بعد عشرين سنة، عادت الكأس الأغلى في العالم إلى فرنسا، حيث فاز منتخبها الأول لكرة القدم للمرة الثانية في تاريخه بكأس العالم في دورته الحادية والعشرين المقامة في روسيا أمس الأحد بعد تغلبه على نظيره الكرواتي بنتيجة أربعة أهداف مقابل اثنين.
فوز يعود الفضل فيه بنسبة كبيرة إلى اللاعبين ذوي الأصول الإفريقية، إذ يشكلون قرابة ثلثي الفريق، حيث يبلغ عددهم 14 لاعبًا، أحدهم فاز بجائزة أفضل لاعب صاعد في المونديال وهو كيليان مبابي الذي تعود أصول والده إلى الكاميرون فيما ترجع أصول أمه إلى الجزائر.
الكأس الثاني في تاريخ فرنسا
مع إعلان حكم المباراة الأرجنتيني نستور بيتانا انتهاء مباراة نهائي كأس العالم لكرة القدم التي احتضنها ملعب لوجنيكي، حتى خرج مئات الآلاف من الفرنسيين إلى أبرز شوارع العاصمة باريس “الشانزلزيه”، للاحتفال بانتصار فريقهم بالكأس، حيث حولوا الشارع السياحي الجميل إلى بحر ملون بألوان العلم الفرنسي وساحة احتفال ضخمة.
هذا التتويج أرجعه عديد من المحللين الرياضيين إلى اللاعبين الأفارقة في صفوف الفريق
نجح النجم الفرنسي كيليان مبابي ورفاقه في حسم نهائي مونديال روسيا لصالحهم بعد تفوقه على منتخب كرواتيا بأربعة أهداف لهدفين، وبهذا التتويج أثبت المنتخب الفرنسي أن أسلوبه التكتيكي، وإن لم يكن دائمًا ممتعًا، إلا أنه ناجع في حسم المواقف الصعبة، حيث لم يقدم فريق الديوك الزرقاء كرة جميلة وممتعة في هذا المونديال.
بتتويجه اليوم بمونديال روسيا 2018 يضيف المنتخب الفرنسي لقبًا ثانيًا لخزينته بعد لقب 1998، كما أن المدرب ديديه ديشان بات ثالث مدرب في العالم يحرز لقب كأس العالم كلاعب ومدرب بعد البرازيلي ماريو زاغالو (1958 و1962 كلاعب و1970 كمدرب) والألماني فرانتس بكنباور (1974 كلاعب و1990 كمدرب).
14 لاعبًا إفريقيًا.. “منتخب إفريقيا”
هذا التتويج أرجعه عديد من المحللين الرياضيين إلى اللاعبين الأفارقة في صفوف الفريق، وتشير الأرقام إلى أن 14 لاعبًا من بين الـ23 لاعبًا الذين يمثلون فرنسا في كأس العالم كان أحد أبويهم على الأقل قد ولد في إحدى الدول الإفريقية، ويُنظر إلى المنتخب الفرنسي الفائز بكأس العالم عام 1998 الذي أقيم فوق أرضه، على أنه رمز لنجاح الاندماج في المجتمع الفرنسي، وكان يطلق عليه اسم “فريق قوس قزح“ أو “منتخب إفريقيا”.
ولا تعد هذه النسخة الأولى التي يشارك فيها لاعبون مهاجرون في صفوف منتخب فرنسا، حيث سبق أن مثَّل منتخب “الديوك الزرقاء” في المحافل الدولية العديد من اللاعبين المجنَّسين، وكانت البداية حين لعب السنغالي راؤول دياجني في صفوف “الديوك” في مونديال 1938.
بالإضافة إلى المهاجم جوست فونتين، صاحب الرقم القياسي في عدد الأهداف المسجَّلة في نسخة واحدة لنهائيات البطولة برصيد 13 هدفًا في نسخة 1958، وهو من أصول مغربية، ويعتبر اللاعب زين الدين زيدان صاحب الأصول الجزائرية، اللاعب الأشهر في تاريخ منتخب فرنسا، حيث قاد فرنسا للتتويج بكأس العالم 1998.
يضم منتخب فرنسا 14 لاعبًا من أصول إفريقية
ينحدر الحارس ستيف ماندادا إلى جانب برنسيل كيمبيمبي وستيفان نزونزي، من أصول كونغولية، فيما ينحدر من الكاميرون صامويل أومتيتي الذي رفض تمثيل منتخب “الأسود”، مفضلاً “الديوك”، بالإضافة إلى كيليان مبابي وهو من أب كاميروني وأم جزائرية.
وبرز أيضًا بنيامين ميندي، وهو من أصول سنغالية، بالإضافة إلى مجموعة لاعبين ينحدرون من أصول عربية، وهو نبيل فقير من أصول جزائرية، وعادل رامي من المغرب، وعثمان ديمبيلي الذي ولد لأب مالي وأم من أصول موريتانية.
أما اللاعب بول بوغبا الذي يعد من أبرز اللاعبين في تشكيلة المنتخب الفرنسي، فهو من أصول غينية، بينما نغولو كانتي من أصول مالية، وهناك مجموعة أخرى من اللاعبين ينحدرون من أصول غير فرنسية، بينهم الأنغولي بليز ماتويدي والتوغولي كورينتين توليسو.
سياسة التجنيس
هذه التشكيلة المتنوعة، جاءت نتيجة اعتماد فرنسا لسياسة تجنيس المواهب، ويقول الإعلامي الرياضي التونسي زياد عطية لنون بوست في هذا الشأن: “منتخب الديوك انتهج سياسة فريدة من نوعها عبر العالم بتجنيس عدد كبير من اللاعبين الأفارقة الذين مثلوا العمود الفقري في هذا المحفل العالمي”.
وتعتمد هذه السياسة حسب الإعلامي التونسي على جمع ألمع وأمهر اللاعبين منذ الفئات السنية الأولى فبوغبا ومبابي وكانطي وأومتيتي وماتويدي، كلها أسماء تدرجت عبر كل الفئات وتلقت تكوينًا جيدًا ووجدت كل الراحة مع احترافهم بأفضل الأندية العالمية وهو ما سهل تألقهم في هذه البطولة”.
على عكس منتخب فرنسا، تعتبر هذه النسخة الأسوأ في تاريخ مشاركات منتخبات القارة السمراء في نهائيات كأس العالم
يؤكّد عطية أن “الأفارقة صنعوا مجدًا لفرنسا وأعادوها للتاريخ من جديد بفضل إمكاناتهم وخصالهم، فدول إفريقيا دائمًا ما تلد النجوم فكيف لا وبطولات العالم للشباب في السنوات الماضية دائمًا ما تسجل تألقًا لمنتخبات القارة السمراء، فرنسا نجحت في خطف المواهب وتمكنت من توظيفهم بشكل جيد في المنتخب الأول”.
ويرجع تألق الأفارقة في أوروبا إلى الظروف الملائمة التي يجدها في الفرق الأوروبية خصوصًا من الناحية المالية، وفقًا لزياد، “فنحن نعلم جيدًا أن كل الدول الإفريقية تعاني ماديًا وحلم كل لاعب الانتساب لفرق الدوريات الأوروبية، كل العوامل المشجعة على تعاطي كرة القدم متوفرة مع الاهتمام الإعلامي الكبير الذي يجعل اللاعب أمام الأضواء ويسعى إلى تقديم عروض قوية لمواصلة مسيرته”.
هل تردّ الفيفا؟
إنجاز الأفارقة مع المنتخب الفرنسي، سيفتح جدلاً واسعًا في الصحافة العالمية، وفقًا لزياد عطية، حيث يقول في حديثه لنون بوست: “ربما سيصل هذا الجدل إلى اتخاذ إجراءات جديدة من طرف الاتحاد الدولي لكرة القدم بخصوص ملف تجنيس اللاعبين مع المنتخبات”.
وأضاف “أعتقد أن الاتحاد الدولي لكرة القدم أمام رهان مهم لتفادي ما حصل في مونديال روسيا 2018، فتتويج فرنسا مع هذا الكم الهائل من الأفارقة لا يجب أن يكون حدثًا عاديًا، فحتى الصحافة الفرنسية ينتظر أن تفتح هذا الملف وتثير الجدل بخصوص اللاعبين الفرنسيين”.
احتفالات الفرنسيين بفوز منتخبهم بكأس العالم
يرى عطية ضرورة “تقييد العدد المسموح به لكل منتخب على ألا يتجاوز 3 لاعبين مثلاً وأن يكون كل لاعب قد سبق له اللعب مع المنتخب الجديد ما لا يقل عن 3 فئات سنية: مثلاً منتخب دون 16 عامًا ودون 18 عامًا والمنتخب الأولمبي لا أن يتم تجنيسه في سنة متقدمة”.
على عكس منتخب فرنسا، تعتبر هذه النسخة الأسوأ في تاريخ مشاركات منتخبات القارة السمراء في نهائيات كأس العالم، حيث كانت حصيلة ضعيفة وخروج مبكر للمنتخبات الخمس، ما يؤكّد ضرورة قيام اتحادات الكرة الإفريقية بتقييم الوضع من العمق واتخاذ إجراءات مهمة بخصوص منتخبات الفئات الشابة التي تعتبر أساس كل ناد رياضي.