تحيي الاتحاد المغاربي الذي تأسس في 17 من فبراير/شباط 1989، بمدينة مراكش المغربية، ويتألف من خمس دول: ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، وظل جامدًا لأكثر من 3 عقود.
وعلى المستوى الرسمي رحبت كل من الجزائر وتونس بفكرة التنظيم المشترك للبطولة مع المغرب، حيث أكد موقع “le 360” المغربي أن الملك محمد السادس اقترح على الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الترشح المشترك لتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2030، ونسب الموقع إلى السفير المغربي بالجزائر حسن عبد الخالق ما وصفه بـ”جزء من محتوى الرسالة”، حيث تضمنت أيضًا إمكانية الترشح المشترك لتنظيم كأس العالم 2030.
هذا المقترح أيده أيضًا اللاعب الجزائري الدولي السابق الأخضر بلومي الذي كان سفيرًا لملف المغرب الأخير، فقد تركت الجزائر عقود الخلافات السياسية مع جارتها جانبًا واختارت في هذه اللحظة أن تقف معها وتعلن رسميًا دعمها ملف ترشح المغرب، فقد طلبت الرباط اللاعب ونجم المنتخب الوطني الجزائري السابق لخضر بلومي ليكون على قائمة سفراء دعم ملفها، وكان الرد بنعم وبكل شرف.
قبول الجزائر وبالنظر للخلاف القائم بين البلدين بسبب قضية الصحراء الغربية جعل الحدث الرياضي يأخذ طابعًا سياسيًا بامتياز
أما تونس، فما هي إلا أيام قليلة بعد تصويت 13 من يونيو/حزيران، حتى أثار البرلماني التونسي رياض جعيدان، مبادرة فريدة، تتمثل في مطالبة حكومات تونس والمغرب والجزائر، بإعداد ملف ثلاثي مشترك لمونديال 2030، ولاقت المبادرة التونسية، ترحيبًا واسعًا في الإعلام المغاربي، الذي رأى فيها فرصة لكسر جميع القيود والحواجز التي تحول دون تكتل المنطقة.
مبادرة البرلماني التونسي تزامنت مع رسالة شكر من العاهل المغربي محمد السادس إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، على تصويت بلاده للملف المغربي، وكانت بمثابة كسر الجمود الدبلوماسي بين المغرب والجزائر، التي توصف العلاقات بينهما بـ”الباردة” بل و”المتشنجة”، وتعتبر قضية إقليم الصحراء من أكبر القضايا الخلافية بين البلدين الجارين.
وغير ذلك، رحب الاتحاد التونسي لكرة القدم بتقديم مقترح للمشاركة في استضافة بطولة كأس العالم 2030 رفقة المغرب والجزائر، معبرًا عن أنه سعيد بالفكرة التي تم طرحها بتقديم ملف ثلاثي لاستضافة المونديال، وقال وديع الجريء رئيس الاتحاد التونسي، إن أعضاء الأخير منفتحون على الفكرة ويتمنون الموافقة عليها، ولكنهم لم يتلقوا أي عروض رسمية من أجل ذلك.
ووفقا لما نشرته وكالة الأناضول التركية، يعتبر هذا الاقتراح المغربي تطورًا لافتًا في العلاقات بين البلدين التي يشوبها التوتر، فقبول الجزائر وبالنظر للخلاف القائم بين البلدين بسبب قضية الصحراء الغربية جعل الحدث الرياضي يأخذ طابعًا سياسيًا بامتياز، فالدعم الجزائري للمغرب الذي كان متوقعًا لدى البعض، ومفاجأة للبعض الآخر أعطى مثالاً يحتذى به عن عدم تعكير فرحة بسبب خلافات سياسية.
يعتزم “الفيفا” إسناد تنظيم مونديال 2030 إلى الأوروغواي للاحتفاء بمئوية المونديال
لعنة الحدود المشتركة.. هل تصلح الرياضة ما أفسدته السياسة؟
أمام هذه المواقف الإيجابية على المستوى الشعبي والرسمي، تقف عدّة معوقات سياسية نتيجة العلاقات المضطربة والحدود المغلقة بين المغرب والجزائر بالإضافة إلى قضية الصحراء الغربية، ما يجعل مسألة الجمع بين المغرب والجزائر وتونس، وبلدان المغرب العربي المجاورة، مهمة صعبة من أجل تعظيم فرص إغواء الفيفا.
وتستمر الجزائر في إغلاق حدودها الغربية مع الجارة المغرب منذ سنة 1994، لذلك من المحتمل أن تلعب قضية إغلاق الحدود بين الجزائر والمغرب بالسلب على فرص اشتراك الدولتين مع تونس في ملفٍ واحدٍ لتنظيم كأس العالم، وفي حال اقتناع المغرب والجزائر بالتنظيم المشترك، فسيكون كأس العالم سببًا في فتح الحدود المغلقة منذ 24 سنة.
كما تعد مشكلة الصحراء المغربية من كبرى المعضلات التي لم تلق حلًا، وجعلت العلاقات بين الجزائر والمغرب متوترة منذ سنة 1975، بسبب إصرار الجزائر على حق تقرير المصير في الصحراء الغربية، واتهام المغرب للجزائر بدعم جبهة “البوليساريو” لضرب المغرب، ما يصعب توافق الجزائر والمغرب على الاشتراك في تنظيم مشترك لمونديال 2030.
وفي تونس، وقبل أيام، عادت الجماعات المسلحة لضرب البلاد من جديد، في هجومٍ مسلّح استهدف الحدود التونسية الجزائرية، كما تعاني المنطقة المغربية من تهديدات أعمال العنف التي تنفذها الجماعات الدينية المسلحة، خصوصًا بعد التدهور الأمني التي تعيشه ليبيا منذ إسقاط نظام القذافي؛ كذلك لا يسلم المغرب من التهديدات الإرهابية بعد إعلان السلطات المغربية في عدة مناسبات تفكيكها لخلايا تابعة لتنظيم الدولة “داعش”.
في حال اقتناع المغرب والجزائر بالتنظيم المشترك، فسيكون كأس العالم سببًا في فتح الحدود المغلقة منذ 24 سنة
وبعيدًا عن العقبات السياسية، يهدد ملف المنافسين الحلم المغاربي، حيث يعتزم “الفيفا” إسناد تنظيم مونديال 2030 إلى الأوروغواي للاحتفاء بمئوية المونديال، حيث يتصادف مونديال 2030 مع المئوية الأولى لكأس العالم، التي انطلقت سنة 1930 بالعاصمة الأوروغوانية مونتيفيديو، وهذا ما دفع كلًا من الأوروغواي والبارغواي والأرجنتين إلى تقديم ملفٍ مشتركٍ لتنظيم مونديال 2030.
كما دخل منافس قوي حسابات تنظيم كأس العالم 2030 بعدما كان ملف وحيد مشترك بين المغرب والجزائر وتونس داخل المنافسة بشكل رسمي، وذكرت صحف بريطانية أن المملكة المتحدة تلقت الضوء الأخضر للتقدم بعرض موسع مع حلفاء جدد منهم إسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية.
ووسط هذه الصراعات تقف أحلام أكثر من 100 مليون مغاربي في احتضان المغرب العربي لكأس العالم الذي سيكون فرصة كبيرةً في الدفع نحو تطبيع العلاقات بين دول المغرب العربي، وحجر أساس في الدفع بمشروع المغرب العربي الكبير.