ترجمة وتحرير: نون بوست
في الساعات الأولى من صباح يوم 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2020؛ استيقظتُ على صوت طرقات على باب منزل عائلتي في فيينا، النمسا. وبينما كنتُ في طريقي إلى نافذة غرفة نومي – وأنا لا أزال نصف نائم في ظلام الصباح – لأتحقق من سبب هذه الضجة، شاهدتُ مشهدًا لم أكن أتخيله من قبل.
أسفل نافذتي كان هناك العشرات من رجال الشرطة المدججين بالسلاح، يستعدون لاقتحام باب منزلي، وعندما رأوني بدأ هؤلاء الرجال بالصراخ والإيماء وتصويب أسلحتهم نحوي، وغمرت مناظير الليزر المنبعثة من أسلحتهم جسدي والغرفة التي خلفي بوهج أحمر مرعب. في تلك اللحظة؛ وعقلي يتسارع، لم أستطع التفكير سوى في زوجتي وأطفالي الثلاثة، الذين استيقظوا الآن على أصوات هؤلاء الرجال المسلحين، والرعب المجهول الذي حلّ بنا في الليل.
وحسبما عرفتُ لاحقًا؛ كانت مداهمة الشرطة لمنزلي جزءًا من عملية أوسع نطاقًا أطلق عليها اسم “عملية الأقصر”، وهي حملة واسعة النطاق استهدفت نشطاء المجتمع المدني المسلم في النمسا. لقد وُلدتُ ونشأتُ في النمسا، وترعرعتُ في بلدة صغيرة لا يزيد عدد سكانها عن 500 نسمة، قبل أن أرتقي لأصبح معلقًا عامًا وأكاديميًا معروفًا، وغالبًا ما كنت أكتب كمحاور في قضايا المسلمين للجمهور النمساوي.
كنتُ في ذهني جزءًا من النسيج الديمقراطي المتنوع الذي أعطى صوتًا للمغمورين. لم أكن أعتبر النمسا موطني فحسب، بل كنت أعتبر النمسا مكانًا حظيت فيه بثقة واحترام أبناء وطني، ومن بينهم العديد من الشخصيات المؤثرة في الحكومة النمساوية والمجتمع المدني الذين عرفوني جيدًا.
حطم صباح يوم المداهمة هذا الشعور بالانتماء، وبينما طوّق ما يقرب من ثلاثين ضابط شرطة منزلي، بما في ذلك القوات الخاصة المدججة بالسلاح، حاولتُ بذعر جمع عائلتي في مكان آمن، وعقلي يسابق الزمن في البحث عن تفسير لما يحدث. انفتح الباب الأمامي للمنزل بينما كان ضباط الشرطة يقتحمون المنزل وهم يصرخون ملوحين بأسلحتهم، وتهشمت نافذة كبيرة بالقرب من المدخل حتى يتمكن المزيد من الضباط من الدخول. اقتحم الرجال المنزل، مما أرعب زوجتي وأطفالي الصغار، وصوّبت مجموعة من القوات الخاصة أسلحتها على صدري وأجبروني على رفع ذراعيّ إلى الحائط.
كان قلبي يخفق بشدة بينما كنت أحاول استيعاب الموقف، فسألتُ أحد الضباط عما إذا كان لديهم مذكرة توقيف – وهو التوجيه الوحيد الذي أتذكره من مشاهدة أفلام الشرطة في هوليوود – فأعطاني أحد الضباط ورقة لأقرأها، وبينما كنت أتصفح الوثيقة، محاولاً التركيز وسط الصدمة، أدركتُ أنني أحمل مذكرة اعتقال صادرة عن المدعي العام، وزعمت الوثيقة أنني عضو في منظمة إجرامية وإرهابية وأنني كذلك عدو للدولة النمساوية. في تلك اللحظة، بدا لي أن هويتي السابقة ذهبت في مهب الريح.
لم يتم اتهامي بارتكاب أي جريمة في تلك الليلة، ولن يتم اتهامي في المستقبل، ومع ذلك تمت معاملتي كمجرم وعدو للدولة، وتم تجميد حسابي المصرفي، وكذلك الأصول الأخرى، وصادرت الشرطة جميع أجهزتي الإلكترونية. وبعد استجواب مطول في مركز الشرطة، أُطلق سراحي بضمان شخصي وأُرسلتُ إلى المنزل دون أن يكون معي قرش واحد يمكنني القول بأنه ملكي.
كان من المقرر أن ألقي محاضرة كضيف في صباح ذلك اليوم في جامعة فيينا، ولكن لم يعد لدي حتى هاتف يمكنني الاتصال بمضيفيّ لإلغاء المحاضرة. واندفعت وسائل الإعلام النمساوية بحماس لوصفي بالمتطرف، على الرغم من أنني كنت كاتبًا لفترة طويلة في العديد من مطبوعاتها المرموقة.
كان صباح يوم الغارة نقطة تحول في حياتي، لكنني لم أكن الوحيد الذي تأثر بها، فقد استهدفت عملية “الأقصر” ما يقرب من 70 فردًا ومنظمة؛ حيث قام ما يقرب من 1000 ضابط شرطة بمداهمات في ثلاث ولايات نمساوية مختلفة.
وفي حين تم تصوير المداهمات على أنها حملة ضد جماعة الإخوان المسلمين في النمسا، وهي منظمة سياسية عابرة للحدود الوطنية لم يكن لي أي صلة بها، إلا أن المداهمات كانت في الواقع جزءًا من جهود الحكومة اليمينية المتزايدة لمعاقبة وإسكات المسلمين النمساويين الناشطين سياسيًا. لقد استيقظتُ ذات يوم لأكتشف أنني لم يعد مرحبًا بي في بلدي دون أي خطأ واضح مني، استغرق الأمر مني بضع سنوات أخرى لأكتشف سبب وكيفية استهدافي أنا والكثيرين غيري بحملات تشويه تهدف إلى طردنا من المجتمع.
لقد قضيتُ حياتي كلها في النمسا، باستثناء فترات قليلة من السفر وبرامج المنح الدراسية في الخارج، ونشأتُ في منطقة ريفية ذات أغلبية بيضاء من البلاد حيث كانت السياسة المحافظة هي السائدة، ثم انتقلتُ إلى بلدة ريد الصغيرة. وبصفتي ابنًا لأبوين من الطبقة العاملة – كان والدي من أصول شمال أفريقية ووالدتي نمساوية – فقد نشأتُ في أماكن كان معظم أقراني فيها من النمساويين وقليل من المهاجرين.
وعلى الرغم من أن والدي كان من أصول مسلمة، إلا أنه لم يكن متدينًا بشكل خاص، وقد تم تعميدي كاثوليكيًا في طفولتي. في بعض الأحيان، شعرتُ أنني اندمجتُ في المجتمعات التي عشت فيها وأنني كنت موضع ترحيب، لكن بدأت ألاحظ تدريجيًا أن هناك شيئًا مختلفًا في طريقة معاملة أقراني لي أو رؤيتهم لي بسبب عرقي.
في بلدتي الصغيرة، كثيرًا ما كنت أُنادى بكلمة “زنجي”، على الرغم من أنني لم أكن أسود البشرة، كان للعديد من زملائي في الفصل الدراسي أفراد من عائلتهم منخرطين في السياسة اليمينية المتطرفة، ولم يكن سماع النكات القبيحة عن أدولف هتلر والشعب اليهودي أمرًا غير مألوف.
إن تجربتي في الانتماء إلى أقلية عرقية في الريف النمساوي مع معرفتي بأنني قد أتعرض للتهميش أحيانًا بسبب اختلاف لون بشرتي أو لأن اسمي أجنبي قادتني إلى صحوة تدريجية حول العرق والهوية. واكتشفتُ كتابات مالكوم إكس في سن المراهقة وطوّرتُ وعيًا سياسيًا؛ حيث درستُ في البداية تاريخ معاداة السامية في النمسا ثم عالم سياسة المهاجرين والإسلام.
وقد تطورت هذه القراءات تدريجيًا إلى مهنة في المجال الأكاديمي والصحافة التي ركزت إلى حد كبير على دراسة العنصرية، بما في ذلك العنصرية ضد المسلمين في أوروبا، وكتبتُ عن مجموعة متنوعة من الموضوعات في الصحف النمساوية؛ حيث أصبحتُ معروفًا كمعلق عام. وحصلتُ على جوائز عن عملي وأجريتُ مقابلات منتظمة حول الأحداث السياسية اليومية على شاشات التلفزيون.
وفي الوقت نفسه، كان بلدي يمر بتحولات من شأنها أن تغير المشهد السياسي تدريجيًا، كان يورج هايدر قد أصبح أحد أنجح قادة اليمين المتطرف، وقام بالترويج لحزبه، حزب الحرية النمساوي، من خلال الاستفادة من المشاعر المعادية للمهاجرين في البلاد وتشجيعها. وقد وجدتُ أن بحثي كان موضع ترحيب من قبل الجمهور طالما ركزت انتقاداتي عليه وعلى الأحزاب اليمينية المتطرفة الأخرى، التي لطالما تم اعتبارها الموجهات الرئيسية للعنصرية في البلاد.
لكن فترة شهر العسل هذه استمرت فقط إلى أن أصبحت الإسلاموفوبيا سائدة سياسيًا في النمسا، فقد تم تبني سياسات حزب الحرية النمساوي المعادية للمسلمين تدريجيًا وتنفيذها من قبل حزب الشعب النمساوي اليميني الوسطي، تحت قيادة السياسي العبقري سيباستيان كورتس.
وتحول محور عملي الخاص من اليمين المتطرف، حيث بدأت في انتقاد حزب في السلطة بدلًا من حزب سياسي في المعارضة. وبدأ حزب الشعب النمساوي في تطبيق قائمة طويلة من السياسات المعادية للمسلمين التي يبدو أنه اقتبسها من هايدر وآخرين كان يعتبرهم متطرفين خطرين. وتحت قيادة حزب الشعب النمساوي، تم إغلاق المساجد، وحُظر الحجاب في العديد من المؤسسات التعليمية، ووضعت خطط لحظره في نهاية المطاف على طلاب الجامعات وموظفي الخدمة المدنية.
وتزايدت الرقابة على الجمعيات الإسلامية من قبل جهاز المخابرات، وتجريم الجمعيات الإسلامية من قبل سلطات الدولة، مما أدى إلى إنشاء مؤسسات ممولة من الدولة مثل مركز توثيق الإسلام السياسي، وهي منظمة استشارية ينظر إليها على نطاق واسع على أنها تنتقد الإسلام. وفي غضون سنوات قليلة، أصبح انتقاد اليمين المتطرف أمرًا غير ضروري، وأصبح التيار السياسي السائد معاديًا للمسلمين.
كانت السياسات المعادية للمسلمين التي تبناها حزب الشعب النمساوي سياسة داخلية جيدة، وعلى عكس خطاب اليمين المتطرف قبل عشر سنوات، زعم حزب الشعب النمساوي أنه كان يفصل الغالبية العظمى من المسلمين المحبين للسلام عن القلة المتطرفين الذين ادعى أنه يستهدفهم بهذه التدابير.
وكان هذا ادعاءً كاذبًا: فقد كانت السياسات المعادية للمسلمين تستهدف مسلمين دون استثناء. ومع ذلك، كانت هذه الخدعة هي التي جعلتهم قادرين على إقناع العديد من المعارضين، من الاشتراكيين الديمقراطيين من يسار الوسط إلى الليبراليين وحتى البعض في حزب الخضر، وهو حزب يكرس نفسه لمكافحة العنصرية، بالمضي قدمًا في برنامجهم لتهميش وقمع المسلمين النمساويين.
وللتحايل على الاتهامات الموجهة إليها بانتهاك الحرية الدينية للمسلمين بما يتعارض مع التزاماتها بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، زعمت الحكومة أنها كانت تحارب “الإسلام السياسي” فقط، وبالتالي أصبح هذا الإطار مألوفًا بشكل تدريجي في السياسة النمساوية.
كان وضع الأساس لهذه السياسة قد بدأ منذ سنوات. وكما كشفت التقارير الإخبارية في وقت لاحق؛ فقد خطط سيباستيان كورتس وفريقه لاستخدام نقاط الحوار المعادية للمسلمين كجزء من إستراتيجية أوسع لبناء صورتهم السياسية في البلاد. وقد تطلب بدء هذه الخطة إعداد ونشر تقارير نقدية عن مسلمي النمسا تحدد شروط حملتهم.
وكان التقرير الرئيسي الذي أرسى الأساس لسياسات حزب الشعب النمساوي المعادية للمسلمين، والذي سيتم الاستشهاد به 14 مرة في مذكرة التفتيش الخاصة بعملية الأقصر التي استهدفتني أنا وآخرين في نهاية المطاف، بعنوان “الإخوان المسلمون في النمسا”، وقد تم تمويل التقرير من قبل الحكومة من خلال مساهمة بحوالي 100,000 دولار أمريكي وألفه شخص يدعى لورينزو فيدينو.
لم يكن فيدينو نمساويًا، كما أنه لم يكن يتحدث الألمانية ولم يقضِ وقتًا طويلاً في البلاد. وخلال حياتي الطويلة هناك لم ألتق به قط، على الرغم من أنني أعرف معظم الناس في المجتمع المدني النمساوي المترابط، بما في ذلك القادة السياسيين مثل كورتس نفسه.
وكان فيدينو قد ظهر ذات مرة في وسائل الإعلام النمساوية في سنة 2015 لمهاجمة منتقدي “قانون الإسلام” الجديد الذي أقره كورتس والذي يهدف إلى إعادة هيكلة العلاقة بين المنظمات الإسلامية والسلطات الحكومية، وكنتُ من بين أولئك الذين انتقدوا كورتس بسبب هذه الخطوة.
ويشغل فيدينو منصب مدير برنامج جامعة جورج واشنطن حول التطرف، وهو مركز أبحاث أسس بهدف ظاهر هو مكافحة التطرف والتشدد. وقد أضفت انتماءاته الأكاديمية في الولايات المتحدة صبغة فكرية على تعليقاته والتقرير اللاحق الذي من المتوقع أن يقدمه للحكومة.
وزعم تقرير فيدينو أنه يوثق أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في النمسا، ولكن تقريره كان واسع النطاق بشكل يجعله يضع في دائرة الشك أي شخص تقريبًا. وقد جادل فيدينو بأن الحديث عن “الإسلاموفوبيا”، كما فعل الباحثون في مجال مناهضة العنصرية مثلي كأمر طبيعي، كان أداة من أدوات الإخوان لتخريب وتقويض المجتمع النمساوي.
على الرغم من أن التقرير لم يذكر اسمي بشكل مباشر، فإن الهجوم الذي شنه على مفهوم الإسلاموفوبيا كان يوحي بوضوح بأنني قد أكون أحد الأهداف غير المباشرة التي كان يقصدها. فقد كنتُ معروفًا لدى الرأي العام النمساوي بصفتي محررًا لمنشور سنوي يسمى الكتاب السنوي لدراسات الإسلاموفوبيا، ومحررًا مشاركًا لدراسة دورية أخرى تسمى تقرير الإسلاموفوبيا الأوروبي، بالإضافة إلى انتقادي لسياسات كورتس المعادية للمسلمين.
وقد منح التقرير الضوء الأخضر للبدء في استهداف الأفراد أمثالي الذين تحدثوا عن قضايا تبدو بديهية مثل مناهضة العنصرية والإسلاموفوبيا، كما لو كنا متطرفين محرضين أو أعضاء في منظمات سياسية مشبوهة مثل جماعة الإخوان المسلمين.
وعند نشر تقرير فيدينو، قامت وزارة الداخلية النمساوية بتلخيص التقرير باللغة الإنجليزية في بيان صحفي موجز. ونقل البيان الصحفي عن فيدينو قوله إن “جماعة الإخوان المسلمين تسعى إلى تقسيم المجتمع وتعزيز نفوذ الإسلام السياسي”. وفي تعليقاته، بدا أن فيدينو يوجه انتقادات محددة لمناقشة العنصرية ضد المسلمين، وهي قضية لا يمكن إنكارها في الحياة النمساوية، بل إنه أشار إلى أن مثل هذه المناقشات قد تُفهم على أنها تشجيع على العنف. وكتب فيدينو: “في ظل الزيادة الحادة في التطرف الإسلامي في أوروبا بشكل خاص، يجب النظر بقلق إلى انتشار رواية المسلمين كضحايا”.
وسيستمر فيدينو في الضغط على هذه القضية في السنوات المقبلة؛ فبعد يومين من المداهمات التي استهدفت منزلي ومنازل أخرى، نشر فيدينو مقالاً على موقع “فورين بوليسي” حيث أشاد بالنمسا لدورها القيادي في الحملة ضد الإسلاموية في أوروبا. وفي هذا المقال، استهدفني بشكل صريح، حيث أشار إلى منشور لي حول الإسلاموفوبيا ووصَفني بـ”وجه إسلامي معروف”.
ووفقًا لأسلوبه، كان الاتهام مبهمًا لدرجة أنني لم تتح لي الفرصة للطعن فيه. ومع ذلك، بدا أن هذا الاتهام كان معدًا بعناية لتدمير سمعتي بشكل أكبر. وبهذا المعنى، كانت هجماته عليّ ناجحة، فقد أصبحتُ شخصًا غير مرغوب فيه في النمسا، التي كانت البلد الوحيد الذي عرفتُه كوطن لي.
في أعقاب الغارات؛ غادرتُ النمسا إلى الولايات المتحدة لتولي منصب تدريس عُرض عليّ في إحدى الجامعات. فلم أعد قادرًا على العمل في بلدي الأم، رغم أنني لم أُتهم بأي جريمة، إلا أنني تحولت إلى شخص منبوذ من قبل الحكومة وأجهزتها الإعلامية. لقد تركت هذه التجربة أثرًا عاطفيًا عميقًا في نفسي، وقد زاد من هذا التأثير عدم فهمي لكيفية تحولي إلى موضوع لمثل هذه الاتهامات المثيرة. استغرق الأمر سنوات طويلة حتى أتمكن من إدراك القوى التي كانت تعمل خلف فيدينو والسلطات النمساوية في حملتهم الرامية إلى القضاء على المجتمع المدني الإسلامي في النمسا.
في آذار/مارس 2023؛ نشرت مجلة “نيويوركر” تحقيقًا استقصائيًا يكشف كيف ساعدت شركة تحقيقات خاصة سويسرية تُدعى شركة ألب للخدمات في تنظيم سقوط رجل أعمال أمريكي يُدعى حازم ندا. وقامت شركة ألب بإدارة عملية سرية وصفت ندا بأنه واجهة لجماعة الإخوان المسلمين، مما أدى إلى تدمير سمعته تدريجيًا وإلحاق الضرر المالي به.
كما كشف تحقيق “نيويوركر” أن الحكومة الاستبدادية كانت وراء هذه الحملة. فقد قامت شركة ألب سيرفيسز، بتكليف من حكومة دولة الإمارات، بتجميع قوائم بأسماء أشخاص ومنظمات لتشويه سمعتهم بهدف إبعادهم عن الحياة العامة. وأوضح المقال أن لورنزو فيدينو كان جزءًا لا يتجزأ من هذه الحملة، حيث تعاقد مع شركة “ألب” لمساعدتهم في تحديد أهداف لتصنيفها على أنها مؤيدة للإسلاميين. ووفقًا لـ”نيويوركر”، قدم فيدينو “سلسلة من التقارير المثيرة للشكوك حول مدى وصول الإخوان المسلمين” التي ساعدت في وضع إطار العمل لشركة ألب نيابة عن الإمارات.
وفي النهاية، حصلت شركة ألب على ملايين اليوروهات من الإمارات كأتعاب، في حين أن القليل من الأفراد مثل ندا كانوا محظوظين بما يكفي لاكتشاف ما كان وراء الهجمات التي تعرضوا لها.
إن المعلومات التي شكلت أساس تحقيق “نيويوركر” جاءت من تسريب وثائق مُخترقة من شركة ألب، تم تسليمها إلى حازم ندا. وأظهرت الوثائق نفسها أنني كنت أيضًا هدفًا للحملة ذاتها. رغم أن فيدينو كان حذرًا وغير مباشر في تصريحاته العلنية، إلا أنه في اتصالاته الخاصة لم يظهر نفس القدر من التحفظ. ففي ورقة سرية كتبها لألب سيرفيس، أدرجني فيدينو ضمن فئة “الفاعلين الإسلاميين المعروفين والمؤيدين”، وهي تهمة غير محددة ولكنها مثيرة بما فيه الكفاية لتدمير حياتي.
ستكون الوثائق أكثر من كافية لتتيح لي رفع دعوى قضائية ضد فيدينو وشركة ألب سيرفيس وبرنامج جورج واشنطن حول التطرف. لقد وصفني فيدينو بالمتطرف والمتشدد لتعزيز علاقته كمتعاقد مع شركات مثل ألب، وربما لتأمين تمويل من دولة الإمارات، وكل ذلك قد ينتهك مهمة برنامج التطرف ووضعه كمنظمة غير ربحية، تعمل بشكل ظاهري في مجال البحث الأكاديمي.
كما اكتشفت لاحقًا، عمل فيدينو أيضًا ثلاث مرات كشاهد خبير في التحقيقات المتعلقة بقضية الإرهاب ضدي، محاولًا خلق صلة بيني وبين جماعة الإخوان المسلمين، التي صنفها المدعي العام النمساوي كمنظمة إرهابية. ولم أُمنح أبدًا الفرصة للدفاع عن نفسي في هذه الاجتماعات المغلقة، ولم يتم إخباري حتى بأنني متهم.
وعلى الرغم من أنه لم يتم اتهامي أو اتهام أي شخص آخر بارتكاب جريمة في مداهمات عملية الأقصر، إلا أنها كانت قد تكون ناجحة من وجهة نظر الحكومة النمساوية. ففي ظل الوضع الراهن اليميني الجديد في البلاد؛ تم إسكات انتقادي للسياسات المعادية للمسلمين في النمسا، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى عمل فيدينو في تشويه سمعتي وسمعة غيري من منتقدي الإسلاموفوبيا، بتصنيفنا كمتطرفين.
وفي الوقت الحالي، تُطرح الحجة في النمسا بأن مناقشة قضايا العنصرية المعادية للمسلمين هي مجرد خطوة أولى نحو إرساء أسس الخلافة الإسلامية. وهذا بالضبط ما أشار إليه قرار المحكمة الإقليمية عند رفضها الاستئناف الذي قدمته للمطالبة بإنهاء التحقيق ضدي. ووفقًا للمحكمة الإقليمية، فإن “أنشطتي في إعداد ما يُسمى بتقرير الإسلاموفوبيا ونشاطي مع مبادرة الجسر في جامعة جورج تاون تهدف إلى نشر مصطلح “الإسلاموفوبيا” باعتباره أداة لمكافحة أي نقد للإسلام كدين […] بغرض إقامة دولة إسلامية”.
لم تترك لي الصدمة التي أعقبت الاقتحام الوحشي لقوات الشرطة المدججة بالسلاح لمنزلي الخاص وما تبعه من تدمير سمعتي سوى خيارين لا ثالث لهما: مغادرة بلدي الأصلي والبدء من جديد في الولايات المتحدة. وبعد أن تم اقتلاعنا من مكان ولادتنا، بدأت أنا وزوجتي وأطفالنا حياة جديدة في بلد يمكننا فيه التمتع بالكرامة وحماية القانون، بعيدًا عن نظام يُجرّم الهوية الإسلامية في حد ذاتها.
ورغم الألم الكبير الذي عانيت منه، فإن التهجير القسري قد عمّق التزامي بالدفاع عن العدالة، وهو التزام بدأ منذ سنوات عديدة عندما كنت شابًا يافعًا. وبعد أن عشت هذا الكابوس، أرى أن الفرصة قد أصبحت سانحة لتثقيف وإلهام جيل جديد من الطلاب، وتعزيز فهم أعمق للإسلاموفوبيا وآثارها السلبية.
إن مقاضاة فيدينو وشركة ألب سيرفيس وجامعة جورج واشنطن ومموليهم الإماراتيين قد تساهم في تحقيق بعض العدالة في حياتي وتفضح النوايا الخبيثة وراء أفعالهم. ومع ذلك، تظل المشكلة الأوسع قائمة: فقد تحالف العديد من المتطرفين الأيديولوجيين مع الممولين الفاسدين والمستبدين لقمع المجتمع المدني الإسلامي. وهذا التحالف الفاسد يمكّن الأنظمة الملكية من إدخال سياسات استبدادية إلى الدول الغربية لمصلحتها الخاصة، بينما تقوض المبادئ الأساسية للديمقراطية تحت ستار مكافحة التطرف.
ويستعد فيدينو الآن للطعن في الدعوى القضائية المقدمة ضده في المحكمة، ومن المتوقع أن تُعقد جلسات استماع في وقت لاحق من هذه السنة، إلا أن المعركة القانونية قد تستمر لسنوات. ويكمن وراء هذه المعركة ادعائي بأن أفرادًا مثل فيدينو أصبحوا مرتزقة يستخدمون درع علاقاتهم الأكاديمية لإخفاء حملة قبيحة ومدمرة تسببت في تدمير حياة عدد لا يحصى من الأبرياء.
بدأت محنتي في تلك الليلة من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، عندما داهمت الشرطة منزلي أنا وعائلتي. ومع ذلك، لا أنوي الاستسلام بصمت أو التنازل عن الحقوق التي أعرف أنني أستحقها. وفي ظل صعود اليمين المتطرف في جميع أنحاء أوروبا، والذي تحالف في بعض الحالات مع الأيديولوجيين في الولايات المتحدة والأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط، أعتزم مواصلة الكفاح ضد الإسلاموفوبيا والظلم بنفس القوة التي حاربت بها طوال حياتي. وعلى الرغم من أنني ربما أكون قد وقعت ضحية لنفس القوى التي سعيتُ لتوثيقها، فإنني آمل أن أتمكن من خلال موقفي الحالي من حماية الأجيال القادمة من المسلمين في النمسا وفي جميع أنحاء القارة من مواجهة نفس المصير.
المصدر: نيولاينز