لا يكاد حزب جبهة التحرير الوطني (الأفلان) الحاكم في الجزائر يخرج من أزمة حتى يقع في أخرى، فقد أعلنت مجموعة من القياديين المناوئين للأمين العام جمال ولد عباس تشكيل لجنة لإنقاذ الحزب تعمل على إعادة سكته إلى المسار الصحيح.
ويستعد الحزب العتيد كما يسمى في الجزائر لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل/نيسان القادم، من خلال المراهنة على أن يكون رئيس البلاد من تشكيلته السياسية سواء ترشح الرئيس الحاليّ عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة أم أراد ترك الكرسي الذي بقي فيه لأربع ولايات متتالية منذ وصوله إلى السلطة في 1999 لشخص آخر.
وعرف الحزب عدة أزمات قادها قياديون تحت مسميات “الحركة التصحيحية” و”حركة التقويم” و”القيادة الموحدة” وغيرها من الشعارات التي لم تأت بجديد، وكرست نجاح الجناح الداعم لبوتفليقة دائمًا.
خيانة
يقود لجنة إنقاذ الحزب الجديدة عضو المكتب السياسي المكلف بالإعلام السابق حسين خلدون وهو برلماني وأستاذ قانون، ويقول إن تأسيس هذه اللجنة جاء لوقف الخيانة التي يتعرض لها رئيس الحزب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من أمينه العام جمال ولد عباس.
ويتهم خلدون ولد عباس بالعمل على ترشيح الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال للانتخابات الرئاسية المقبلة باسم الحزب بدل الرئيس بوتفليقة، رغم أن ولد عباس كان أول من دعا بوتفليقة للاستمرار في الحكم لولاية خامسة.
حسب حسين خلدون، فإن “التغييرات الأخيرة التي أجراها ولد عباس على المكتب السياسي، والمتمعن فيها يدرك بأنها عبارة عن برنامج رئاسي”
وقال خلدون في مقابلة مع صحيفة “سبق برس”: “الوضع المزري الذي يعيشه حزب جبهة التحرير الوطني منذ قدوم جمال ولد عباس لا يخفى على أحد، فالأمين العام الحاليّ حيد الحزب عن مساره وأفرغه من مناضليه وغيب دور المؤسسات، فلا مكتب سياسي له كلمة، ولا لجنة مركزية صار لها دور، وكل القرارات التي بات يتخذها، يتخذها من قرارة نفسه لخدمة أجندة مشبوهة تفوح منها رائحة الخيانة للرئيس وللأفلان”.
وأضاف خلدون أن المتتبع الدقيق لخطاب جمال ولد عباس، يمكنه الوقوف على تناقضه وتلاعبه بالكلمات، فهو لم يتحدث يومًا عن العهدة الخامسة ولم يدع إليها رسميًا، بل كل ما تحدث عنه هو التغيير في ظل الاستمرارية، إضافة إلى قوله إن رئيس الجزائر المقبل لن يكون إلا مناضلاً في الأفلان، وقوله إن الرئيس القادم في رأسي أنا، وكلها مؤشرات مريبة تدل على شيء مبيت يسعى ولد عباس لتحقيقه، فالشخصية التي يعمل لصالحها هو الوزير الأسبق عبد المالك سلال.
وحسب حسين خلدون، فإن “التغييرات الأخيرة التي أجراها ولد عباس على المكتب السياسي، من خلال تمكين شخصيات محسوبة على سلال على غرار وزير الصحة السابق عبد المالك بوضياف ووزير ديوان سلال مصطفى رحيال، فضلاً عن شروعه في الترويج لوثيقة غريبة عن الحزب ومؤسساته بعنوان “الجزائر آفاق 2020-2030″ التي أعدها وزير المالية السابق محمد جلاب عندما كان وزيرًا في حكومة سلال، والمتمعن فيها يدرك بأنها عبارة عن برنامج رئاسي”.
ويقول خلدون إن لجنة إنقاذ الحزب تضم شخصيات ثقيلة، منها قيادات وإطارات وهم مناضلون في الحزب ووفاءهم لجبهة التحرير التي يسعون إلى إعادة قطارها لسكته الصحيحة بعيدًا عن المناصب، وهي مفتوحة لكل المناضلين الأوفياء الذين يضعون مصلحة الحزب فوق كل اعتبار.
دعم
تتلقى لجنة حسين خلدون الدعم من الحركات المناوئة لجمال ولد عباس، على رأسها الجناح الذي يقوده الوزير الأسبق عبد الرحمان بلعياط الذي يسمي نفسه رئيس الهيئة التنفيذية للقيادة الموحدة للحزب.
لم ينتظر الأمين العام جمال ولد عباس كثيرًا للرد على خصومه الذين شككوا في ولائه للرئيس بوتفليقة، ووصف تحركاتهم بالعمل الانتهازي
وقال بلعياط المحسوب على المؤيدين للأمين العام الأسبق عبد العزيز بلخادم أحد الأسماء المطروحة بقوة للترشح للرئاسيات في حال قرر الرئيس بوتفليقة خوض سباق الفوز بولاية خامسة: “خرجة خلدون تستحق الثناء لأنها تؤكد أن الحزب ليس على ما يرام ويتم تسييره بطريقة غير شرعية من قيادة غير شرعية أوصلت الأفلان للهاوية جراء الارتجالية واللامبالاة والانفرادية المنتهجة منذ قدوم الأمين العام غير الشرعي الحاليّ”.
وقال بلعياط في تصريح لصحيفة “الجزائر”: “سيكون لنا تنسيق مع أصحاب لجنة إنقاذ الحزب لما نتفق معهم على المبدأ نفسه وهو تصحيح مسار الحزب، شريطة أن لا تكون هذه الخطوة لتحقيق مآرب شخصية بل تتوقف عند مسماها “لجنة إنقاذ الأفلان” وفقط”.
انتهازية
لم ينتظر الأمين العام جمال ولد عباس كثيرًا للرد على خصومه الذين شككوا في ولائه للرئيس بوتفليقة، ووصف تحركاتهم بالعمل الانتهازي، وقال ولد عباس الذي يقوم بحملة انتخابية مسبقة لبوتفليقة: “لن نسمح للانتهازيين بالتلاعب بعباءة الأفلان مثلما حدث في 2004، لأن رئاسة الجمهورية ليست سوقًا لكل من أراد أن يدخلها”.
وفي رئاسيات 2004 انقسم الحزب إلى جناحين أحدهما يدعم الرئيس بوتفليقة والآخر يساند رئيس الحكومة المترشح علي بن فليس، وذهب ولد عباس بعيدًا في انتقاد جماعة حسين خلدون عندما قال إنهم يعملون وفق “أجندة مشبوهة”، وهو اتهام يكرس الحالة التي وصل لها حزب الأغلبية البرلمانية.
برأي مراقبين، فإن كل التناقضات التي يعيشها الحزب الحاكم في الوقت الحاليّ ما هي إلا ردود فعل ظرفية من قيادات تبحث عن تموقع لها قبل ظهور معالم رئاسيات 2019 بشكل جلي
وأكد الأمين العام للحزب الحاكم أن التعيينات الأخيرة التي مست المكتب السياسي “كانت بقرار من القيادة العليا للدولة”، في إشارة إلى أنه يطبق توجيهات الرئيس بوتفليقة وليس كما يتهمه حسين خلدون بالعمل لصالح عبد المالك سلال.
تموقع
برأي مراقبين، فإن كل التناقضات التي يعيشها الحزب الحاكم في الوقت الحاليّ ما هي إلا ردود فعل ظرفية من قيادات تبحث عن تموقع لها قبل ظهور معالم رئاسيات 2019 بشكل جلي، فجميع الأجنحة مع الرئيس بوتفليقة تصريحًا لكنها لا تتأخر في توجيه الاتهامات لخصومها بالعمل على خيانة الرئيس.
ويبدو هذا الوضع شبه مفهوم بما أن الغموض لا زال يحوم حول مكوث بوتفليقة الذي يعاني من مشاكل صحية في الحكم لخمس سنوات جديدة من عدمه، فالمتتبع لتحركات أحزاب الموالاة يقول إن الولاية الخامسة صارت أمرًا واقعًا، لكن البعض يرون في هذه الحملة المسبقة مجرد مسرحية هدفها إخراج بوتفليقة بطلاً بإعلانه عدم الترشح لعهدة جديدة وتكريس التداول على السلطة رغم المناشدات التي وصلته من الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني.
لكن البعض يرى أنه في حال عدم ترشح بوتفليقة لولاية جديدة فقد يكون سببه عدم رضا مؤسسة الجيش على ذلك، وهي المؤسسة التي وصفت في البلاد دائمًا على أنها “صانعة الرؤساء”، مستندين في ذلك إلى التغييرات التي مست سلكي الشرطة والدرك الوطني ومؤسسات أخرى في الجيش.
وحتى وإن رأى عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي في البلاد) أن الرهان على ولاية خامسة قد تراجع، إلا أن مراقبين يؤكدون أن لا أحد يملك الإجابة الصحيحة عمن سيكون مرشح الحزب الحاكم والنظام في الجزائر لأن التجارب علمت أن كل فرضية ممكنة التحقق في الدول العربية والإفريقية ولا يمكن الاستناد فيها إلى مقاييس التنبؤ المطبقة في البلدان التي لها باع في مجال الممارسة الديمقراطية.