ظهرت وكالات التصنيف الائتماني مجددًا على مسرح الأحداث بعد انتقال تركيا إلى النظام الرئاسي الجديد وتشكيل حكومة جديدة تختلف عن الحكومات السابقة، فهي أول حكومة رئاسية من خارج البرلمان، وأول حكومة يكون عدد التكنوقراط بها أكثر من المنتمين للحزب والبرلمان.
حيث اعتمد الرئيس أردوغان على رجالات القطاع الخاص بشكل أساسي ثم التكنوقراط، وأخيرًا 4 وزراء سابقين من حزبه “العدالة والتنمية” أثبتوا نجاحًا في الفترة السابقة كالخارجية والداخلية والعدل ويمكن إضافة الدفاع والمالية أيضًا.
إلا أن وكالات التصنيف العالمية وجدت بتعيين الرئيس أردوغان صهره بيرات ألبيرق وزيرًا للمالية في الإدارة الجديدة، الذي كان وزيرًا للطاقة في الحكومة السابقة، وتصريحاته عن سعر الفائدة، فضلاً عن إصدار المرسوم الرئاسي عن ولاية محافظ البنك المركزي بفترة خمس سنوات، سببًا للهجوم على تركيا، مدعية قلقها إزاء استقلالية البنك المركزي التركي.
فقد أعلنت وكالة التصنيف الائتماني العالمية “موديز”، يوم الخميس الفائت، قلقها إزاء استقلالية البنك المركزي التركي والتغيرات التي أعلنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن السياسة النقدية، مضيفة أن التغييرات الحاصلة في الهيكل الإداري للبنك المركزي قد يضعف استقرار مراقبة السياسة النقدية.
وأشارت الوكالة إلى أن مخاوف المستثمرين من ضعف استقلالية البنك المركزي ستتسبب بأضرار على المؤسسات العامة والبنك المركزي، واصفة نظرتها المستقبلية للوضع الاقتصادي التركي بـ”السلبية”.
أضافت الوكالة أن التصنيف الائتماني لتركيا انخفض من “BB+” إلى “BB”، مرجعة ذلك إلى زيادة التضخم والعجز في الحساب الجاري والغموض في السياسة الاقتصادية التركية
وبدورها أعلنت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني العالمية، في بيان، مساء الجمعة، تخفيضها تصنيف الديون السيادية التركية درجة واحدة، وتغيير نظرتها المستقبلية للوضع الاقتصادي في البلاد من “مستقرة” إلى “سلبية”.
وأضافت الوكالة أن التصنيف الائتماني لتركيا انخفض من “BB+” إلى “BB”، مرجعة ذلك إلى زيادة التضخم والعجز في الحساب الجاري والغموض في السياسة الاقتصادية التركية، حسب وصفها.
منظمات إرهابية اقتصادية
وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في شهر يناير/كانون الثاني من العام الحاليّ، وكالات التصنيف الائتماني الدولية بأنها منظمات إرهابية على الصعيد الاقتصادي، وذلك لأنها تقصد القيام بتحليل خاطئ للاقتصاد التركي وتسعى لخلق تقلبات اقتصادية من خلال التصنيفات المضللة لاقتصادات الدول المستهدفة.
وأوضح الكاتب التركي أركان تان في مقال له بصحيفة تقويم التركية، أن المنظمات الإرهابية تتولى مهمة القصف والتدمير وقتل الأطفال وكبار السن باستخدام الأسلحة، في حين تهتم هذه الوكالات بتنفيذ الهجمات الإرهابية من خلال استهداف اقتصاد الدول المعنية، ويسعون لخلق تقلّبات اقتصادية من خلال التصنيف الضئيل لاقتصاد الدول المستهدفة، ويحاولون أن يخيّلوا للرأي العام أن الأمور لا تجري على ما يرام وتحمل سلبيات عديدة في محتواها، إضافةً إلى محاولات خفض قيمة العملة المحلية لهذه الدول مقارنةً بالعملات الأمريكية مثل الدولار واليورو.
أي أن منظمات الإرهاب الاقتصادي تواصل المسير من حيث يتوقف الإرهابيون المسلحون، إذ يستهدف الإرهابيون المسلحون أرواح الشعوب بينما تستهدف منظمات الإرهاب الاقتصادي أموال واقتصاد هذه الشعوب.
وجدد الرئيس التركي انتقاده لوكالات التصنيف الدولية قبل أيام، مبينًا أن وكالات التصنيف الدولية تعطي تصنيفات منخفضة للاقتصاد التركي حتى في فترات نموها، في حين ترفع تصنيف إحدى البلدان الجارة لتركيا 4 درجات دفعة واحدة في الوقت الذي كان اقتصادها منهارًا.
بعد الأداء المتميز الذي حققته تركيا في المجال الاقتصادي، خلال الأشهر الأولى من العام 2017، أعاد صندوق النقد الدولي، تقييم توقعاته من جديد، وأعلن في أكتوبر الماضي، رفع توقعاته إلى 5.1%
وأضاف أردوغان: “إننا نركز على أعمالنا وليس على تصريحات تلك الوكالات”، موضحًا أن تركيا تسير في الطريق الصحيح والاستثمارات التركية واضحة، فالمؤسسات الدولية “تقرض الشركات العاملة في تركيا وهذا مؤشر على ذلك”.
ويمكننا إظهار انحياز هذه الوكالات في النقاط التالية:
1- قامت تركيا بقفزات اقتصادية في الفترة بين 2002- 2012، وتجاهلت هذه المؤسسات ذلك ولم يصدر أي منها تصنيف “قابل للاستثمار” بحق تركيا.
2- خلال الأزمة المالية العالمية التي وقعت عام 2008، اضطرت البنوك المركزية في الدول المتقدمة حول العالم، خلال هذه الفترة إلى توسيع ميزانيتها بأكثر من 6 تريليونات دولار، كما زادت الديون العامة لتلك الدولة المتقدمة، بنسب قياسية مقارنة بدخلها القومي، وأفلست القطاعات الخاصة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا، ورغم كل هذا لم تقم مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية بخفض درجة الاستثمار في تلك الدول إلى ما دون “قابلة للاستثمار” باستثناء اليونان.
3- في الوقت الذي كانت دول العالم تتعرض لانهيارات بسبب الأزمة المالية عام 2008، تجاوزت تركيا تأثيرات الأزمة عبر خطوات مهمة، لتنتقل اعتبارًا من الربع الأخير لعام 2009، إلى النمو الإيجابي، إلا أن مؤسسات التصنيف أغفلت جهود تركيا في التغلب على الأزمة الاقتصادية العالمية.
ونرى تصنيفات هذه الوكالات بالنسبة للدول الأخرى كالتالي:
– تم تصنيف إسبانيا بدرجة “BA” مع نظرة مستقبلية موجبة، رغم أن معدل الديون الخارجية لإسبانيا وصل إلى 99.3% من إجمالي الناتج المحلي، ومعدل البطالة 17.1%، ولديها أقل من 70 مليار دولار احتياطات نقدية.
اضطر البنك الدولي إلى تغيير توقعاته لنمو الاقتصاد التركي لعام 2017، إلى 6.7%، وذلك في يناير/كانون الثاني 2018.
– تصنيف اليونان بدرجة (B) مع نظرة مستقبلية مستقرة، رغم بلوغ معدل الدين الخارجي أكثر من 220% من إجمالي الناتج المحلي (قريبة من الإفلاس)، نمو اقتصادي 1.4% فقط في 2017، وبطالة 20%، واحتياطات أجنبية فقط 6 مليارات دولار.
– تصنيف مصر بدرجة (B) مع نظرة مستقبلية مستقرة، مع أن حجم الدين الخارجي لدى مصر يبلغ 97% من إجمالي الناتج المحلي (100 مليار دولار تقريبًا)، كما وصل التضخم إلى 26% مع انهيار كبير في قيمة الجنيه، وهناك حجم قروض هائل، إلى جانب غياب الاستقرار الأمني.
الاقتصاد التركي يُحرج المؤسسات الدولية ووكالات التصنيف الائتماني
في أبريل 2016، قلّص صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد التركي إلى 3.432%، وفي أكتوبر من العام نفسه، أعلن أنه يتوقع تحقيق الاقتصاد التركي نموًا بنسبة 2.977%، ثم قلّص توقعاته أكثر في أبريل 2017 إلى حدود 2.452%، لكن بعد الأداء المتميز الذي حققته تركيا في المجال الاقتصادي خلال الأشهر الأولى من العام 2017، أعاد صندوق النقد الدولي تقييم توقعاته من جديد وأعلن في أكتوبر الماضي رفع توقعاته إلى 5.1%.
أما البنك الدولي أعلن توقعاته بنمو الاقتصاد التركي لعام 2016، 3.5%، وفي يناير 2017 أعلن البنك الدولي توقعاته الجديدة لنمو الاقتصاد التركي، وقدّر نسبة النمو بـ3%، لكنه قلّص ذلك إلى 2.7% فيما بعد، واضطر البنك الدولي إلى تغيير توقعاته لنمو الاقتصاد التركي لعام 2017، إلى 6.7% وذلك في يناير/كانون الثاني 2018.
أضحت تصنيفات وكالات التصنيف الائتماني الدولية غير مهمة بالنسبة لتركيا
وكذلك الأمر مع وكالة موديز التي كانت سبّاقة في إعلان توقعاتها لنمو الاقتصاد التركي، برفع توقعاتها من 2.2%، إلى 2.6%، وذلك في تقرير صادر عنها في أبريل 2017. ولكن في أغسطس من العام نفسه، رفعت موديز توقعاتها إلى 3.7%، واضطرت بفعل الأداء المتميز للاقتصاد التركي لرفع توقعاتها إلى 6.7% في فبراير 2018.
وأيضًا وكالة فيتش الدولية، قدّرت توقعاتها لنمو الاقتصاد التركي أول مرة، عند حدود 2.3% وعدلت ذلك لاحقًا إلى 4.7% ومن ثم إلى 5.5%، لتعود وتعلن في يناير 2018، توقعاتها الأخيرة مقدرة نسبة النمو عند حدود 6.8%.
تأسيس وكالة تصنيف ائتماني تركية
أضحت تصنيفات وكالات التصنيف الائتماني الدولية غير مهمة بالنسبة لتركيا، فقد صرح محمد علي إقبان رئيس هيئة تنظيم ومراقبة القطاع المصرفي التركية مؤخرًا، أن بلاده تعتزم تأسيس وكالة تصنيف ائتماني وطنية خلال الفترة القادمة من العام الحاليّ، وذلك بسبب وجود أزمة ثقة مع وكالات التصنيف الدولية، ونقاش واسع يدور عن مدى دقة قياساتها وتصنيفاتها.
وأضاف أن تركيا بحاجة إلى وكالة تصنيف ائتماني تكون على دراية بالنظام في تركيا وعلى معرفة بالشركات المحلية والأجنبية العاملة فيها، ووكالة التصنيف الائتماني المزمع تشكيلها ستكون متوافقة مع المعايير الدولية، وستكون مؤسسة مستقلة ومحايدة.
بغض النظر عن تصنيفات تلك الوكالات لاقتصاد تركيا، نرى أن الاقتصاد التركي انتقل من المرتبة 117 عالميًا إلى 13 في ترتيب اقتصادات الدول عام 2017، ورفع دخل الفرد من 3300 إلى 11 ألف دولار عام 2017، وفي عام 2013 تم سداد جميع ديون تركيا لصندوق النقد الدولي، فضلاً عن ارتفاع إيرادات تركيا من السياحة وصناعة الدفاع والفضاء.
كما أن الحكومة الجديدة تؤكد عزمها النهوض بالاقتصاد التركي للدخول في قائمة الاقتصادات العشرة الأقوى في العالم، من خلال التركيز على أولويات المرحلة المقبلة التي تشمل الاقتصاد والمال والانضباط في الميزانية والحد من التضخم وتحقيق الإصلاحات الهيكلية والتأكيد على فعالية البنك المركزي.