تحتضن مختلف مدن المملكة المغربية طوال أغلب أيام فصل الصيف فعاليات فنية وثقافية، تساهم في تنشيط الحياة الثقافية في البلاد والتعريف بالبلاد، خاصة تلك المهرجانات الفنية التي قارب عددها المئة مهرجان، فما أبرز المهرجانات المغربية؟
مهرجان موازين.. إيقاعات العالم
بات مهرجان موازين في السنوات الأخيرة من أنجح المهرجانات في العالم، وهو مهرجان سنوي ينظم من طرف جمعية “مغرب الثقافات”، انطلق لأول مرة صيف سنة 2001، ودأب على استضافة أشهر مشاهير الموسيقى على الصعيد العربي والعالمي، في سهرات وحفلات تتوزع على منصات بين مدينتي الرباط وسلا.
سجلت معظم دورات مهرجان فاس للموسيقى الروحية حضورًا لعدد من مشاهير الموسيقى والغناء الروحي في العالم
كل سنة يثار جدل في المغرب بخصوص هذا المهرجان، خاصة بعد سنة 2011 التي عُرفت بإطلاق ما سمي بـ”الحملة الوطنية لإلغاء مهرجان موازين”، وقد واجه هذه السنة كابوس “حملة المقاطعة” تزامنًا مع استمرار مقاطعة منتجات 3 شركات تنتج الماء المعدني والحليب والمحروقات لشهرين متتاليين.
ودفع هذا الأمر منظمي المهرجان في سابقة هي الأولى من نوعها إلى إعلان تنظيم عروض استباقية للانطلاقة الرسمية لموازين بالمجان لـ3 أيام متتالية، وهو ما اعتبره المتتبعون محاولة لجس نبض المغاربة الذين عبروا عن امتعاضهم من تنظيم هذا الحدث الفني الكبير الذي يكلف الكثير من مال الدولة، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمة اجتماعية غير مسبوقة.
يستقبل مهرجان موازين مئات الآلاف من الجماهير سنويًا
عرفت نسخة مهرجان “موازين إيقاعات العالم” لهذه السنة التي امتدت من 22 من يونيو/حزيران الماضي إلى الـ30 من نفس الشهر، مشاركة نجوم عالميين أمثال المغني البورتوريكي لويس فونسي صاحب أغنية “ديسباسيتو”، إلى جانب حضور أبرز المغنيين العرب ككاظم الساهر وملحم زين ووائل جسار واللبنانية نانسي عجرم.
مهرجان فاس للموسيقى الروحية
يعتبر هذا المهرجان واحدًا من المواعيد الفنية المهمة في المغرب الذي صار يحظى بشهرة على الصعيد العربي والعالمي، إذ سجلت معظم دوراته حضورًا لعدد من مشاهير الموسيقى والغناء الروحي في العالم.
وصل مهرجان “كناوة وموسيقى العالم” الذي يقام سنويًا في مدينة الصويرة هذه السنة إلى محطته الـ21
تتميز العروض الموسيقية التي يقدمها مهرجان فاس للموسيقى الروحية عن باقي العروض الفنية المقدمة في المهرجانات الفنية التي تنظم في الوقت ذاته في المغرب بطابعها الروحي، فالطابع الروحاني يطغى على جميع العروض، ما يضفي على أماكن عرض المهرجان أجواء من الهدوء والسكينة، باستثناء الحفلات التي تخصص للفن الشعبي المغربي.
وعرفت دورة هذه السنة التي حملت شعار “معارف الأسلاف” مشاركة موسيقيين ومنشديين من جميع أنحاء العالم، إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا، وكانت فرصة لفنانين عالميين للإبداع أمام جمهور متعطش لهذا الصنف الموسيقي في كل من باب ماكينة وساحة بوجلود، الحديقة الجناحية جنان السبيل أو القصور الفخمة العريقة، مثل دار عديل ودار التازي.
احتضنت فعاليات الدورة الـ24 من المهرجان الذي انطلقت في 22 من يونيو/حزيران الماضي وامتدت للـ30 من نفس الشهر المبدع التونسي ظافر يوسف وألبومه ديوان الجمال والغرابة الذي يمزج بين فن الجاز الحديث والموسيقى العريقة والتنويم الصوفي، والموسيقي الإسباني الشهير جوردي سافال الذي أبدع بعرض تحت عنوان ابن بطوطة، إضافة إلى صوفيتو دو كوسبل شوار من جنوب إفريقيا.
كناوة.. موسيقى العالم
وصل مهرجان “كناوة وموسيقى العالم” الذي يقام سنويًا في مدينة الصويرة – المصنفة تراثًا عالميًا من منظمة اليونيسكو – هذه السنة إلى محطته الـ21، وأقيمت هذه الدورة بين 21 و23 من يونيو/حزيران الماضي، وتعود انطلاقة هذا المهرجان إلى سنة 1998.
خلال هذه الأيام من كل سنة تحتفي مدينة الصويرة بموسيقى “كناوة” التي تؤرخ لمعاناة العبيد السود الذين استقدموا من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء للعمل في القصور الملكية، قبل أن يعتنقوا الإسلام ويؤسسوا طريقتهم الصوفية الخاصة بهم المتأثرة بالطقوس الإفريقية القديمة والعادات الإسلامية المنتشرة حينها في المغرب، كما تروي حكاية تعايش العربي والأمازيغي والإفريقي المسلم على أرض المغرب.
يحتفي مهرجان الصويرة بموسيقى “الكناوة”
تقوم عروض فرق كناوة على الرقص على نغمات “الكنبري” (آلة وترية تستعمل في العزف) والطبول والقراقب، مرتدين ألبسة بألوان فاقعة وقبعات مرصعة بالأحجار، وتحمل كل فرقة من الفرق المشاركة أعلامًا ملونة، وترتدي أزياءً فاقعة الألوان وقبعات مرصعة بالأحجار، تختلف دلالتها في الأسطورة الشعبية بين فرق “كناوة” ذات العمق الإفريقي والفرق العشبية الصوفية.
مهرجان وجدة الدولي لموسيقى فن الراي
تحتضن مدينة وجدة عاصمة الثقافة العربية لسنة 2018 فعاليات النسخة الـ12 من المهرجان الدولي لموسيقى فن الراي، خلال الفترة الممتدة من 14 من يوليو/تموز الحاليّ إلى 21 من نفس الشهر، ويسهر على تنظيم هذا المهرجان “جمعية وجدة”.
شهد المغرب خلال عقد التسعينيات وبداية الألفية الكثير من الأسماء التي بزغت في فن الراي
نشأت موسيقى الراي في الستينيات من القرن الماضي بالغرب الجزائري، ويعود أصول هذه الحركة الموسيقية الغنائية إلى شيوخ شعر الملحون، وهو الفن الغنائي الذي يعتمد على لهجة عامية قريبة من العربية الفصحى، وتأخذ جل مواضيعها من المديح الديني والمشاكل الاجتماعية وركزت اهتمامها إبان فترة الاستعمار الفرنسي على سرد مآسي السكان، لكن بعد أن استقلت الجزائر لم يعد للمواضيع السابقة مستمعون، فتغنى فنانو راي الشباب بمغامرات الحب والغرام وكل ما يحلم به الشباب مثل الهجرة والعمل والوطن، وفي تسعينيات القرن الماضي خرج الراي من محليته ليغزو بلدان شمال إفريقيا مثل تونس وليبيا والمغرب وينتشر حتى في أوروبا مع نصرو والشاب حسني والشاب خالد.
كان المغرب قد شهد خلال عقد التسعينيات وبداية الألفية الكثير من الأسماء التي بزغت في فن الراي، على رأسهم الشاب ميمون الوجدي الذي استمد إيقاعات العديد من أغانيه من فن “الركادة” الذي تشتهر به المنطقة الشرقية للمغرب، بالإضافة إلى الشاب كمال ورشيد برياح والإخوان بوشناق وهند حنوني الملقبة بالداودية التي انتقلت مؤخرًا إلى غناء ما يعرف بـ”فن الشعبي” وغيرهم، ولكن هؤلاء الفنانين المغاربة لم تتجاوز شهرتهم نطاقًا ضيقًا، على عكس الشاب خالد والشاب مامي اللذان بلغا درجة عالية من العالمية.